عبدالله سلام الحكيمي في حوار مع صحيفة البيان الاماراتية : هكذا أصبح الرئيس إبراهيم الحمدي ناصريا

  • صنعاء ـ محمد الغباري
  • منذ 18 سنة - Saturday 22 October 2005
عبدالله سلام الحكيمي في حوار مع صحيفة البيان الاماراتية : هكذا أصبح الرئيس إبراهيم الحمدي ناصريا

رغم مرور اكثر من عقدين من الزمن الا ان اليمنيين لايزالون يذكرون بإعتزاز اقل من ثلاث سنوات حكم فيها شطر البلاد الشمالي الرئيس ابراهيم الحمدي حيث تمكن من القضاء على الفساد واوقف المواجهة بين الشطرين وتوصل الى اتفاق على اعلان الدولة اليمنية الواحدة قبل ان يغتال ليلة سفره الى عدن لاعلان الوحدة. فترة حكم الرئيس الحمدي مثلت تحولاً جذرياً في الاوضاع السياسية والاقتصادية ومع ذلك فان الغموض لايزال حتى الان يكتنف العلاقة التي جمعته بالتنظيم الناصري في البلاد. فمن يقول ان الحمدي سخر التنظيم لأغراضه وآخرون يقولون ان الناصريين استطاعوا استقطابه والوصول الى الحكم.. ما هي حقيقة العلاقة التي جمعت الطرفين وكيف اغتيل الحمدي وما هي تفاصيل الاتفاق الذي كان مقررا بموجبه اعلان يوم 14 اكتوبر 1977م عن قيام الجمهورية اليمنية، القيادي الناصري عبدالله سلام الحكيمي رئيس تحرير صحيفة 13 يونيو سابقا «26 سبتمبر حالياً» الناطقة بلسان الجيش ورئاسة الجمهورية آنذاك. شاهد على ما جرى، وهو يتحدث في هذا الحوار عن تلك الفترة.


ـ ماذا دار في حواركم مع الرئيس الحمدي.. ماذا كانت شروطه وشروطكم؟


ـ لم يكن حواراً بل بالاصح علاقة نشأت بين الناصريين والرئيس ابراهيم الحمدي، بدأت وتواصلت لفترة زمنية تمتد الى ما يقارب العامين، واتخذت صوراً عديدة منها ما هو مباشر وغير مباشر، وعملي ونظري، موارب وواضح، وكلها، كان لها هدف واحد يتمثل بفتح قنوات اتصال وخلق تفاهم يفضي الى تأسيس علاقة ما مع حركة 13 يونيو 1974م التصحيحية وقائدها.. ومن المهم ان اوضح الدوافع التي اقنعتنا بالعمل من اجل اقامة مثل تلك العلاقة فقد كانت المعلومات التي توفرت لدينا، بمتابعة وتحليل شخصية الحمدي وتوجهاته والمشروع الذي يحمله، استخلصنا منها انه كان يمثل، بشخصه نموذجاً متميزاً تتوفر لديه مواصفات القيادة المقتدرة من بين تركيبة مكونات الصف القيادي الاول في مؤسسة الحكم السابقة لحركته وكان واضحاً على نطاق واسع تمتعه بدرجة كبيرة من الطموح والذكاء وانه صاحب مشروع وطني عام ولم يكن اهتمامه محصوراً على النطاق الذاتي الشخصي الضيق.


والرجل وبرغم كونه عسكرياً فقد كان قارئاً ومواظباً ذا شخصية مثقفة واعية، على خلاف الغالبية الساحقة من ضباط وقادة الجيش والأمن.


وكان حريصاً على اجراء اتصالات ولقاءات مع اعداد مختارة من المثقفين والسياسيين البارزين على اختلاف توجهاتهم منذ فترة طويلة سابقة لقيامه بحركته اضف الى ذلك انه اقام صلات وثيقة ومنذ وقت مبكر بقيادات مهمة في «حركة القوميين العرب» و«الحزب الثوري الديمقراطي» الذي قام على انقاضها وورثها أواخر الستينيات اضافة الى علاقات بالاحزاب السياسية ذات التوجه اليساري والتي شكلت، فيما بعد اطارا سياسياً واحدا يضمها جميعاً تحت اسم «حزب الوحدة الشعبية» الذي اصبح بعد ذلك جزءاً من الحزب الاشتراكي وفرعاً له في الشطر الشمالي من الوطن وكل استنتاجنا عن شخصية الحمدي الفكرية والسياسية اشارت الى ان صلاته الوثيقة بتلك الاحزاب وخاصة «حركة القوميين العرب» ساهمت الى حد بعيد في تشكيل فكره السياسي وبالذات ما يتعلق بالتوجه القومي وتعميق ايمانه بقضية العدالة الاجتماعية.. وغير ذلك من القضايا والمفاهيم التغييرية المعاصرة.


 لهذه الاسباب وغيرها كانت قناعتنا راسخة باهمية اقامة علاقات تفاهم وتعاون مشترك بيننا وبين الرئيس ابراهيم الحمدي، ازدادت القناعة ترسخاً وساد في اوساط غالبية قياديينا وكوادرنا التنظيمية شعور بأهمية وضرورة قيام مثل تلك العلاقة.


ـ هل افهم من هذا انكم قد اتخذتم قراراً بذلك؟


ـ الشعور العام الذي ساد لدى الغالبية الساحقة من قياديينا وكوادرنا، كان تلقائياً وفردياً ولم يتبلور كرأي اذ وقف الناصريون الى جانب حركة يونيو بالتأييد والمساندة والتأصيل للحركة اعلاميا وسياسيا مع التركيز على المستوى الاعلامي ونهض بمسئوليات واعباء ومهام هذه المرحلة عدد محدود من الكوادر الذين كان لهم كتابات صحفية انذاك وفي مقدمتهم عمر الوصابي والمثقف البارز الراحل مطهر حسان وأنا ومعنا عدد محدود جدا من الكتاب الشباب.


كتابات :


ـ لكنك قلت ان ما تم لم يكن بشكل منظم او ناتج عن قرار؟


ـ الدور الاعلامي كان بمبادرات فردية ولم يكن تنفيذاً لتوجه حزبي بل كان بدافع من ذلك الشعور العام الذي اشرت اليه.


تلك الكتابات كانت تتسم بطابع جديد مختلف الى حد كبير عن الكتابات والمقالات التقليدية المواكبة والمؤيدة للحركة والتي يغلب عليها السطحية والروتينية حيث تميزت بقدر عميق من الرؤية والمضامين الملتزمة بخط ونهج سياسي متكامل يسعى الى ابراز رؤية سياسية شاملة لمطلب التغيير والبناء الوطني المتكامل امام حركة 13 يونيو، وهو ما شد انظار سائر الاحزاب والقوى السياسية القائمة في الواقع شمالا وجنوباً بل وحتى قيادة حركة يونيو نفسها،


وولد احساساً بان ما تطرحه تلك الكتابات انما يعبر عن رؤية والتزام حزبي سياسي تجاه سلطة حاكمة تمثله وتعبر عنه وهو ما جعل قيادة الحركة مستغربة تتساءل عن هؤلاء الذين يتولون التغطية الاعلامية السياسية المتميزة والمقتدرة ويقفون الى جانبها، من هم؟ ما هي توجهاتهم وانتماؤهم؟ ماذا يريدون؟ ما هي دوافعهم واهدافهم؟ وغير ذلك من التساؤلات حيث لم تكن هناك اتصالات او علاقات او حتى معرفة بين هؤلاء الكتاب كأشخاص او من يمثلونهم سياسيا وبين قيادة الحركة بشكل عام او بعض اعضائها بشكل خاص.


.. والى جانب هذا الدور والنشاط الصحفي الاعلامي السياسي فقد كان هناك ايضا نشاطات وفعاليات نقوم بها على الصعيد الجماهيري السياسي لتعبئة وحشد التأييد والمساندة الشعبية لحركة 13 يونيو مثل تنظيم فعاليات ومهرجانات طلابية وقبلية وشعبية في بعض المدن وتبني مواقف مؤيدة ومساندة للحركة وهكذا.


ـ وماذا تم على الصعيد الحزبي السياسي تحديداً؟


ـ في مرحلة لاحقة كان الهدف تحقيق اقتراب اكثر مع قيادة الحركة وفتح قنوات اتصال مباشرة ليس بين قيادة الحركة والتنظيم الناصري وانما بينها وبين مجموعة من الاشخاص المتحمسين لحركة يونيو ونهجها ومن اولئك الذين تولوا اعباء المحطة الاولى على المستوى الاعلامي والسياسي.. وبالفعل تم فتح اول قناة غير رسمية للاتصال والحوار مع قيادة الحركة من خلال الرائد عبدالله عبدالعالم ـ عضو مجلس القيادة وقائد قوات المظلات انذاك، والذي كان منتمياً للتنظيم الناصري منذ بداية الستينيات ولفترة قصيرة من الزمن انتهت بعدها اية علاقة تنظيمية تربطه بالتنظيم..


وقد تولى الشهيد عبدالسلام محمد مقبل ومعه حسين محمد عبدالعزيز الخامري مهمة البدء بهذه المرحلة ثم توسعت الدائرة لتشمل الى جانبهما عمر الوصابي ومطهر حسان وسالم السقاف وانا وبما ان عبدالله عبدالعالم كان ناصرياً قديماً فقد اتخذ حوارنا معه بصفتنا مجموعة من الشباب الوطني المتأثر بالتجربة الناصرية ونحن نمثل جزءا من تيار شعبي عام في اليمن معجب بالناصرية ومتأثر بها لكنه تيار عام غير مؤطر او منظم الا ان تلك المحاولات فشلت وانتهت.. وكنا في هذه المرحلة حريصين على عدم ترك اية شكوك او استنتاجات او مؤشرات تنبيء عن حقيقة انتمائنا او تمثيلنا لاي شكل او اطار حزبي قائم بالفعل ولعل ما ساعدنا على النجاح في تأكيد هذه الحقيقة ان كل الاحزاب والقوى السياسية القائمة في الساحة انذاك بالاضافة الى الاجهزة الامنية الرسمية متفقة على رؤية وتقييم واحد تجاه الناصريين على انهم بمثابة تيار عام غير منظم حزبياً.


ـ هل هذا مؤشر على مخاوف كانت لديكم؟


ـ ما كنا نريده هو السعي لنكتشف على وجه الدقة ما اذا كانت 13 يونيو التصحيحية قامت مستندة على تنظيم حزبي او اطار سري منظم ام لا؟ واذا كانت مستندة على تنظيم سري فهل هو عسكري صرف ام عسكري ومدني؟ واذا ما كان موجوداً فما هي ايديولوجيته وبرنامجه؟ اي أن مهمة هذه المرحلة كانت استكشافية لا اكثر.


ولهذا فقد تمحور حوارنا مع قائد المظلات على قضية جوهرية هي التوضيح وخلق القناعة بأن كثير من التجارب الانسانية السياسية المعاصرة تؤكد على حقيقة ان اي حركة تغييرية جادة وشاملة تملك مشروعاً وطنياً للتغيير والبناء اما انها قامت بالاستناد على قوة سياسية منظمة او حزب منظم سلفاً او انها وجدت نفسها في امس الحاجة الى اقامة وتأسيس مثل ذلك التنظيم، وان حركة 13 يونيو من اجل ايجاد اقصى الضمانات لحمايتها وبقائها ونجاحها في تنفيذ مشروعها الوطني التحديثي هي في امس الحاجة بل والضرورة القصوى لاقامة قوة سياسية في اطار حزبي منظم يكون اداتها في التغيير وحلقة الوصل بينها وبين جماهيرها ووسيلتها لحشد وتعبئة قوى الشعب وتوظيفها بشكل منظم واكدنا في نهاية حوارنا على اننا في حالة ما اذا كانت الحركة تملك اداتها واطارها التنظيمي الخاص بها فاننا على استعداد لتوظيف وضم جهودنا وطاقاتنا اليه، واذا لم يوجد مثل ذلك الاطار المنظم فنحن على استعداد للتعاون مع الحركة والاعداد والتهيئة لاقامته وتأسيسه.


وحوارنا في هذه المرحلة كان مقتصراً في مجمله على عبدالله عبدالعالم الذي كان يقوم مباشرة باطلاع الرئيس الحمدي اولا باول على مضامين ومجريات ذلك الحوار ويتلقى منه التوجيهات الضرورية.


وفي نهاية المطاف ابلغنا بان الحركة لا تملك مثل ذلك التنظيم وان كان لها شبه تنظيم يقتصر على قادة وحدات عسكرية وكبار الضباط.. وعليه توصلنا الى اتفاق بالشروع في التمهيد والاعداد لتأسيس تنظيم سياسي وبدأنا بالفعل في اعداد مشروع البرنامج السياسي والنظام الاساسي.


وفي المرحلة اللاحقة شهد خطابنا المؤيد للحركة مستوى ملحوظاً من التصعيد والتوسيع وشاركت فيه لاول مرة رابطة طلاب اليمن شمالا وجنوباً في مصر والتي كانت خاضعة لسيطرة الناصريين عبر المهرجانات الطلابية واصدار البيانات للحركة وقائدها وكانت هذه الرابطة المنبر السياسي الابرز والمعبر عن الناصريين اضافة الى عدد من الروابط الطلابية اليمنية الخاضعة لسيطرة الناصريين في بعض الدول العربية والاجنبية بالاضافة الى الحركة في اوساط فئات المجتمع ومنظماتها النقابية والاندية والاتحادات الطلابية والعمالية والقبائل والمغتربين والتعاونيات الاهلية للتطوير ولجان التصحيح المالي والاداري وغيرها.


وقد اعقب ذلك وبعد ان وصل الحوار ذروته خطوة نوعية كبيرة وحاسمة الى الامام وهو خطوة لم تعتمد في اسلوبها على التقرب غير المباشر والموارب والمموه بل اعتمد على اسلوب مباشر وواضح ومكشوف.. وقد لعب الدور الاكبر فيها وقادها عيسى محمد سيف شخصياً بعد عودته من القاهرة حيث سبق له اجراء حوار سياسي علني بين الرئيس ابراهيم الحمدي خلال السنة الثانية من عمر حركة 13 يونيو في احتفال ومهرجان خطابي كبير اقامته في القاهرة رابطة الطلاب اليمنيين في مصر بمناسبة عيد ثورة 26 سبتمبر وصادف وجود الرئيس الحمدي هناك في زيارة رسمية لمصر ووقتها قرر الحضور والمشاركة في ذلك الاحتفال وقد ابدى اعجاباً كبيراً بشخصية عيسى وسعة ثقافته وقدرته السياسية واعطاه رقم تليفونه الخاص في مكتبه بالقيادة العامة بصنعاء طالبا منه فور عودته الى صنعاء الاتصال به واللقاء معه وكان عيسى على علم ومتابعة بمجريات ونتائج الحوارات وكان يعرف عبدالله عبدالعالم معرفة تنظيمية مباشرة فهو من تولى او شارك في عملية استقطابه وضمه الى التنظيم الناصري اوائل الستينيات في حين لم نكن نحن الذي تولينا ادارة الحوارات خلال المرحلة الاولى على معرفة شخصية او تنظيمية مباشرة بعبدالله عبدالعالم..


وهكذا وعلى اثر عودة عيسى محمد سيف الى صنعاء التقى عبدالله عبدالعالم وطرح له حقيقة الامر بشكل واضح ومباشر ثم التقى بالرئيس الحمدي بمكتبه بالقيادة العامة للقوات المسلحة لقاء مطولا استمر حوالي ثلاث ساعات دار الحديث خلالها حول جملة من القضايا السياسية والفكرية والاوضاع الوطنية والقومية وتحدثا عن هموم ومشاكل ومعوقات التغيير والعمل الوطني وشروطه وضماناته وغير ذلك من القضايا وفيه اوضح عيسى للرئيس الحمدي لاول مرة وبشكل مباشر وصريح وجود تنظيم ناصري في اليمن يعمل منذ اوائل الستينيات مقدما صورة عن طبيعته ونطاق حركته وفكره وتوجهاته وغير ذلك من الجوانب الرئيسة العامة ومؤكداً بان الهدف الاساسي من وراء هذا التنظيم هو تغيير الواقع السلبي السييء المعاش وانه ليس مهما لدينا ان تتحقق تلك الاهداف والتطلعات من خلالنا وحدنا وانما نهتم بتحقيقها على الواقع بصرف النظر عن الجهة او القوة السياسية التي تحققها ومن واجبنا الوقوف والتأييد لكل جهد واتجاه نحوها ومن هذا المنطلق فنحن نعتبر حركة 13 يونيو صاحبة مشروع لا يختلف عن اهدافنا ونشعر باننا نقف في خندق واحد وينتظم في مسيرة واحدة ولهذا وقفنا معها وايدناها بكل ما نستطيع منذ بدايتها ونحن نشعر باهمية وضرورة ان تتوحد جهودنا وتتضافر قوانا في اطار وعمل واحد لتحقيق اهدافنا وغاياتنا المشتركة الواحدة كاشفاً له خلفية وحقيقة ما قمنا به من خلال المرحلتين السابقتين من حوارات والاهداف التي توخينا تحقيقها من ورائها.


وبعد هذا اللقاء توالت سلسلة من اللقاءات والحوارات الجادة والايجابية بين الحمدي ومعه عبدالله عبدالعالم من جهة وبين عيسى محمد سيف ومعه عدد محدود من قيادة التنظيم الناصري وفي اطار التكتم والسرية كانت تعقد احياناً في منزل عبدالله عبدالعالم واحياناً قليلة في منزل الرئيس الحمدي.


ثقة


ـ هل من المعقول ان يمنحكم الرئيس الحمدي ثقة مطلقة ولا يخشى منكم؟ ـ في البدء كان الحمدي شديد الحرص على تكوين اعمق وادق معرفة لماهية هذا التنظيم وتركيبه واهدافه وشعاراته وحركته وفكره وتوجهه.


وكانت الصورة ان التنظيم الناصري في اليمن مثل جزءاً من تنظيم قومي واحد نشأ قبل سنوات قليلة ماضية تحت اسم «الطليعة العربية» وان التنظيم القومي ذاك له قيادة قومية واحدة وقيادة فرعية في اليمن وانه ملتزم فكرياً وسياسياً بالفكر الذي صاغه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وتجربته السياسية في الحكم على مستوى القطر المصري وخاصة الوثائق الفكرية الثلاث فلسفة الثورة والميثاق الوطني وبيان او برنامج 30 مارس والشعارات الكبرى الملتزم بها الحرية والاشتراكية والوحدة.


وقد تبين للرئيس الحمدي عدم انتماء بعض الوجوه او الشخصيات السياسية المخضرمة الكبيرة الى التنظيم وان الصفة الغالبة على تركيبته طلابية شبابية وكان هذا مبعث ارتياح له.


من جانبه وضع امام الناصريين صورة اكثر تحديداً ووضوحاً حول حركة 13 يونيو وكيف قامت وماهي طبيعتها واهدافها وهي صورة اكدت الاستنتاج الذي وصل اليه الناصريون حولها وخاصة عدم استنادها الى اداة تنظيمية او اطار سياسي منظم عسكري او مدني وتبين لهم ان الامر لايعدو كونه مجرد علاقات وارتباطات تنظيمية فردية بسيطة تربط بعض القادة العسكريين ببعضهم في اطار شخصي على الأغلب.


ـ يطرح ان الحمدي ضم للتنظيم الناصري ما دقة هذا الطرح؟


ـ بعد نقاشات وحوارات حول الارتباط القومي والشعارات الاستراتيجية طرح الرئيس الحمدي اراء تتسم بقدر كبير من العمق والواقعية مشيرا الى ان الوطن العربي يعيش في ظل واقع تسود وتتحكم فيه حقائق التجزئة والدول القطرية بكل ما يترتب على حقيقة الدولة القطرية من اعتبارات ونتائج سياسية وقانونية ودستورية مما يتصادم مع واقع وجود تنظيم قومي واحد وفي ظل رغبتنا وسعينا الى ايجاد اطار سياسي تنظيمي واحد يوحد وينظم جهودنا على الصعيد الوطني القطري فسوف تنشأ اشكالات وتعقيدات حقيقية وعميقة تتعلق بحدود مسئولية التنظيم ونطاق حركته ومرجعيته القيادية وكيفية التعامل معها في ظل تنظيم قومي.


مؤكدا على حقيقة الايمان المشترك بيننا حول الوحدة العربية والمنطلقات القومية.


وفي ما يتعلق بالقضية الخاصة بشعار «الاشتراكية» اوضح انه شخصياً يفهم ويدرك ما تعنيه الاشتراكية وهو مقتنع باهدافها وغاياتها الانسانية في العدل والمساواة لكن المشكلة بان «الاشتراكية» كمفهوم وبسبب التطبيقات السيئة والمشوهة والمنحرفة لها في العديد من بلدان العالم الثالث فانها قد ابتذلت وافرغت من محتواها الحقيقي واصبحت تعطى شعوراً وانطباعاً سلبياً ومنفراً عند الكثيرين ونحن في اليمن عامة وفي اوساط الجيش والامن خاصة اذا طرحنا واستخدمنا شعار «الاشتراكية» فسوف نواجه بنفور واسع بل مواجهات وعداوات لسنا بحاجة لها ولهذا فهو يقترح استبدال الاشتراكية بشعار «العدالة الاجتماعية» وراح يسهب في شرح وتأصيل شعار «العدالة الاجتماعية» وبأنه اكثر عمقا وشمولاً من شعار الاشتراكية.


وقد اتفق الطرفان على فك الارتباط والعلاقة التنظيمية بين التنظيم الناصري في اليمن «او فرع الطليعة العربية في اليمن» بالتنظيم القومي وتغيير اسمه وتحويله الى تنظيم وطني مع بقاء منطلقاته الفكرية واتفق على ان تطلق عليه تسمية الطلائع الوحدوية اليمنية.. وتم استبدال شعار الاشتراكية بشعار العدالة الاجتماعية بحيث تصبح الشعارات الاستراتيجية للتنظيم بصورته الجديدة حرية ـ عدالة اجتماعية ـ وحده.


ـ اذن كان هناك توجه لتشكيل قيادة جديدة لحزب جديد؟


ـ بعد ما حصل تركزت الحوارات والمناقشات في هذه المرحلة على كيفية بناء وتوسيع قاعدة التنظيم الجديد وخاصة اساليب ووسائل العمل السياسي التنظيمي داخل وحدات الجيش والامن واتفق على تشكيل لجنة مشتركة تكونت من ثمانية اعضاء اربعة يمثلون قيادات التنظيم المدني واربعة يمثلون القيادات العسكرية والثمانية هم تحديداً: عيسى محمد سيف ـ الامين العام للتنظيم، سالم محمد السقاف ـ الامين العام المساعد، عبدالسلام محمد مقبل ـ عضو القيادة التنفيذية المسئول السياسي، محمد احمد العفيف ـ عضو القيادة التنفيذية المسئول الامني، المقدم احمد حسين الغشمي ـ عضو مجلس القيادة نائب القائد العام رئيس هيئة الاركان العامة، المقدم عبدالله عبدالعالم ـ عضو مجلس القيادة قائد قوات المظلات، المقدم عبدالله محمد الحمدي ـ قائد قوات العمالقة، الرائد علي قناف زهرة ـ قائد اللواء السابع مدرع.


واوكلت لها مهمة وضع برنامج التحرك التنظيمي داخل وحدات القوات المسلحة والامن وخاصة قادة الوحدات والالوية العسكرية والامنية ومتابعة خطوات العمل ودراسة اية معوقات ووضع الحلول لتجاوزها.


وفي اتجاه مواز اختيرت مجموعة من كوادر التنظيم المدنية وعينوا مسئولين عن التوعية السياسية داخل الوحدات والالوية بحيث اصبح هناك مسئولا سياسياً مدنياً لدى كل وحدة او لواء عسكري.


وهكذا يتضح ان المسألة لم تكن محصورة في شروط هذا الطرف او ذاك ولا كانت محصورة في انضمام او التحاق الشهيد الحمدي وزملائه بالتنظيم الناصري بل كانت عملية بحث ودراسة مختلف الجوانب الفكرية والسياسية والتنظيمية المتعلقة بتأسيس وبناء او اعادة بناء تنظيم سياسي جديد مختلف الى حد كبير عن التنظيم الناصري السري الذي كان قائما انذاك حيث كان من المفترض ان يكون هذا التنظيم الجديد في تأسيسه من حيث النطاق الجغرافي لحركته وطبيعته الوطنية ومنطلقاته الفكرية والسياسية الوطنية والقومية هو الآخر سري الوجود والحركة.


ـ يطرح ان مجيء الحمدي الى السلطة كان برضا سعودي.. ما دقة هذا الطرح خصوصا والمعلومات تشير الى انه التقى بالملحق العسكري السعودي قبل ساعات من استقالة الشيخ عبدالله الاحمر وحل مجلس الشورى؟ ـ هذه القضية ذات طابع مهم وحساس ولهذا فانه يتوجب علينا معالجتها والنظر اليها في اطار مرحلتها التاريخية زماناً وظروفاً وليس بمنظور واوضاع وظروف وحقائق مرحلتنا الراهنة حرصاً على وضعها في سياقها التاريخي الصحيح والدقيق. لان الاوضاع العامة في البلاد كانت قد وصلت في مجالاتها الاقتصادية والادارية والاجتماعية انذاك الى مستوى كبير من التردي والتدهور والانفلات عكس نفسه سلبا على قطاعات واسعة من الرأي العام عاشت حالة ملموسة من التململ وعدم الرضا، كما ان النظام السياسي القائم حينها كان يعيش حالة مستحكمة من التأزم العميق نتيجة تصاعد الخلافات والصراعات بين الاطراف والقوى النافذة المكونة لتركيبته، وهو وضع اصاب دور ونفوذ الدولة بالشلل والعجز عن اداء مهامها والقيام بمسئولياتها ولم تجد كل محاولات اخراج النظام من ازمته العميقة نفعاً.


وبسبب تردي ذلك ساد الشعب شعور بضرورة التغيير الجذري وكل من عايش اجواء تلك المرحلة يدرك بأن قطاعا واسعا من الرأي العام المحلي كان يتوقع حدوث التغيير بين لحظة واخرى.


وجاء هذا عندما كانت علاقات اليمن بالسعودية قد بلغت اوج ازدهارها وتوسعها وتعمقها منذ اعادتها بعد المصالحة الوطنية التي تمت مع القوى الملكية واعتراف السعودية اثرها بالنظام الجمهوري في اواسط عام 1970م وبحكم تلك العلاقات وتناميها وشمولها لكافة المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والامنية اصبحت المملكة العربية السعودية صاحبة التأثير والنفوذ الاول والاكبر والاقوى في اليمن غير ان تلك العلاقات الحميمة خيم عليها بعض الغيوم وسحب الاختلافات خلال السنوات القليلة الاولى من عقد السبعينيات 72 ـ 74م بسبب اختلاف وجهة نظر القيادتين بشأن مشكلة الحدود المعلقة بينهما..


الملحق السعودي :


ـ افهم انك تقر بوجود رضا سعودي واطلاع مسبق على تفاصيل الحركة؟


ـ كانت السعودية تتولى بشكل اخص مهمة تدريب وتسليح وبناء الجيش اليمني بل وتمويل ميزانيته المالية السنوية ولهذا كانت هناك بعثة عسكرية رفيعة المستوى وكبيرة العدد خصص مقرا لعملها جزء من مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة كما كانت هناك بعثات عسكرية من الضباط اليمنيين في مختلف فروع وتخصصات القوات المسلحة تدرس هناك وهذه العلاقات الواسعة والبالغة الاهمية والحساسية في المجال العسكري والامني كانت تحت مسئولية وادارة الملحق العسكري السعودي ونتيجة لها اصبح محط اهتمام الدوائر العسكرية والسياسية والشعبية على حد سواء وذلك ما اكسبه نفوذاً وتأثيراً واسعاً اهله للخوض في العديد من الشئون الداخلية والواقع ان ذلك يعود في الغالب الى رغبة وتشجيع القيادات اليمنية نفسها.


وفي ظل هذه الحقيقة وكشأن العلاقات التي تنشأ بين مختلف دول العالم والتي تهدف الى تحقيق مصالحها الحيوية لدى الدول الاخرى.


وبالنظر الى طبيعة وحجم ومتانة واهمية العلاقات الاستراتيجية التي كانت قائمة بين اليمن والسعودية انذاك فقد كان متوقعاً وطبيعياً بل ضرورياً ان تكون السعودية اكثر اهتماماً واشد سعياً لمراقبة ومتابعة مجريات الاوضاع الداخلية في اليمن وتعمل بكل السبل والوسائل الى ضمان عدم تحولها من دائرة الصداقة الى دائرة العداء للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.


وبحكم موقع الحمدي كنائب للقائد العام للقوات المسلحة قبل ان يصبح رئيساً فقد كان على اطلاع مباشر بالعلاقات الخاصة مع السعودية وبالاضافة الى قيامه بزيارات رسمية على رأس وفود عسكرية الى السعودية فقد كان من الطبيعي بل ومن الضروري ان تكون له صلات وعلاقات قوية مع السعودية شأنه في ذلك شأن الكثير من القيادات السياسية والعسكرية والقبلية، غير ان مجيئه الى السلطة في 13 يونيو 1974م لم يكن خيارا سعوديا او وفقاً لارادة سعودية بل جاء كخيار وطني ووفق ارادة داخلية اساساً.


فلقد كان الحمدي يحمل في ذهنه مشروعاً وطنيا تحديثياً ونهضويا واضحا منذ وقت مبكر وقبل اعادة علاقات السعودية باليمن كما كان يملك تصورا واضحا ومتكاملا للتغيير ووسائله نظريا وعمليا يعمل على تنفيذه ولهذا عندما قدم رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الارياني استقالة المجلس الجمهوري الى مجلس الشورى وقبول الاخير لها واستقالة رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر وتكليف الجيش بتحمل مسئوليته للحيلولة دون انهيار سياسي كامل كان ابراهيم الحمدي مستعدا تماما لتحمل تلك المسئولية حيث تبين انه كان يعد العدة لتنظيم وتنفيذ عملية التغيير منذ وقت سابق بكثير وجاء تسارع الاحداث واستقالة السلطات التنفيذية والتشريعية للدولة بمثابة المسرع والمسوغ للقيام بالتغيير الذي ظل يعد له من قبل.


ـ عينت رئيساً لتحرير صحيفة 13 يونيو الناطقة بلسان الجيش الذي يقود الدولة.. هل كان ذلك ضمن اتفاق ام تقييم شخصي؟ ـ بعد قيام حركة 13 يونيو 1974م بفترة كانت هناك افكار وتصورات حول ضرورة اصدار صحيفة اسبوعية تعبر سياسياً عنها وكان هناك تسابقاً بين وزارة الاعلام وادارة الشئون العامة والتوجيه المعنوي للقوات المسلحة والتي كان مديرها الرائد علي حسن الشاطر انذاك الذي قام بالتشاور والتعاون مع الفقيد محمد الزرقة الذي كان حينها رئيسا لتحرير صحيفة «الثورة» باعداد تصور حول اصدار صحيفة اسبوعية تحمل اسم 13 يونيو ورفعه الى الرئيس ابراهيم الحمدي وفي هذا التصور تم اقتراح ثلاثة أسماء مرشحة لرئاسة تحرير تلك الصحيفة كان المرشح الاول هو الشاعر الكبير عبدالله البردوني فيما كان المرشح الثاني محمد الزرقة وكنت انا المرشح الثالث.


وبحسب ما عرفته بأن الرئيس الحمدي بعد اطلاعه على التصور رأى ان المرشح الاول برغم مكانته الا ان ظروفه الخاصة لا تسمح له بتولي رئاسة تحرير صحيفة كما ان المرشح الثاني يشغل بالفعل رئيس تحرير صحيفة «الثورة» اليومية وليس بمستحسن ان يتولى رئاسة تحرير صحيفتين في آن معا واستقر رأيه على المرشح الثالث الذي هو انا حينها لم يكن الرئيس الحمدي قد تعرف الي او عرفني شخصياً مطلقاً ولكن ربما كان يتابع المقالات التي اكتبها عن حركة 13 يونيو وقائدها منذ المرحلة الاولى لقيامها واذكر اول مرة التقي به وجهاً لوجه بعد اصدار صحيفة 13 يونيو بفترة لا بأس بها.

وعليه فان اختياري لرئاسة تحرير الصحيفة لم يكن مبنيا على اتفاق مطلق اذ لم تكن هناك حتى تلك اللحظة اية اتصالات ولقاءات مباشرة ـ كناصريين ـ بالرئيس الحمدي.

ولاشك ان اختياري يعود الفضل فيه الى الصديق علي حسن الشاطر يقينا.


اتصالات :


ـ ومع هذا تطرح فصائل اليسار ان الحمدي كان على اتصال بكل الاحزاب وليس الناصريين فقط؟ ـ بالتأكيد كان الرئيس الحمدي مهتما الى أبعد حد وحريصا على ايجاد قنوات بينه وبين الكثير من الأحزاب القائمة في الساحة، وكانت انذاك تمارس نشاطها وحركتها في اطار من السرية المطلقة حيث كانت الاحزاب محظورة دستوريا، وكان أشد حرصا على ابقاء تلك القنوات مفتوحة ونشطة باستمرار، والواقع ان تلك القنوات قائمة بالفعل منذ فترة طويلة قبل ان يصبح رئيسا، وكانت علاقاته بتلك الاحزاب سابقة بكثير على علاقته وحواراته بالناصريين، وهذا ما سمعناه وفهمناه من الرئيس الحمدي شخصيا، حيث اوضح لنا بأن صلاته وعلاقاته بقيادات حركة القوميين العرب وبالحزب الديمقراطي اليمني الثوري الذي قام على انقاض حركة القوميين العرب في الفترة ما بين 67 ـ 1968م تعتبر الأقدم والأوثق حيث كان يحضر ويشارك في اجتماعات ومناقشات قيادة الحركة والحزب بعدها وانه لاتزال تربطه علاقات شخصية حميمة بالعديد من تلك القيادات لكنه اوضح بأنه لم يكن منتميا او ملتزما حزبيا لحركة القوميين العرب او الحزب الديمقراطي الثوري، بيد ان عمق علاقاته وحميميتها كانت تبدو وكأنه واحد منهم، واضاف ان اخيه المقدم عبدالله محمد الحمدي كان منتميا حزبيا في حركة القوميين العرب والحزب الديمقراطي الثوري بعدها ولبعض الوقت.


وبحسب ما سمعناه منه شخصياً فقد كانت له اتصالات مع العديد من الاحزاب ومنها حزب الطليعة الشعبية وحزب العمل وحزب اتحاد الشعب الديمقراطي والمقاومين الثوريين وهي الاحزاب الاربعة التي شكلت فيما بعد مع الحزب الديمقراطي الثوري ما عرف باسم «حزب الوحدة الشعبية اليمني» او ما عرف اختصارا بـ «حوشي» والذي كان بمثابة الفرع والامتداد التنظيمي للحزب الاشتراكي اليمني في الشمال.


كما كانت له صلات مع حزب البعث العربي الاشتراكي، بل وأيضا مع الاخوان المسلمين.. ومع هذا فان اتصالاته مع الناصريين لم تبدأ كتنظيم او كيان حزبي الا في مرحلة زمنية متأخرة اي بعد ان اصبح رئيسا، تقريبا عند اواخر العام 1975م، الا انه كان على اتصال متقطع، قبل ان يصبح رئيسا بسنوات قليلة، ببعض الشخصيات المعروفة باتجاهها الناصري مثل العقيد عبدالله العليبي والعقيد حسن الرميم ويحيى عائض، كما اقام علاقة وثيقة سياسيا فيما بعد بـ عبده نعمان عطاء، والذي يعتبر المؤسس الاول والباني لأشكال الوجود والنشاط الناصري المنظم والحزبي في اليمن منذ اوائل الستينيات، الا ان تلك العلاقات اقتصرت على الجانب الشخصي والقضايا السياسية العامة، ولم تأخذ تلك العلاقة والحوار بعدها وحقيقتها الواضحة الا في اواخر العام 1975م، وفي هذا الوقت كانت هناك معلومات تجمعت لدينا بوجود لقاءات وحوارات شبه منتظمة بين الرئيس الحمدي والأحزاب اليسارية الخمسة، وكانت استنتاجاتنا بأن مثل تلك اللقاءات والحوارات تشير الى ان علاقة سياسية ما في طريقها للتبلور، وعزز هذا الاستنتاج ان الرئيس الحمدي في بعض لقاءاتنا به كان يشير اشارات عامة الى مثل تلك اللقاءات دون تفاصيل، وكان يعبر عن احترام وتقدير لبعض قيادات تلك الاحزاب مثل عبدالحميد حنيبر واحمد الحربي واحمد منصور ابو اصبع والعقيد سلطان امين القرشي، وبدا انه شديد الاعجاب بشخصيات معينة لم تكن معروفة آنذاك بما فيه الكفاية وكان احيانا ما يستفسر عنهم ويطلب معلومات حولهم وخاصة محمد الشيباني الذي كان احد قيادات الحزب الديمقراطي.


ـ اذا كانت العلاقة بالفصائل الاخرى بهذا المستوى اليس الاولى ان يكون التقارب معهم لا معكم؟ ـ الحقيقة اننا ساهمنا، وبشكل غير مباشر، في افشال تلك اللقاءات والحوارات بين الرئيس الحمدي والاحزاب اليسارية الخمسة، حيث وقع في ايدينا تعميما حزبيا صادر عن حزب الطليعة الشعبية، ذا طبيعة «سرية للغاية» وخاص «للقيادات فقط»، وفيه توضيح لطبيعة الحوار واهدافه مع الرئيس الحمدي وتشخيص للوضع السياسي، وكان ذلك التعميم السري في مجمله يشخص حركة 13 يونيو 1974م وقيادتها على أنها حركة البرجوازية الصغيرة، وانها حركة تخدم مصالح «القوى الامبريالية الرأسمالية العالمية»، وان الحوارات التي تدور بين الاحزاب اليسارية، ومنها الطليعة الشعبية، هي حوارات «تكتيكية» تهدف الى المراوغة وكسب الوقت وتحقيق مصالح وأهداف تلك الأحزاب، وانها ليست ذات طبيعة «استراتيجية» هذا ما أتذكره مما ورد في ذلك التعميم ليس كما ورد بالنص ولكن بالمعنى والمضمون، المهم اننا قمنا بإبلاغ الرئيس الحمدي وسلمناه ذلك التعميم، وعلمنا، فيما بعد انه اتخذ رد فعل وموقفا حادا وحاسما واوقف ذلك الحوار واللقاءات بشكل كلي ونهائي، وتبين لنا،


فيما بعد انه صدم حيث لم يكن يتوقع ان يكون تقييم تلك الاحزاب على ذلك النحو «التكتيكي» المخادع، وهذا ما يؤكد على نحو قاطع ان الرئيس الحمدي كان صادقا في علاقته وحواره معها وكان حريصا للوصول الى صيغة سياسية لعلاقة وتنسيق وتعاون معها، ولكنه اكتفى بإنهاء العلاقة وقطع الحوار، ويبدو ان ذلك قد ساهم وعزز التوجه لدى الحمدي بتصعيد الحوار مع الناصريين وتسريع الخطى في اتجاه خلق قناعة واحدة وصيغة عمل سياسي مشترك، وهو ما تحقق بالفعل بعد فترة قصيرة لاحقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن جريدة البيان الامارتية العدد 183