الرئيسية المقالات مدارات إلى أوباما وشركاه في اليمن: (الحرب ضد الإرهاب) لا يبرر قتل الأبرياء
إلى أوباما وشركاه في اليمن: (الحرب ضد الإرهاب) لا يبرر قتل الأبرياء
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني
لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يطمئن الأمريكيين حين أخبرهم الأسبوع قبل الفائت عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية مطاردة تنظيم القاعدة أينما وجدوا في أي بلد حول العالم. ولم يكن مبالغا وهو يضع اليمن مع الصومال ضمن الإستراتيجية الجديدة لإدارته في أفغانستان وحربها ضد الإرهاب.
وحين قال أوباما في خطاب ألقاه في مدرسة "ويست بونيت" العسكرية الأمريكية :"نحتاج إلى استخدام قوتنا العسكرية بسرعة وبدقة، في أي موطن قدم لتنظيم القاعدة، سواء في الصومال أو اليمن " كان يدرك حقيقة ما يقوله جيداً.
فاوباما الذي حصل للتو على جائزة نوبل للسلام لا يكذب أبدا حين يعلن عن نيته في الحرب، لكنه لا يكون صادقا وهو يتحدث عن السلام والحوار، بدليل استمرار معتقل جوانتانامو البشع الذي وعد اوباما بإغلاقه قبل مرور عام من دخوله البيت الأبيض، وبدليل أيضا زيادة قواته في أفغانستان واستمرار احتلاله للعراق .. 
أوباما صدق باستخدام قوة بلاده العسكرية بسرعة، لكنه كذب وشركائه فيما يتعلق بدقة تنفيذ تلك الضربة حين استهدفت - عن طريق الخطأ - منطقة مأهولة بالسكان بمحفد أبين ليقتل الخميس الماضي بشكل بشع قرابة 60 شخصاً بينهم 17 امرأة و 32 طفلا ، دفنوا في قبور جماعية حسب روايات محلية .. 
الهجوم كان عنيفا للغاية، والمرجح انه امتد إلى مناطق مجاورة للهدف المحدد سلفا، ما أدى إلى قصف منطقة ريفية ، يسكن فيها مدنيين داخل منازل مبنية من الطين والطوب ، والأكواخ، والخيام. وهنا لم نذهب وراء إحدى الروايات المحلية التي تنفي وجود أعضاء لتنظيم القاعدة في المناطق التي استهدفها القصف، بدليل أن أعضاء في القاعدة قتلوا بالفعل بينهم محمد صالح الكازمي، وهو سعودي جاء إلى البلاد، بعد قتاله في أفغانستان، وتم اعتقاله في اليمن لمدة عامين قبل أن يطلق سراحه عام 2005م.
 لكن ما يمكن التحقيق فيه هو ما تردد عن أن الكارزمي كان يعيش مع عائلته، على بعد عدة كيلو مترات عن معسكر للجيش، منذ أن أفرجت عنه الأجهزة الأمنية ، ولم يكن فاراً أو مختفياً، فلماذا لم يتم إلقاء القبض عليه بدلا من قصفه مع أسرته؟ ان كانت هذه الرواية التي تناولتها وسائل إعلام أمريكية حقيقية.
بعد ذلك كله وقبله، بأي حق تنتهك القوة العسكرية الأمريكية السيادة اليمنية وتقصف بكل حرية مناطق بالقرب من العاصمة صنعاء وأخرى في جنوب البلد، وهو ما ينفيه بشدة المصدر الأمني الذي يصر على عدم تدخل القوات الأمريكية في العملية رغم إفصاح اوباما عن نيته تنفيذها قبل أسبوعين من وقوعها، وما تلاها من تصريحات للبنتاجون الأمريكي حين أعلن السبت الماضي أن الرئيس باراك أوباما، وجه أوامره شخصياً، بتنفيذ تلك الضربات الصاروخية في اليمن. 
ليس هذا وحسب، فبحسب شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية فان الصورايخ التي نفذت فيها عملية أبين أطلقتها سفن القوة البحرية الحربية الأمريكية،المتواجدة في المياه الإقليمية، بتنسيق مع الحكومة اليمنية، التي شاركت في العملية بطائرات حربية وقوات عسكرية برية، وربما بمعلومات غير دقيقة كانت وراء قصف قرية مأهولة بالمدنيين عن طريق الخطأ.
أما صحيفة "نيويورك تايمز"فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك لتقول أن الولايات المتحدة قدمت أيضا دعما استخباراتي إلى جانب الدعم العسكري في عملية القاعدة الأخيرة، وان ذلك جاء بناء على طلب تقدمت به الحكومة اليمنية لاوباما لوقف الهجمات المتزايدة ضد الأمريكيين والرعايا الأجانب الآخرين في اليمن. لكن الحكومة اليمنية تصر ان لا وجود لأي تدخل أمريكي في عملية أبين، مثلما تحاول تغطية عين الشمس بـ"منخال" حين تنفي أي تدخل للسعودية في حربها ضد الحوثيين بصعدة. 
قد يكون من الممكن أن يبحث المرء عن أي تبرير لاستعانة الحكومة ببلد ما لمواجهة تداعيات أمنية تفوق قدرتها، في حال أعلنت ذلك بكل شفافية وطرحت الأمر برمته على البرلمان للتداول والدراسة، لكن ما لا يمكن تقبله هو تدنيس التراب اليمني والعبث بالسيادة الوطنية باتفاقيات سرية مبهمة، وبتضليل واضح للمواطنين الذي تفاجئون من وقت لآخر بطائرات أمريكية بدون طيار تحلق فوق رؤوسهم ، كما حصل خلال الأسابيع الماضية في مأرب. تلك المحافظة التي تذكرنا بقيام الطيران الأمريكي بقصف سيارة كان يستقلها أبو علي الحارثي الذي استهدفته وعددا من أتباعه طائرة أمريكية تجسسية قبل سنوات، وهي الحادثة التي عبر أبناء مأرب عن مخاوفهم من تكرارها قبل أن تتكرر فعلا، ولكن هذه المرة بمحافظة أبين وبصورة أكثر وحشية وقسوة.
ما لا يمكن تبريره هو قتل أطفال ونساء أبرياء لا علاقة لهم بحرب أمريكا على الإرهاب ولا بسياسات الحكومة اليمنية في الحصول على الدعم الخارجي لمشاكل داخلية.
من حق السلطة الحفاظ على أمن البلد ، والتصدي لمن يعملون على زعزعة الاستقرار والسكينة العامة، لكن ذلك لا يخولها قتل الأبرياء وتنفيذ عمليات أمريكية بحتة، ومن ثم الحديث بنشوة عن الانتصار واستخدام مفردات هي أيضا أمريكية وجديدة على أجهزتنا الأمنية كوصف الحدث بـ"عملية استباقية"الوصف الذي تستخدمه الولايات المتحدة في حربها على ما تسميه الإرهاب في أفغانستان.
ندرك جيداً حجم الأخطار التي يواجهها البلد ونتألم كثيراً لذلك، لكن ذلك لا يعني أن نسكت عن الأخطاء الكبيرة التي ترتكبها السلطة بحق البلد وأبناءه، بذريعة التوتر الامني.
وعلى السلطة على أن لا تصف استنكار القوى السياسية والحية في البلد لقتل الأبرياء في أبين بالتباكي على عناصر القاعدة في اليمن، كما هو تشبيهها الذي جاء في افتتاحيات صحف رسمية ممولة من المال العام. وعليها أن تدرك جيداً ان الوطن يهم الجميع، ولان الأمر كذلك فالجميع معني باستنكار وإدانة أي أعمال أو ممارسات تضر بأمن البلد واستقراره وسلمه الاجتماعي حتى لو صدرت من قبل السلطة الحاكمة ذاتها، وهو ما تنتهجه اليوم القوى الحية والفاعلة في البلد. 
على السلطة ألا تنتظر من المعارضة أن تبعث لها برقيات تهاني بنجاح قتل أبرياء في أبين، لأنها ببساطة ليست أوباما وليت كذلك حسني مبارك.



إقراء أيضا