الرئيسية المقالات مدارات اليمن .. وأزمة النظام العربي
اليمن .. وأزمة النظام العربي
القاضي يحيى محمد الماوري
القاضي يحيى محمد الماوري

ما يجري اليوم في الوطن العربي عموما وفي اليمن وعدد من الأقطار العربية خصوصا لا يمكن فهمه بمعزل عن ازمة النظام العربي الذي بدأ يتهاوى منذ أواخر القرن الماضي بسبب ما أصاب هذا النظام من شلل فكري وسياسي أعجزه عن ابتكار حلول حقيقية لإشكالية الدولة الحديثة بمفهومها المؤسسي (دولة المؤسسات) في إطار الدولة القطرية ، ثم ما ساد العقود الأخيرة من القرن العشرين وأوائل هذا القرن من اضطراب فكري وسياسي لدى الكثير من الحركات الإسلامية داخل المجتمع العربي والإسلامي أنعكس بانهيار كيان الأمة وتفكك وحدتها وسقوطها في براثن العدوان الخارجي والصراع الدموي الداخلي وتوقف حركة التنمية والنهوض الحضاري الناتج عن غياب الاستراتيجية القومية وتلاشي وحدة القرار القومي .

في ظل هذا السقوط المروع للنظام العربي تميزت القوى السياسية اليمنية عن غيرها بإنجازها السياسي في الحوار الوطني وخروجها بوثيقة توافقية تضمنت الحد الأدنى من الحلول والمعالجات لشكل الدولة اليمنية ونظامها السياسي على أساس المبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية ومبدا التداول السلمي للسلطة وأظهرت مقدرة سياسية عالية في تجاوز هذه الإشكالية الفكرية والسياسية (من الناحية النظرية) وامتلكت فرصة تاريخية ربما لم تتوفر لغيرها من القوى السياسية العربية لتحقيق مشروعها الوطني في إقامة الدولة اليمنية الحديثة والخروج من دائرة العنف السياسي والصراع الدموي على السلطة، وما من شك في أن نجاحها (عمليا) ستكون له انعكاسات مباشرة على بقية الأقطار العربية المتازمة وتشكل نقطة مضيئة في طريق إعادة بناء النظام العربي من جديد واستعادة وحدة القرار السياسي العربي المفقود والحيلولة دون تنفيذ المخططات الجارية لفرض التجزئة السياسية والجغرافية على الوطن العربي من جديد بعد ان استنفدت مؤامرة (سايكس بيكو) أهدافها على مدى القرن الماضي وشكلت اخطر المعوقات أمام مشروع الدولة القومية التي كانت الأمة تطمح لإقامتها بعد سقوط الخلافة العثمانية مما هيأ الظروف السياسية لبروز مشاريع الدولة القطرية (المدعومة خارجيا) وخلق مسميات مستحدثة لم يكن لها وجود تاريخي أو جغرافي كما هو معروف..

وهاهي مؤشرات سايكس بيكو الثانية تبرز بوضوح فيما تطرح من مشاريع تجزئة المجزأ وتمزيق الممزق حتى لا يبقى لهذه الامة من أثر يدل الأجيال القادمة على وجودها التاريخي والحضاري وهويتها القومية الواحدة .

لقد استسلم النظام العربي على مدى الثلاثة العقود الماضية لكل مخططات تمزيق النسيج الاجتماعي الداخلي في كل قطر بل ان البعض ساهم في تنفيذها ليصل الى درجة الانهيار الكامل للكيان القومي، فكان الاجتياح الأجنبي لدول عربية وتصاعد العنف السياسي والطائفي والمذهبي وما تلا ذلك من تداعيات وأزمات سياسية واقتصادية وارتفاع حدة البطالة ومعدل الفقر في معظم الأقطار العربية أدت إلى هز ثقة المجتمع العربي بالأنظمة الحاكمة وتصاعد دعوات التغيير والمطالبة بالديمقراطية وإطلاق الحريات السياسية وحماية حقوق الإنسان مما دفع معظم الأنظمة إلى البحث عن الحماية من خلال التبعية الكاملة للدول الاستعمارية في مواجهة الرفض الشعبي لتلك المواقف المذلة حتى بلغ النظام العربي حد الفشل في تحقيق أي قدر من الأهداف القطرية أو القومية وتوقف تماما عن أي فعل ايجابي تجاه القضايا المصيرية مما ولد شعورا لدى الغالبية بان الأمة فقدت أخر مقومات بقائها ويئست عن أي أمل في تحقيق وحدتها واستعادة كرامتها المهدورة.

واذا كان حدث إعادة الوحدة اليمنية 1990م قد أنعش الطموح القومي العربي في الوحدة وأعاد الروح للفكر القومي العربي الذي اعتبر قيام الوحدة اليمنية دليلا حيا على صواب رؤيته السياسية بحتمية الوحدة العربية الشاملة واستقبلت الجماهير العربية الوحدة اليمنية بحماس شديد مدفوعة بحنينها الذي طال أمده إلى تحقيق وحدة عربية شاملة يرتفع فيها شأنها وتستعيد بها دورها الحضاري ورأت في الوحدة اليمنية الإشراقة المضيئة لتحقيق الحلم العربي العظيم واعتبرتها بمثابة التعبير عن الرفض الشعبي لما حدث من انهيار للنظام العربي وسقوطه المريع أمام الهجمة الغربية الهوجاء وتبعيته المذلة للنظام العالمي الجديد وعجزه المخزي عن مواجهة التحدي الصهيوني المدعوم من الغرب... فهل يستعيد اليمنيون الثقة بأنفسهم وأمتهم العربية ويتجاوزون محنتهم بإنقاذ تجربتهم السياسية والديموقراطية السلمية من مازقها الخطير الذي تمر به اليوم من خلال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ونقل السلطة سلميا ووقف نزيف الدم اليمني بإرادة وطنية واحدة وموحدة وتقديم تجربة حضارية لامتهم تكون بمثابة مشروع انقاذ قومي يؤسس لإقامة نظام عربي جديد ؟ .

استقلال القرار السياسي اليمني:

لا يمكن ان تتحقق الأهداف الوطنية الكبرى الا من خلال إرادة وطنية متحررة وموحدة ،واذا كان قرار إعادة الوحدة قد جسد استقلال القرار السياسي اليمني وتحرره من الضغوط الخارجية وانحياز القوى السياسية لجانب الإرادة الشعبية والإجماع الوطني على إعادة تحقيق الوحدة الاندماجية، فاننا كيمنيين بحاجة اليوم الى موقف وطني شجاع لا يقل شجاعة ووطنية عن قرار إعادة الوحدة كما ان القوى السياسية بكل اطيافها مسئولة مسئولية تاريخية عن صيانة استقلال القرار السياسي اليمني واثبات حرصها على المصلحة الوطنية وتقديمها على كل المصالح الفئوية، والانتصار للارادة الوطنية في مواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية وان تثبت هذه القوى للجميع بان اليمنيين لا يساومون بهويتهم الوطنية أمام كل المغريات وبذلك يتم إنقاذ الوطن من كارثة الانهيار الشامل؟ .

إقراء أيضا