إبراهيم الحمدي... حلم الدولة

  • الوحدوي نت - رشيد الحداد
  • منذ 6 سنوات - Thursday 12 October 2017
إبراهيم الحمدي... حلم الدولة

الوحدوي نت

قبل أربعين عاماً من اليوم، امتدت يد الغدر إلى الرئيس، إبراهيم محمد الحمدي، الذي اغتيل في حفلة غداء، لم يعلَم أنها ستكون الأخيرة في حياته. ففي ضواحي العاصمة صنعاء، قُتل الحمدي في 11 أكتوبر 1977م، برصاصات غادرة أنهت حياته على الفور، وقضت على مشروع الدولة المدنية الحديثة الذي حمله منذ توليه السلطة بتاريخ 13 يونيو 1974م. وعلى الرغم من مرور 40 عاماً على حادثة اغتياله، إلا أن المواطن اليمني يحيي ذكرى الرئيس الذي كسب قلوب الملايين، وكلما اشتدت المحن باليمن واليمنيين عاد الحمدي إلى الذاكرة بقوة. 
قاد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي تحولات تنموية كبرى في مختلف المجالات. ففي عهده ساد الأمن والاستقرار، وانتقلت اليمن من حالة الفقر والبطالة إلى حالة الرفاه والرخاء الإقتصادي. فقد حول اليمن الشمالي في ثلاث سنوات إلى ورشة عمل مفتوحة، ومنذ اليوم الأول لوصوله للسلطة اتجه نحو إصلاح الوضع الإداري والاقتصادي والسياسي من الداخل، فكانت أولى خطط الإصلاحات الإدارية والاقتصادية تستهدف مؤسسة الجيش التي تصاعد منها الفساد، وتنامت الصراعات البينية في أوساطها، قبل وصول الرئيس الحمدي إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة.
لذلك، بدأ بإعادة بناء الجيش على أسس وطنية، بعدما تحول إلى أشبه بالمليشيات القبلية والمناطقية، فأصدر قراراً بإنزال كل الرتب العسكرية، التي تضخمت إلى رتب عالية، إلى رتبة مقدم، وبدأ بنفسه. ومن ثم انتقل إلى الميدان، ليعيد دمج لواء العمالقة والوحدات النظامية في ما أطلق عليها «قوات العمالقة»، ومن ثم يشكل قوات المظلات من سلاح الصاعقة وسلاح المظلات ولواء المغاوير، وقوات الإحتياط العام من خلال دمج لواء العاصفة ولواء الإحتياط ، وقوات الشرطة العسكرية من سلاح الشرطة العسكرية وأمن القيادة.
إصلاحات إدارية واقتصادية
خلال النصف الأول من العام 1974، كانت إيرادات الدولة من الضرائب والجمارك متواضعة جداً لا تتجاوز الـ20%، ولا تشكل أي رقم من أرقام المالية بسبب نهبها من قبل مراكز القوى العسكرية والمدنية، فشخّص الرئيس الحمدي مشكلة ضعف الإيرادات العامة، واتخذ حزمة إصلاحات اقتصادية كان هدفها الأول والأخير ضبط المصروفات العامة في عموم أجهزة الدولة مقابل تخفيف الأعباء على المواطن اليمني، فاتخذ عدة قرارات كان من أهمهما منع الإعفاءات الجمركية الشخصية، وإصلاح الأوعية الضريبية، ومكافحة التهريب.
هكذا، أُنشئ جهاز رقابة لتعقب المهربين في الحدود والسواحل، وكذلك هيئة عامة للإشراف على تحصيل الواجبات واستلام الزكاة، بعدما تبين أن ملايين الريالات تذهب للعاملين عليها ولا تصل إلى الخزانة العامة. كما تم ضبط الإيرادات العامة للدولة من خلال توريد كل إيرادات الوزارات والمصالح والإدارات إلى الخزانة العامة، وإيقاف مخصصات التأثيث السنوية للوزراء والمحافظين، مع الإحتفاظ بما قد سبق صرفه من الأثاث ليعطى لمن يلي من الوزراء والمحافظين. ووجّه الرئيس الحمدي، أيضاً، بمعالجة حالة التضخم الإداري الذي كان متفشياً في السلكين العسكري والديبلوماسي حينذاك، متخذاً قرارات صارمة قضت بتنزيل الرتب العسكرية إلى رتبة مقدّم، وسحب كل موظفي السلك السياسي ما عدا السفير، وتجميد أربعة عشر سفيراً، ليتم توفير مليوني ريال (الدولار حينذاك بـ4 ريالات).
الخطة الخمسية
إلا أن الرئيس كان يرى في كل ما تحقق في مجال التنمية والبنية التحتية بداية للتنمية الشاملة. لذا، فقد أعلن عن الخطة الخمسية الشاملة للتنمية الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي وُضعت على أساس علمي دقيق، وبناء على تقييم الواقع ومعرفة احتياجاته وأولوياته كما كان يقول الحمدي. ولم يكن تمويل الخطة الخمسية معتمداً على القروض والمنح والمساعدات الخارجية، بل إن تمويلها، وفق ما أكد الحمدي في إحدى خطبه التي ألقاها عام 1975م خلال لقائه برجال المال والأعمال، وطني.
وقد دعا الرئيس الشهيد اليمنيين إلى العمل الجاد من أجل إنجاح خطط التنمية المبرمجة التي تنسجم مع تطلعات واحتياجات الشعب اليمني وآماله، ومن مقولاته في هذا الجانب: «ليس هناك من مجتمع سعيد في أي بلد من بلدان العالم ما لم يكن أبناؤه هم أساس إسعاده، وليس هناك من بناء ضخم وكبير ما لم تكن أيادي أبنائه هي التي شيدت ذلك البناء».
العصر الذهبي
نحج الرئيس الحمدي في قيادة التحول في اليمن في بضع سنين، لينقل اليمن من الترتيب الأخير في قائمة الدول النامية إلى واحدة من عشر دول هي الأسرع نمواً في العالم. ووفق التقارير الصادرة عن البنك المركزي اليمني خلال 74-77م، فإن الناتج المحلي الإجمالي حقق نسبة نمو بلغت من 56.1% عام 77م، بزيادة تبلغ 130% عن عام 74، والذي كانت نسبة النمو فيه 21.5%.
في المقابل، ارتفعت نسبة السيولة في التداول المالي من 25.6% عام 74م إلى 67.3% عام 77م، وحقق ميزان الخدمات معدلات كبيرة وصلت 4457.3 مليون ريال عام 77م، مقابل 727.7 مليوناً عام 74م، وتحول موقف الميزان التجاري من السلبي بـ83.7 مليوناً عام 73، إلى 301.7 مليون عام 74م، وصولاً إلى 1472.7 مليوناً عام 1977م.
كما تراجعت نسبة تغطية الصادرات للواردات خلال الفترة من 7.4% عام 74م إلى 1.7% عام 77م. ويعود ذلك التراجع إلى زيادة تحويلات المغتربين اليمنيين من جانب، والتي ارتفعت من 564 مليوناً عامي 73-74م إلى 4 مليارات ريال عام 77م، والزيادة الناتجة من سياسة الإنفتاح التي انتهجها الحمدي تجاه الأسواق العالمية من جانب آخر.
ولعبت تحويلات المغتربين دوراً اقتصادياً هاماً في عهد الرئيس الحمدي، حيث أصبحت أهم المكونات الرئيسة للدخل القومي، وغطت 85% من تمويلات الخطة الخمسية الأولي. ووفق البيانات الرسمية، فإن تحويلات المغتربين ساهمت في تعزيز موقف الميزان الجاري وميزان المدفوعات الذي كان حينها يعاني من عجز مزمن، يضاف إلى أنها شكلت مصدراً رئيساً لتغذية الأسواق المحلية والبنوك بالنقد الأجنبي، حيث بلغت تغطية التحويلات المالية للقطاع الخاص 170% عام 77م مقابل 83.1% عام 74م، وبلغت نسبة التحويلات الخاصة للواردات ككل 139% عام 1977م مقابل 68% عام 74م، وبلغت نسبة التحويلات للعجز الجاري ككل 142% عام 77م مقابل 53% عام 74م.
النفقات الإستثمارية
وفي الاتجاه نفسه، ارتفعت النفقات الإجمالية الجارية والاستثمارية في عهد الرئيس الحمدي من 657 مليوناً عام 1974م مثلت 17% من إجمالي الدخل المحلي الإجمالي، إلى 2417 مليوناً عام 77م مثلت نسبة 29% من الدخل المحلي الإجمالي. وحظي قطاع التعليم باهتمام كبير، حيث بلغ متوسط الإنفاق الجاري السنوي على التعليم خلال عهد الحمدي 31%، في حين بلغ متوسط الإنفاق الجاري السنوي على الصحة 12%.
أضخم موازنة
وبعدما وصل الرئيس الحمدي إلى سدة الحكم في وقت كانت فيه الخزينة العامة تواجه عجزاً مالياً كبيراً، أقر، أواخر العام 76، أضخم موازنة في تاريخ الشعب اليمني، حيث بلغت 2053.902.047 ريالاً، بينما بلغت ميزانية الجهاز الإقتصادي للدولة 3077.272.634 ريالاً. وبحسب الوزير في عهد الرئيس الحمدي، محمد الجنيد، فإن الموازنة العامة للدولة حققت لأول مرة فائضاً بين المصرفات والإيرادات الجارية بلغ 249.921.267 ريالاً، تم توجيهها لتمويل مشاريع عامة، فيما بلغت نسبة ارتفاع الإنفاق الإستثماري 124% عن العام 1976م.
مكافحة الفساد
خلال الأشهر الستة الأولى من حكمه بدأ الرئيس الحمدي معركته مع الفساد بإزالة عوامل الفساد الأصغر، من خلال تحسين مستوى دخل الموظف البسيط. عقب ذلك، قام بزيارات ميدانية مكثفة لمختلف أجهزة الدولة،موجهاً بعدم إطالة أو تأخير أي معاملات للمواطنين في الجهات الحكومية أو الخاصة، معتمداً مبدأ الثواب والعقاب للعاملين في الجهاز الإداري والعسكري للدولة.
كما أن الرئيس الشهيد اعتمد على الزيارات المفاجئة لأجهزة الدولة للوقوف على سير العمل فيها، وشدد على تطبيق مبدأ «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في كل التعيينات»، وركز كذلك على حسن إدارة الوقت، مشدداً على الالتزام بالمواعيد الرسمية للعمل، ومانعاً مزاولة الأعمال في غير الدوام الرسمي، وأيضاً استخدام إمكانات الدولة من سيارات وغيرها لأغراض شخصية.
وفي مطلع العام 1975، شكل الرئيس الشهيد «لجنة الرقابة العليا لمكافحة الفساد»، ومنحها صلاحيات واسعة لتطهير أجهزة الدولة من المرتشين والمتلاعبين والمتسيبين إدارياً، مجسّداً مبدأ «من أين لك هذا؟».

نقلاً عن العربي