الرئيسية المقالات حوارات العتواني: اليمن كيان واحد وينبغي إزالة ثقافة الكراهية
العتواني: اليمن كيان واحد وينبغي إزالة ثقافة الكراهية
الوحدوي نت
الوحدوي نت

يمثل التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الإطار السياسي الأبرز الذي انضوت تحت لوائه الحركة الناصرية ذات التوجه القومي في اليمن ، والتي اكتسبت حضوراً لافتاً في التاريخ السياسي اليمني الحديث ارتبط في ذاكرة اليمنيين بتفاصيل السيرة السياسية القصيرة للرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي الذي انضم رسمياً إلى الحركة الناصرية في العام 76 وحكم لثلاث سنوات فقط قبيل اغتياله في ملابسات لا تزال غامضة ... تراجع حضور الناصريين في اليمن إلى مربع المعارضة عقب السماح بالتعددية السياسية في العام 90 بالتزامن مع إعلان قيام دولة الوحدة عام 1990 ، الحدث التاريخي الأهم في حياة اليمنيين والذي يتعاطى معه الناصريون باعتباره مشروعاً لطالما تصدر أدبيات ووثائق الحركة الناصرية اليمنية. الوحدوي نت - سلطان العتواني

الأمين العام للتنظيم الشعبي الوحدوي الناصري سلطان العتواني فتح بعض هذه الوثائق لـ « صحيفة الجمهورية» في حوار تطرق من خلاله إلى حقيقة الحضور السياسي للحركة الناصرية في اليمن قبيل تحقيق الوحدة اليمنية التي يؤكد أنها كانت السبب وراء الرحيل القسري المبكر واغتيال ثالث رئيس اعتلى هرم النظام الجمهوري في الشطر الشمالي من اليمن ، وأنها الانجاز الذي حالت دون تحققه في نهاية السبعينيات قوى إقليمية تقاطعت مصالحها مع توحد اليمنيين في كيان جغرافي وسياسي موحد ، وهنا نص الحوار :

حاوره - صادق ناشر:

 هل لنا أن نعرف أين كان موقع الناصريين قبل قيام دولة الوحدة ، وهل كانوا في قلب الحدث أم إنهم كانوا بعيدين عن المشهد؟

ـ قبل الوحدة كان الناصريون موجودين على ساحتي الوطن ، أي في الشمال والجنوب ، فبعد أحداث 1978 تشرد عدد كبير من قياداتنا إلى الخارج ، إلا أن الناصريين لم يكونوا بعيدين عن الهم الوطني في الساحة ، وفيما يتعلق بمسألة السعي لتحقيق الوحدة كان الناصريون يعملون في هذا الإطار من خلال النشاط السياسي الذي قامت به قيادتنا حينها في الخارج ، حيث كان الناصريون أول من نشر مشروع دستور دولة الوحدة الحقيقي وليس الدستور الذي تم الاستفتاء عليه ، أي الدستور الذي تم الاتفاق عليه من خلال المباحثات واللقاءات السابقة ونشر في صحيفة«الوحدوي» التي كانت تصدر حينها من خارج الوطن ، بالإضافة إلى ذلك أن الناصريين كان لهم مسعى كبير بعد أحداث 1968 في إطار اللقاءات مع قيادات الشطر الجنوبي سابقاً بالدفع بالقيادة هناك على إفساح المجال أمام القوى السياسية لكي تمارس نشاطها على مستوى الساحة ، كما كان الناصريون موجودين في إطار الروابط الطلابية والتي عملوا على توحيدها في كثير من الساحات التي كان يتواجد فيها طلابنا والذين عملوا على تشكيل روابط طلابية موحدة سواء في القاهرة أو الكويت أو موسكو أو ليبيا وغيرها من بلدان العالم .

السعي من أجل تحقيق الوحدة كان إذاً هدفاً بالنسبة للناصريين لأنه كان مشروعاًً قومياً ، مشروع الناصريين للوحدة كان مشروعاً واضحاً ومحدداً ، قبل استشهاد الشهيد إبراهيم الحمدي كان الناصريون يعملون على ان يخطوا خطوة متقدمة في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية من خلال اللقاء الذي كان متوقعاً أن يتم بين الشهيدين إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي ، لكن قوى الشر باغتت الجميع واغتالت إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1978 ، لكي لا يحدث اللقاء بينه وبين الشهيد سالم ربيع علي في ذكرى ثورة 14 أكتوبر في جنوب البلاد .

كان الناصريون قبل هذا وذاك موحدين في إطار تنظيم سري وموحد على مستوى الساحة شمالاً وجنوباً ، لم يكن تنظيماًً منفصلاً في الشمال وآخر في الجنوب ، وواجه التنظيم العديد من الضربات ، حيث حكم بالسجن على عدد من إخواننا في الشطر الجنوبي في سنة 1973 ، كما أعدم عدد منهم مثل الشهيد احمد عبده سعيد والشهيد الكسادي ، كما حكم على بعضهم بالإعدام ، لكنه لم يتم تنفيذ الأحكام وما زال البعض منهم حياً يرزق حتى اليوم أطال الله في أعمارهم ، ومنهم هادي عامر ومحمد احمد إبراهيم ، ومن الطريف أن هؤلاء حوكموا بتهمة التخابر مع إسرائيل أثناء حرب أكتوبر 1973 ، أي في الوقت الذي كانت تدار فيه الحرب ضد إسرائيل كان إخواننا في الشطر الجنوبي يحاكمون رفاقنا بتهمة التخابر مع إسرائيل .

مع ذلك لم تستطع قضية العزل السياسي التي فرضت على الناصريين بعد أحداث 1978 ان تمنع الناصريين من القيام بدورهم في إطار الساحة الوطنية ، وكان لهم بعدهم الكبير في العمل على تجسيد مبدأ الوحدة من خلال اللقاءات التي كانت تتم في المؤتمرات العربية والدولية ، كما كان يعمل إخواننا المتواجدون في هذه الأطر على ان يظهر التمثيل موحداً للشمال والجنوب ، وكان أداؤهم ناجحاً أدى إلى خلق بيئة مناسبة للعمل الوحدوي رغم التنافر بين الشطرين، وبالتالي كان الناصريون موجودين على امتداد الساحة ، وإن لم يكونوا في مواقع السلطة حينها . 

 القول إن التنظيم الناصري كان تنظيماً واحداً في شطري اليمن سابقاً ، ألا يتقاطع مع فرضية القيادة الموحدة في ظل وجود إطار سياسي منقسم ، ألا يمثل ذلك معاًدلة تنظيمية صعبة ؟

ـ كانت هناك عناصر في إطار القيادة من الشطرين ، وأنا لن أحكي عن تلك المرحلة بالتفاصيل الدقيقة لأنني لم أعشها ، لكن بحكم قراءتنا لتاريخ الحركة الناصرية في اليمن فقد كان هناك نوعاً من التواصل يتم بين ما تبقى من القيادات بعد ضرب التنظيم في 73 في الجنوب وبين القيادة في الشمال ، وكان احد إخوتنا من قيادات التنظيم الشعبي حينها علي بن علي الهادي همزة الوصل مع القيادة في المحافظات الشمالية ، كما كان الناصريون في فترة إبراهيم الحمدي قوة لها حجمها ولها إمكانياتها الكبيرة . 

الحمدي والناصريون

 عرف الرئيس إبراهيم الحمدي بأنه كان يميل للفكر الناصري ، لماذا لم يستغل الناصريون حقبة حكمه ليتمددوا بشكل أفضل ويكون لهم الحضور السياسي الحقيقي والمؤثر في الساحة اليمنية ؟

ـ في البداية كان الشهيد إبراهيم الحمدي قريباً من الناصريين، لكن عندما قامت الحركة في 13 يونيو عام 1974 ، حدد التنظيم موقفاً واضحاً منها من خلال رابطة طلاب اليمن في القاهرة ونقاطها العشر ، وترك مسألة التعامل مع حركة 13 يونيو بالاقتراب منها أو الوقوف ضدها على ضوء اتفاق عام على هذه النقاط العشر .

 ما هي أبرز مضامين النقاط العشر التي وضعها التنظيم أمام الرئيس إبراهيم الحمدي ليوافق عليها كشرط لموافقة الحزب في الحكم ؟

ـ لم يكن معروفاً حينها ان هناك حزباً ، لكن كان واضحاًً أن الناصريين في رابطة طلاب اليمن في القاهرة يمثلون الناصريين ، وقد نشرت هذه النقاط في كتيب ، وكانت المحور التي يقاس بها قرب حركة 13 يونيو أو بعدها من التنظيم الناصري أو رؤية التنظيم الناصري لإدارة شؤون الدولة ، وقد شملت النقاط العشر :

1 ـ تأييد هذا الحدث واعتباره امتداداً لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتمسكاً وتطويراً لمبادئها وانتصاراً لأهدافها الوطنية والقومية .

2 ـ المطالبة بضرورة السيادة الكاملة لليمن وشجب أية عمالة لأي نظام عربي أو أجنبي ، والترحيب بالتعاون والصداقة مع الجميع دون المساس بكرامة اليمن .

3 ـ المطالبة بتثوير الجيش على أسس من الضبط والربط العسكريين وغرس الولاء للوطن كله ، بدلاً من أن يصبح الجيش قوى تتنازعها القبائل وولاؤها على حساب الولاء المطلق .

4 ـ المطالبة بأهمية التغيير الإداري من عناصر كفؤة وقادرة والعمل على وضع سياسة رشيدة لإنماء المشاريع والاستفادة من الاستثمارات العربية والأجنبية في المجالات ذات الأولوية والأهمية الخاصة في البلاد .

5 ـ المطالبة بضرورة وجود تنظيم شعبي وطني تحتشد فيه كل الإمكانيات القادرة على أسس من الوعي ، بحيث يستطيع هذا التنظيم أن يقوم بتحريك الجماهير بعد الوعي والتعبئة صوب أهداف الثورة اليمنية الخالدة .

6 ـ لابد من توافر الحرية المسؤولة والالتزام بها من قبل القيادات السياسية والوطنية في البلاد حتى تكون قدوة بالفعل وليس بالكلام .

7 ـ مطالبة القيادة السياسية في صنعاء بالعمل على تحقيق الوحدة اليمنية باعتبارها مطلباً وطنياًً للشعب اليمني كله واعتبارها قضية استراتيجية من قبل النظام الأنفصالي الماركسي في الجنوب أو بعض القوى الرجعية الحاقدة المتخلفة في الشمال .

8 ـ من أجل تطبيق ذلك كله لابد من أن تستقر الأمور في صنعاء لصالح الخط الوطني القادر على تنفيذ هذه المطالب والمستعد للنضال من أجلها .

9 ـ إننا ضد كل صراع متخلف يؤدي إلى مزيد من الفرقة والحساسية والأحقاد ، كما أننا ضد عمليات الاغتيالات الهوجاء والتخريب الحاقد والتناحرات المفتعلة باسم الصراع الطبقي ، كما أننا ضد الأمراض الطائفية والحزبية اليسارية الدموية واليمين الرجعي العفن .

10 ـ مع نضال الشعب اليمني بكل قواه المخلصة من أجل الثورة واستمرارها ومن أجل الجمهورية وانتصارها الذي يتطلع إليه شعبنا اليمني الآن بأن ينتصر لآلامه وطموحاته وآماله .

وبعد موافقة قيادة 13 يونيو على هذه النقاط بدأت عملية التواصل واللقاءات تتم بين قيادة التنظيم وقيادة الحركة بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي ، وفي سنة 76 تم التزام إبراهيم الحمدي رسمياً للتنظيم ، وكان عضواً في القيادة التنفيذية ، لكنه رفض ان يكون أميناً عاماً للتنظيم ، هذا حسب معلوماتي ، وحسب ما تؤكده الوثائق التي نشرت فيما بعد .

لم تشأ قيادة التنظيم أن تزج بالتنظيم في المواقع الرسمية في ذلك الوقت ، وظل بعيداً عن السلطة ما عدا القلة القليلة من هذه القيادات مثل الشهيد سالم محمد السقاف الذي كان أميناً عاماً في جامعة صنعاء ثم نائباً لرئيس الدولة حينها ، بالإضافة إلى الشهيد عبدالسلام مقبل وبعض القيادات التي تم تعيينها في مواقع رسمية وكثير من القيادات الوسطية والدنيا انخرطت فيما كان يعرف باسم « لجان التصحيح المالي والإداري » ، لكن لم يكن التنظيم يقبل ان يزج بكل أعضائه وقياداته في إطار مؤسسات الدولة ، لأنه كان يخشى أن تتم هذه التحولات في إطار هذه السلطة ويتم القضاء على التنظيم ، وهذا التوقع كان صحيحاً ، لأن التنظيم لو كان انتشر في الدولة لكان قضي عليه بعد اغتيال إبراهيم الحمدي ، لكن التنظيم ظل متماسكاً ومحافظاً على نفسه بعد عملية الاغتيال .

كان التنظيم يريد ان تبنى السلطة من خلال مؤسسات وأن لا يكون هو الوحيد فيها ، فقد سعى التنظيم خلال فترة حكم إبراهيم الحمدي إلى تشكيل ما كان يعرف بـ « المؤتمر الشعبي » ، وبالمناسبة فإن فكرة المؤتمر الشعبي العام هي فكرة ناصرية ، وكان يتم الحوار من أجل إعلأن هذه الفكرة قبل اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي ، وكان الهدف من هذا الإطار الذي كان يسعى إليه التنظيم هو إشراك اكبر عدد من القوى السياسية كما هو الحال في بعض الأقطار العربية حينها في الأطر السياسية التي كانت تحكم ، مثل الاتحاد الاشتراكي في مصر ، وكان التنظيم حريصاً على ان تكون هناك مشاركة من كافة القوى السياسية في البلاد، وقبل اغتيال إبراهيم الحمدي كانت هناك حوارات مع عدد من القوى السياسية التي كانت سرية في تلك المرحلة بهدف إشراكها في ان تتحمل مسؤولياتها الوطنية كغيرها من القوى . 

الوحدة في فكر الناصريين

 كيف كان يتصور الناصريون شكل الوحدة المنشودة ، هل هي بنفس الشكل التي قامت عليه أم إنه كان ثمة رؤية أخرى في أدبيات ووثائق الناصريين ؟

ـ رؤية الناصريين لشكل الوحدة كان يجسدها أحد المبادىء الستة المعلنة لثورة 26 سبتمبر 1962 ، فقد كان الناصريون ينظرون إلى الوحدة على أنها وحدة وطنية ولابد من إعادة تحقيقها ، وبالتالي كانت المسألة تأخذ بالاعتبار ان هذين الشطرين تم تجزئتهما بفعل الاستعمار البريطاني في الجنوب والإمامة في الشمال .

عندما قامت الثورة في الشمال وتم طرد المستعمر في الجنوب كانت رؤية الناصريين تتمثل في عودة الوضع إلى طبيعته ، وهو الوطن اليمني الموحد أرضاً وإنساناً . 

 تكرر الحديث عن زيارة كان الرئيس الحمدي بصدد القيام بها إلى عدن ، هل تشاور الرئيس الحمدي معكم في تلك الفترة حول ما كان بصدد القيام به في هذه الزيارة ؟

ـ الوضع يشير إلى أنه ما كان يمكن ان تتم خطوة كبيرة في هذه الزيارة ، إذ لم تكن هذه الخطوة الوحيدة التي خطاها الشهيد إبراهيم الحمدي نحو الوحدة ، لأنه قبل ذلك كان هناك لقاء قعطبة بينه وبين الشهيد سالم ربيع علي ، وفي لقاء قعطبة تم اتخاذ عدد من الخطوات الوحدوية كالاتفاق على التمثيل الدبلوماسي الخارجي وغيرها من القضايا التي كانت تشكل خطوات في إعادة تحقيق الوحدة .

أما فيما يتعلق بعام 77 ، رغم أنني لم أكن في وضع القيادة ، لكنني أعتقد جازماً أنه لو قدر لإبراهيم الحمدي ان يعيش ما كان سيتم إعلأن الوحدة في ذلك التاريخ ، لكن بلا شك كانت الوحدة قريبة من التحقق في عهد الحمدي . 

 هل برأيك تقاطعت طموحات إبراهيم الحمدي مع بعض القوى التقليدية في الشمال ومنع من تحقيق هذا المشروع الذي كان يحلم به ؟

ـ بالتأكيد كان لحركة 13 يونيو مشروعها الوطني الكبير ، وهو مشروع بناء دولة حقيقية ، أي دولة مؤسسات ، وظهرت آثارها من خلال كثير من الخطوات التي قام بها الحمدي خلال الثلاث السنوات التي تولى فيها الحكم ، لكن كانت هناك عوائق كثيرة حاولت ان تعيق مثل هذا المشروع ووصل بها الأمر إلى ان تستهدف قيادة هذه الحركة بالاغتيال .

وبلا شك فإن القوى التقليدية كانت تشكل عاملاً معيقاً ، ودخل معها الحمدي في صراع طويل ومرير ، وكانت أمام خيارين إما ان تكون جزءاً من مؤسسات الدولة وتذوب فيها ، وإما ان تكون في مواجهة طموحات الشعب ، ومعلوم الصراع الذي كان يدور بين إبراهيم الحمدي وبين العديد من القيادات المشيخية حينها، لكنه لم يكن عداءً شخصيا ، بقدر ما كان صراعاً من أجل إقامة دولة يمنية مدنية حديثة تذوب فيها مراكز هذه القوى التي أدت إلى إضعاف دور الدولة وأدت إلى خلق الصراعات ونزف الدماء منذ قيام الثورة عام 1962 حتى حركة 13 يونيو 1974 . 

 كانت هناك قوى في الإقليم تتحفظ على قيام دولة الوحدة وعلى خطوات الرئيس إبراهيم الحمدي في هذا الاتجاه ، هل كان لذلك برأيك أثر في كبح مشروع قيام دولة الوحدة في تلك الفترة ؟ 

ـ كانت رؤية إبراهيم الحمدي من هذه العوائق واضحة ، وخلق مشروعه الوحدوي حالة من الالتفاف الجماهيري ليس في الشمال فقط ، بل وفي الجنوب أيضاًً ، كما كان كل يمني يتواجد في المهجر يعتز بيمنيته ، لهذا فإنني أعتقد أنه بالخطوات التي كان ينوي القيام بها فإن الحمدي كان يدرك التحفظات الإقليمية ، وقد أدرك مع قيادة الشطر الجنوبي سابقاً بقيادة سالم ربيع علي أن قوة اليمن بوحدته وانه لابد للنظامين أن يخطوا خطوات مدروسة ، وكانا يحسبأن حساباً لتحفظات الجوار الإقليمي .

لهذا ربما كان يمكن ان يتم اتخاذ خطوة كبيرة في أكتوبر 77 باتجاه تحقيق دولة الوحدة ، وأن يبقى الطرفان في الشمال والجنوب متيقظين لمواجهة أية مخاطر ، وكان ذلك موجوداً في وعي القيادتين ، كما كانت نية القيادتين ان تتم خطوات تمهيدية لإعلأن قيام الوحدة ، وبالتالي كان الجوار الإقليمي ، أحد العوائق التي كان يدركها قادة الشطرين حينها ، وكانت إحدى الجهات التي يرى فيها الناصريون بالتحديد عدواً رئيساً لمشروع تحقيق الاستقلال الوطني والوحدة الوطنية اليمنية .

 هل تعتقد أن الرئيس إبراهيم الحمدي ذهب ضحية طموحه بتوحيد اليمن ؟

ـ بكل تأكيد ، لأن إبراهيم الحمدي كان يقال من قبل الكثير من الدوائر إنه «عبدالناصر الجديد » ، والخطوات التي أقدم عليها إبراهيم الحمدي فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر ، بقضية عودة الحياًة إلى الجسد اليمني الواحد من خلال العلاقات التي قامت بينه وبين الشهيد سالم ربيع علي ، وأيضاً من خلال الأدوار التنموية التي قامت به حركة 13 يونيو خلال فترة وجيزة ، ومن خلال الاستقرار الذي شمل كل أرجاء اليمن ، من خلال عودة الشعور بالأنتماء الوطني الذي دب في نفوس كل اليمنيين .

هذه الأمور ربما كانت مؤشراً إلى أن إبراهيم الحمدي لن يطول بقاؤه بالسلطة ، لأن مثل هذه الشخصية ومثل هذه الطموحات ومثل هذا المشروع الكبير الذي يحمله يعيد إلى الأذهان دور عبدالناصر ، طبعاً مع الفارق ، فأنا لا أقارن بين عبدالناصر وإبراهيم الحمدي ، لكن الدور الذي كان يقوم به إبراهيم الحمدي كان دوراً وطنياً ووحدوياً وقوميا كبيراً من خلال فتحه للعلاقات ما بين اليمن والكثير من الدول مثل روسيا وفرنسا وغيرها ، يعني انه حاول ان يعيد التوازن لهذه العلاقات من أجل مصلحة اليمن بالدرجة الأولى ، وهذا الأمر كان لا يرضي الكثير من الأطراف التي لم تكن ترغب في أن يستقر اليمن وأن يكون له دولة موحدة وقوية .

 معروف ان إبراهيم الحمدي جاء من مؤسسة عسكرية ، ما الذي دفعه أن يتحمس إلى قيام دولة الوحدة بشكل سياسي ولم يختر الحل العسكري ؟

كان الشهيد إبراهيم الحمدي يعد نفسه وهو في إطار المؤسسة العسكرية لمشروع وطني أكبر ، وبالتالي ثقف نفسه وتعامل مع القوى السياسية المختلفة ، لأنه كانت هناك روايات تقول إن إبراهيم الحمدي تأثر بفكر حركة القوميين العرب والتقى مع كثير من القيادات ، بمعنى انه لم يكن بمعزل عن الوضع السياسي الذي كان سائدا في تلك الفترة ، بل يمكن القول إنه كان ابعد من حدود طموحاته الذاتية الشخصية .

 كل الأنقلابات التي حدثت في اليمن مرتبطة بقضية الوحدة ، فلماذا لم يتم تحقيق الوحدة في تلك الفترة ؟

ـ صحيح أن الكل كان يطرح شعار الوحدة كعنوان لأية عملية انقلابية ، ولكن كان يؤثر فيه أيضاًً قضية الصراع بين المعسكرين العالميين وبين القيادتين القوميتين ، قيادة عبدالناصر وقيادة حزب البعث ، وبالتالي كان الارتداد في حركة نوفمبر عن الثورة هدفه توجيه ضربة لعبدالناصر بعد هزيمة 67 ، يعني ان الاستعمار البريطاني حاول ان يلعب هذه اللعبة من خلال ما يطرح انه سلم الحكم إلى الجبهة القومية نكاية بعبدالناصر ، الإخوة في حزب البعث حينها قاموا بالأنقلاب على السلال نكاية بعبدالناصر ، لكن مع ذلك فالرؤية في إطار تحقيق الوحدة كانت هي المشروعية التي يصبغها الأنقلابيون على أنفسهم أمام الشعب .

كان الشعب يرفض أي شعار يطرح دون أن يكون عنوانه تحقيق الوحدة اليمنية ، لهذا كانوا يطرحون مثل هذه الشعارات كنوع من إصباغ المشروعية عليهم ، لكن العمل على تحقيق مثل هذه الخطوة أو الطموح .

 للناصريين تجربة مريرة مع الوحدة بالذات مع سوريا ، هل تعتقد أن هذا اثر في فكر الناصريين وتحمسهم لإقامة تجارب شبيهة أم إن قضية الوحدة اليمنية كانت مختلفة ؟

ـ لا شك أن القضية اليمنية مختلفة ، لأن اليمن كيان واحد مهما كان هناك من وجود لشطرين ، كان الناصريون يرون ان الوحدة العربية لا يمكن ان يكتب لها النجاح ما لم تبدأ من اليمن ، وما لم يعد تحقيق الوحدة اليمنية ، وكانوا يرون أن الوحدة اليمنية ستكون بوابة لإعادة تحقيق الوحدة العربية ، لأن عوامل نجاحها أسهل بكثير من عوامل نجاح الوحدة بين مصر وسوريا مثلاً .

لكن مما لاشك فيه أن تجربة الوحدة بين مصر وسوريا عكست نفسها على الدعوة للوحدة العربية ، بالإضافة إلى أن رحيل جمال عبدالناصر عام 70 أثر تأثيراً كبيراً على مثل هذه الدعوة وأدى إلى خفوتها ، كما كان للمؤامرة التي ما زالت حتى اليوم تقاد ضد توحد الأمة العربية تأثيرها أيضاًً على جهود تحقيق الوحدة العربية .

مع ذلك فإن الناصريين كانوا ولا يزالون يرون أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية والحفاظ عليها وبناء مشروع نموذج في إقامة الوحدة العربية يجب ان يكون ابتداء من اليمن .

 بعد رحيل الحمدي دخل الناصريون في أزمة مع النظام الذي جاء فيما بعد ، فكيف وجدوا أنفسهم في تلك الفترة الممتدة من عام 77 وحتى قيام دولة الوحدة؟

ـ بعد أحداث 78 جاءت ضربة قوية للتنظيم ، لكن التنظيم تماسك من خلال إعادة ترتيب صفوفه ، وحافظ التنظيم على وجوده من خلال تجميد نشاطه ، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار على انه تجميد للنشاط وليس غياباً عن الساحة وعدم ممارسة الناصريين لدورهم ، فكان هدف تجميد النشاط هو الحفاظ على سرية حركة التنظيم وأعضائه وأيضاً حمايته من أية محاولة اختراق جديدة يسعى إليها النظام .

هذا الأمر لا شك أنه حافظ على وجود التنظيم ، وبعد 30 نوفمبر 1989 عندما أعلن بيان عدن الوحدوي عمل التنظيم بعدها مباشرة على إعلأن وجوده كأول تنظيم سياسي على مستوى الساحة ، وكان ذلك في 15 ديسمبر 89 ، كنوع من التحدي للشطرين حتى لا يتراجعا عن مبدأ تحقيق الوحدة في 30 نوفمبر 89 ، وكان الإعلأن عن وجود التنظيم على مستوى الساحة كلها من عدن بعد أيام من اتفاق 30 نوفمبر .

 ولو تذكر انه منذ إعلأن 30 نوفمبر 89 حتى منتصف سبتمبر 90 تم الإعلأن عن 13 تنظيماًً ناصرياًً تحت مسميات عديدة ، وكانت صحيفة “ الوحدة “ تأتي لنا مع كل عدد بمسمى ناصري جديد ، لكن بحمد الله استطاع التنظيم ان يتماسك وان يتجاوز كل هذه المسميات .

كانت هناك رغبة حثيثة بأن يتم توحيد كل الجهود في إطار تنظيم سياسي واحد ، ولكن الذين رهنوا أنفسهم للأجهزة لم يكونوا حريصين على وحدة التنظيم ، ومع ذلك استطاع التنظيم ان يتغلب على هذه الوضعية ، خاصة عند إعلأن تنظيم التصحيح الناصري ، الحزب الديمقراطي الناصري ، الصقور الناصرية ، ففي الوقت الذي كان فيه مجاهد القهالي عضواًً في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي كان يرأس تنظيم التصحيح الناصري .

تغلب التنظيم على هذه المسألة وأعلن عن افتتاح أول مقر لتنظيم سياسي معاًرض في الساحة بعد الوحدة في سبتمبر 90 ، فقد كان التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري أول تنظيم يعلن عن افتتاح مقر رسمي له في الساحة من بين كافة التنظيماًت ، وبالتالي تغلب التنظيم على كل المحاولات التي كانت تستهدف وحدته التنظيمية والسياسية ، واستطاع منذ تلك المرحلة إلى اليوم ان يبقى تنظيماً سياسياً ناصرياً موحداً ، وعقد منذ إعلأن الوجود والتعددية والعمل العلني ثلاثة مؤتمرات ، ونحن الآن نعد للمؤتمر الرابع منذ إعلأن الوحدة وهو المؤتمر الحادي عشر منذ تأسيس التنظيم . 

 هل دُعي التنظيم الناصري للحوارات التي دارت قبل تأسيس المؤتمر الشعبي باعتباره مظلة سياسية كانت تضم كافة الأحزاب ، هل شارك التنظيم في الحوارات التي أسست للمؤتمر الشعبي العام ؟

- على حد علمي انه شارك عدد من الناصريين حينها في صياغة « الميثاق الوطني» ،منهم من رحل ومنهم ما زال على قيد الحياًة ، وجوهر « الميثاق الوطني»هو جوهر لا يختلف معه الناصريون .

ذكريات لزجة

 هل كنتم تشعرون أن مسار تحقيق الوحدة كان طبيعياً أم إنه استعجل في إعلانها ؟

ـ هذه الأمور لم يتم الالتفات إليها ، كان الأمل والحلم الكبير هو ان تتحقق الوحدة أياً كانت جوانب القصور والأخطاء الصغيرة التي كانت تقف في طريق الوحدة ، وكنا نأمل بأن يتم فيما بعد تجاوز وتصحيح أية هفوات حدثت في إعلأن الدولة ، لكن يبدو أن الإخوان الذين قاموا بهذا العمل الكبير لم يكن وارداً في أذهانهم الحفاظ عليه وتطويره وتنميته لكي يكبر ويكبروا معه ، بمعنى آخر كان الهدف هو إعلأن الدولة ، أما فيما بعد فإنه يبدو أنهم لم يستطيعوا ان يحافظوا على بناء دولة الوحدة حتى في الصيغ التي أعلنت في الوثائق ، يعني الأخذ بافضل ما في النظامين فهم لم يبحثوا عن أفضل ما في النظامين ، بل اتجهوا إلى الصراع ، وحينها أضاعوا الهدف الكبير وأعاقوا نمو الوحدة بشكل الذي يطمح إليه كل يمني بل وكل عربي .

عندما أتقابل مع إخواني العرب اليوم أجد أيديهم على قلوبهم خوفا على الوحدة مما يسمعون من وسائل الإعلام ، لأنهم حريصون على هذه الوحدة كما لو كانت هذه الوحدة وحدتهم وكأن اليمن وطنهم بالفعل ، المشكلة ان بقاء الأوضاع كما هي أو تدهورها هو ضياع لمصير هذا البلد وضياع لمستقبل أبنائه وضياع كل الآمال التي ناضل من أجلها اليمنيون ويتطلع إليها كل طفل في هذا البلد .

 برأيك ما الذي دفع بالتسريع في الإعلان عن دولة الوحدة ، هل كانت هناك حسابات لكل طرف ؟

ـ هناك تفسيرات كثيرة لذلك ، لكن باعتقادي أن إعلأن إعادة تحقيق الوحدة بغض النظر عن الحسابات ، كان عملاً عظيماً بكل المقاييس ، الشيء السلبي أن الذين قاموا بالوحدة لم يتشاوروا مع أي أحد في كيفية بناء دولة الوحدة فيما بعد ، يعني أنهم أعلنوا الوحدة دون التشاور مع الآخرين .

 أي مشاعر انتابت سلطان العتواني والناصريين بشكل عام يوم إعلان دولة الوحدة ؟

ـ في الحقيقة لا استطيع أن أصف مشاعري وأنا أسمع إعلان 30 نوفمبر 89 لقيام دولة الوحدة ، حيث تلا ذلك نزولي مع عدد من إخواني إلى عدن ، وعندما دخلت عدن استعدت ذكريات طفولتي التي عشتها في شوارع الشيخ عثمان ودراستي في كلية بلقيس ، تذكرت كل شيء ، فقد شعرت أن حياًتي التي افتقدناها في عهد التشطير قد عادت، خاصة عندما رأيت الشوارع والأماكن التي كنت ارتادها وأنا صغير ، لم تكن هذه مشاعري كناصري فقط ، بل رأيت الكثير من اليمنيين غيري وهم فرحون بإعادة تحقيق الوحدة ، التي أعادت الحياًة من جديد إلى أرواح ودماء كل اليمنيين .

لقد شعر كل يمني بالفخر والاعتزاز والكرامة وأنه في ذلك اليوم صار كبيراًً مع هذا الحدث.

موقف الناصريين من حرب 94

 حدث اصطفاف سياسي واضح بعد الوحدة وحتى عام 94 إلى يوم الحرب ، أين كان يقف الناصريون ؟ ومع من ؟ ولماذا ؟

ـ كان الناصريون يقفون مع الحفاظ على دولة الوحدة ، وبذل الأخ أمين عام التنظيم السابق عبدالملك المخلافي مع بعض القيادات في التنظيم مساعي كثيرة لتهدئة الأوضاع ومنع نشوب الحرب ، ولا تنسى أن الأخ عبدالملك كان إلى ما قبل نشوب الحرب في عدن ضمن أعضاء لجنة الحوار لمنع وقوع الحرب ، ولهذا لعب التنظيم دوراًً كبيراًً في محاولة الحيلولة دون اتساع نطاق الحرب ، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري كان الحزب الوحيد الذي بقي مقره مفتوحاً خلال فترة الحرب ، حيث لم تغادر قياداته صنعاء ، رغم أن حينها كانت فترة عيد ، لأن بعض المقرات هوجم وبعضها أغلق .

وظل التواصل مستمراً خلال هذه الفترة بين قيادات التنظيم وبين الأطراف التي تدير الحرب في محاولة من التنظيم لمنع استمرار الحرب ، لكن الأمر كان خارجاً عن السيطرة ، والحزب أدان الحرب والأنفصال معاً ، لهذا لم نقف مع طرف ضد آخر ، بل وقفنا مع الوحدة ضد من يحاول المساس بها أيا كان هذا الطرف ، كما دعونا إلى ضرورة حل أي خلافات بالحوار بعيداً عن المساس بدولة الوحدة . 

لايقرأ التاريخ

 لماذا كان يصور موقف الناصريين بأنه موقف نصير أو مساند على الأقل للحزب الاشتراكي في تلك الفترة ؟

ـ لايزال مثل هذا الكلام يطرح حتى اليوم ، لأن دوائر حزبيه للأسف لا تقرأ التاريخ وترمي بالتهم على التنظيم الوحدوي الناصري جزافاً ، رغم ان التنظيم كان واضحاً في مواقفه كلها ، فالتنظيم لم يتحيز إلى أي طرف ، التنظيم تحيز للشعب وللوحدة ، ومع ذلك فإنه لا يأبه لمثل هذه الاتهامات ، لأن موقفه واضح وموثق من خلال بيانات معلنة ومن خلال الوثائق المنشورة والتقارير التي قدمها التنظيم لمؤسساته الحزبية وأعلن موقفه الواضح من كل شيء ، بالإضافة إلى الدور الذي قام به ولازال يقوم به في إطار الحفاظ على دولة الوحدة مع كل القوى الوطنية التي تحرص على ان تحفظ للوحدة كيانها ولليمن استقراره ، طبعاً التهم جاهزة ولكنها ليست حقيقية على الإطلاق . 

 ماذا برأيك الأسباب التي دفعت الطرفين للوصول إلى الحرب ؟

ـ ربما كانت غاية ما يطمح إليه من قاموا بإعادة تحقيق الوحدة هو الإعلأن عن الوحدة ، لكنهم لم يعملوا بنفس الروح على إيجاد بنيان وأسس قوية لمؤسسات دولة الوحدة ، فقد احتكروا المسألة في أيديهم كقيادتين .

واعتقد ان كل طرف كان يتكتك على الآخر، لهذا وصلت الأوضاع إلى حد الأنفجار ، طبعاً كان إعلأن الأنفصال دفع بالناس إلى هذه الحرب بحجة الحفاظ على الوحدة ، لكن البعض لم يعمل على استيعاب الماضي وتجاوز الحالة التي وصلت فيها الأمور إلى حالة الحرب ، وهذا الأمر هو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه .

 يربط البعض أحداث حرب الخليج بما حدث من اهتزاز الثقة بين صناع دولة الوحدة ، هل تعتقد ان هذه القضية أحدثت انشقاقاً في موقف القيادة اليمنية من حرب الخليج ؟

ـ لو أن القيادتين شعرتا بعظمة ما أنجزتاه لخلقتا لدولة الوحدة وضعاً أقوى مما كان عليه أثناء حرب الخليج ، لكنني أعتقد أن الأحلام كانت تبدو كبيرة ، إلا أن الممارسات كانت صغيرة ، الأمر الذي قزم المشروع الوطني إلى الحد الذي أوصلنا إلى الحرب . 

طبول الحرب

 متى شعرتم بأن الحرب صارت على الأبواب ؟

ـ كنت عضواًً في مجلس النواب وكنا نتابع مجريات الأزمة وانفجار الأوضاع في عمران ثم في دوفس ثم في مكيراس ، كنا نشعر بأن المسألة لن تتجاوز مثل هذا الحد ، لكن يبدو ان الأوضاع كانت تسير نحو التدهور، وأتذكر أنني كنت في أمريكا ضمن وفد برلماني وسئلت هذا السؤال : “ هل تتوقع بأن تقوم الحرب ؟ “ ؛ فقلت إن ذلك مستحيل ، كان عندي نوع من الثقة أن المسألة لن تصل إلى هذا الحد ، لكن يبدو ان كل طرف حافظ على قوته العسكرية دون دمج وهذه من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها صناع دولة الوحدة ، فعندما نشب الخلاف بدأ كل واحد يتمترس وراء القوة العسكرية التي كان يعتقد أنها تمثله ، وهذا الأمر هو الذي أوصل بالأوضاع إلى ما وصلت إليه ، لأن هذه القوة العسكرية كانت تحرص على أن الصراع والخلاف لا يمكن ان يصل إلى حد التفريط بدولة الوحدة ، لكن الطرف الذي اعتقد بأن الجيش الذي يتبعه سيقف إلى جانبه لم يقف إلى جانبه ، الجيش انقسم على بعضه لأنه كان مع الوحدة أساساً ، وهذه من الأخطاء الكبيرة التي هددت الوحدة أثناء الحرب . 

 كان الناصريون ضمن القوى السياسية التي انضمت إلى لجنة الحوار الوطني والتي توصلت إلى وثيقة العهد والاتفاق ، هل تعتقد ان الوثيقة كانت مخرجاً حقيقياً للأزمة أم إن الخلافات كانت قد تجاوزت كل شيء ؟

ـ في اعتقادي كانت الوثيقة عبارة عن رؤية وإطار نظري وتصلح لأن تكون وسيلة لإصلاح أوضاع دولة الوحدة ، لكن يبدو أن البعض قد صمم على السير في اتجاه مغايير .

وأثناء عودتنا مباشرة من عمّان إلى صنعاء فوجئنا أن علي سالم البيض لم يعد إلى صنعاء وكنا نتوقع ان يعود معنا إلى صنعاء ، لكنه ذهب إلى مكان آخر ، ثم بدأت الأمور تتدهور فيما بعد ، يبدو أن الأمور حسبت حسبة خاطئة ، والقوى الوطنية لم تكن تمتلك القدرة على ان تحول دون وقوع الحرب ، لأن الطرفين جرداها من كل وسائل القوة .

  هل بذل الناصريون جهداً استثنائياً خارج لجنة الحوار للتقريب بين وجهتي نظر الطرفين المختلفين ؟

ـ نعم ، وأتذكر في هذا الصدد أن الأخ عبدالملك المخلافي وقيادة التنظيم دفعا بالكثير من القيادات العربية المشهود لها للتدخل ، مثل محمد فوزي وغيره لتخفيف الاحتقان وتقريب وجهات النظر ، وقام محمد فوزي بدور كبير للتواصل مع مثل هذه القيادات للعمل على احتواء الأزمة ، بالإضافة إلى الدور الذي كان يقوم به عدد من قيادات التنظيم في العمل على امتصاص النقمة وامتصاص الاحتقان الذي كان قائماً بين الطرفين ، بمعنى أن قيادة التنظيم لم تدخر جهداً حينها في العمل على الحيلولة دون تفجر الأوضاع ، لكن كانت الأمور أقوى من هذه المحاولات . 

 في يوم الحرب ، كيف وجدتم أنفسكم ؟

ـ يوم الحرب كان يوماً قاتماً في حياًتي وحياًة الكثير من أبناء الشعب اليمني ، فلم نكن نصدق ما نسمع وما نشاهده على شاشات التلفزيون وعلى أرض المعاًرك التي كانت تدور ، لأننا كنا نعتقد أن مهما كانت الخلافات إلا أننا لم نكن نتوقع أو نتصور بأن تصل الخلافات إلى حرب ، يمكن ان تحدث مناوشات هنا أو هناك ، لكن أن تصل إلى حالة الحرب وان يقتتل الإخوة فهذا الذي لم يكن بالحسبأن على الإطلاق ، وبالتالي كانت أيام الحرب أياماً مُرّة في حياًتنا . 

 ما هو أسوأ يوم مر عليك أثناء الحرب ؟ هل يوم إعلأن الأنفصال أم ماذا ؟

ـ إعلأن الأنفصال وإعلأن الحرب ، الاثنان معاً ، وقد شعرت بالخوف على الوحدة في اليومين معاًً .

 بعد الحرب كيف بذل الناصريون جهداً لتهدئة الأوضاع أو للتواصل مع القيادة من أجل تهدئة النفوس؟

ـ هذا سؤال يمكن ان يجيبك عليه الأخ عبدالملك المخلافي ، لأنه في الحقيقة كان يبذل جهداً كبيراً في هذا الجانب ، لكننا في إطار قيادة التنظيم أصدرنا بيانات أعلنا فيها موقفنا من الحرب .

كنا حريصين على أن لا تمتد آثار الحرب إلى مرحلة ما بعد الحرب ، ودعونا إلى ضرورة معاًلجة الأوضاع وعودة الأمور إلى طبيعتها وتجاوز كل آثار الحرب ، كان هناك ولا زال حتى اليوم من يقول ان التنظيم الوحدوي الناصري كان طرفاً في هذا الأمر .

إفرازات الحرب

 هل كرست الحرب برأيك مصطلحات عند الناس بعد الحرب ؟

الحرب كرست مظاهر سلبية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم ، خلقت للأسف ثقافة الكراهية وينبغي تجاوزها بشكل سريع من خلال مشروع وطني كبير يتجاوز هذه المحنة .

الممارسات والسياسات التي ارتكبت بعد الحرب عملت على ترسيخ وخلق مثل هذا الشعور عند الكثير من الناس لأن هناك مظالم ارتكبت .

مثل هذه المظاهر كان يجب ان تنتهي بعد انتهاء الحرب ، وبالتالي كرست هذه الممارسات هذا الواقع .

بالطبع أنا ضد من يقول هذا شمالي وهذا جنوبي ، لكن من يتم اختياره من الشمال وهو عنصر رديء ، كرس واقعاً غير سوي في المحافظات الجنوبية ، بمعنى لو ان هذا العنصر ، وهو من الشمال تم اختياره من واقع كفاءة ربما لن يشعر الناس بمثل هذه المرارة أو لن يتعمق لديهم مثل هذا الشعور ، لكن للأسف تم الاختيار لعناصر سيئة لا ترى من واجبات عليها ، هذا خلق رد فعل غير عادي .

وكنا في التنظيم أول من دعا إلى خلق اصطفاف وطني لحماية الوحدة في مؤتمرنا العاشر ، ثم جاء اللقاء المشترك وأعلن برنامجه للاصلاح الوطني الشامل ، والذي تحدث عن كثير من الجوانب التي ينبغي إعادة النظر فيها ، خاصة في ممارسات السلطة ، وأشار إلى ضرورة إزالة آثار حرب 94 وتصفية آثار الصراعات السياسية السابقة على حرب 94 والتي كانت قائمة سواء في إطار الشطرين أو بعد دولة الوحدة .

ولو انه تم الاستجابة إليها حينها وتم التعامل معها بنوع من الجدية لكي لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه لكنا تجنبنا الكثير من المآسي والويلات التي نعيشها اليوم. 

 بصراحة هل هذه هي دولة الوحدة التي كانت تحلم بها ؟

ـ لا ، بكل تأكيد ليست هذه هي دولة الوحدة التي كنت أحلم بها ، دولة الوحدة التي كنت احلم بها ولازلت احلم بها هي دولة مؤسسات ، دولة نظام وقانون ، دولة شراكة ، دولة مساواة ، دولة عدالة ، دولة ديمقراطية وحريات وليست هذه الدولة . 

 أين برأيك أخفق اليمنيون وأين أصابوا خلال عقدين من الوحدة ؟

ـ النجاح هو بأنهم أعادوا تحقيق الوحدة ، والنجاح أيضاً أنهم تحملوا كل ويلات ما بعد تحقيق الوحدة وما جرى خلالها إلى اليوم ، هذه من المسائل التي تحمد لليمنيين ، وهذه مسألة نعتز بها كيمنيين ، ان هناك هدفاً كبيراًً نتحمل من أجله الشيء الكثير .

أما الإخفاق فهو أننا لم نستطع خلال هذه الفترة أن نحول دون بروز أو ظهور الممارسات الخاطئة التي تهدد الوحدة ، صحيح ان هناك انتقادات ، لكننا لم نستطع ان نوقفها ، الفعل الشعبي كان ضعيفاً والفعل السياسي كذلك ، وهناك طبعاً مخاوف من الخروج .

أخفق اليمنيون في معاًلجة الوضع الاقتصادي وفي مواجهة ثقافة الكراهية التي نشأت ، فقد كان ينبغي على دولة الوحدة ان تزيل كل الرواسب التي كانت قائمة في ظل الشطرين وان تلبس دولة الوحدة ثوباً مختلفاً يتمناه كل يمني بسيط .

لقد عشت في عدن وكنت أرى الوحدة في عدن في ظل وجود الاستعمار البريطاني أكثر مما كنت أراها وأنا في الشمال ، كان الوعي بثقافة الوحدة والتوحد في الجنوب كبيرة ، في الشمال كانت هناك أمية وانغلاق وصراعات قبيلة والى آخره ، وهذا لا يعني انه لم يكن هناك إيماناً بالوحدة ، لكنني أقول انه كانت هناك صعوبة في التواصل مع مناطق الشمال .

الإخفاق والنجاح أيا كان قدره لا يعفينا كيمنيين ان نتجاوز مثل هذه الأوضاع وان نعمل بكل إمكانياتنا وبكل طاقاتنا مهما كانت التحديات على ان نحفظ وحدة وطننا وان نعمل على بناء دولة الوحدة البناء الذي طمح إليه من سبقونا بالشهادة ومن ناضلوا من أجل بناء هذا المنجز العظيم ، وهذا لن يتأتى إلا من خلال مشروع وطني كبير يتم فيه استجلاء كافة آراء اليمنيين من خلال حوار وطني شامل تناقش فيه كل قضايانا لكي نصحح فعلا كل الأوضاع وكل العلل التي اعترضت بناء دولة الوحدة الحلم الذي تحقق في 22 مايو1990 .

 هل يقلقك ما يحدث من دعوات للأنفصال و فك الارتباط ومن تصاعد النزعات المناطقية التي لم تشهدها اليمن حتى في عهد التشطير؟

ـ لا يخيفني لوحدي ، بل يخيف الجميع ، خاصة إذا ما استمرت هذه النزعات ، أن تكون هناك دعوات ويتم إيقافها من خلال معاًلجات حقيقية لمسبباتها أمر طبيعي ، لكن ان تستمر وان تكون هناك ممارسات تدفع بهذه الأصوات إلى المزيد فهذا هو المخيف .

لذلك نقول إن الوضع القائم اليوم في الجنوب ينبغي أن لا يترك يتفاقم لأن التراكم الكمي يؤدي إلى التراكم الكيفي ، وأنا أحذر من قضية التجاهل أو التغاضي عما يجري ، فلابد من ان تكون هناك وقفة جادة لوقف مثل هذه الممارسات وإيقاف مثل هذه الدعوات من خلال اصطفاف وطني ومن خلال مشروع وطني يشمل الكل ويقبل بالكل. 

 

 

 

 

 

إقراء أيضا