الرئيسية المقالات مدارات قبل أن تقع الفأس على رؤوسنا..!!
قبل أن تقع الفأس على رؤوسنا..!!
د. عبد الرشيد عبد الحافظ
د. عبد الرشيد عبد الحافظ

خلال الساعات القادمة ربما يتم اتخاذ أحد أخطر القرارات المؤثِّرة في مصير ومستقبل هذه البلاد. إنه القرار المتعلق بشكل الدولة اليمنية القادمة.

ولست أدري ما طبيعة المشاعر التي تعتمل في صدور الذين وضعت الأقدار على كاهلهم مسئولية اتخاذ هذا القرار؛ لكن الذي أدركه تماماً أن الظروف والأجواء التي يتم مناقشة هذه القضية المصيرية خلالها هي ظروف وأجواء غير ملائمة لاتخاذ قرارات مصيرية بهذا الحجم.

لن أقدم هنا رأياً في الخيارات المطروحة أمام اللجنة التي أوكلت إليها مهمة اتخاذ القرار بهذا الشأن (لجنة 8 + 8) ولكن سأكتفي فقط بإلقاء الضوء على ملابسات اللحظة التي يتم فيها اتخاذ هذا القرار الخطير.

يبدو من المؤكد أن شكل الدولة اليمنية القادمة قد حسم في اتجاه الدولة الفيدرالية؛ حيث إن كل المكونات في مؤتمر الحوار الوطني تقريباً ـ عدا واحداً فقط ـ صارت تتبنى شكل الدولة الفيدرالية، ولم يبق سوى تحديد عدد أقاليمها وحدودها والصلاحيات الممنوحة لها والتفاصيل الأخرى المتعلقة بهذا الشأن.

لم يكن قرار تحوُّل شكل الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة فيدرالية في ظروف بلد مثل اليمن أمراً عادياً، إنه قرار خطير لا شك. فهل جاء اتخاذ هذا القرار في سياق طبيعي يتفق مع خطورته؟!!. لمعرفة ذلك لا بد من الإجابة على الأسئلة الآتية:

ـ هل جاء قرار الانتقال إلى الدولة الفيدرالية بناءً على دراسات علمية جادة؟.

ـ هل يستطيع أحد الادعاء بأن هذا الخيار لشكل الدولة هو الخيار الأمثل المتاح اليوم لشكل الدولة اليمنية القادمة؟. وبأن هذا الشكل هو الحل الملائم لمشاكل الواقع القائمة اليوم؟

ـ هل توجد تقديرات علمية وواقعية للنتائج المتوقعة من الانتقال إلى شكل الدولة الفيدرالية؟.

أكاد أجزم بأن أغلب الأحزاب والتنظيمات السياسية والجماعات والمكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني إن لم تكن جميعها لا تستطيع الرد على هذه الأسئلة بالإيجاب!!!.

ومع كل ذلك فقد تبنَّت هذه المكونات هذا الخيار، وأضحى من المؤكد الشكل الفيدرالي للدولة القادمة.

قد لا يكون هذا الخبر سيئاً حتى هذه اللحظة، بمعنى أنه حتى الآن ما تزال الفرصة متاحة أمامنا لصياغة هذه الدولة الفيدرالية بالشكل المناسب الذي يسمح لنا بالحصول على كل مزايا الفيدرالية ونتجنب شرورها إن وجدت.

أقول ما يزال الأمر ممكناً حتى الآن ... لكن ربما لن يكون هذا متاحاً فيما لو تم في الساعات القليلة القادمة اتخاذ قرارات في لجنة (8 + 8) تحسم عدد الأقاليم وحدودها وصلاحياتها في الاتجاه الخطأ !!! وليس هذا بالأمر المستعبد؛ للأسباب ذاتها التي قادت إلى اختيار شكل الدولة الفيدرالية بدون أي دراسات علمية جادة، ودون الإجابة على الأسئلة التي أشرنا إليها آنفاً !!.

هناك خياران مطروحان الآن للصيغة الفيدرالية. أحد هذين الخيارين يحظى بحماس شديد من بعض الأطراف، ولكن يذهلك ـ ويرعبك أيضاً ـ أن المتبنين لهذا الخيار لا يمتلكون حجة مقنعة يدافعون بها عن هذا الخيار سوى التواري خلف ادعاء بأن هذا هو خيار الناس والشارع في بعض المحافظات، وأن البديل له ليس سوى تمزيق البلاد!!. مع علم هؤلاء بأن كل الخبراء الذين تحدثوا عن هذا الخيار ذكروا أنه أسوأ الخيارات، من خلال ما تشير إليه التجربة الإنسانية في التاريخ الحديث والمعاصر، ومن خلال الدراسات العلمية في هذا الشأن، ومن خلال التفكير المنطقي العقلاني الصرف. وعندما يتم الادعاء بأن هذا هو رأي الناس في هذه المحافظات، لا يدري أحد حتى الآن الحجم الحقيقي لهؤلاء الناس الذين يتبنون هذا الخيار، ولا يستطيع أحد الادعاء بأن خيارهم هذا كان خياراً واعياً يعبِّر عن مصالحهم الحقيقية، وأنه ليس سوى رد فعل عاطفي انفعالي آني للممارسات الهمجية للنظام السابق، ونتيجة لخطاب إعلامي متشنج يخاطب غرائز البسطاء ولا يأبه بعقولهم، يأتي من اتجاه واحد في غياب كامل لخطاب موازٍ حالت ظروف عديدة دون ظهوره، تتحمل الأحزاب الرئيسية التي يعوَّل عليها حمل مشروع الدولة اليمنية المنشودة مسئولية غياب هذا الخطاب، كما لا يستطيع أحد أن ينكر وجود أيادٍ خارجية تدعم هذا التوجه بكل الوسائل والإمكانيات.

والخيار الثاني يقوم على أساس تقسيم الدولة إلى أقاليم متعددة يحصرها في عدد معيَّن، دون أن يكون تحديد هذا العدد مبنياً على دراسات علمية، أو حتى مناقشات جدية مستفيضة للمهتمين بهذا الشأن.

هل من المعقول أن يتم تقرير مصير هذه الدولة وفقاً لأمزجة شخصية فقط، وفي ظل هذه الأوضاع المأزومة. ماذا عن أهمية الرأي العلمي في المسألة في كل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... الخ؟، ماذا عن رؤيتنا لحقوق الأجيال المتعاقبة؟، وماذا عن حقائق التاريخ التي لا ينبغي تجاوزها؟ ثم ماذا عن مصالح ومشاعر المواطنين في كل أرجاء الوطن؟.

لا نطلب اليوم أن يتم حسم هذا الأمر في الاتجاه الذين نعتقد أنه هو الخيار الأفضل، أو أي اتجاه معين، ما نريده فقط ألا يتم حسم هذا الأمر الخطير في مثل هذه الظروف والأجواء والملابسات المشحونة بضغوط غير طبيعية مشوِّشة للفكر ومعيقة للنظر العقلي السليم، في غياب دراسات علمية في المسألة.

ونقترح أن يتم الاكتفاء في هذه المرحلة بالاتفاق على أن يكون شكل الدولة اليمنية القادمة دولة فيدرالية (بعد أن صار هذا خيار كل المكونات الممثلة في مؤتمر الحوار تقريباً) وعلى أن يتم تحديد عدد أقاليم الدولة وحدودها وصلاحياتها بناءً على دراسات علمية يتم إجراؤها خلال المرحلة التأسيسية القادمة التي تتجه إليها البلاد.

إن الأمر جد خطير، ولا بد لكل القوى الحيّة في المجتمع من أن تعبِّر عن رأيها في هذا الشأن بكل قوة ووضوح. ولا ينبغي أن يترك ليحسم في غرف صغيرة مغلقة، في ظل هذه الظروف غير الصحية القائمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

·     -*  كلية الشريعة والقانون ـ جامعة صنعاء

·     -*  عضو مؤتمر الحوار الوطني

 

إقراء أيضا