الرئيسية المقالات مدارات آفة العقل السياسي اليمني
آفة العقل السياسي اليمني
فخر العزب
فخر العزب
لنظرية المؤامرة في العقل السياسي اليمني حضور قوي ومميز , ولعل أهم ما يميزه هو انفراد هذه الظاهرة بخاصية مميزة , فهي تظهر للمراقب لها من داخل وخارج اللعبة على حد سواء , وفي كل مرة يحدث فيها نوع من الخلاف أو الجدل السياسي بين طرفين متناقضين أو متفاوتين بالأفكار والرؤى الخاصة حول أي موضوع كان وهو ما يدعونا إلى محاولة الوقوف على الخطوط العامة والعريضة لهذه الظاهرة .
وعلى ذلك نرى بين الفينة والأخرى أن العقل السياسي اليمني الذي يبقى عاجزاً عن النهوض بنفسه لا يأنف أن يستخدم الأسلحة الفتاكة في وجوه الآخرين من أول جولة سياسية على الملعب السياسي , وذلك من خلال إشهار تهم التخوين والتحقير من الخصم والاستصغار من شأنه , وقبل هذا وذاك عدم الاعتراف به ولا بقضيته حتى وإن كانت عادلة كنوع من الإلغاء والإقصاء والتهميش ..
وهذه الخاصية التي يتميز بها العقل العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص تأتي كانعكاس لثقافة المجتمع الذي لم يعهد الديمقراطية ولا المدنية في ظل رضوخ تام للثقافة القبلية المبنية على أساس الجهل , والقائمة على الديكتاتورية في القرار ومصادرة الحقوق من أصحابها وكأن هذه الحقوق هي شأن خاص بالحاكم يقوم بتحويلها إلى هبة يمنحها من يشاء ويحرمها من يشاء .
كما أن سياسة العداء والحقد هي المسيطرة نتيجة للجهل السائد في بيئة المجتمع اليمني والذي يصور كل من يخالفك في الرأي على أنه عدو يجب قتاله بكل الطرق المتاحة وتؤدي هذه السياسة إلى ظهور الشعب كضحية وحيدة للعبة سياسية قائمة علو سوء النوايا وإصدار الأحكام المسبقة سلفاً ضد الأخر من قبل القادة السياسيين كونهم وحدهم من يلعب في ملعب السياسة .
ولا يخفى للمتابع أن اللعبة السياسية في اليمن أصبحت مهددة بالوفاة بعد وصولها إلى مرحلة من الانحطاط بلغت ذروتها من خلال انحرافها عن القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد الأصيلة وأصبح القاموس السياسي اليمني يشتمل على ألفاظ غير لائقة من قبيل مصطلح " الطراطير " وهي ألفاظ لا تعبر إلا عن وصول أصحابها إلى مرحلة من الإفلاس القيمي والأخلاقي , وهو ما يدعو للتعامل مع هذا الواقع بشكل مسئول , وبحيث لا يفتح الطريق لهذه الألفاظ ويمكنها من التغلغل إلى العقول السياسية في المحيط العام .
ولما كانت هذه العقلية ولا تزال هي المسيطرة في المجتمع العربي , كانت عليها التنشئة الاجتماعية للفرد الذي يتربى عليها ويحملها معه منذ صغره كنوع من السلوك المرتبط بالشخصية , وبالتالي يصعب تقويمه أو تغييره نتيجة لتحوله إلى سلوك سائد في المجتمع بشكل عام يتأثر به الفرد منذ مراحل عمره الأولى , فهو السلوك السائد من قبل الفرد ضد نفسه , ومن قبل رب الأسرة وشيخ القبيلة والحاكم ضد الأسرة والمجتمع والشعب .
إن تركيبة العقل السياسي اليمني هي تركيبة هشة ومنغلقة على ما حولها بأسوار اجتماعية , أساسها ثقافة الأبوة التي تصادر الحق في التعبير وفي إبداء الرأي والإنفراد برأي مختلف عن ذلك السائد في المجتمع , أما هذه الثقافة الإقصائية فسلاحها هو ثقافة العيب والعُرف القبلي , وضحيتها هو الفرد داخل المجتمع والذي يجد نفسه مضطراً للسير مع تيار المجتمع لينجو بذلك من الإقصاء والتهميش الذي قد يُقابل به .
إن النظر إلى بنية العقل السياسي اليمني يظهرها بشكل جلي وواضح من خلال التأمل في تعامل قادة السلطة والمعارضة مع بعضهم البعض , حيث تغيب الرؤى الناضجة التي تضع المصلحة العليا أولاً بعيداً عن كل مصلحة شخصية أو مؤقتة لصالح مشاريع صغيرة , فنرى أن ثقافة المؤامرة هي السائدة , حيث يقوم كل طرف بتخوين الطرف الأخر وتحميله أسباب الأزمات التي تلوح في الأفق , مع جهل هذا الطرف أو ذاك أنه ليس أكثر من الوجه الأخر للطرف الأخر المختلف معه في الرأي , وبين الطرفين مسؤولية مشتركة يوحدها الوطن والشعب ومصالحهما .
وبإمكاننا اليوم أن نقول إن السياسة العدوانية والتآمرية التي تسيطر على الفرد لا تستخدم بالضرورة ضد الأخر المخالف لهذا الطرف بالرأي , بل إنها قد تستخدم ضد شركاء الفكر والنهج , وهذه الصفة غالباً ما نجدها لدى قادة الأحزاب والجمعيات والمنظمات المختلفة , والتي يقوم باستخدامها القائد ضد أتباعه كنوع من دفاعه عن موقعه القيادي كلما شعر أن واحدهم أصبح ينافسه القيادة , فياتي هذا السلوك الديكتاتوري انعكاساً للثقافة العامة , وليكون هذا السلوك الذي يوصف بالوقائي هو المسيطر , وتصل به الخطورة إلى شعور القائد بأنه في مهمة الدفاع عن ذاته التي قد يفقدها في أية لحظة , ولهذا يسعى إلى تحصينها ولو بأساليب غير مشروعة , فهو تارةً يحاول إثبات أنه رقم صعب لا يمكن إزاحته , أو يعمل على التغني بالدور الذي يلعبه والذي دائماً ما يصفه بالأساسي , وحين يفقد جميع هذه الحيل يلجأ بوعي أو بدون وعي إلى تحقير وتصغير الأخر أو تخوينه واتهامه بخدمة أجندة خارجية , وفي الأخير يعمل جاهداً إلى حشد الأصوات التي توافقه وتساعده في إنجاز مهمته .
وبالنسبة لنا كيمنيين كنا ولا نزال نلحظ أن هناك أزمة فجوة يعاني منها العقل السياسي اليمني بين المنهج والتطبيق , وبين النظرية والسلوك , وتلقي هذه الفجوة بظلالها على العملية السياسية في البلاد بشكل عام من خلال اللعبة السياسية التي يقوم بلعبها مجموعة من الأفراد يمثلون أطرافاً متعددة تختلف في مصالحها وأهدافها التي تعمل على تحقيقها .

إقراء أيضا