الرئيسية الأخبار عربي ودولي

ناصر: مكانك في القلوب يا جمال

  • أيمن اللبدي
  • منذ 15 سنة - Tuesday 23 September 2008
ناصر: مكانك في القلوب يا جمال

الشارة الموسيقية المصاحبة لمسلسل ناصر، وهو أحد المسلسلات العربية التي تعرض خلال شهر رمضان للعام الحالي 1429هـ، فقط من خلال شاشتين أو ثلاث، إحداها شاشة NBN اللبنانية، والتي نالت شرف عرض هذا المسلسل، هذه الشارة من خلال كلمات الأغنية المعبّرة عن الواقع العربي، وتبدّل الأزمان والأحوال، وظروف العجز والهوان، تحمل كتلة الرفض الحقيقية، لهذا الواقع العربي المخزي، وتحمل شحنة الاحتجاج العالية الطاقة، من خلال هذه الخلاصة، وأيُّ خلاصة: مكانك في القلوب يا جمال!
نعم زعيم عظيم مثل جمال عبد الناصر لا شكَّ وان مكانه في القلوب، وهو أحد الأمكنة العالية والشريفة التي يكون فيها موقع هذا المناضل العروبي، وهذا الفارس المقاتل القومي، ولكن السّؤال اللازم، أية قلوب!؟
القلوب التي يمكنها أن تحظى بشرف نزول ظل القائد الخالد فيها، ليست قلوب لاهية، وليست قلوب مهزومة، وليست قلوب فارغة من العزّة، وليست قلوب متخمة بمشاعر الهزيمة، واحباطات العجز والهوان، هذه القلوب هي أيضاً قلوب غير صدئة، وقلوب غير مترعة بالذلّ والهوان، هذه قلوب نقية ، وضيئة، وقلوب عامرة بالإيمان.
قلوب الفقراء والمساكين، ليس فقط فقراء رمضان، بل فقراء بقية الشهور التي تسبق وتلي أي ّ رمضان، قلوب العشّاق والمحبين والشعراء، قلوب الأنبياء والأتقياء والورعين، قلوب الفرسان والنبلاء والأبطال، ليس من تصنيف عمري لهذه القلوب، وليس من تجنيس عرقي لهذه الأفئدة، وليس من لاصق تعريفي بها، هي قلوب منفتحة على كل الكرامة الإنسانية، يمكن أن يكون قلب تشافييز واحداً منها، وقلب جيرانه في اللاتينية، مثلما من الممكن أن يكون قلب طفل رضيع لم يصم بعد رمضان أحدها.
أتذكّر كلام حافظ معقّباً على كلام صديقه أبي الطيّب، عندما قال : كم ذا بمصر من المضحكات!، وأزيد أني أخالفهما، كم ذا برمضان من المضحكات، رمضان الشهر الذي يتوجّب أن يكون فرصة من فرص الصيانة، الصيانة بأنواعها، الصيانة الجسدية، والعقلية، والروحية، صيانة الذاكرة، وصيانة الرؤية، صيانة السمع، وصيانة القلب نفسه، يتحوّل هذا الرمضان، على أيدي آخرين، ارتضوا أن يحلّوا مكان الذين صفّدهم رمضان، ليحملو بخيلهم ورجلهم، محولينه إلى رمضان آخر، ليس فيه من الصيانة شيء، حتى ولو صيانة العيب، هذا العيب الذي أختاره صاحبنا الذاهب يوماً قانوناً يقاتل به من يذكّره بجمال!
جمال الذي كان يجب أن يكون المسلسل العربي الوحيد، الذي يشاهده ملايين العرب، فقط ليدركوا أين ذهبت العزة والكرامة، تلك التي كانت يوما ذات رصيد كبير بين أيديهم، وأين اختفت الأنفة وأين انداح الشمم، وساحت النخوة، كان يجب أن تشاهده الملايين لتسأل، ومن حقها أن تسأل، لماذا وصلنا هنا؟ وهل كان الطريق السالك لهذا الوصول، والمتعجّل به طريقا بريئاً، أم أنه كان طريقاً مطلوباً، ولكي تفرّخ بعد ذلك غابة الأسئلة، لكن ذلك لم يحدث، وفقط أصرّت محطة أو أقل من أصابع اليد الواحدة، لا تساوي نسبتها المئوية شيئا ذا بال، في غابة اللعلعات الفضائية، أن تذكّر، وأن تفتح طاقة منعشة، من هواء رمضان العربي، على القلوب التي لا زالت تصرّ، أنها عربية وأن لها أمل ورواية خاصة في هذا العالم ومستقبله.
يرد في ذهن الواحد منا سؤالاً افتراضياً، ترى في مستقبل قادم ولو بعد نصف قرن آخر أو قرن عربي كامل، هل يمكن أن تتغيّر كلمات هذه الشارة يوماً ؟ وما الذي جعلها حقيقة ثابتة نصف قرن، وماذا يمكن أن يغيّرها في نصف قرن آخر إذن ؟ والأهم، ترى أي شارة ستكون في فم التاريخ عن أحدهم في مستقبل قادم؟!
طبعا هنالك العشرات اليوم ممن يرفعون شعارا، أو يلتصقون بشعار ناصريّ، مشكلتهم الوحيدة، أنهم يرفعونه تحت صور مستنسخة عن غير جمال، غير جمال الذي ينادون به، لأنهم لو عرفوا ما هي الصورة التي يقبلها جمال له، وما هي صورته أصلاً، لكانوا جميعاً خلف صورة واحدة، ربما عندئذ كان بإمكانها أن تنتصر على الأقل للقلوب التي تشرّفت بإقامة جمال فيها، واحدة منها قلوب لاتينية، أدركها رمضان وادركها جمال هنالك، لم تصم ولم تقم، ولم تتداعى على الاتصالات الهاتفية بعد التراويح وقبلها، لكنها ضربت مثلاً، وما نسيت عزّتها في نسختها اللاتينية.
رمضان ناصر يقول: وجدت لتبقى، ولا يقول ستنتهي، ورمضان ناصر يقول: ما أخذ بالقوة، لا يستردّ إلا بالقوة، ولا يقول سنتابع بقوة اللهاث، رمضان ناصر شوية مختلف....
على أي حال رمضان هذا العام مع جمال، رمضان يحمل بشرى، ربما لم تكن في وارد المسلسل أو طاقمه، مع تحية كبيرة لكل من شارك في هذا العمل، ولكلّ من أصرّ على عرضه، هذه البشرى التي تنساب منعشة في هذا الرمضان، نسائم تأتي في وقتها تماماً، على الأقل إن لم تكن حاملة لوعد كرامة، فهي حاملة لذكرى كرامة، وكل رمضان والعرب بخير....