الرئيسية المقالات مدارات دمعة في وداع الأستاذ هاشم علي عابد
دمعة في وداع الأستاذ هاشم علي عابد
محمد سيف الحسني
محمد سيف الحسني

هذه هي الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك قد حلت علينا ، وهي الجمعة الاولى على رحيلك عنا جسدا طيب الله ثراك .

على مدى هذا الأسبوع ، كلما حاولت أن أكتب ، إشتد بي الحزن وأبت أن تطاوعني الكلمات ، في أن أخرج ما يجيش في صدري من وجع الفراق .

 لقد تداعت الذكريات وتزاحمت ، فأصابتني الحيرة من أين أبدأ ، فكانت هذه السطور ، هل أبدأ مثلا من 25سبتمبر 1967م ، اليوم الذي شكل على يديك نهاية مرحلة ، وبداية أخرى من حياتي ، تغير فيه معها مسارها وأستمر دون إنقطاع ؟!! أم من لقاءتنا في تعز ، وقد كانت محطات اللقاء فيها متنوعة ومتعددة ، في الجمعية الخيرية لابناء المنطقة ؟!! أم في مقر صحيفة مأرب الأسبوعية ، التي قمت بتأسيسها في العا1971م ، وفيها إقتربنا للمرة الأولى ، وكنا مجموعة من الزملاء من عرش صاحبة الجلالة ؟!! لقد بقي التواصل مستمرا لم ينقطع في تعز ، ثم في صنعاءمنذ العام 1973م ، حين كلفت للإنتقال إليها ، ولكن على فترات متباعدة ، أثناء زياراتك لها ، خصوصا منها ما كان في العصر الذهبي لليمن الحديث ، في ظل حركة 13 يونيو العام 1974م حتى 11 أكتوبر المشئوم العام 1977م.

لم ينقطع التواصل المباشر سوى بضعة شهور ، كان السبب فيه مغادرتي صنعاء إلى الكويت ، مطلع العام 1978م، لأداء مهمة الملحق الثقافي بسفارة بلادنا 

هناك ، حتى إنتفاضة 15أكتوبر الشعبية المسلحة ، فكانت مضايقات جهاز الأمن وراء مغادرة مقر عملي بالسفارة ، والتوجه للعراق ، ثم إلى لبنان أواخر شهر أكتوبر من ذلك العام ، للبدء بتحرك سياسي وإعلامي ، لكشف أساليب النظام الفاسد ومن يساندونه ، في ضرب الحركة الوطنية اليمنية ، ثم قدم إلى بيروت الدكتور عبد القدوس المضواحي رحمة الله تغشاه ، من عدن مكلفا بزيارة لبيروت وعواصم عربية أخرى ، بهدف مواصلة الحملة لتنوير الرأي العام العربي والدولي ، وكشف الجرائم التي إقترفها النظام ، وقد ابلغني تكليفك بمرافقته أثناء زياراته للبنان والعواصم العربية الأخرى ، وكانت محطته الأولى قبل ان نتوجه إلى دمشق وطرابلس الغرب ، حيث قام بوضع الإخوة الناصريين والحركة الوطنية اللبنانية ، في صورة الوضع ، الذي ترتب على فشل الإنتفاضة ، والخطوات التي قام بها التنظيم ، للتصدي للحملة التي شنها النظام للقضاء عليه ، وإضطرار قياداته وكوادره العسكرية والمدنية لمغادرة المدن إلى الأرياف ، لتنظيم عملية المقاومة للتصدي لجرائم النظام ، فيما توجه بعضها مباشرة إلى عدن ، وكنت من بين تلك المجموعة من قادة التنظيم ، الذين وصلتم سالمين إليها ، وتشاء الأقدار أن تلقي على كاهلك مرة اخرى ، مع مجموعة من رفاق الدرب ، ممن لا يزالون على قيد الحياة ، اطال الله بأعمارهم ، شاءت أن تلقي عليك بعبء المسئولية الأساسية على رأس تلك المجموعة ، لإعادة ترتيب أوضاع التنظيم ، إلى الوضع الذي يمكنه من مواصلة دوره النضالي الوطني والقومي ، بعد الضربة الموجعة ، التي تلقاها على أيدي النظام الأسبق إثر فشل الإنتفاضة .

ثم عاد التواصل من جديد ، فكانت عدن إحدى محطاته ، ثم دمشق وغيرها ، حتى عدت مجددا إلى تعز ثم صنعاء بعد العام 1982م ، لمواصلة دورك الذي لم يتوقف يوما ، على مدى سنوات نضالك الممتدة منذ البدايات الاولى لتأسيس التنظيم في العام 1965م ، لم تتوقف يوما عن بذل الجهد والتضحية والتفاني في الحفاظ على مسيرة النضال متصاعدة صوب تحقيق أهدافها المنشودة ، ويذكر بهذا الشأن الإسهام المميز الذي قمت به في اللقاءات التي شهدتها عدن للتحضير لإعلان الوجود في ديسمبر 1989م . ثم في لقاءت صنعاء لأعادة ترتيب الأوضاع التنظيمية تمهيدا لإفتتاح المقر المركزي للتنظيم كاول مقر لتنظيم سياسي يجري الإحتفال بافتتاحه في العاصمة صنعاء في ظل إستمرار القوانين المقيدة للحريات ، عقب الإعلان عن إستعاد الوطن وحدته المباركة في ال22 من مايو 1990م ، وإنتقال نشاط التنظيم من السرية للعلنية ، وأعادة إصدار صحيفة الوحدوي الناطقة باسم التنظيم بصنعاء ، شمرت عن سواعد الجد وإلى جانب الجهد الجبار الذي بذلته في العمل لتأسيس دائرة الشئون التنظيمية في المقر المركزي للتنظيم ، كان إسهامك فاعلا في الدفع قدما بالعمل الإعلامي مهنيا وسياسيا حتى أصبحت الوحدوي مدرسة صحفية تخرج منها عدد من الأسماء الصحفية اللامعة والمتألقة وإنتقل بعضها إلى مؤسسات إعلامية أخرى لأداء دورها الوطني في حمل رسالة التنوير لكل فئات المجتمع المحلي ونقل قضايا اليمن وأخباره للرأي العام العربي والدولي .

وظل هذا شأنك مذ عرفتك تقدم نموذجا للقائد المناضل الذي يتفانى بخدمة التنظيم بنكران للذات قل نظيره وبأخلاقية نضالية عالية لامثيل لها .

وحتى اليوم الحزين الذي فارقتنا فيه جسدا ، بقيت تتابع عن كثب اوضاع التنظيم ، على الرغم من مرضك وتكرار زياراتك لقاهرة المعز ، لإجراء الفحوصات وتلقي العلاج ، حتى فاضت روحك الطاهرة إلى باريها . 

غادرتنا يا ابا مراد ، في وقت نحن في امس الحاجة لوجودك بيننا ومعنا ، مرشدا وموجها ورائدا ، خصوصا بعد ان أثخنت جراح الحرب الكريهة الوطن ، وأدمت كل خلية من خلاياه ، على إمتداد السنوات الماضية ، وألقت بضلالها الكئيبة على كل شيئ فيه ، . و مع إيماننا بأن الموت علينا حق ، وتلك مشيئة الله في خلقه ، ولاراد لمشيئته سبحانه وتعالى ، لكنك باق بيننا ، بروحك وخبرتك وتجربتك ، فقد تربى على يديك ، جيل من القادة المناضلين ،الذين لايزالون يقبضون على المبادئ والثوابت ، ثابتين على الوعد والعهد وما بدلوا تبديلا ، يناضلون تحت راية الحرية والإشتراكية والوحدة .

أيها القائد الفذ ، الذي سيبقى يسجل حضوره في تاريخ التنظيم والوطن وأمته العربية ، وترافقنا ذكراه العطرة أينما إتجهنا ، نتذكره بفخر وإعتزاز ، كما أسرته الكريمة المكلومة بفراقه ، ونتذكر المناقبية العالية التي طبعت حياته ، فقد عاش زاهدا بمباهج الحياة وزخرفها ، وقنع منها باليسير ، ولم يسيل لعابه يوما أمام مغريات السلطة وإمتيازاتها ، وقد كان بمقدوره لو أراد ، فهو من هو ، لكنه كان شديد الإيمان ، بتحقيق العدل والمساواة بين الناس ، و في منحهم جميعا فرصا متكافئة للتعليم وإكتساب المعرفة ، وفرصة أيضا للعمل لإبراز قدراتهم وإستثمارها في خدمة الوطن ، لذا كان إهتمامه كله منصبا على بذل الجهد لبناء التنظيم ، كجزء من حركة النضال القومي ، لتحقيق أهداف الأمة العربية ، وبناء دولتها الواحدة من المحيط إلى الخليج .

نم قرير العين ياأبامراد نعترف بأن رحيلك أحزننا ، وسنفتقدك كثيرا ، ولكنا نثق أن روحك الطاهرة في العلياء ، ستبقى ترقب هذه المسيرة النضالية المباركة ، مع أرواح إخوة نضالك من الشهداء ممن سبقوك على هذا الدرب .

نسأل الله أن يسكنك الدرجات العلى في جنات النعيم ، مع الطيبين الأخيار وان يلهم عائلتك الكريمة ويلهمنا جميعا جميل الصبر والسلوان .

إنا لله وإنا إليه راجعون .

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي