الرئيسية المقالات تقارير مؤتمر جنيف يربك المشهد اليمني
مؤتمر جنيف يربك المشهد اليمني
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

سيناريوهات جديدة تنتظر المشهد اليمني الذي طرأت عليه تغيرات عدة على المستوى السياسي والعسكري، وتستعد الاطراف اليمنية للتوجه نحو "جنيف" بخلافات بينية، وإرباكات قد تزيد من تعقيدات الوضع في البلد بدلا عن حلحلة ازماته المتفاقمة. 

الوحدوي نت

ودون رؤية واضحة لمداولات المؤتمر، يقترب موعد انعقاد جنيف بين الاطراف اليمنية المتوقع منتصف الشهر الحالي،  وسط مخاوف اطراف عدة من مالات جنيف ومخرجاته. وتسعى اطراف الازمة في اليمن الى تحقيق انتصارات على الارض لفرض مزيد من الشروط داخل اروقة مؤتمر جنيف، ما يعطي مؤشرات سلبية لما يمكن ان تسفر عنها هذه المفاوضات التي تسعى جماعة الحوثي من خلالها انتزاع اعتراف دولي بوجودها كطرف سياسي قوي ومؤثر.

 عدا ذلك فان الجماعة ومعها قوات صالح مستمرة في التصعيد العسكري سواء فيما يتعلق بتمددها ومحاولة السيطرة على المدن، او بالقصف المتكرر على مناطق سعودية ومحاولاتها الحثيثة دخول اراضي المملكة من الجهة الجنوبية. بالمقابل تشن قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية غارات مكثفة على معسكرات ومواقع تابعة للحوثيين وصالح في العاصمة صنعاء وعدد كبير من المحافظات اليمنية، للحد من حركة الحوثيين وتنقلاتهم العسكرية ومنع اي انتصار معنوي تسعى جماعة الحوثي لتحقيقه امام مناصريها ومن ثم استثماره على طاولة مفاوضات جنيف.

على الارض تستمر المواجهات العنيفة بين المقاومة الشعبية الموالية للشرعية في تعز ومأرب وعدد اخر من المحافظات من جهة وبين المليشيات الحوثي وقوات صالح من جهة ثانية. وأثارت موافقة الحكومة الجلوس مع الحوثيين على طاولة المفاوضات في جنيف خلافات كبيرة داخل صفوف المقاومة الشعبية التي عبرت عن رفضها لقبول الحكومة الحوار مع الحوثيين قبل وقف القتال في الداخل وانسحابهم من المحافظات التي سيطروا عليها بالقوة، ووصلت الخلافات داخل المقاومة الشعبية الى الحد الذي اعلنت فيه بعض قياداتها عدم اعترافها بشرعية الحكومة ان ذهبت لمفاوضات الحوثيين مع استمرار القتال في الداخل وأنها قد تضطر لإعلان حكومة جديدة تستمد شرعيتها من الميدان.

غير ان الحكومة اليمنية ترى ان موافقتها على حضور مؤتمر جنيف تنطلق من الاستجابة لرؤيتها التي فرضتها مقابل الموافقة على حضور المؤتمر، وان من قدم تنازلات هذه المرة هي جماعة الحوثي التي اعلنت موافقتها حضور مؤتمر جنيف دون شروط مسبقة.

ومع كل ذلك لم تكن الحكومة ومؤسسة الرئاسة تحديدا بمأمن من خلافات جنيف التي لم تقتصر على المقاومة الشعبية وحسب  بل امتدت الى مختلف القوى في المعسكرين الشرعي والمتمرد.  إذ ان هادي يتخوف من ان تنتهي مفاوضات جنيف بتسوية سياسية تقضي بإزاحته من سدة الحكم مقابل موافقة الحوثيين على تنفيذ القرارات الدولية والقبول بالحكومة الشرعية بقيادة خالد بحاح الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس هادي والمرشح الابرز لرئاسة البلاد في حال تم التوافق على اقصاء هادي، وهذا الشعور ربما من دفع هادي لرفض تعيين نائبا له خلال الفترة الماضية، قبل ان يرضخ للأمر تحت ضغوط محلية واقليمية مورست عليه في الرياض. ويشدد الرئيس هادي على ضرورة ان تقتصر مفاوضات جنيف على بحث اليات تطبيق قرار مجلس الامن رقم (2216) والقاضي بانسحاب الحوثيين من المحافظات التي سيطروا عليها وإخلاء المؤسسات الرسمية والقبول بالشرعية اليمنية وإطلاق جميع المعتقلين وتسليم اسلحتهم التي استولوا عليها للدولة. وبعد الموافقة على مقترح امريكي بان تكون المفاوضات بين طرفين احدهما يمثل السلطة الشرعية والآخر الطرف المتمرد، اشترط هادي تقليص عدد الممثلين الى 7 اشخاص لكل طرف ، وشرع باختيار ممثلي السلطة وسط تسريبات عن خلافات بينه ونائبه خالد بحاح حول الشخصيات التي ستحضر المؤتمر والتي يسعى هادي لاختيارها بعناية وبما يضمن عدم التفريط به داخل اروقة المؤتمر.

صالح معرقلاً

 

ويبقى الرئيس السابق علي عبدالله صالح ابرز المتخوفين من استحقاقات مؤتمر جنيف، خاصة وانه لا يثق كثيرا بحلفائه الحوثيين الذين يرون فيه حليف مؤقت فرضته ظروف المرحلة غير متناسيين بعد انه الخصم الابرز الذي قاد ضدهم ستة حروب متتالية، وانه من تسبب بمقتل مؤسس الحركة حسين الحوثي. صالح يدرك ايضا انه لم يعد له من حلفاء على مستوى الداخل والإقليم والعالم بما في ذلك طهران التي تتعامل معه عبر  حليف محلي متمثل بجماعة الحوثي.   كما ان ايران التي دفعت الحوثيين للقبول بحضور مؤتمر جنيف تسعى لإيجاد مخرج لازمات حلفائها في الوقت الراهن، فضلا عن الحصول على اعتراف دولي بشرعية وجودهم كقوة سياسية لا يمكن قهرها بالقوة العسكرية.

وبالتالي لم يعد امام صالح إلا اللعب على خيوط المتناقضات ومحاولة المراوغة للحصول على اي قدر من التسوية، فهو لا يقبل ان يكون مجرد تكملة عدد في طاولة المفاوضات. وبدأ الرجل بوضع عدد من الشروط والتعقيدات امام مؤتمر جنيف، من بينها عدم ازدواجية تمثيل حزب المؤتمر الذي يرأسه، بمعنى انه لن يقبل بحضور اي من قادة حزبه الذين تمردوا عليه وانضموا للفريق المؤيد للرئيس هادي.

على الارض يسعى الرجل لإثبات انه ما زال الطرف الاقوى من جماعة الحوثي وانه يستطيع احداث تغير في مسار المعركة العسكرية، ومن اجل ذلك زج صالح بفرق نوعية من قوات الحرس الجمهورية التي كان يقودها نجله أحمد الى الحدود اليمنية السعودية، سعت الجمعة الماضية الى السيطرة على مناطق سعودية داخل منطقة جيزان الحدودية مع اليمن، وخاضت معارك عنيفة قالت وزارة الدفاع السعودية انها انتهت بصد قوات الحرس الجمهوري وقتل عدد كبير منهم، واعترفت بمقتل ضابطين وجنديين من الجيش السعودي. وبعد اقل من 24 ساعة على محاول اختراق الحدود السعودية التي تعد الاولى من نوعها منذ بدء عمليات التحالف في اليمن قبل نحو شهرين، اطلق صالح احد الصواريخ البالستية باتجاه المملكة التي قالت ان دفاعاتها تصدت له في منطقة خميس مشيط، وهو تطور نوعي وخطير على مسار العمل العسكري من قبل الجبهة اليمنية.

هذه التطورات العسكرية الجديدة ستقابل دون شك بمزيد من التصعيد من قبل قوات التحالف، الامر الذي يشير الى مرحلة جديدة من الحرب في اليمن، ربما هي الأعنف بعد ان تغيرت معادلاتها وعوامل القوة فيها، خاصة بعد اعلان المتحدث باسم قوات التحالف العميد احمد عسيري ان صالح والحوثيين يمتلكون نحو 70 صاروخا بالستيا وان امكانية اطلاق صواريخ اسكود جديدة على المملكة قائمة.

استحقاقات مؤجلة

 

ويبقى مؤتمر جنيف قبيل ايام على انعقاده دون برنامج سياسي واضح ودون مؤشرات حقيقية للجنوح الى السلم من قبل جماعة الحوثي التي قد توظف هذا الحدث الدولي لاستهلاك الوقت والتقاط الانفاس وترتيب الصفوف ومآرب اخرى تسعى لتحقيقيها ليس من بينها التخلي عن السلطة التي سيطرت عليها بالقوة منذ الـ 21 من سبتمبر الفائت.

والحقيقة ان هناك استحقاقات يجب الشروع بتنفيذها وفق القرارات الدولية والتي لا يمكن لمؤتمر جنيف تجاوزها، فضلا عن ذلك فان امام اليمنيين مخرجات عدة معلقة، سواء ما خلص اليه مؤتمر الرياض الذي عقد في الـ17 من مايو الماضي او مخرجات مؤتمر الحوا الوطني التي اقرتها مختلف الاطراف واستمرت مداولته لنحو عام، وقبل ذلك المبادرة الخليجية التي تعد احد مرتكزات التسوية السياسية في اليمن. وبالتالي فان اي مفاوضات في مؤتمر جنيف عدا البحث عن اليات تنفيذ كل تلك الاستحقاقات لن  تؤتي ثمارها على الاطلاق وستجر اليمن الى ذات المربع الاول، خاصة ان لا ضمانات حقيقة لتنفيذ ما قد يخلص اليه مؤتمر جنيف.

ويبقى من المرجح ان يتحول مؤتمر جنيف الى استراحة محارب وهدنة مؤقتة لإدخال المساعدات، ومن ثم العودة الى الميدان وجبهات القتال في البلد الذي يغرق بالفوضى والاقتتال بصورة لم يشهد لها مثيلا من قبل وبات معها على مقربة من الانهيار الكامل.

 

إقراء أيضا