قراءة لرواية الأديب الراحل نواف أبو الهيجاء

فلسطين.. خط الاستواء

  • الوحدوي نت
  • منذ 8 سنوات - Tuesday 15 December 2015
فلسطين.. خط الاستواء

هي، بالنسبة إليه، محور الكون والوجود والحياة. وهي بدء تشكُّل الذات، وتمام اكتمال الهوية. هي أول الكلام وكل الكلام. وهي فاتحة الترتيل، وخاتمة النشيد. 

الوحدوي نت

هو ابنها الذي عاشها متنقلاً بين العواصم والأقطار، وعاشت فيه رغم تعدُّد وجهات الغربة القهرية التي جال خلالها عدداً من الدول العربية، دون أن تغيب عنه، ولازمته كاسمه أنَّى استقرَّ وحيثما أقام.

إنه نواف أبو الهيجاء؛ الأديب والروائي والكاتب الصحفي "الفلسطيني جداً"، حسب إشارته إلى نفسه في آخر إصدارٍ له قبيل رحيله، والذي يعدُّ سيرةً ذاتيةً، تجمع بين الخاص والعام، وبين الشخصي والوطني.

وإنها فلسطين التي ظلت في القلب دوماً؛ في قلبه الذي يعشقها حتى الثمالة، وينشغل بها في كل حينٍ، وفي القلب من كل شيءٍ. إنها قبلة العشق وبوصلة الحنين. إنها خط الاستواء؛ حيث تستوي الأشياء، وتلتقي الاتجاهات، وتجتمع التناقضات.

للأديب الفلسطيني الراحل نواف أبو الهيجاء، عدة إصداراتٍ أدبيةٍ متنوعةٍ بين مسرحاتٍ ورواياتٍ، منها "أنت خط الاستواء"؛ محل هذه التناولة المتواضعة. وله عدة تجاربَ صحافيةٍ احتضنتها بعض المطبوعات العربية في بغداد والكويت ودمشق ومسقط وبيروت، كمراسلٍ صحفيٍّ وكاتب عمودٍ ملتزمٍ.

صدرت رواية "أنت خط الاستواء"، عن دار الرشيد للنشر، عام 1982، ضمن منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية (سلسلة القصة والمسرحية)، وجاءت في 209 صفحاتٍ من القطع المتوسط.

ويتكون هذا العمل الروائي الجميل، من عدة قصصٍ متصلةٍ منفصلةٍ، مستقلةٍ ومتداخلةٍ، مشحونةٍ بانفعالاتٍ مضطربةٍ، وأحداثٍ متشابكةٍ، ومشاعرَ متضاربةٍ، بأسلوبٍ بديعٍ، وبلغة السرد والشعر معاً.

وهي قصصٌ تحمل عناوين: "حكاية حب عربية"، "البحث عن الزمن الضائع"، "الباب السابع (قصة رباعية)"، "المعتزلة"، "رحلة المسافر البعيدة"، "عدنان يبحث عن مقبرة"، و"انتظارات".

وتأتي هذه القصص متخمةً بحكايا العشق والفداء، والحلم والحنين، والخوف والإصرار، وتعاقب الحياة والموت، وتداخل العلاقات الشخصية لأبطال الرواية المهمومين بالوطن الأغلى والهدف الأسمى، والساعين لغاية التحرير المنتظر، وتحقيق حلم العودة المظفرة.

ترافق الرواية رحلة بطلتها "سلوى" التي "لا تحقق وجودها العربي إلا بانتمائها الفلسطيني"، كما كتب أبو الهيجاء في إهدائه. وتبدأ بسرد "حكاية حب عربية" تقدح شرارتها صدفةٌ التقت خلالها الفدائي "أبا يافا"؛ حبها الأول، في بيروت، وتمضي الحكاية في سرد أحداثٍ تجمعها بأشخاصٍ من الفدائيين ورفاق البندقية، وتستدعي أحداثاً ومواقفَ من ذاكرةٍ مليئةٍ بلحظاتٍ جيدةٍ وسعيدةٍ، وأخرى قاسيةٍ وحزينةٍ.

وسلوى التي أفقدها عذريتها مغتصبون يهودٌ في أحد معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، تتعايش مع تجاربَ وذكرياتٍ عصيبةٍ ومؤلمةٍ مرَّت بها في حياتها المملوءة بالأحداث المثيرة والمواقف المعقدة والأشخاص متعددي الألوان. تجمعها بهم العمليات الفدائية التي تستغرق لياليَ مظلمةً، وتستلزم حمولةً بأنواع المعدات اللازمة لتنفيذها، وتحتِّم عليها السير عبر صخور الجبال ومياه الأنهار، وبين الأحراش وفوق الرمال، والمكوث داخل المغارات والكهوف المعتمة، وتتخللها أوقات ترقُّبٍ وانتظارٍ بطيئةٌ وطويلةٌ ورهيبةٌ، قبل أن تكتمل فصول العملية، بإصابة الهدف ومقتل عددٍ من جنود العدو، وعودة أفراد المجموعة الفدائية فرحين بنجاح المهمة.

كما تجمعها بأشخاص حياتها علاقات صداقةٍ وحبٍّ وزواجٍ، ورفقة سلاحٍ وكفاحٍ، وأحاديثُ في السياسة والعواطف، وشجونٌ حول شؤون القضية الفلسطينية وتداعيات الأحداث، وتوترٌ على خلفية تحولات العلاقات الشخصية والمواقف العامة.

تتسارع أحداثٌ، وتتباطأ أخرى؛ تختلف الأزمنة، وتتعدَّد الأمكنة؛ يدخل في الحكاية أحدهم، ويغادر آخر؛ تتدفق الذكريات والهواجس، وتتَّقد الأحاسيس والمشاعر؛ تتدافع شخصيات القصة، ويحتدم صراعها... ويظل المشترك في كل ذلك، هو فلسطين؛ جامعة القلوب والضمائر، ومركز الاهتمام والغايات، لها يحيون، ومن أجلها يقاتلون، وبالعودة إليها يحلمون، ورهن إشارتها يضعون أنفسهم وأرواحهم الغالية، لأنها سيدة البلدان وأعزُّ الأوطان، وأحبُّ أرضٍ وأحنُّ تربةٍ يتوق أولئك الفدائيون لتقبيلها ومعانقة رائحتها.

والأديب نواف أبو الهيجاء، توفي، أواخر فبراير 2015 ، بعد ساعاتٍ من دخوله غرفة العناية المركزة في أحد مستشفيات العاصمة اللبنانية بيروت ، عن 72 عاماً. وقد نعته الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، والعديد من الأدباء والمثقفين الفلسطينيين والعرب، الذين وصفوا رحيله بالخسارة للأدب العربي عموماً.

وكان ولد في قرية "عين حوض" القريبة من حيفا، نهاية عام 1942، وشرَّدته نكبة فلسطين، عام 1948، طفلاً مع عائلته، إلى العراق، حيث درس اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة بغداد، وعمل في الصحافة المقروءة والمسموعة في العراق وسوريا والكويت، وفي الإعلام الفلسطيني أيضاً، وله زوايا ثابتةٌ في عددٍ من صحف سوريا والأردن وعُمان، ونشرت قصصه ومقالاته عددٌ كبيرٌ من الصحف والمجلات العربية.

عاش نواف أبو الهيجاء في العراق، وتبوَّأ فيه عدة مناصبَ، وتنقَّل بين كلٍّ من العراق وسوريا والكويت والأردن ولبنان. وهو قاصٌّ وكاتبٌ مسرحيٌّ وروائيٌّ وكاتبٌ صحفيٌّ وإذاعيٌ، صدر له عددٌ من المجاميع القصصية والمسرحيات والروايات، من بينها روايتا "أنت خط الاستواء"، و"الخروج من جوف الحوت"، ومسرحية "نهار خليلي". وكانت آخر إصداراته هي مذكراته التي نشرها، مطلع العام الجاري، في بيروت، بعنوان "فلسطيني جداً"، وهي سيرةٌ ذاتيةٌ تتحدث عن المحطات التي عاشها الروائي الراحل في حياته، متنقلاً بين العواصم العربية، ويمكن أن تكون سيرة شعبٍ ووطنٍ أيضاً، بسبب تداخل العام والخاص في كثيرٍ من صفحاتها.