المراة اليمنية بين سندان القانون ومطرقة العنف الاجتماعي

  • الوحدوي نت- فاطمة الأغبري
  • منذ 5 سنوات - Thursday 26 July 2018
المراة اليمنية بين سندان القانون ومطرقة العنف الاجتماعي

لم تكن تعلم الأم الثلاثينية من عمرها والتي كانت تتخذ من الصف الامامي في قاعة المحكمة مكانا لها، ان طعنت غدر ستباغتها من شقيقها العشريني الذي لملم كل شجاعته وقوته لينهي بها حياة شقيقته وسط قاعة المحكمة امام القاضي وكل الحاضرين، وكانه اعتقد بان ماقام به عمل بطولي يستحق عليه وسام الشجاعة . الوحدوي نت
وبخطوات مترنحة تمسك على ما تبقى لها من خيوط امل البقاء على قيد الحياة توجهت الى منصة القاضي الذي لجات له من اجل انصافها من ظلم شقيقها الذي رفض تزويجها رغم انها ثيب وام لاطفال ،وبمشهد درامي موجع حد البكاء سقطت امام القاضي وهي تلفظ انفسها الاخيرة مضرجة بالدماء التي كانت كل قطرة منها تشهد ضد قانون يظلم فيه النساء، واسر يستقوي فيه الرجل على المراة،ومجتمع يعتبر مطالبة المراة بحقها خروج عنهم وجرم يجب ان تصل عاقبته حد القتل.

تقول المحامية وداد الحالك ان اكثر ماضر المرأة التي تقدمت للقضاء هو القانون واجراءات رفع الدعوى حيث كان لهما الدور الكبير في ازهاق روحها، ففي قانون الاحول لشخصية رقم (17) لسنة 2017 نصت المادة (18) على ضرورة لجوء المرأة للقضاء في حال رفض ولي امرها تزويجها،وفي حال امر القاضي بتزويجها وامتنع امر القاضي يليه الاقرب فالاقرب فإن فقدوا اوعضلوا زوجها القاضي بكفء ومهر مثلها.
وعن الخلل القانوني الذي يكمن في مثل هكذا قضايا بغض النظر عن مكان وقوعها ،يؤكد المحامي علي الديلمي رئيس منظمة يمن للدفاع عن الحقوق والحريات ان ماحدث في قاعة المحكمة يمكن اولياء الدم العفو عن القاتل وابداله بالدية،مشيرا الى ان ذلك تحايل واضح ،ولو كان الجاني هو الاب فلن ينال عقابه بحسب القانون كون الاصل لايعاقب بالفرع ،وهنا نجد ان معظم قضايا العنف المرتكبة ضد النساء لا تقابل بالانصاف بسبب تمييزها في القانون اليمني.
ويرى الديلمي ان كل تلك لاشكاليات والثغرات تشجع معظمها على قتل الضحايا من النساء وخاصة في القضايا الاجتماعية.
وتمنى الديلمي ان لايترك حق الدولة ،وضرورة انزال عقوبة بالجاني خصوصا ان الجريمة ارتكبت داخل المحكمة واثناء المحاكمة .

العنف القانوني
وبنظرة تاملية الى قانون الاحوال الشخصية ،و قانون الجرائم والعقوبات اليمني،وقانون العمل،وقانون الاحوال المدنية والسجل المدني ،وقانون الجنسية،وقانون تنظيم السجون سنجد احتواءهم على مواد قانونية تمييزية ضد النساء ،وهو ما يطلق عليه( العنف القانوني) ففي قانون الجرائم والعقوبات على سبيل المثال تنص المادة (26)من القانون ووفقا لبعض التفسيرات الفقهية مادة تبيح استخدام الحق وان ترتب عليه ضرر.
وكذلك المادة (232)التي تخفف عقوبة قتل الزوج لزوجته او الاعتداء عليها اعتداء يفضي الى عاهة وذلك في حالة تلبسها بجريمة الزنا الى الحبس مدة لا تزيد على سنة او غرامة مالية بدلا من الاعدام قصاصا في وقت يعاقب المشرع الزوجة في حال قتلت زوجها.
وتحدد المادة (42) دية المراة نصف دية الرجل وهذا لوحده يكفي لهذا القانون التميزي الذي قلل من المراة رغم ان النفس بالنفس هكذا قال كتاب الله ولم يحدد اذا كانت نفس امراة او رجل .
وهنا اعتبرت الناشطة النسوية انتصار سنان ان القوانين التمييزية ضد النساء في القانون هي من ساهمت ولاتزال تساهم في العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي ، وحملت انتصار المجتمع استمرار جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب كونه يعمل المستحيل من اجل التبرير لتلك الجرائم لمجرد ان الضحية امراة ضعيفة لاحول لها ولاقوة.
كما يرى الناشط السياسي واحد المهتمين بقضايا النوع الاجتماعي لبيب ناشر ان عدم وجود قوانين صارمة تجرم العنف ضد النساء تعد احد اسباب تزايد العنف ،واردف قائلا :" دستورنا مستمد من الشريعة الاسلامية،والتفسير الحرفي الخاطئ للاية القرآنية (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغو عليهن سبيلا) جعلت من الطبيعي استباحت ضرب الرجال للنساء تحت مسمى تأديب.

وقد تقدمت اللجنة الوطنية للمراة في سنوات سابقة بمقترح تعديلات قانونية للمواد التي تميز بين الرجال والنساء ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم وبسبب ما آلت اليه الاوضاع اصبحت تلك التعديلات في غياهب الجب .
وهو ما اوضحه تقرير حول وضع المرأة العربية لعام 2017 اعدته منظمة الاسكوا، وهيئة الامم المتحدة للمراة،والجامعة اللبنانية الامريكية حيث اكد عدم وجود اي اصلاحات في الدستور اليمني تتعلق بالعنف ضد النساء، حيث بقت تلك المواد معلقة .

ضعف المؤسسات الامنية
ويلعب ضعف المؤسسات الامنية الدور الكبير في تزايد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي وتحديدا النساء، وهنا اكد الصحفي فخر العزب ان هناك ضعف في الجانب الامني ،في كافة المستويات في جميع المناطق خاصة الواقعة تحت سيطرة قوات الشرعية وارجع السبب الى الحرب التي دمرت منظومة المؤسسة الامنية، وخاصة جهاز الاستخبارات .
واضاف فخر بالقول "ان استنقاص المجتمع للنساء واعتبارها خطيئة هي من زادت من احتقار النساء لدى الاجهزة الامنية نفسها التي تساهم في تفاقم وتزايد جرائم العنف ضد النساء.
ويؤكد لبيب ناشر ان الاجهزة الامنية تتحمل جزء كبير من المسؤولية وذلك بسبب عدم الضبط عند تقديم شكوى من قبل المراة ضد الرجل سواء زوجها او اخوها او حتى والدها ،وشدد على قصور الاجهزة التشريعية التي لم تسن قوانين صارمة تضمن للنساء حقوقهن ضد اي تعنيف.

كما تلعب الحرب الدائرة في اليمن الدور السلبي في تزايد ظاهرة العنف ضد النساء بناء على النوع الاجتماعي سواء على مستوى الاسرة او على مستوى المجتمع، وهنا تؤكد غادة السقاف ناشطة حقوقيةفي ان العنف يتزايد اثناء النزاعات المسلحة ،حيث تضطر المراة للنزوح او البحث عن عمل بسبب فقدان عائلها ،فتصادف نماذج مختلفة من افرادالمجتمع ممن يستغل حاجتها ،ويمتهن كرامتها،فتتعرض للعنف النفسي،اواللفظي،اوربما الجسدي.
وهذا ما نلتمسه بالفعل في الثلاث سنوات الاخيرة حيث تزايدت حالات العنف المبنية على النوع الاجتماعي في مناطق عدة فنجد من يزوج ابنته الصغيرة واخر يتحرش بالنساء ناهيكم عن الاختطافات والاغتصابات، والعنف الجنسي والجسدي الذي بات منتشرة وبشكل مخيف جدا.

عيب مجتمعي
ويساهم المجتمع في تزايد حالات العنف وذلك بالدور السلبي الذي يلعبه تجاه النساء لمجرد انهن نساء لاحول لهن ولا قوة كتبت لهن الاقدار ان يكونين في مجتمع تسيطر عليه ثقافة العيب، وهنا يرى فخر العزب ان سبب تضاعف العنف ضد النساء يعود للعرف الاجتماعي الذي ينظر للنساء باعتبارها مواطنة من الدرجة الدنيا ،وينظر اليها باعتبارها عار لدرجة عدم قيام ذوي النساء المعنفات بالابلاغ عن الجرائم التي تتعرض لها النساء وخاصة جرائم الاغتصاب وذلك خوفا مما يعتقدونه انه عيب مجتمعي.
كما يرجع لبيب ناشر سبب تزايد العنف الى عدم وجود ملجأ تلجئ له المرأة المعنفة فتضطر الى الصبر وتلقي التعنيف مرة ومرتين وثلاث من الاب او الزوج او الاخ الذين تربوا على ثقافة العنف ضد النساء.
واشارت الناشطة الحقوقية غادة السقاف الى ان دور المجتمع تجاه الانتهاكات التي تتعرض لها النساء يختلف من شخص لاخر وذلك بحسب درجة الوعي والايمان بالحقوق .
ووجهت غادة اللوم للمجتمع الذي يحمل المرأة اللوم والنقد حتى وان كانت هي الضحية ،خاصة في جرائم الخطف والاغتصاب .
وقالت غادة:" لاتزال النظرة قاصرة للمرأة حيث يتم تحميلها نتائج اخطاء لم ترتكبها ،فالبعض يرى ان المرأة هي سبب وان كان غير مباشر فيما تعرضت له خاصة اذا تعرضت لتحرش او الخطف او الاغتصاب" ..واردفت بالقول :"وهناك اشكاليات تظهر تجاه هذه القضايا حيث يلجأ الكثير الى التكتم في حال تعرضت المرأة لهذا الانتهاك تجنبا للقيل القال.

التعامل الاعلامي
في الغالب ينقل الاعلام صورة نمطية عن النساء تساهم في تعزيز المفاهيم والعادات المغلوطة التي تؤدي الى العنف ضد النساء، بهذه الاجابة ردت بشرى العامري صحفية وناشطة حقوقية عن الصورة التي ينقلها الاعلام عن المراة، واكدت ان التعامل الاعلامي اللا مسؤول مع قضايا العنف ضد النساء سواء بالايجاب او السلب يعزز من المعتقدات التي تدعو الى قمع النساء وعدم اعطائهن حقوقهن في ممارسة كافة مجالات الحياة .

ومن جهة اخرى ووفقا لتقرير صادر عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق لانسان خلال النصف الاول من عام 2017 رصد 43 امرأة ،واصابة 119 اخريات في الحرب الدائرة وخاصة في مدينة تعز التي تشهد عدم استقرار امني، كما بينت تقارير حقوقية عن وجود 60% من المهجرين نساء ،و25%اطفال ،واوضحت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاك حقوق الانسان انها حققت في شهري سبتمبر واكتوبر من العام الماضي في انتهاكات وقعت ضدالنساء حيث وصلت الى 760 حالة انتهاك تضمنت مقتل 314 امراة ، اصابة 400 وتعذيب 11 امراة واخفائهن، وحالات وفيات من النساء بسبب العنف.
وهنا تظل قضايا الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي سواء الانتهاك باسم القانون او المجتمع من القضايا التي تقلق الكثيرين خصوصا في ظل الوضع الحالي الذي يشهد كل اشكال العنف ضد المراة وصمت مريب من المجتمع الذي يقف كثيرا منه مكبل اليدين .