الرئيسية المقالات مدارات توازن القوى ليس خياراً
توازن القوى ليس خياراً
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

التوازن قانون عام جعله الله نظاماً للكون كله، يحكم كل مكوناته، من الأجسام الكبيرة إلى الخلايا الصغيرة. ولو اختل هذا التوازن لتصادمت المجرَّات والكواكب وفسدت الأجسام وانتهت الحياة، بكل مظاهرها. هذا التوازن الكوني لاعلاقة له بعنوان المقال. فالتوازن، الذي أقصده، والذي لا أعتبره خياراً مقبولاً، هو توازن الرعب، الذي تمثله القوى السياسية اليمنية، المدججة بالسلاح خارج سلطة الدولة.

قد يرى البعض أن توازن القوى السياسية المسلحة، يضمن قدراً من الأمان للمجتمع اليمني. لأن تغلب إحداها سوف يؤدي إلى حالة من الطغيان والإستئثار واستبعاد الآخرين، إذا لم نقل استعباد الآخرين. وقد يؤدي إلى ماهو أسوأ من ذلك، إذا تغلبت قوة، ذات نزعة إستئصالية، لاتقبل من الناس المخالفين لها حتى إيمانهم، فلها معاييرها الخاصة للإيمان، لايشاركهم بها عامة المسلمين. 

من هنا قد يشعر بعضنا بأن توازن القوى السياسية المسلحة هو خير من هيمنة إحداها. ولكن هذا النوع من التوازن سيبقي اليمن على حاله، كل قوة تشده إلى جهتها، فيعجز عن التحرك إلى الأمام. لهذا نقول إن توازن القوى السياسية المسلحة ليس خياراً وليس خيراً لليمن، بل هو الشر عينه. ولولا ضعف الدولة، لما برز هذا التوازن، ولما أصبح مقبولاً، لدى البعض. 

فما هو الخيار الأفضل لليمنيين ولمستقبل اليمن؟ إنه، بلا جدال، خيار بناء الدولة اليمنية الحديثة القوية العادلة، حلمنا المؤجل، الذي لم نتمكن من تحقيقه حتى الآن. ألايفرض علينا حبنا لبلدنا وحرصنا على مستقبل أبنائنا، أن نعمل جميعنا لتحقيق هذا الحلم، الذي سيمكننا، في حال تحقيقه، من تجاوز أوهام الغلبة والإستئثار واستقواء بعضنا على البعض الآخر؟ إننا لو سلكنا سبيل بناء الدولة، لما شعر أحد منا بالحاجة إلى حمل السلاح، خارج إطار القوات المسلحة اليمنية، ولما شعر أحد بالحاجة إلى الإلتحاق بقوة من القوى المتصارعة، المدججة بمختلف الأسلحة، ليضمن لنفسه الحماية، التي عجزت الدولة عن أن تضمنها له. إن بناء الدولة اليمنية القوية العادلة هو السبيل الوحيد لإنهاء ظاهرة توازن الرعب ومظاهر الإنفلات الأمني ووجود المليشيات المسلحة، بكل تلاوينها. بناء الدولة هو خيارنا الوحيد، الواعد بالحياة الآمنة المطمئنة الكريمة. ولكن كيف نحققه؟ سؤال سهل، وجوابه ليس بنفس السهولة.

هناك رئيس للدولة، نؤيده أو نختلف معه. هذا من حقنا. ولكن ليس من حقنا أن نعمل على إضعافه وإفشاله في أداء مهمته، التي أوكلناها إليه. لأننا بهذا نضعف فرص بناء الدولة. فالرئيس في هذه المرحلة المضطربة هو أهم ركيزة من ركائز الدولة. قد لانوافق على إجراء من إجراءاته، هذا أمر مفهوم، والرئيس نفسه يجب أن يتفهم ذلك. ولكن عدم اتفاقنا معه، في هذا الإجراء أو ذاك، لايجب أن يقودنا إلى وضع العصي في الدواليب أو وضع المطبات في الطريق. يجب أن ندع الدواليب تدور وندفعها نحو الأمام ونعيدها إلى الجادة إذا انحرفت عنها، ونعمل مع الرئيس على تسوية الطريق وإزاحة المطبات، والسير فيها معاً، كتفاً بكتف. وفي الوقت نفسه ننقد أداءه وأداء الحكومة، ولكن النقد البناء، الذي يبرز قصور الأداء ويطرح بصدق وإخلاص البديل الأفضل الممكن.

إن اليمن ليست ملكاً للرئيس ولا لمجلس الوزراء، ولا لأحد دون الآخرين. إنه ملكنا جميعاً ومستقبله هو مستقبلنا. وعندما يخطئ المسؤول، نحاوره ونقول له أخطأت، ونبين له الصواب، كما نتصوره. وإذا لم يقنعنا بأنه على صواب، وظل متمسكاً بالخطأ، فعلينا أن ننتقل إلى مستوى آخر من مستويات التعبير عن رأينا وموقفنا، وهو مستوى المعارضة العلنية السلمية، بمختلف أشكالها. المعارضة، التي تعين الحاكم على رؤية المسار بصورة صحيحة، لا المعارضة، التي تهدف إلى إرباكه وتدمير فرص بناء الدولة.

إن التدمير أسهل من البناء. فالتدمير والتخريب وعرقلة المسار أمور لاتحتاج إلى قدرات وكفاءات وعبقريات خاصة، بقدر ماتحتاج إلى بلطجة. أما البناء فيحتاج أولاً إلى تضافر جهودنا جميعاً، بصدق وإخلاص لليمن. ويحتاج ثانياً إلى ممارسة النقد البناء، تجاه أنفسنا وتجاه المواقع العليا في الدولة والمواقع الدنيا أيضاً. ويحتاج ثالثاً إلى إعادة الإعتبار لرئاسة الدولة، لأنها في هذه المرحلة أهم ضامن لسلامة المسيرة. وأقصد بإعادة الإعتبار، أن تبذل الرئاسة نفسها جهداً لمعرفة مواطن الخلل في أدائها وفي أداء أجهزة الدولة، وتعمل بجدية وحسم على إصلاحها، وفي الوقت نفسه أن نبذل نحن المواطنين قصارى جهودنا، لنشد أزر الرئاسة ونصحح اتجاهاتها ونقول لها: نعم، عندما تصيب، كما نقول لها: لا، عندما تخطئ.

من الواضح أن أداء الرئاسة لم يكن في مستوى طموحنا، عندما خرجنا، في الحادي والعشرين من فبراير عام 2012م، لنعطيها أصواتنا ونطوي بها صفحة الماضي. ولكن من الإنصاف أن نقول أيضاً: إن الصعوبات، التي واجهتها الرئاسة، وماتزال تواجهها، لم تكن في مستوى توقعاتنا. ولعل هذا هو ما أربك المشهد السياسي كله. فقد كانت الرئاسة تمتلك القوة المعنوية، التي لم تستخدمها بالشكل المطلوب. ولكنها لم تكن تمتلك القوة المادية الكافية، التي تمكنها، في وقت قصير، من تحويل قوتها المعنوية إلى فعل، يغير المعادلات والتوازنات، التي كانت قائمة في الواقع، وماتزال. وعدم امتلاك الرئاسة للقوة المادية الكافية جعلها في نظرنا تراوح كثيراً، وجعل بعض القوى التي تكونت في العهد السابق تستخف بالرئاسة وتستهين بقدراتها. وهذا الإستخفاف والإستهانة أثرت في حياتنا كلها، تأثيراً سلبياً. فشعور المواطن بضعف الدولة يجعله في حالة قلق دائم وخوف من مستقبل مجهول. 

ماذا بعد؟ كان يقال لنا، عندما نكتب ونناشد الرئيس السابق، ليقود بنفسه عملية إنهاء الفساد المالي والإداري ويضطلع بواجبه في بناء الدولة اليمنية الحديثة، كان يقال لنا حينها: الرئيس لايقرأ ماتكتبون، فهو لايحب القراءة. هكذا بكل بساطة. ونحن نتمنى، إذا صح هذا القول، أن لاتبقى هذه سمة، من سمات رؤسائنا. فعدم القراءة من قبل المسؤول الأول في الدولة، سيجعل المساعدين والمستشارين والمقربين، هم الذين يقرأون له، كل بطريقته وتفسيره. وكم من القراءات والتفسيرات تُخرج النص عن معانيه، وتُبعده عن مقاصده. هذه حالة يجب أن تنتهي. وعلى الرئيس، مادام رئيساً، أن ينصت ويسمع ويقرأ ويتعلم يومياً من مواطنيه. وعلينا نحن، كمواطنين، أن ننصت له ونتعلم منه أيضاً. فالصورة لديه أشمل، ويرى معظم زواياها، بحكم موقعه. والصورة لدينا أكثر صفاءً، لأنها ليست مختلطة بمؤثرات واعتبارات وضغوطات داخلية وخارجية، حتى وإن كانت أقل شمولاً، بحكم بعدنا عن مواقع القرار وخارج دائرة السلطة. وعلينا، هو ونحن معاً، أن نجعل الرؤيتين متكاملتين، غير متناقضتين، وأن نسند الرئاسة، إسناداً مشروطاً بحسن الأداء. لأن هذا هو السبيل المتاح الآن، لإنهاء ظاهرة توازن القوى المسلحة وفوضى السلاح والذبح بالسكاكين. كما أن هذا هو الطريق الوحيد لاستعادة هيبة الدولة. وبدون استعادة هيبة الدولة، لن نخطو خطوة واحدة، نحو بناء اليمن الجديد.

 

   

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي