الرئيسية المقالات مدارات اليمن على شفا الكارثة
اليمن على شفا الكارثة
براين أونيل
براين أونيل

تعيث ثلاث أزمات خرابا في اليمن. وتتمثل هذه الأزمات في التمرد الحوثي القوي المتجدد في الشمال، والحركة الانفصالية التي تزداد عنفا في الجنوب، والتهديد الكبير الذي يشكله الجيل الثاني من تنظيم القاعدة. فضلا عن ذلك، على اليمن أن يتعامل مع هذه الأزمات الثلاث في خضم انهيار مالي وكارثة بيئية تلوح في الأفق.

بات معروفا أن هذه التهديدات الثلاثة تشكل تهديدا وجوديا للبلاد؛ وأنه يمكن أن تحول اليمن من دولة هشة إلى دولة فاشلة كليا. هذا صحيح، لكنه يغفل أيضا عن نقطة أساسية: فهذه الأزمات تثير، معا وعلى حدة، أسئلة حول ما إذا كان اليمن موجودا فعلا كدولة حديثة ومركزية.
كيف وصل اليمن إلى هذا الوضع؟

تداعيات الإطاحة بالإمامة
لننظر أولا إلى شمال اليمن، حيث أطيح بالإمامة المتعبة التي حكمت المنطقة عام 1962 واستبدلت بجمهورية بعد الحرب الأهلية، وتراجع الزيديون الشيعة الذين كانوا موالين للنظام القديم، إلى شبه قبول وعلى مضض بالدولة. لكن كما كانت سلطة الإمام تقتصر على المدن الكبرى، كانت للحكومة الجديدة سيطرة محدودة.  الحروب قد تدخل اليمن نفقه المظلمأعيد إحياء الزيدية في حقبة ما بعد التوحيد، لكن ما عدا الفترة القصيرة التي أمضاها حسين بدر الدين الحوثي في البرلمان، كانت المشاركة السياسية ضئيلة. فقد ازدادت التشنجات، وفي حين أنه لا يزال هناك خلاف حول من أطلق النار أولا، اشتد القتال عام 2004.
بدأ التفجر الأخير في الشمال في أغسطس الماضي، وهو الأكثر ضراوة حتى الآن، بحسب بعض التقارير. تم اتهام الحكومة بأنها تمارس قصفا مركّزا عشوائيا، كما اتهم الحوثيون باحتجاز رهائن. فسر عدد كبير من المراقبين (من الخارج) القتال بأنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، لكن هذا التفسير يغفل عن تركيبته اليمنية الصرف. لقد تبدل القتال على مر السنين، وتورطت فيه حتى قبائل غير زيدية. فهم يشعرون بالإهانة لأن الحكومة المركزية التي لا تبالي إلى حد كبير بحياتهم، تظهر الآن اهتمامها عن طريق استخدام الدبابات والمقاتلات. وعبر القيام بذلك، ربما أجهز الرئيس علي عبدالله صالح على القبول غير السهل الذي كانت أظهرته القبائل الشمالية حتى الآن حيال الحكومة المركزية البعيدة.

القاعدة يعود أكثر قوة
يتجذر صعود تنظيم القاعدة والحركة الانفصالية الجنوبية جزئيا في الحرب الأهلية التي اندلعت بعد أربع سنوات من توحيد شمال اليمن وجنوبه عام 1990. في تلك الحرب، استعمل الرئيس صالح الجهاديين العائدين حديثا من أفغانستان والمستعدين لمواصلة القتال ضد الشيوعيين. بعد انتصار الشمال، سمحت السلطة للمقاتلين في الجنوب بالسيطرة على بعض الأراضي، وفرض صيغة أولية لحكم إسلامي على الجنوب. عندما يترنح بلد ما من أزمة إلى أخرى، كما يحصل في اليمن منذ نشوئه، غالبا ما يعجز القادة عن رؤية التداعيات التي ستنبثق غدا عن القرارات التي تتخذ اليوم.
شدد مذاق السلطة عزيمة المقاتلين الإسلاميين، وظهر تنظيم القاعدة الأقوى بين العديد من المجموعات القتالية. وكان التنظيم قد مني بهزيمة كبيرة في اليمن بحلول عام 2003، لكنه استجمع قواه من جديد بقيادة ناصر الوحيشي وقاسم الريمي. هذا الجيل الجديد أشد قسوة وهمجية من الأول، وأقل استعدادا للتقيد بتقاليد التفاوض والمساومة التي عرفها اليمن على مر الزمن.
الجيل الجديد من قادة القاعدة أكثر موهبة وطموحا أيضا. في يناير 2009، اندمجت فروع تنظيم القاعدة في السعودية واليمن في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية المتمركزة في اليمن بقيادة الوحيشي والريمي. فبعد سلسلة من الضربات الناجحة، شنوا في أغسطس هجومهم الأكثر إثارة للصدمة، أي التفجير الانتحاري الذي كاد يودي بحياة محمد بن نايف الذي نظم حملة ناجحة ضد التنظيم في السعودية. كان هذا الهجوم من تخطيط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أي المجموعة التي يقودها الوحيشي والريمي، مما يظهر نموها على الساحة الدولية وانتشارها وجرأتها. ولعل أكثر ما أثار الغضب هو صمودها. يكتفون بتسديد ضرباتهم عندما يكونون قادرين على ذلك، وفي الانتظار يدعون الحكومة تتخبط مع مشاكلها الأخرى.

تقصير الدولة وتقاعسها
تنبع الحركة الانفصالية من شعور اليمنيين الجنوبيين بأن أبناء بلادهم يستعمرونهم منذ الحرب الأهلية عام 1994. فقد تلقى الجنوبيون وعدا بالدمج، لكنهم عوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية، ولم يتمكنوا إلى حد كبير من ارتقاء السلم في الجيش الذي هو المؤسسة الأولى للنمو الاجتماعي في اليمن. تفشى الاستياء، وتحول عام 2008 إلى انتفاضة مرتفعة الصوت صارت تزداد عنفا يوما بعد يوم، إذ انتقل اليمنيون الجنوبيون من الغضب من عدم دمجهم في سياسة الدولة ومؤسساتها المالية إلى الرغبة في ألا يعودوا جزءا من تلك الدولة.
ليس هناك تداخل فعلي بين التهديدات الثلاثة للدولة اليمنية. فقد حاول تنظيم القاعدة استغلال الحركة الانفصالية في الجنوب، لكن سرعان ما اصطدم بالرفض. فليس هناك التقاء في الأهداف، إذ لا تريد القاعدة دولة علمانية في الجنوب. وفي الوقت نفسه ليست لدى الجنوبيين مصلحة في إعادة إحياء الزيدية في الشمال، كما أن الزيديين معادون لسلفية القاعدة بقدر عدائهم لصنعاء.
لكن يجب النظر إلى التهديدات الثلاثة معا بسبب التأثير التراكمي الكارثي الذي تمارسه على الدولة غير المستعدة للتعامل معها. لقد أطلق الرئيس صالح وعودا بتطبيق اللامركزية وتحقيق الازدهار الاقتصادي في الجنوب، كما دعا إلى حوار وطني. لكن يبدو أن الجنوبيين تجاوزوا نقطة اللاعودة. فليس هناك ازدهار تشاطره الدولة معهم، وليست لدى الجنوب مصلحة في أن يبقى جزءا من دولة ترزح تحت وطأة الإرهاب والتمرد.
أما بالنسبة إلى الشمال، فيبدو أن الحكومة تحاول القضاء على الحوثيين عسكريا بينما ترجئ المصالحة من أجل كسب بعض الوقت للتعامل مع مسائل أخرى. لكن على الأرجح أن هذا الأسلوب سيقود إلى طريق مسدود، لأن التكتيكات الحالية ستجعل من المستحيل قبول المصالحة مع الدولة في المستقبل.

النظام يتداعى
على الرغم من أن حركات التمرد الثلاث لا تتشاطر أهدافا في ما بينها، إلا أنها - مجتمعة - تقوض الدولة اليمنية وتشكل تحديا مباشرا للحكومة المركزية في صنعاء وحزب مؤتمر الشعب العام والرئيس صالح.
لذلك من المهم التذكر أنه لم تكن هناك دولة يمنية قبل نحو 40 عاما، وأنه في الأعوام الثمانية عشر الأخيرة فقط تمددت الدولة عبر أراضي اليمن التاريخية. قد يكون هناك مفهوم قديم للأمة، غير أن حركات التمرد الحالية تعتبر، كل على طريقتها، المحاولة الأخيرة والمتهورة لترجمتها إلى دولة، بأنها فاشلة.
حتى الحكومة القوية والفعالة ستجد صعوبة في معالجة مسألة حركات التمرد، إلى جانب رفع التحديات المالية والبيئية الخطيرة التي يواجهها اليمن. ونظام صالح ليس قويا ولا فعالا، كما أن ملايين المواطنين اليمنيين يتشككون الآن في شرعية رئيسهم.
تضع حركات التمرد اليمن على شفا الكارثة؛ فهي تعترض قيام دولة يمنية حديثة وموحدة.

(عن كارنيغي).

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي