مثلت الانتخابات السودانية التي اليوم الاحد وسط خلافات كبيرة بين الأحزاب والقوى السياسية السودانية (السلطة والمعارضة) واحدة من أهم استحقاقات اتفاق السلام الذي وقع في 2005 بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وبين الحكومة السودانية في الشمال، اتفاقية السلام التي نصت على عقد انتخابات عامة في السودان بعد أربع سنوات من التوقيع عليها وقبل عامين من الاستفتاء الذي سوف يجرى لتقرير مصير جنوب السودان، حيث أشارت الاتفاقية إلى أن هذا الاستفتاء قرار خطير وكبير، ويجب أن يتم في ظل حكومة منتخبة بشفافية كاملة من الشعب السوداني حتى تكون هذه الحكومة مؤهلة ومفوضة جماهيرياً لتنفيذ كل استحقاقات الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان وما ينتج عنه من تبعات يتوقف عليها مستقبل السودان .
شملت الانتخابات كافة مستويات الحكم في السودان بدءاً من رئاسة الجمهورية وأعضاء المجلس الوطني وحكام الولايات والمجالس الولائية، بالإضافة لانتخابات رئاسة حكومة الجنوب والمجلس التشريعي لجنوب السودان، وقد خصصت الانتخابات قوائم نسبية للمرأة والأحزاب بنسبة ٪25 للمرأة و٪15 للاحزاب، وهذه القوائم النسبية ستضمن للمرأة وكل الأحزاب مشاركةً ووجوداً في المجلس الوطني والمجالس الولائية، وهذه القوائم تمثل تمثيلاً احتياطياً للمرأة والأحزاب مع احتفاظهما بكامل حقهما في التنافس العام على كل المستويات الرئاسية والتشريعية الاتحادية والولائية.
تشكيل المفوضية
بعد التوقيع على اتفاقية السلام، شُكلت حكومة مركزية شاركت فيها الحركة الشعبية، هذه الحكومة قامت بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات من شخصيات مستقلة تم التوافق عليها من قبل الطرفين الموقعين على اتفاقية السلام، وقد تم اختيار الخبير القانوني آبيل ألير وهو شخصية مسيحية جنوبية عمل سابقاً نائباً للرئيس الراحل جعفر محمد نميري، كما يعد من الشخصيات القانونية السودانية، وسبق أن عمل في مجال القضاء والمحاماه، وهو أحد خبراء القانون التابعين للأمم المتحدة، وشخصية وصفت من قبل بعض المراقبين بالمحايدة، كما ضمت مفوضية الانتخابات في عضويتها عدداً من خبراء القانون والانتخابات، وبحسب تقارير فإن وجود شخصية جنوبية مسيحية على رئاسة المفوضية نال رضا كل قطاعات الأحزاب الجنوبية والحركة الشعبية المشاركة في الحكم، كما نال رضا وموافقة كل المؤسسات الإقليمية والدول التي تراقب عملية السلام في السودان.
عقب تشكيلها بدأت المفوضية بإجراء إحصاء سكاني وتقسيم جغرافي للدوائر شمل كافة أقاليم السودان، أشرفت عليه الأمم المتحدة وشارك فيه خبراء دوليين.
وقد تم تقسيم الدوائر بصورة أساسية على عدد السكان، حيث وصفت هذه العملية بالأولى من نوعها في السودان كونها جاءت وفق منهج علمي.
مواقف الأحزاب من الانتخابات
اختلفت مواقف الأحزاب من هذه الانتخابات، التي جاءت بعد عشرين عاماً من حكم الحزب الواحد، ففي الوقت الذي بدا الحزب الحاكم في السودان (المؤتمر الوطني) بقيادة الرئيس البشير متماسكاً وأكثر اندفاعاً نحو إجراء الانتخابات بسبب ما وصفه البعض بالظروف، التي جاءت في مصلحته كاتفاقية السلام الموقعة مع حركة العدل والمساواة في دارفور وموقف الغرب من الرئيس البشير، وهو الموقف الذي يثير حساسية مطلقة ليس لدى الشارع السوداني فحسب بل ربما لدى جميع الشعوب العربية، تباينت مواقف أحزاب المعارضة من هذه الانتخابات، فقد سعى حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي الى توحيد جهود أحزاب المعارضة من أجل اتخاذ موقف موحد من هذه الانتخابات، إلا أن تلك المساعي لم تسفر الى نتيجة تجعل المعارضة في موقف قوي أمام المؤتمر الوطني الحاكم.
بدأ أحزاب المعارضة بعد مرور نحو أسبوعين من تدشين الحملات الانتخابية بالتلويح بمقاطعة الانتخابات بسبب ما أسمته مخاوف من تزوير الانتخابات، كون المفوضية العليا للانتخابات لم تقدم الضمانات الكافية لضمان نزاهة الانتخابات، وهو ما دفع المعارضة لتقديم شروط ومطالب قالت إن توفيرها سيساعد في ضمان نزاهة الانتخابات.
الحزب الحاكم المؤتمر الوطني اعتبر ذلك تراجعاً من أحزاب المعارضة عن العملية الديقراطية، وقال بحسب تعبير أحد قياداته إن ما أسماه الشعبية الكبيرة لحزبه وسط الجماهير السودانية هي التي دفعت أحزاب المعارضة الى تراجعها عن الدخول في الانتخابات والمطالبة بالتأجيل.
لم تصمد أحزاب المعارضة كثيراً على موقفها المطالب بالتأجيل بل بدأت بعضها بالتراجع التدريجي عن تلك المطالب.
حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي هو أكبر أحزاب المعارضة ظل إلى وقت قريب من يوم الاقتراع متردداً، فبعد أن كان قد حدد شروطاً تقدم بها الى مفوضية الانتخابات وأعلن استمرار حملته الانتخابية حتى السادس من أبريل الجاري الثلاثاء الماضي ليكون موعداً يحدد فيه موقعه النهائي من الانتخابات وقبل انتهاء الفترة المحددة كانت هناك تلميحات من بعض قياداته من أنه سوف يدخل الانتخابات بعد أن استجابت المفوضية لمعظم شروطه ومطالبه، وفي 7 أبريل أعلن حزب الأمة مقاطعته للانتخابات لنفس الأسباب التي كان قد حددها مسبقاً مع بعض أحزاب المعارضة.
الحركة الشعبية أكبر فصائل الجنوب كانت قد أعلنت في وقت مبكر مشاركتها في الانتخابات وحددت ياسر عرمان كمرشح عنها لرئاسة الجمهورية، وقبل نحو أسبوعين أعلنت انسحابها من الانتخابات ومقاطعتها لها، ولم تصمد على موقفها نتيجة الانقسام الحاد وسط قياداتها واستمرت الحركة في حيرة من أمرها فبعد أن أعلن الأمين العام عن قرار الحركة مقاطعة الانتخابات في الشمال ومشاركتها في الجنوب جاء تصريح رئيس الحركة سلفاكير الذي يشغل نائب الرئيس السوداني بقوله إن الحركة لن تقاطع الانتخابات في الشمال بل ستدخل الانتخابات في الشمال والجنوب لكنها ستقاطع الانتخابات الرئاسية على أن تستمر المشاركة في باقي المستويات.
حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة الشيخ المرغني أعلن في وقت سابق مقاطعته للانتخابات الرئاسية ومشاركته في الانتخابات التشريعية والولايات، وقبل موعد الاقترع بأسبوع عاد الحزب عن قراراه وأعلن مشاركته في جميع المستويات الانتخابية، فيما كانت أحزاب أخرى كحزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي والحزب الشيوعي والحزب القومي وأحزاب أخرى صغيرة قد أعلنت منذ البداية مشاركتها في الانتخابات بكافة مستوياتها.
أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية
تقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية خمسة عشر مرشحاً من بينهم الأحزاب الرئيسية، التي كانت قد حددت أسماء مرشحيها لرئاسة الجمهورية، غير أن بعضها قاطع والبعض الآخر انسحب، وهنا نذكر أبرز المرشحين ومن بينهم امرأة مع توضيح من انسحب منهم:
عمر أحمد البشير- المؤتمرالوطني الحاكم
ياسر عرمان - الحركة الشعبية لتحرير السودان منسحب
الصادق المهدي- حزب الأمة - مقاطع
حاتم السر- الاتحاد الديمقراطي
إبراهيم نقد- الحزب الشيوعي
عبدالله دينق نيال - المؤتمر الشعبي
كامل إدريس - مستقل
فاطمة عبدالحميد - مستقلة ووزيرة سابقة في حكومة الرئيس جعفر النميري
الموقف الأوروبي والأمريكي
يرى مراقبون بأن المواقف الأوروبية والأمريكية جاءت مغايرة كثيراً هذه المرة فيما يتعلق بالانتخابات السودانية، حيث دعا رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي أحزاب المعارضة السودانية الى المشاركة الفاعلة في الانتخابات ونصحوا بعدم المقاطعة، فيما جاء الموقف الأمريكي ليؤكد أن الانتخابات السودانية ستكون حرة ونزيهة، وهو موقف لم تعهده الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث.
الموقف الأمريكي تكرر مرات عدة على لسان الناطق باسم البيت الأبيض وعلى لسان المبعوث الأمريكي الخاص بالانتخابات السودانية، حيث التقى المبعوث برئيس المفوضية وقال إن المفوضية أكدت له بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة وأن المفوضية أعطت له ضمانات بعدم حدوث أي تزوير فيها.
مراقبون اعتبروا تلك المواقف بمثابة صفقة سياسية عقدها البشير مع الأمريكيين والأوروبيين، وأنها مؤشر لتقبلهم فوز الرئيس البشير، خصوصاً بعد أن برر الاتحاد الأوروبي سحب لجان المراقبة الأوروبية من دار فور لدواعي أمنية.
لجان المراقبة على الانتخابات
من خلال لجان المراقبة الدولية على الانتخابات السودانية يتضح للمتابع مستوى الاهتمام العربي والإسلامي والدولي بهذه الانتخابات التي تعد الأولى منذ الاطاحة بحكومة الصادق المهدي عام 1989م، من قبل ما تسمى بثورة الإنقاذ الي جاءت بالبشير الى هرم السلطة.
وبرغم كثافة المراقبين المحليين والدوليين على سير عملية الانتخابات إلا أن انتقادات كثيرة وجهت للسلطات السودانية بشأن سير وتنظيم العملية الانتخابية كان أبرزها الانتقادات الواردة في بيان لمركز كاتر الأمريكي التابع للرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، حيث انتقد المركز نقص الدعاية الانتخابية للمرشحين وسط مقاطعة بعض الأحزاب، إضافة الى انتقادات سابقة وجهها المركز اتهم فيها الحكومة السودانية بالفشل في إقناع أعداد كافية من المواطنين لتسجيل أسمائهم في السجل الانتخابي.
خطوة في الطريق الصحيح
بحسب مراقبون فإن التجربة الديمقراطية في السودان تعد في بدايتها كونه من الدول النامية التي تحتاج الى سنوات لتتمكن من تعزيز وترسيخ هذا المفهوم لذا من الطبيعي أن تشووب هذه التجربة العديد من المشاكل والاختلالات خصوصاً في ظل تعدد التصويت لأكثر من مرشح في وقت واحد إضافة الى أن أكثر من نصف المسجلين في جداول الناخبين هن من النساء، وبرغم ذلك يرى المراقبون أن هذه ا لتجربة تعد خطوة في الطريق الصحيح
أبرز لجان المراقبة على الانتخابات
- لجنة الأمم المتحدة.
- لجنة الاتحاد الأوروبي.
- لجنة الجامعة العربية.
- لجنة الاتحاد الإفريقي.
- لجنة منظمة المؤتمر الإسلامي.
- فريق المراقبين المصريين.
- فريق المراقبين الصينيين
- لجنة مركز كارتر الأمريكي، إضافة الى الكثير من المنظمات الدولية والمنظمات العربية والمحلية.
أرقام سودانية:
2.5 مليون متر مربع مساحة السودان تقريباً.
39 مليون عدد السكان.
16 مليون عدد المسجلين في جداول الناخبين.
13000 لجنة انتخابية في جميع الولايات.
26 ولاية سودانية.
450 مقعداً نيابياً.
٪60 من المقاعد تتم بالانتخابات المباشرة.
٪40 من المقاعد تتم بالتمثيل النسبي وتكون على النحو الآتي:
٪25 مخصصة كمقاعد للنساء.
٪15 مخصصة كمقاعد للأحزاب الصغيرة .
100ألف شرطي لتأمين عملية الاقتراع.
15ألف متطوع في مجال الإسعافات الطبية.
200 الف مراقب محلي وعربي ودولي