الرئيسية الأخبار عربي ودولي

الدوري ومقداد.. انها حكاية مريرة

  • بكر أحمد
  • منذ 18 سنة - Friday 28 October 2005
الدوري ومقداد.. انها حكاية مريرة

هل هناك أحد لا يشعر بشيء من الغبن تجاه مجلس الأمن ، ألا يوجد شعور ولو بسيط بأن هذا المجلس يمارس دور عدائي تجاه منطقة بعينها  في هذا العالم متجاهلا العامل المنطقي السهل الذي تبنا عليه قرارات الإنسان والحيوان سويا .

أن لم يكن هناك أحدا يشاركني هذا الشعور ، وهم ولا ريب كُثر ، فعليه أن يواجه صعوبات في أقناعي إنا ومثلي كثيرون بخطأ ما نشعر به ، فمجلس يتكون من أعضاء دائمون يملكون حق النقض وهم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية واقتسموا العالم كمناطق نفوذ فيما بينهم ، هم ولاشك سيعملون على المحافظة على انتصاراتهم أن لم يسعوا فعليا إلى توسيعها كلما سنحت لهم الفرصة ، لكن الأكثر دهشة هي بروز القوى التي تفردت الآن بقيادة العالم في واشنطن لتبدأ مسيرة أخرى ربما لم يعهدها التاريخ الإنساني من قبل في توسيع إمبراطوريتها ، إذ إنها تستخدم قانونا دوليا انتقائيا في التعامل مع مصالحها ، والأكثر دهشة أن العالم كله يشهد فشل إستراتيجيتها المعلنة تحت شعارات الحرية والديمقراطية والتخلص من الديكتاتوريات ، بينما يظهر القناع الفعلي الإمبريالي وبكل صفاقة أمام الجميع . 

بمجرد أن ظهر المقداد في مجلس الأمن يحاول فيه أن يفند تقرير ميلس تجاه بلده ، تخيلنا و في الفور صورة المندوب العراقي السابق الدوري وهو يقوم بمثل نفس هذا الدور أمام كولن بول وزير خارجية أمريكا الأسبق _ الذي أعترف مؤخرا بكذبه _  في تفنيد ونفي وجود أسلحة دمار شامل يتم نقلها عبر عربات كبيرة متنقلة لتفادي مفتشي الأمم المتحدة ، كانت تلك المحاولات بائسة وبلا جدوى فلا حكم سوى الخصم ، والمقداد الذي حضر مجلس الأمن الآن جاء بطلب الخصم الأمريكي الذي هو أيضا شكل تلك اللجنة .

قتل الحريري بأسلوب متقن وعنيف لا يجعل أمر نجاته شيء محتمل بعد صدور قرار 1559 والقاضي بإنسحاب سوريا من لبنان وبعد أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس دور إعلامي وسياسي ضد دمشق وتتهمها بدعم المقاومين القادمين لنصرة أهلهم في العراق ، وأي حصيف يشاهد ما حدث للعراق ، حتما سيتجنب أية استفزازات محتملة ويحاول أن يكون مترويا في ردة أفعاله مدققا بلغة خطابه ، فكيف يقوم النظام السوري بعملية بهذه الطريقة ضد رجل يعتبر ممثلا بطبيعة علاقته بالنظام السعودي للأمريكان ، ألا يعتبر هذا عمل أحمق لا يقدم عليه المستجدون في عالم السياسة ، فكيف الحال برجال مخضرمين يمسكون بتلابيب القيادة في دمشق ، ألا يظن أحد أن بينهم رجل يمتلك رؤية متوسطة المدى حتى يمتنع عن تنفيذ مثل هذا العمل الذي جاء في وقت يقصد منه ضرب سوريا أولا والفك الحصار عن أمريكا في العراق وإراحة إسرائيل ثانيا .
ثم أليس من باعث للاستفسار، لماذا   اهتمت أمريكا وفرنسا وبريطانيا برئيس وزراء سابق مثل الحريري وتجاهلت رجل مناضل كبير مثل ياسر عرفات يموت وهو مازال على سدة الحكم !

كثيرة هي التساؤلات التي تقف عائقا أمام تفهم ما يقوم به مجلس الأمن تجاه منطقتنا بالذات ، ولكن لا لوم علي تلك الدول التي تبحث عن مصالحها بأية وسيلة كانت ،  بينما هناك دولا عربية مركزية تقوم بالتعاون معها وتلبية وتنفيذ متطلباتها بإخلاص كبير لأسباب هي الأخرى مجهولة .

سوريا مشكلتها الأولى أنها ملتزمة بخطابها المناهض للوجود الصهيوني الغاصب ، ثم إدراكها أن أمريكا تعتقد بدورها في تسريب المقاومة عبر حدودها نحو العراق ، وربما صفقة ما سميت ( بالقذافي ) هي دلالة أخرى بأن كل ما في الأمر هو طلب سوريا لدخول زريبة البيت الأبيض أسوة ببعض الدول العربية الكبرى ،وان تم ذلك وأذعنت سوريا ، فكل شيء سيتبخر مثلما حدت لليبيا .

كون هذا تقرير مليس صدر وقامت أمريكية بتصعيده بهذا الشكل الدراميتكي السخيف ، فالأمر يتسم بجدية لا يمكن الاستهانة به ، وربما تدخل سوريا دورة مضنية من الحصار الاقتصادي والعسكري الذي سينهكها مثل العراق ، ثم استقطاب المرتزقة واحتلالها مع الدور المعتاد لدولنا العربية السقيمة .

حال العرب لا يسر أبدا ، وهو يفوق حقارة عصر الطوائف والمدن والانحطاط ،وهذا بسبب تغيب الإرادة الشعبية وعدم تمكينها من حكم نفسها عبر تداول طبيعي للسلطة ، أن نفي الفرد ( المواطن ) ينتج عنه حالة متبلدة وربما لا مبالية بما يحدث حوله ، وقد لا يفيق وإلا والسيارات المفخخة تنشر أشلاء أبنائه كنتيجة طبيعية لمقاومة المستعمر ألا إنساني .