شدني عنوان مقال في صحيفة 26 سبتمبر العدد 1479 وتاريخ 22 اكتوبر 2009م الصحفة الثالثة بعنوان: «تقديراً لذكرى الرئيس الحمدي» للكاتب نصر طه مصطفى.
واستبشرت خيراً به، خاصة وأنه يترافق مع الذكرى الثانية والثلاثين لاستشهاده، واعتبرت ذلك صحوة ضمير من قبل السلطة، خاصة وأنه يأتي في صحيفة رسمية.
ولكن لم يطل استبشاري مع قراءة المقال في بداياته، عندما اعتبر الكاتب أن ما كتب في الصحف الأهلية والحزبية هو استهداف للنظام وتصفية حسابات معه ومع الرئيس علي عبدالله صالح.
محمد مسعد الرداعي
فتأكد لي أن الهدف ليس التقدير، وأن ما كتب في الصحف الأهلية والحزبية شكل انزعاجاً للسلطة لتجعل من ذكرى فترة يونيو وقائدها أداة لتصفية الحسابات، خاصة وأنهم يذكروا ان الرئيس علي عبدالله صالح من أكبر المقربين الذين يثق بهم الشهيد الراحل إبراهيم ويعتمد عليهم في المهام الكبيرة، ويتضح الانزعاج في مطلبه، حيث لم يتم استذكار الشهيد في الذكرى الحزينة بذكر محاسنه وأدواره قبل الحركة، وكذلك مشروعه الوطني الذي بدأ مع تسلمه السلطة وهو الأفضل، وكذلك تكراره لعملية الخصومة، والتأكيد على أنه الأقرب إليه من كثيرين ممن يذكروا، ولكن ذلك الانتشار سرعان ما زال وتأكد لي بأن ما جاء في المقال بعيداً ومغايراً للعنوان فليس فيه من التقدير، وإنما حمل في طياته من التشويه للحركة والإساءة والتقليل من نضالات وتضحية قائدها وصولاً لاعتبار أن ما حدث في 11 اكتوبر محرفاً في تجاهله لحقائق الواقع ووقائع الأحداث والمنجزات للحركة التي لا ينكرها إلا جاحد، أو بعيد عن الواقع أو غائب للوعي، وما كنت أتوقع أن يصل الحال بالعزيز نصر الى الوقوع في هذا حتى لو كان مطلوب منه ذلك، فله الحق أن يمجد النظام الحالي لكن دون أن يصل به الحال الى أن يجعل من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً ومن الحقيقة افتراءً ومن الافتراء حقيقةً ومن التقدير اساءةً وتشويهاً ومن الإساءة والتشويه تقديراً، وأن يشوه أخصب مرحلة في تاريخ اليمن المعاصر، وأن يشوه قيادتها التي وهبت نفسها في سبيل المواطن والوطن واستقلاله وسيادته وتحقيق وحدته.
فنصر اعتبر ما حدث في 13 يونيو انقلاباًَ على أنقاض حكم مدني ديمقراطي، وأن الشهيد الحمدي كان على الأرجح واجهة لهذا الانقلاب لفترة مؤقتة وأنه تصرف بدهاء منذ سنوات عمره الأولى إذ تغدى برفاقه قبل أن يتعشوا به، وبدأ بصياغة مشروعه بكثير من المثالية وقليل من الواقعية، وأنه لا يمتلك خبرة سياسية ولم يصل مستوى النضج، وأنه أقحم نفسه في صراعات لم تنته إلا بما حدث في 11 اكتوبر 77م، وهي نهاية دامية ومأساوية لم يكن يستحقها.
وهذا التفسير غير الموفق يبدو أنه منطلقاً من الوعي الذي اكتسبه، عندما كبر متنقلاً من مرحلة الشباب الذي كان يحب فيها إبراهيم الحمدي، وهذا الوعي الذي افقده نعمة التفكير واستقراء الواقع وفرض عليه أن يقع فيما وقع فيه من تشويه للتاريخ الذي لم يكن للشهيد إبراهيم الذي أنكر ذاته لمصلحة الوطن، واعتبر أن أكبر ثورة وتضحية هي الثورة على النفس، وإنما هي ملك لليمن أرضا ًوشعباً وهو ما يستوجب التوضيح والتصحيح منطلقاً في الوقت نفسه مما تحدث به العزيز نصر بتناول أدواره قبل توليه قيادة البلاد وما كانت عليه، وكذلك مشروعه الوطني ومن واقع مجريات الأحداث.
و سأبدأ بتوضيح ما ذكره من أن الحركة كانت انقلاباً على أنقاض مشروع حكم مدني ديمقراطي. فهل المشروع المدني الديمقراطي يقود الى انهيار الدول وتدهور الأوضاع فيها وانتشار الفساد والسيطرة والرشوة والمحسوبية وغياب الامن والاستقرار وغياب سلطة القانون؟ بحكم أن الصراعات وغياب حقوق المواطنة وإلغاء العمل النقابي، هو ما وصلت إليه الأوضاع قبل يونيو، والتي تحدث عنها الأستاذ الراحل عبدالله البردوني في كتابه قضايا يمانية حيث قال:
«تبدي الوضع من 67 الى 74م غير تصحيحي وغير ثوري وغير ملكي وغير جمهوري، ولعله فقد الثورة من بدايتها من النظريات الوطنية ممتدة على المرحلة الأخيرة، إلا أن هناك يقضة شعبية كانت ترصد النظام واتباعه، وتكونت الثورة في النفوس على الاستغلال والانتهازية، وكانت الرشوة شبه علينة كما كان الاستغلال مرفوع الرأس، لكن في حصار من السخط الجماعي، حتى شعر النظام أن الشرعية غير شعبية برغم انتخاب رئيس المجلس الجمهوري من قبل مجلس الشورى. لم يظهر النظام بشعبية حقيقية لابتعاده عن مصالح الشعب من جهة، ولركاكة المجلس التشريعي من جهة أخرى فقد كان أكثر أعضائه بالتعيين وشبه التعيين وبعضهم بالانتخاب المزيف وأقل القليل بالانتخاب الحر. ومن هنا عجزت السلطة التشريعية عن تحقيق الشعبية حتى اضطرت القوات المسلحة الى أن تقدم مشروعاً تصحيحياً الى القيادة السياسية في عام 72م، وتجمد هذا المشروع لعجز السلطة من جهة ولاقتناع البيوت الكبيرة بالفوضى الإدارية والمالية. إن تحالف كبير بين جميع الكبار والجدد من ضابط وتجار ومشائخ في تجمع مصلحي، ولهذا تزايد التناقض مدة سبع سنوات حتى انفجر في 13 يونيو 74م، وكانت الحركة التصحيحية لتصحيح السابق.
وكانت ذات امتيازات مشرقة لأنها نبعت من نية صادقة في التصحيح الحقيقي، ومن معرفة ببواطن الفساد ووجوه المفسدين ومن انتماء لثورة سبتمبر وشعبيتها».
ناهيك عن ما تناولته صحيفة الثورة في افتتاحيتها في العدد 2266 وتاريخ 15-6-75م عندما قالت: «وشعبنا يعيش فترة الصحوة بعد أن ظل يسمع أقوالاً ووعوداً ويشاهد سلبيات ومراكز وقرابات قبل يونيو 74م، وفترة الصحوة هذه هي فترة الثقة والالتحام بين القمة الوطنية المتواضعة التي صهرتها تجربة الدفاع عن الشعب ورفضت كل فساد الاحتراف السياسي خلف كواليس الفترة السياسية التي سبقت حركة يونيو، وبين الشعب العظيم الذي يلتف حول قائده، والذي أدرك ويدرك أن طريق الشعب والوطن ومصالح الشعب والوطن هما الورقة الرابحة وهما الوضوح الدائم والحقيقة الدائمة».
أما حول خبرته السياسية فهل يعقل أن من عاصر الأحداث منذ قيام الثورة والدفاع عنها والتحاقه بالعمل السياسي لحركة القوميين العرب في عام 64م وهو في صفوف القوات المسلحة، وغادره في عام 68م بلا خبرة؟
وهو من كان ضمن القيادات السياسية والعسكرية التي تم توقيفها في القاهرة عام 66م المعارضة لحكم المشير عبدالله السلال مع عبدالرحمن الإرياني والنعمان والعمري، وسبق أن عُين وكيلاً لوزارة الداخلية في عام 67م بعد حركة 5 نوفمبر 67م، وتولى مسؤولية مكتب القائد العام خلال فترة حصار صنعاء، كما تولى قيادة القوات المتجهة لفك حصار حجة في عام 68م، وعين قائداً لمعسكر قوات العاصمة في عام 69م.
كان عضواً في المكتب السياسي للاتحاد اليمني الذي رأسه عبدالرحمن الإرياني، وهو التنظيم السياسي في عام 72م، ومن المؤسسين للعمل التعاوني الأهلي، وتولى رئاسة الاتحاد العام لهيئات التعاون الأهلي المنعقد في عام 73م.
وشارك في عضوية اللجنة العسكرية المنبثقة عن اتفاق القاهرة وطرابلس الوحدوي، سيما بعد حرب 72م والذي وجه نصيحة للرئيس سالم ربيع بأن نجاح الوحدة يكمن في إزالة التخلف، كما عُين في عام 72م نائباً لرئيس الوزراء بعد تقديمه مطالب وقرارات التصحيح للقوات المسلحة.
وعُين في 73 نائباً للقائد العام للقوات المسلحة، وكان المحرك لزملائه الوطنيين في قيادة القوات المسلحة خلال عام 71م، والتي شخصت الأوضاع وحذرت من الانهيار، وأعدت المطالب والقرارات التصحيحية التي سلمت للمجلس الجمهوري ومجلس الشورى في عام 72م وتحتوي على واحد وأربعين مطلباً وقراراً منها:
1- الأخذ بالمبادئ الآتية:
- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في كل التعيينات على مستوى الدولة كلها.
- الولاء لليمن شعبناً وتراباً.
- القوات المسلحة للحرب والإعمار.
2- وضع خطة شاملة لإعادة بناء الدولة سياسياً وإدارياً واجتماعياً على أسس حديثة يلتزم بها كل مسؤول مهما كانت مسؤوليته.
3- محاربة الفساد والمحسوبية مهما كان نوعهما، وأياً كان مصدرهما حتى يخلف اقتناع لدى كل مواطن بأن القانون والنظام فوق الجميع.
4- تشريع قانون يجدد العقوبة المستحقة على كل مخالفة أو ذنب يرتكبه أي موظف مهما كانت درجته، ومواجهة كل مخرب أو متآمر أو متعاون أو عابث بأموال الدولة ومصلحة البلاد.
5- إعادة النظر في الميزانيات والمرتبات في مؤتمر مغلق مع المشائخ لتوضيح العجز المالي، بهدف قطع هذه الميزانيات ومرتبات المشائخ وصرف مستحقات الشهداء والمشوهين من الخزانة بموجب القانون.
6- منع المصروفات الشخصية والإضافية والمكافآت وبدل السكن، والتزام الجميع بمزاولة الأعمال وقت الدوام.
7- منع السفر للخارج إلا في حدود ضيقة، وبعد معرفة العائد المرتد منه، وكذا منع العلاج في الخارج إلا لمن لا يمكن معالجته في الداخل.
8- منع التأثيث للوزراء والمحافظين.
9- ضبط المصروفات العامة في عموم أجهزة الدولة، وكذا اعتمادات قطع غيار السيارات.
10- إيقاف بيع عقارات وأراضي الدولة.
11- حضر استخدام السيارات الحكومية في الأغراض الخاصة.
12- منع التنافيذ بأي حال من الأحوال ومنع إطالة التشاجر بين المواطنين.
13- إعادة النظر في وضع المحافظات واختيار المحافظين بحب الكفاءة والإخلاص والنزاهة، وكذلك بالنسبة لقادة الألوية ومدراء الأمن.
14- انشاء لجنة رقابة عليا تعطي صلاحيات واسعة لتطهير أجهزة الدولة من المرتشين والمتلاعبين والمتهاونين.
15- تطهير القوات المسلحة والأمن من العناصر التي أثبتت التجارب فشلها أو عدم نزاهتها أو عدم ولائها للوطن وانتمائها لحزب من الأحزاب الخارجية، وكل من له هوية العنصرية أو الطائفية.
16- تقييم قدرة وكفاءة كل موظف من موظفي الدولة ومستوى إخلاصه، وإعادة النظر في ضوء ذلك في كل التعيينات السابقة واعتماد الكفاءة والنزاهة والقدرة.
17- وضع نظام يكفل تسوية أوضاع القوات المسلحة وسيادة القانون على كل أفرادها مثل غيرهم من المواطنين.
18- منع الاعفاءات الجمركية الشخصية والتعويضات بصفة عامة.
19- وضع ميزانية تبين العجز الفعلي في الإيرادات عن المصروفات.
20- وضع مخطط إعلامي متكامل يجعل المواطن يعيش مشاكل بلاده ويعمق الوحدة الوطنية بين قطاعات الشعب وفئاته ويؤكد على ضرورة الولاء.
وقد جاء بيان مجلس القيادة رقم 13 لسنة 74م وتاريخ 14-6-74م بإحياء مشروع قرارات التصحيح للقوات المسلحة كما نصت مادته الأولى.
مادة 2: يعمل بهذا من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية، وعلى الجهات المختصة إصدار القرارات اللازمة بتنفيذ ذلك.
وقد بدأت الحركة وقيادتها بالتنفيذ، حيث لم يمض شهر على ذلك.
وبالعودة الى قرارتها المنفذة خلال الشهر الأول من الحركة والمتمثلة في القرارات حتى 63 و هي قرارات أمناء الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والنيابه الإدارية والمحكمة التأديبية وتشكليها، وقرارات خاصة بمتابعة تنفيذ التصحيح والتعداد العام للمساكن والسكان، وكان أول المنفذين لها هم قائد الحركة وأعضاء مجلس القيادة.
ولينطلق تنفيذ هذه القرارات والمطالب والإصلاحات على المستويين المدني والعسكري، ومعالجة الوضع الدبلوماسي ودعوة المحافظين وعقد مؤتمرهم والاهتمام بالإنسان ورفع المظالم عنه بتحقيق سيادة سلطة القانون واجتثاث الفساد وانهاء مراكز القوى والولاءات في صفوف القوات المسلحة في 27 ابريل 75م، مؤكدة شعارها «الدولة بكل أشكالها إذا لم تستطع أن تحمي المواطن في أرضه وماله ودمه ليس لها أي قيمة أو معنى».
وهو ما حقق التفاف الشعب حول القيادة ورأسها الشهيد، فهل يصح القول لمن عاصر الثورة منذ انطلاقها وتولى العديد من المسؤوليات الرسمية والشعبية وعاش معارك الدفاع عنها وكسر حصار صنعاء وعاش فترة نوفمبر وما بعدها بصراعاتها السياسية والمصلحية، وما قادت اليه من مصالحات وحرب بين الشطرين وما قادت اليه من صراع بين أطراف السلطة أعجزها عن تحمل مسؤولياتها وأسس لشرعية الفساد وتدهور الأوضاع وغياب سلطة القانون وتمكن من تقديم مشروع مطالب وقرارات إصلاحية عجزت السلطة عن تنفيذها مما دفعها للاستقالة وتسليم الأمر له ولزملائه الوطنيين في قيادة القوات المسلحة ليزيح عن الوطن ما وصل اليه من ذلك التدهور والانهيار ليوصف بأنه انقلب على حكم مدني ديمقراطي، وأنه لا يملك خبرة سياسية في الوقت الذي يصفه بالدهاء، وهو وصف لا يتفق مع وصفه بعدم امتلاك الخبرة السياسية، بل انه لا يتفق مع ما حققه لصالح الشعب والوطن من إنهاء شرعية الفساد وتحقيق الأمن والاستقرار وإنهاء مراكز القوى والولاءات بشكل سلمي ودون إراقة دماء فكل ذلك لا ينم إلا عن خبرة سياسية واستيعاب للمرحلة السابقة ولما قادت إليه وينم عن ذكاء ووطنية.
أما قوله بأن الشهيد أقحم نفسه في صراعات فمرجعه الى ذلك الوعي الذي أصبح أسيراً له من قبل قوى المصالح والقلة المتنفذة التي تعادي تحقيق سيادة سلطة القانون وإنهاء التسيب المالي والإداري ونفوذ مراكز القوى والولاءات، خاصة بعد أن حققت الحركة تنفيذ مشروع المطالب والقرارات التصحيحية للقوات المسلحة وتصفية مراكز القوى والولاءات في القوات المسلحة في 27 ابريل 1975م ليصبح الجيش مؤسسة وطنية لحماية الوطن والمواطن وأهداف الثورة وترسيخ سيادة سلطة القانون.
والتي بدأت تجمع قواها وتوحد صفوفها متجاوزة صراعاتها ما قبل يونيو لتواجه الحركة وتوجهاتها مستعينة بالقوى الخارجية، التي تناصب الثورة العداء منذ اندلاعها من خلال عقد المؤتمرات وإثارة القلاقل والاخلال بالاستقرار و ما أوضحته قرارات مؤتمر خمر الثاني والتي جاءت الفقرة (11) منها موضحة ذلك:
«يرحب المؤتمرون بالمساعي الأخوية التي تبذلها المملكة العربية السعودية من أجل استقرار اليمن وحل الخلاف القائم، ويرفعون شكرهم لجلالة الملك خالد واخوانه والأمير تركي بن فيصل وجميع موظفي السفارة بصنعاء» والذي عقد في نوفمبر 5791م، في تجاهل لدورها المعادي للثورة ودعمها للقوى الملكية بالمال والمرتزقة منذ بداية الثورة وحتى نهاية عام 1969م بانكسار حصار صنعاء وإسقاطها، وأي استقرار ينتظر منها غير إثارة الصراعات وإعاقة بناء اليمن الموحد؟
وهو ما أوضحه الشهيد إبراهيم الحمدي في خطابه أمام أعضاء المؤتمر الثالث لهيئات التعاون الأهلي المنعقد في تعز بتاريخ 22/11/1975م، حول مفهومهم للاستقرار: «إن بلادنا التي عانت من عدم الاستقرار والتي ظلت ميداناً للاقتتال بين ابنائها على مدى ثمانية أعوام.. لم تجن غير الخراب والدمار وفقدان الكثير من المصالح».
موضحاً مفهوم الاستقرار لدى الحركة بأنه عدم العودة الى التلهي بدماء المواطنين وهدم وتدمير القرى وتأتيم الأطفال وترميل النساء قائلاً: «إن هناك من رأوا في حياة الأمن والاستقرار تعطيلاً لمواهيهم الحربية.. وتجسيداً لبطولاتهم ومنعاً للرزق.. لأنهم لايستطيعوا أن يعيشوا إلا إذا ظلت البلاد قلقة وغير مستقرة والشعب في حالة تناحر واقتتال، إننا لا نعرِّض بأحد ولكننا فقط نؤكد على أن الاستقرار هو الشرط الأساسي بل والوحيد لاستمرار نجاح تجربتنا في بناء وتطوير وطننا ورفعه الى مصاف التقدم والحضارة وإننا على استعداد أن نقول لمن ملوه لسبب أولآخر أن إطفاء الحرائق ليس له من مردود سوى امتداد اللهب واتاحة الفرصة أمام هواة اللعب بالنيران.. أما نحن وعلى ضوء صدقنا في حبنا وإخلاصنا لهذا الوطن ولهذا الشعب فإننا لم نعد نحسب لأنفسنا أي حساب وإنما نقيم الوزن كله لما يجب أن نتركه لبلادنا وأبناء شعبنا من أعمال ومشاريع ومن خير».
وظل يواصل وقيادة الحركة تنفيذ بناء الدولة الحديثة وتحقيق التنمية في كافة المجالات تنفيذاً لمضامين أهداف الثورة وتحقيق المشاركة الشعبية من خلال تفعيل وتوسيع الحركة التعاونية ولجان التصحيح المالي والإداري ودعم العمل النقابي والانحياز للسواد الأعظم من أبناء الشعب من عمال ومزارعين وموظفين وطلاب ومعلمين وجنود ورأسمالية وطنية، لتنجز الحركة خلال ثلاث سنوات مالم تنجزه الفترات السابقة في مجال الطرقات ومشاريع التنمية الزراعية وبناء المدارس والمستوصفات ومشاريع المياه والكهرباء وبناء المدن السكنية للعمال وذوي الدخل المحدود ورفع مستوى الدخل، وإنهاء شرعية الفساد وعجز الموازنة الذي كان سائداً قبل يونيو رغم أن الموازنة الإجمالية من عام 73- 74م كانت لا تتجاوز 795 مليون ريال لينهي هذا العجز في موازنة عام74- 75م ويرتفع إجمالي ميزانية 75-76 الى اثنين مليار، والتي أظهرت فائضاً قدره439 مليون ريال، ووصل رصيد الاحتياطي في البنك المركزي من العملة الصعبة مبلغ 528 مليون دولار متفوقة على أرصدة دول عربية عدة، ولتصبح دولة مقرضة بعد أن كانت دولة مستقرضة وباحثة عن المساعداتو برغم ما كانت تواجهه من محاولات قوى التخلف والمصالح من زعزعة الاستقرار وما تمارسه الدول الداعمة لها من ضغوط مباشرة وغير مباشرة لإعاقة توجهات الحركة و كما حدث في انسحاب شركة شل للتنقيب واستخراج النفط، والتي كانت تعمل في اليمن وكان محدداً لها أن يتم البدء في الإنتاج والاستخراج لأول بئر مع احتفالات شعبنا بالذكرى الخامسة عشر للثورة، ولكن الشركة أوقفت أعمالها وانسحبت مع بداية شهر سبتمبر 77م وبضغط من الشقيقة وهو ما دفع بالشهيد إبراهيم لزيارة السعودية في شهر سبتمبر وبحث أسباب ودوافع هذه التدخلات، والتي اتضحت أبعادها من خلال المطالب والشروط التي تقدمت بها ليتم تنفيذها والمتمثلة في: ترسيم الحدود، تشكيل مجلس استشاري، الحد من توطيد العلاقة مع المعسكر الاشتراكي وبالذات الاتحاد السوفيتي والصين، وقف التقارب مع قيادة الشطر الجنوبي وكذلك التمكين لتواجد الناصريين والشيوعيين في أجهزة السلطة.
وهو ما أدى الى إنهاء الزيارة والرفض للمطالب والشروط باعتبارها تدخلاً في السيادة وإنتهاك لحقق الشعب اليمنيواستقلاله في اتخاذ القرار المناسب بشأنها وهو من يحدد علاقته بالآخرين، وقد أوضح في رده على سؤال أحد الصحفيين عن حدود اليمن فأجاب بأنها الركن اليماني، علاوة التوضيح في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لثورة سبتمبر عن حضوره احتفالات 14 اكتوبر في عدن لإعلان تحقيق الوحدة، والتي كانت قيادة الشطرين قد اتفقت عليها في لقاء قعطبه في فبراير 1977م ولقاء مارس في تعز خلال انعقاد مؤتمر أمن البحر الذي جمع رؤساء السودان والصومال واليمنين وهو المؤتمر الذي أزعج دول الغرب وأمريكا ودفع قائد الأسطول الأمريكي في الخليج للقول: «لن نسمح بناصر جديد في اليمن»، إضافة الى الدور القومي لليمن والداعم لقضايا التحرر وللتوجه الوحدوي وهو ما دفع بالتعجيل بجريمة 11 اكتوبر 77م وقبل يوم من سفره الى عدن، والتي لم تكن تستهدف الحمدي ورفاقه كأشخاص وإنما كانت تستهدف تصفية الحركة ومشروعها لبناء الدولة اليمنية الحديثة والتخطيط للعملية يؤكد بصمات وكالة المخابرات الأمريكية علاوة على التمويل الإقليمي والتنفيذ المحلي بمشاركة الشقيقة من خلال ملحقها العسكري صالح الهديان، الذي أصبح الحاكم الفعلي لليمن الى عام 1981م، وعودة اليمن الى ما كانت عليه قبل يونيو بتغييب سيادة القانون وعودة الفساد وقواه وعودة الصراعات والحروب وغياب الأمن والاستقرار وأحداث التصفية للقيادة الوحدوية في الجنوب ممثلة في الشهيد سالم ربيع لتصفية التوجه لتحقيق الوحدة، وهذا ما أكده الأستاذ الراحل عبدالله البردوني في كتابه اليمن الجمهوري بعد ست سنوات من الحركة وسنتين ونصف من جريمة 11 اكتوبر:
«لقد دلت المؤامرة عليها على صدق وطنيتها وعلى يمنيتها العامة التي تتبنى يمناً واحداً وترفض وهمية الشطرين، وكل الأحداث التي استجدت وجه يونيو زادت من إشراق وجهه اليمني إن الوحدة التي تحبو الى الميلاد اليوم وليدة شمس يونيو التي تجاوزت امتداد الملكية الى عصر الشعب والنقابات والقوى الثورية المبدعة».صـ460
وهو ما يدحض قول الأخ نصر بأنه أقحم نفسه في صراعات ليعتبر ما حدث في 11 اكتوبر استهدافاً لشخصه ومخرجاً لإنهاء هذه الصراعات التي تسبب فيها إبراهيم في تجاهل لبشاعة الجريمة والتصفيات التي تجاوزت الشهيد إبراهيم وأخيه عبدالله الى آخرين لم يعلن عنهم، وما تلاها من تصفيات وإقصاء للعسكرينوانهاء لمشروعية مجلس القيادة بعد ذلك، وتجاهل موعد تنفيذها والأطراف الممولين لها بما في ذلك من تصفية لمكتسبات المنجزات بدءًا من سيادة القانون والتخطيط وإنهاء شرعية الفساد وإنهاء مركز القوى والولاءات والمشاركة الشعبية والتعاونيات ولجان التصحيح يعود الفساد ومراكز القوى المتنفذة وتغييب القانون.
ولمزيد من التوضيح لابعاد ودوافع ماحدث في 11 اكتوبر من انقلابا لم يكن سببه الصراع الداخلي يوضحه رد الرئيس علي عبدالله صالح في مقابلته في نوفبمر1990م مع صحيفة نيويورك تايمز والمنشورة في صحيفة صوت العمال العدد979 حين قال عن أسباب الخلاف مع السعودية بانه ينحصر في التالي:
- الحدود اليمنية السعودية
- الوحدة اليمنية
- الديمقراطية
وحول سؤاله عن ما تقوم به السعودية من دفع مبالغ مالية للمشائخ وبعض القبائل بأن هذا ليس شيئاً جديداً في العلاقات اليمنية السعودية، وهذا يتم منذ وقت مبكر، فكلما تأزمت العلاقات اليمنية السعودية تقوم السعودية بالدفع لأي مواطن ليقوم بأي عمل مضاد ضد الحكومة.
وخلاصة القول أن ماجاء في المقال الذي يحمل عنوان تقدير لذكرى الرئيس الحمدي ليس فيه من التقدير، وإنما حمل تشويهاً للتاريخ الوطني وتشويهاً وإساءة لحركة 13 يونيو واعتباره لها انقلاباً جاء على أنقاض حكم مدني ديمقراطي وتشويه وإساءة لوطنية وتضحية الشهيد الحمدي الذي وهب نفسه في سبيل بناء الدولة اليمنية الحديثة وسيادة سلطة القانون، وإنهاء شرعية الفساد وتحقيق الوحدة اليمنية ليعتبر بأنه لا يمتلك خبرة سياسية وأنه أقحم نفسه في صراعات كانت السبب فيما حدث في 11 اكتوبر ليصل الى القول بأن ما حدث ليس انقلاباً من المشروع.
ويؤكد ذلك السؤال الذي أورده في النهاية للمقال لو كان الرئيس الحمدي حياً هل كان ليطمح الى تحقيق الوحدة أكثر مما تحقق؟
نقول له نعم وهناك فرق بين المشروعين وإذا لم تستوعب ما يعيشه الوطن والمواطن من تدهور للأوضاع في كافة المجالات فعليك أن تعود للمطالب والقرارات التصحيحية للقوات المسلحة وسوف تجد الرد.
وأخيراً أقول للعزيز ليتك ما كبرت ولا وعيت حتى لا تشوه التاريخ الوطني وتشوه المعاني الجميلة في حياة الشعب اليمني وتاريخه.