الرئيسية المقالات مدارات درب مصر لاستنهاض العرب
درب مصر لاستنهاض العرب
حسن العديني
حسن العديني

كل الدروب التي سلكها الإخوان المسلمون في مصر لن تؤدي إلى روما بل إلى الجحيم، حيث المصير الذي قطع به دانتي ذلك الايطالي العظيم فيما كتبه على بوابتها «تخلوا عن كل أمل أيها الداخلون هنا». جحيم دانتي الروماني، لا قصور روما وكاتدرائياتها وحدائقها وسماؤها المظللة بالغيوم والحمام تهيم وتحط في الميادين.

كل الطرق التي سار عليها الإخوان تؤدي إلى الجحيم. الارتباط بالمخطط الامريكي- الصهيوني، الاغتراف من حقول الغاز وبيع قناة السويس والتخلي عن سيناء،والتفريط بالسيادة والكرامة والتعلق بدقنة راسبوتين القرضاوي إلى صديقي العزيز الرئيس العظيم بيريز، كلها طرق ومسالك قادت إلى 30 يونيو وساقت مرسي والدراويش في المقطم إلى الزنازن والأقفاص.

اختار الإخوان المسلمون أن يرصفوا طرقهم بالنار فأحرقوا الكنائس والمساجد والدور والأشجار ولوثوا الهواء بالدخان المنبعث من الإطارات المحروقة والحناجر الهاتفة بخراب مصر، وباختيارهم هذا الطريق اختاروا مصيرهم. ووحدها الطريق التي رسم خارطتها المصريون في 30 يونيو وأعلن عنها الفريق عبدالفتاح السيسي تؤدي بمصر إلى روما الفردوس، الثورة والحضارة.

في خطاهم خلال سنة من الحكم أقنعوا المصريين بالثورة ضدهم. أكثر من أربعين مليوناً لم يخرجوا في أشهر ثورات التاريخ من الزحف على الباستيل في باريس إلى الاستيلاء على قصر الشتاء في سان بطرسبورج وحتى إسقاط عرش الطاووس في طهران. كل هيجان في التاريخ فاقه الطوفان المصري والمحرض الأكبر هو جشع أصحاب المال وهلعهم إلى السلطة كوفية حاخام وبرنيطة كابوي «امريكا مش حتسيبك» التهديد الأخير من مرسي العياط للسيسي الجنرال. وفي تخبطهم خلال ستة شهور من الحرائق والمجازر ألزموا المصريين بأن يصوتوا على مشروع الدستور بالموافقة، وبعد «نعم» للدستور سوف يؤشرون على اسم عبدالفتاح السيسي رئيساً.

أقول إنهم سوف ينزلون إلى الشوارع لمباركة الدستور وأنا أكتب هذا قبل حوالي سبع عشرة ساعة من بدء الاستفتاء، لأن وحشية الأفعال التي ارتكبها الإخوان لإثناء المصريين عما اعتبروها طريقاً إلى المستقبل ستزيدهم تصميماً على تأكيد اختيارهم. على أنه ليس طريق مصر وحدها، وإنما هو طريق العرب تشقه مصر وتمشي فيه أولاً ثم يلحق بها العرب.

إن آمال العرب معلقة على مصر، وإلى شعبها تتجه الأبصار اليوم وغداً حيث كلمته الفصل ووعده القاطع. وستكون كلمة فاصلة بما يجري ووعداً قاطعاً بما سيجيء، وما يجري أصاب مصر بالشديد من الوبال والقاسي من العذاب وألحق بالعرب الخطير من الفواجع والمصائب وما سيجيء هو الخلاص والانعتاق والخطو الواثق على درب النهضة والتقدم.

اليوم وغداً يؤكد المصريون عزمهم على متابعة السير في طريق الثورة الوطنية والقومية الذي أعادوا اكتشافه ووضعوا أقدامهم على أوله بعد رحلة تيه طويلة ومضنية، بمعنى أن ثورتهم الراهنة ليست عودة عن شفير الهاوية الإخوانية إلى ما قبلها بقدر ما هي انتقال إلى خط الثورة التي وضعت مصر في مقدمة المسرح الدولي على يد جمال عبدالناصر، فهي في النهاية تزحزح عصراً كاملاً من التردي بدأه أنور السادات انحداراً حتى الحافة التي أخذها إليه مرسي وجماعته.

إلى المصريين إذن يتطلع العرب ويترقبون كلمتهم في هذه الساعات الفاصلة، واليهم ينظر العالم وينتظر. ينظر إليهم وينتظر كلمتهم بالأمل والرجاء. عشاق الحرية وأنصار السلام في الدنيا بأكملها، وينظر إليهم وينتظر كلمتهم بوجل وخشية أرباب الاستبداد وأعداء السلام في بقاع الأرض كلها. فمن مصر يبدأ الزمن العربي، وفيها تتقاطع الطرق وتتصادم الامبراطوريات وتشتبك العقائد والثقافات وتتفاعل.

كذلك كانت مصر في الماضي البعيد والقريب. وكذلك ستبقى الآن وفي المستقبل.

في الماضي وبعد إشراق رسالة الإسلام قامت على شبه الجزيرة الايبيرية حضارة الأندلس. وما كان للعرب أن يبلغوا ذلك المكان القصي إلا بعد أن مروا من مصر فقد ظلوا يدقون طويلاً على أبواب القسطنطينية دون أن يفلحوا وعندما استطاع المسلمون كسر مزاليجها فقد تم ذلك على أيدي القبائل التركية القادمة من آسيا الوسطى، لكن الأتراك الذين عُرفوا ببأس مقاتليهم وكفاءة تنظيمهم العسكري تميزوا بالجفاف الحضاري والثقافي، وما كان بمقدورهم أن يبنوا على تراث بيزنطة طاقة حضارية تندفع من العاصمة العتيقة لاجتياح البر الأوروبي. على العكس أنشأ العرب حضارة زاهرة في ايبيريا على غير أساس يراكمون فوقه.

ولقد عبروا إلى هناك من طريق مصر حيث ارتووا من ينابيعها واجتازوا الصحراء والبحر ليقيموا الفردوس العربي في جنوب غرب أوروبا. وفي مصر صُدت أعنف الغارات الصليبية وأسر ملك فرنسا لويس التاسع. ومنها خرج صلاح الدين الأيوبي ليكسر الغزوات الصليبية في حطين ويمهد الطريق لاسترداد بيت المقدس وتحرير الشام كله من احتلالهم.

ومصر أنقذت العرب من جائحة المغول بالهزيمة المدوية في عين جالوت. وكانت مصر هي التي بترت اليد الطويلة للإمبراطورية العثمانية فتحررت من سلطانها وتابعت جيوشها في الشام حتى كادت تكسر رقبتها في الاستانة لولا تدخل القوى الأوروبية. لقد أنقذها ذلك التدخل من الهزيمة الناجزة، لكن الضربة المصرية أودت بها في موت بطيء إذ وضعتها بين عوامل أخرى على سرير المرض حتى لفظت أنفاسها نهاية الحرب العالمية الأولى.

ومن حرب السويس اندحر الاستعمار الجديد وأفلت شمس الامبراطورية البريطانية وعادت تذوي في غيوم الأطلس. ومن السويس أيضاً انكسرت فرنسا وراح جنودها تحت ضربات الثوار يحملون بنادقهم وحقائبهم ويغادرون افريقيا. وغدت مصر قلعة التحرر العربي ورائدة النضال في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وفي تخوم مصر وعلى أراضيها تناطحت الامبراطوريتان الفارسية والرومانية وتنافست عليها بريطانيا وفرنسا ثم اصطدم عندها الجشع الرأسمالي والحلم الاشتراكي والتقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مواجهة مصيرية انتصرت فيها مصر للحرية والتقدم بقيادة جمال عبدالناصر ثم تطوحت مع السادات إلى الحضن الامبريالي.

اليوم تنهض مصر من جديد والمصريون يكتبون المرثية الأخيرة للإخوان المسلمين والبيان الثاني في إعلان القطيعة مع التبعية. وبهذا الحدث المظفر تفتح مصر عصراً جديداً يستنهض العرب ويلهم نضالهم من أجل الحرية والمجد، وفي سبيل التقدم والرخاء. ذلك درب مصر، دربنا.. وأما درب التبعية، درب الإرهاب والاستحواذ، أما دروب الإخوان فلا تؤدي إلاّ إلى الجحيم.

عن الجمهورية

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي