الذكرى الحادية والعشرون لرحيل صاحب حنظلة:ناجي العلي أيقونة الفن النضالي الفلسطيني

  • الوحدوي نت - أوس داوود يعقوب
  • منذ 13 سنة - Saturday 04 September 2010
الذكرى الحادية والعشرون لرحيل صاحب حنظلة:ناجي العلي أيقونة الفن النضالي الفلسطيني


«حنظله هو المخلوق الذي ابتدعته، لن ينتهي من بعدي بالتأكيد،‏ وربما لا أبالغ إذا قلت إنني أستمر به من بعد موتي»..‏
ناجي العلي ‏


تحل هذه الأيام ذكرى اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي في لندن على يد مجهول (!) قبل أكثر من عقدين من الزمن. ‏
ومع مضي هذه المدة الطويلة لا تزال رسومه في ذاكرة كثر من قرائه العرب الذين طالعوها في الصحف والمجلات إبان حياته أو عبر معارض كثيرة منذ وفاته. ‏
تحل هذا العام أيضا الذكرى الواحدة والثلاثين لمولد شخصيته الكاريكاتيرية المبتكرة التي أصبحت علامة ثابتة في رسومه منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، والتي اسماها (حنظلة)، وواضح ما لهذا الاسم من علاقة بمرارة الواقع الفلسطيني.. وهل ثمة ما هو أشد مرارة في الحلوق من طعم الحنظل؟!.. ‏
و(حنظلة) كما يعرف نفسه ولد في (5 حزيران 67)، وهو «مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا.. الخ، باختصار معيش هوية ولا ناوي اتجنس.. محسوبك إنسان عربي وبس..».
يقول ناجي: «ولدي (حنظلة) موجود في كل لوحة من لوحاتي يراقب ما أرسم، إنه ذلك الرمز الصغير الذي أثار جدلاً دون أن يدير وجهه.. ورسومي لا تباع لأن (حنظلة) عنصر ثابت فيها.. ‏

رسام القبيلة!! ‏
حاولوا أن يجعلوني «رسام القبيلة»... مع هذا النظام ضد ذاك.. ولكن كيف أقبل و(حنظلة) معي دائماً.. إنه رقيب لا تتصور مدى قسوته.. إنه يعلم ما بداخلي، وهو يراقب هذا الداخل كحد السكين، فإذا أردت أن أستريح لكزني، وإذا فكرت في الرفاهية وحسابات البنوك ذكرني بنفسي.. بأصلي وبناسي وأهلي وشعبي.. أستطيع أن احتال على الرقباء الرسميين، فبعضهم لا يفهم المقصود من رسمي، وأغلبهم لا يفهم أصلاً، ولكنني لا أستطيع أن احتال على (حنظلة).. لأنه ولدي. ‏
سنوات طويلة مرت وأنا أرسم.. شعرت خلالها أنني مررت بكل السجون العربية، وقلت «ماذا بعد ذلك ؟«كان لدي استعداد عميق للاستشهاد دفاعاً عن لوحة واحدة.. فكل لوحة أشبه بنقطة ماء تحفر مجراها في الأذهان». ‏
وعندما سئل ناجي العلي عن سبب عقده يدي حنظلة خلف ظهره أجاب: كتفته بعد حرب تشرين لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل حنظلة دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر لا يقبل التطبيع... ‏

وجه حنظلة‏ ‏
وحين سئل: متى يمكن أن نرى وجه حنظلة؟.. أجاب: «عندما يتوقف نهائياً تهديد الكرامة العربية ويسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته».‏ ‏
وقد بقيَّ ناجي حتى آخر يوم في حياته ، وحتى آخر لوحة رسمها، محافظاً على عهده مع «حنظلة» فلا ساوم ولا تنازل ولا دار ظهره لشعبه ولمقاومة العدو الصهيوني وأذرعه في وطننا العربي وفي صفوف منظمة التحرير الفلسطينية. ‏

بين ناجي وغسان كنفاني ‏
وقد نشرت أولى إبداعات ناجي العلي في مجلة الحرية في أيلول /1961م.. وذلك بمساعدة الكاتب الشهيد غسان كنفاني الذي رأى بعض رسومه وأعجب بها في إحدى زياراته مخيم عين الحلوة، وكانت اللوحة المنشورة تمثل خيمة تعلو قمتها يد تلوّح مشيرة إلى المعاناة مبشرة في الوقت عينه بيوم عودة كان العرب يأملون أن يكون قريباً.. ‏
ويحدثنا ناجي عن تلك الفترة وبدايات تعارفه على أول شهداء الكلمة الفلسطينية المقاتلة الشهيد غسان كنفاني (اغتاله جهاز الموساد‏ الصهيوني في بيروت صباح يوم 8/7/1972م) ، يقول: «حاولت أن أنتمي إلى حركة القوميين العرب 1959 إلا أنني اكتشفت، واكتشفوا هم معي، أنني لا أصلح للعمل الحزبي. فخلال سنة واحدة أبعدت أربع مرات عن التنظيم بسبب عدم انضباطي. ‏
في تلك الفترة كنت أقرأ كتباً قومية لساطع الحصري وكان شباب الحركة هم الذين أشاروا علي بذلك، كما كنت طبعاً أقرأ مجلة «الحرية» التي كانت تصدر شهرياً آنذاك. ‏
غسان كنفاني لم أقرأ له شيئاً في تلك الفترة، غير أنني تأثرت به منذ رأيته يتكلم في إحدى الندوات في المخيم. رأيت أنه يعبر عن هموم الناس، كانوا يحبونه. ونحن كنا نحب كل من يستطيع أن يقترب من همومنا الوطنية. في فترة لاحقة صرت اقرأ له كتاباته السياسية في مجلة «الحرية».. وفي فترة لاحقة قرأت لغسان «موت سرير رقم 12» روايته «رجال في الشمس» أثرت بي كثيراً كما أثرت بمعظم أبناء جيلي من الفلسطينيين. كانت صرخة «لماذا لم يدقوا جدار الخزانة» تصفعنا صفعاً وتجعلنا نفكر كثيراً. ‏
كانت تلك الجملة تعني لي أنه مع كل الحصار المضروب حول شعبنا لا نستطيع أن نطلب النجدة من أحد أبطال رواية غسان ماتوا على جمارك الخليج من دون أن يكون لديهم أي أمل في أن أحداً سيساعدهم أو يسامحهم. كنا نعتبر أنهم ماتوا أمام جمارك الأنظمة العربية جميعها. إذ ليس الخليج إلا رمزاً». ‏

ثمن الديمقراطية.. لا لكاتم الصوت ‏

يقول الكثير من الكتاب والفنانين من أصدقاء ناجي العلي وممن عرفوه عبر رسومه فقط إن شخصية (حنظلة) ستظل باقية لأنها تجاوزت قضية فلسطين ببعدها السياسي إلى دلالات إنسانية أوسع. ورغم مرور السنين وتغير الأوضاع، يظل هناك للطفل الفلسطيني الذي يعطي ظهره للجمهور في رسوم العلي ما يشهده ويشهد عليه. وقد اشتهرت رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية بانتقاداتها الحادة واللاذعة، لكن بلغة راقية ورسومات سلسة مشحونة وموحية في الوقت ذاته. ولم يقتصر هجومه وانتقاده على العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما طال بعض الحكام العرب حينها والقيادة الفلسطينية وكان معبراً إلى حد كبير عن تيار غالب في العالم العربي، حتى أن صحيفة نيويورك تايمز قالت عنه يوماً «إذا أردت أن تعرف رأي العرب في أمريكا فانظر في رسوم ناجي العلي». وقال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف أنه «واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر». ‏
أصدر ناجي ثلاثة كتب تضمنت رسومه الكاريكاتيرية أكثر من 40 ألف لوحة كاريكاتيرية في حياته. وأقام العديد من المعارض العربية والدولية. وفي 22 تموز (يوليو) 1987م تعرض لمحاولة اغتيال في لندن أمام مبنى مكاتب جريدة القبس الدولية. وفي 29 آب (أغسطس) أسلم الروح إلى خالقها بعد غيبوبة استمرت أكثر من شهر. وناجي العلي كان المبشر بانتفاضة الحجارة قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول (ديسمبر) 1987م. وناجي كان من أوائل الفنانين والمثقفين العرب الذين قالوا لا لكاتم الصوت، «لا للقتل» وكان يعرف تماماً أن ثمن الممارسة الديمقراطية في وطننا العربي الموت. ‏

[email protected]