الوحدوي نت - خاص
يركز التقرير على قدر كبير من التحليل في الجزء الخاص بالأزمة اليمنية وذلك برصد مؤشرات هذه الأزمة، كاستمرار ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وتزامن المتناقضات وتعايشها في اليمن، وطرح مبادرات وخطاب سياسي دون فاعلية، وحضور شرعية النصوص في مقابل لا شرعية الفعل السياسي الرسمي، والتأثر بالخارج في مقابل غياب إرادة الفعل والتأثير تجاهه . ثم يدلل التحليل على أن عام 2009م كان كاشفاً لأوجاع اليمن كما تدل أحداث صعدة والحراك الجنوبي وتزايد حضور تنظيم القاعدة، بالإضافة الى مظاهر أخرى كتمديد فترة مجلس النواب الحالي إلى عام 2011م، وأقلمة الأزمة اليمنية وتدويلها، وتفاقم الأزمة الاقتصادية . ثم يحلل هذا الجزء بالتفصيل المثلث الحاكم للأزمة اليمنية : حرب الحوثيين في صعدة، والاحتجاجات في المحافظات الجنوبية وإدارة أزمة التنوع، وتنظيم القاعدة بين عالمية التأثير والسعي إلى الاستفادة من البيئة اليمنية، سواء في شقها السياسي المرتبط بكراهية العرب للسياسات الأمريكية أو شقها الجغرافي الاجتماعي الذي يتيح للتنظيم بيئة مواتية، منتهياً بمحاولة لاستشراف المستقبل اليمني بين أربعة مشاهد، أولها غير مرغوب فيه، وهو الحكم المشخصن عبر آلية حربنة الحياة اليمنية، والثاني هو مشهد التحايل السياسي الذي يراه الباحث المشهد المتعايش معه، والثالث هو مشهد الصدقية السياسية، وهو المشهد المتعثر والمرغوب فيه، وأخيراً ما سمّي مشهد « الحزن اليماني » أو المشهد الكارثة الذي يتحول فيه الوضع في اليمن الى حرب الجميع ضد الجميع بما يستدعي تفاقم التدخل الخارجي . ويخشى الباحث من أن يراوح مستقبل اليمن بين المشهدين الأول والرابع .
المشهد اليمني وسماته
يمكن القول إن المشهد اليمني مشهد مأزوم، ومن سمات الأزمة :
- أن المجتمع اليمني يمر بمرحلة خلل في البناء المجتمعي العام مما ساعد على ظهور أسوأ القديم ومتخلف الحديث، الأمر الذي أدى الى تكريس « متخلف القديم » و«سيئ الحديث والمعاصر»؛ حيث تعانق الأسوأ قيماً وسلوكاً، وظهرت مؤسسات حديثة الشكل والمبنى، وتقليدية الجوهر والمعنى، وتحولت الى « كائن مسخ » أخذ من البنية التقليدية كالقبيلة أسوأ ما تملك من أعراف وعادات، مثل عادة « الثأر القبلي » فتحول الى « ثأر سياسي » وحزبي، يمارس في العاصمة اليمنية صنعاء وفي بعض المدن والقرى اليمنية، وانتشرت عادة استسهال اللجوء الى السلاح والعنف لحل بعض الخلافات بدلاًِ من قيمة الحوار والتسامح .
- يشهد الواقع المجتمعي اليمني سيولة اجتماعية، وتداخلاً اجتماعياً ومهنياً معاً؛ بسبب أن هذا الواقع لا يعرف تبلوراً وتقسيماً طبقياً واضحاً، وإن كانت خارطته القبلية تتسم بتنوع وتعدد واضحين .
- ثمة تداخل عجيب تشهده الحياة السياسية اليمنية، وبالتالي فهي تحتاج إلى إعمال العقل، والى قدر من الخيال السياسي كي يتم بيان هذا التشابك والتداخل والتعقيد الذي يشهده الواقع اليمني، مجتمعاً ودولة .
- إن اليمن يعاني أزمة سياسية ومجتمعية شاملة ومركبة على مستوى النظام الحزبي والنظام السياسي، بل وعلى مستوى العلاقة بين المجتمع والدولة، لأسباب عدة من أهمها : افتقار التوجه الرسمي الى صدقية الأخذ بجوهر قيم النموذج الديمقراطي، و السعي الى تشويهه والتحايل عليه، والاكتفاء بنقل الشكل دون الجوهر والمبنى دون المعنى . فبالرغم من محاكاة اليمنيين للخارج وتحكيمه، إلا أنهم فشلوا في نقل النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي واستنباته في بيئة يمنية طادرة لكثير من قيمه، كما أنهم عجزوا عن الحفاظ على كثير من القيم اليمنية الإيجابية . ونجم عن ذلك ضعف كل المجتمع والدولة وضعف الحاكم السياسي اليمني الذي كان قوياً بسبب إضعاف ركائز كل من المجتمع اليمني والدولة اليمنية .
اثار المشهد السياسي اليمني المأزوم وتجلياته
من أهم آثار المشهد وتجلياته الآتي :
أ - استمرار ظاهرة عدم الاستقرار السياسي
يعاني النظام السياسي اليمني ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، كما يتضح على سبيل المثال من أحداث صعدة، التي بدأت بمواجهات مسلحة بين الحكومة والحوثيين منذ عام 2004م، كذلك قيام مظاهرات واعتصامات وإضرابات في كثير من المحافظات اليمنية، وخاصة الجنوبية منها، وكذا عودة ظاهرة الاختطافات والتقطعات القبلية، وانتشار ظاهرة الثأر، إضافةً الى حدوث تفجيرات، وحضور ( أو إحضار ) تنظيم القاعدة في اليمن .
ب - ظهور ما يمكن تسميته تزامن المتناقضات وتعايشها في اليمن
فثمة انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية، وفي الوقت نفسه هناك أزمات وحروب . صحيح أن اليمن عقب قيام دولة الوحدة أعلن توجهه نحو التعددية السياسية والحزبية، ولكن هذا التوجه لم يحل دون قيام أزمات وحروب بدءاً من حرب صيف 1994م أو ما عرف بحرب الانفصال ومروراً بحرب صعدة التي تفجرت في عام 2004م . ورغم ما يسجل للتجربة اليمنية أنها شهدت 3 دورات انتخابية برلمانية ( 1993 و1997و2003 ) ، ودورتين انتخابيتين رئاسيتين ( 1999 و2006 ) ، ودورتين انتخابيتين للمجالس المحلية ( 2001 و2006 ) ، فإن الاشكالية هي أن هذه الانتخابات لا تأتي أُكلها، وهي أقرب للتعبئة السياسية منها الى المشاركة السياسية، حيث تحولت هذه الانتخابات من مؤشر للمشاركة السياسية والشعبية ووسيلة لها الى غاية وهدف .
ويبدو أن هذا الوضع ناجم من أن الديمقراطية في اليمن ليبرالية الآليات والوسائل، ويمنية الثقافة والقيم؛ حيث اكتفى اليمنيون باستيراد المبنى الديمقراطي الليبرالي الغربي، بينما بقي المعنى يمني المحتوى والممارسة، إذ ما انفك يصطبغ بالإطار المجتمعي العام .
ج - حضور مبادرات لا تؤتي أُكلها وخطاب سياسي بمنأى عن الفعل السياسي
يمكن القول إن المبادرات والتعديلات الدستورية التي تشهدها الحياة السياسية اليمنية هي بمثابة علامات وشواهد على ضعف كل من المجتمع والدولة والنخبة الحاكمة على حد سواء، حيث غدت المبادرات الرسمية للاصلاح بمثابة هروب رسمي من الإصلاح السياسي والمجتمعي الشامل، ولم تعد آلية للإصلاح، وهنا تكمن المشكلة، ومن شواهد هذا الاستنتاج :
- يلاحظ أنه حينما يعاني الوطن اليمني أزمات، وخاصةً على مستوى النظام السياسي، يتم اطلاق مبادرة أو وثيقة، كما حدث حين اتفق فرقاء العمل السياسي على إصدار ما عُرف بوثيقة العهد والاتفاق الموقعة في عمَّان أوائل عام 1994، أو مبادرة الإصلاح السياسي والوطني الشامل الصادرة عن أحزاب المعارضة ( أحزاب اللقاء المشترك ) في أواخر عام 2005، أو ما عُرف بمبادرة الأخ رئيس الجمهورية للتعديلات الدستورية المعلنة في أواخر عام 2007؛ وأخيراً ما سُمي مشروع رؤية للإنقاذ الوطني الصادرة عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، التي تضم أحزاب المعارضة وبعض الفئات المجتمعية اليمنية . والمحزن أن هذه المبادرات عجزت عن احتواء الأزمات أو حلها، بل إن الأزمات تتفاقم وتشتعل عقب الإعلان عن هذه المبادرات .
- كان يلاحظ أن التعديلات الدستورية تجري عقب انتخابات، وبدلاً من أن يكون الصراع فكرياً وسياسياً، ( صراع برامج ) يتم عبر صندوق الانتخابات، تلد هذه الانتخابات أزمات، وهذا ما حدث عقب ما عرف بأزمة الانفصال أو حرب صيف 1994، حيث تم تعديل الدستور عامي 1994 و2000م . وثمة حديث الآن عن مقترح رئاسي أو « مبادرة رئاسية » لتعديل الدستور .
د . حضور شرعية النصوص في مقابل لا شرعية الفعل السياسي الرسمي
بسبب تدني قدرات النظام السياسي، وعجزه عن القيام بكثير من وظائفه، سواء كانت استخراجية أو توزيعية أو تنظيمية أو استجابية، وعجز الحكومة اليمنية التي اكتفت إلى حد الزهد بالركون إلى شرعية الوحدة اليمنية دون الانتقال إلى شرعية الإنجاز والإشباع وفاعلية الأداء، سعت النخبة الحاكمة، وعبر خطابها الرئاسي، الي توليد الشرعية عبر النصوص، وفي هذا السياق، يمكن القول إن محاولة النخب الحاكمة توليد الشرعية عبر النصوص ( المبادرات والبرامج الانتخابية والتعديلات الدستورية ) لم تعد كافية، خاصة في ظل تزايد الأزمات التي يعانيها اليمن مجتمعاً ودولة، كارتفاع نسبة البطالة، وتزايد عدد الفقراء، وارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية للعملة اليمنية، وبالتالي فإن الاتكاء على النصوص دون الأفعال قد يؤذن بدخول النظام السياسي اليمني مرحلة ما يمكن تسميته « شرعية اللاشرعية ».
هـ - الانفعال بالخارج والتأثر به في مقابل غياب إرادة الفعل والتأثير تجاهه
إن اليمنيين كثيراً ما يحاكون الخارج، ويتأثرون به، ويحتكمون إليه؛ إلا أن الإشكالية هنا هي أنهم يحاكون الخارج بشكل سلبي، بحيث يتأثرون به وينفعلون به دون أن يكونوا فاعلين . إنهم يهربون من مشكلاتهم وصراعاتهم الى الخارج . إنها محاكاة الضعيف غير المستقر تجاه القوي ( الخارجي ) الطامع، غالباً .
إن اليمنيين، وفي مقدمتهم النخب الحاكمة يهربون من صراعاتهم، وصعوباتهم الداخلية ليتلقفهم الخارجي، الذي تختلف مصالحه وأهدافه عن مصالح اليمنيين وطموحاتهم، بل إن اليمني كثيراً ما يستنجد بالخارج ( الأجنبي ) ويستأسد به ضد أخيه اليمني، إنها إشكالية انعدام ثقة اليمني بأخيه اليمني .
عام 2009م كاشف لأوجاع اليمن وأزماته
ان استقراء الوضع السياسي اليمني يومئ إلى أن ثمة إشكالية حقيقية يواجهها اليمن عامة، والنظام السياسي تحديداً؛ فما يعتمل في الساحة اليمنية يدفع إلى الاستنتاج بأن ثمة ثلاثية تفصح عن إخفاق ثلاثية، فحرب صعدة تومئ إلى فشل الثورة اليمنية في تحقيق أهدافها، حيث يلاحظ أن معظم الأهداف « السبتمبرية » الستة لم تر النور بعد، وما ترديد الخطاب الرسمي وتحذيره من عودة الملكية والكهنوتية والإمامة إلا دليل على هذا الاستنتاج . كما أن الاحتجاجات ( الحراك الجنوبي ) في المحافظات الجنوبية، ورفع شعارات غير وحدوية، كالمناداة بـ«فك الارتباط » و«الجنوب الحر » و«دولة الجنوب » والتبرؤ من « يمنية » الشطر الجنوبي، تشير إلى « تهديد » دولة الوحدة، كما أن حصار المعارضة السياسية السلمية وإضعافها، والسعي إلى نفيها أو دفعها إلى مربع العنف، وتزايد حضور تنظيم القاعدة ووضوح خطره، وكذا استمرار الأزمات والحروب، والعجز عن الانتقال من حوار البنادق الى حوار البرامج؛ يفصح عن غياب التعددية السياسية والحزبية .
وهنا إشكاليات أخرى عديدة تواجه النظام السياسي اليمني منها :
أ - نفاد آليات التحايل السياسي التي لجأت إليها النخبة الحاكمة
فقد شهد عام 2009 نفاد مفعول التحايل السياسي، الذي من أهم صوره وشواهده :
- استجلاب الشكل المؤسسي ومحاكاته في مقابل ترك الجوهر الديمقراطي ومخاصمته، حيث يتم استيراد المبنى دون المعنى، أو الشكل دون الجوهر؛ لأن استجلاب المؤسسات الديمقراطية الحديثة بمبناها وجوهرها ليس في صالح الحاكم غير الديمقراطي، كما أن المؤسسية والتحديث بحكم التعريف ضد التسلط والاستبداد . بينما نقل الشكل المؤسسي بمبناه قد يوحي للآخرين بديمقراطية الحاكم السياسي، رغم استبداده وتسلطه .
- إضعاف المعارضة السياسية والسعي إلى تهميش دورها في إطار النظام السياسي .
- الركون إلى أهل السيف « العسكريين » على حساب أهل القلم، ووضوح تأثير العسكريين في عملية صنع القرار .
- محاولة اصطناع شرعية لا تستند إلى الرضا الطوعي والإرادي للمحكومين أو على الأقل لغالبيتهم .
- السعي إلى اصطناع حكام كاريزميين ( ملهمين ) رغم عدم توفر شروط الإلهام والرشد لدى غالبيتهم .
- بروز حكم الشخص الواحد برداء مؤسسي ( شخصانية السلطة السياسية ) .
- حضور التعبئة السياسية على حساب المشاركة السياسية وضعفها .
ب - تمديد فترة البرلمان ( مجلس النواب ) الحالي إلى عام 2011
شهد عام 2009 حدثاً سياسياً خطيراً يكاد يشكل مؤشراً على ظاهرة غير سوية يعرفها النظام المؤسسي اليمني، وتتمثل في ظاهرة تمديد فترة البرلمان؛ حيث كان يفترض، وفقاً للدستور والقانون، أن تُجرى انتخابات برلمانية في يوم 27 - 4 - 2009، إلا أنه تم تأجيلها لمدة عامين، إلى عام 2011م . فقد اتفقت القوى السياسية ( الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك ) في شباط فبراير عام 2009م على تأجيل انتخابات مجلس النواب .
ولكي يتم التأجيل لابد من تعديل الدستور، فاتفقت الأحزاب الممثلة في مجلس النواب على تعديل المادة 65 من الدستور التي تنص على أن « مدة مجلس النواب 6 سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين الى انتخابات مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوماً على الأقل، فإذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد ».
وبالفعل فقد عُدلت هذه المادة لتمديد فترة مجلس النواب الحالي ( الذي انتهت مدته القانونية في 27 - 4 - 2009 ) من ست سنوات إلى ثماني سنوات تحت مبرر عدم توفر وقت كاف للحوار والتوافق في ما بين هذه الأحزاب !
أما اتفاق تأجيل الانتخابات وتمديدها الى 27 - 4 - 2011م ( أو ما يعرف بإتفاق فبراير فقد تضمن البنود التالية :
- إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في مناقشة التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي، بما في ذلك القائمة النسبية .
- تمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من استكمال مناقشة الموضوعات التي لم يتفق عليها أثناء إعداد التعديلات على قانون الانتخابات وتضمين ما يُتفق عليه في صلب القانون .
- إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقاً لما ينص عليه القانون .
وفي هذا السياق، يمكن القول إن الحياة السياسية اليمنية قد عرفت ظواهر غير سوية، منها ظاهرة التمديد وتأجيل الانتخابات، سواء كانت محلية أو برلمانية، وهذا يتنافي وأحدأركان الديمقراطية النيابية والحكم النيابي الذي ينص على تحديد مدة البرلمان والمجالس الأخرى المنتخبة، حيث يقوم ممثلو الشعب بممارسة السلطة خلال فترة معينة ومحددة، يتعين بعد نهايتها إجراء انتخابات جديدة، وليس تمديد فترة البرلمان القائم وتأجيل الانتخابات؛ لأنه مادام البرلمان هو الممثل الوحيد لإرادة الشعب، فإن الأمر يقتضي الرجوع إلى الشعب من وقت لآخر حسب نص الدستور والقانون، بمعنى دورية الانتخابات .
وفي هذا الصدد يمكن القول إن اليمنيين لديهم قدرة على نحت النصوص الدستورية والقانونية التي يفترض أنها تفعل التداول السلمي للسلطة، لكن يبدو أن الثقافة السياسية السائدة لا تساعد على تفعيل هذه النصوص، فالإشكالية هي أن ظاهرة التمديد والتأجيل غدت ثقافة سياسية واجتماعية سائدة، ولذا فالحياة السياسية اليمنية هي الأقرب الى تمديد السلطة وليس تداولها سلمياً .
والإشكالية هنا هي أن العقل السياسي اليمني غير مهيأ لتداول السلطة في قمة الهرم السياسي وفي بقية المؤسسات اليمنية، وخاصة المؤسسات التشريعية، فما تزال ثقافة اليمنيين ترفض فكرة تبادل الأدوار سلمياً، وما زالت، هذه الثقافة، ثقافة غير ديمقراطية وغير متسامحة تجاه الآخر السياسي والفكري والمذهبي .
ج - أقلمة الأزمة اليمنية وتدويلها
إذا كنا نعيش اليوم في زمن يتم فيه تدويل القضايا المحلية؛ لأسباب عدة، منها أن التدويل أصبح جزءاً من إدارة الأزمات الدولية؛ فإنه يمكن القول إن إشكاليات اليمن وأزماته قد تمت أقلمتها وتدويلها، فها هي العربية السعودية أصحبت جزءاً مما يحدث في محافظة صعدة اليمنية، حيث الاتهامات المتبادلة بين السعوديين والحوثيين، وظهور دعاوى سعودية باعتداء الحوثيين على بعض الأراضي السعودية مما دفع بالقوات السعودية إلى قصف الحوثيين جواً في الأراضي اليمنية، حيث أكد مساعد وزير الدفاع السعودي استمرار العمليات العسكرية ضد الحوثيين إلى أن يتراجعوا « عشرات الكيلومترات داخل اليمن ». وفي هذا الصدد، وبغض النظر عن دعاوى الطرفين المتنازعين، يمكن القول إن أحداث صعدة وحروبها تعد شاهداً على « أقلمة الأزمة اليمنية » ، كما أن الاهتمام الأمريكي والغربي بأزمات اليمن، بل والتدخل الأمريكي في بعض هذه الأزمات، ولو تحت شعار سعي الولايات المتحدة والغرب إلى البحث عن مصالحها والمحافظة عليها؛ يعد بمثابة تدويل للقضايا المحلية اليمنية سواء تحت شعار « محاربة الإرهاب » أو تصدير النموذج الديمقراطي، لكن هذا لا يعفي اليمنيين من الإقرار بأن أزماتهم في جزء كبير منها هي صناعة يمنية، وهي للأسف بمثابة صناعة ردئية، عليهم التخلص منها .
د - تفاقم الأزمة الاقتصادية واستمرار ضعف الاقتصاد اليمني
يعاني الاقتصاد اليمني تحديات وصعوبات عديدة، من مؤشراتها :
- ارتفاع نسبة الفقر بين اليمنيين الذين يتجاوز تعدادهم 22 مليون نسمة، حيث يشير أحد التقارير الدولية إلى أن نسبة الفقر بين اليمنيين تصل الى 60 % ، كما يعيش غالبيتهم تحت خط الفقر ( بأقل من دولارين في اليوم ) ، كما يرتفع معدل البطالة ليصل وفقاً لبعض الدراسات إلى ما بين 35 % إلى 40 % .
- كما يعاني الاقتصاد اليمني عجز الموازنة الحكومية والاختلال الخارجي والدَّين الخارجي الذي يتجاوز 6 مليارات دولار .
- إضافة الى تزايد معدلات التضخم، حيث ترتفع الأسعار بمعدلات عالية، كما تراجعت قيمة العملة المحلية اليمنية مقابل العملات الأجنبية ( الدولار تحديداًَ ) ؛ فقد ارتفع سعر الدولار إلى 213 ريالاً في الأسواق المحلية، في سابقة لم تشهدها العملة اليمنية منذ عقود .
- كما تصدرت اليمن قائمة 14 دولة عربية معتمدة على الاستيراد لتأمين الغذاء .
- يشير بعض التقارير إلى أن الفساد في اليمن بلغ حداً يهدد وجود النظام السياسي، كم أنه يساهم في تبديد حوالي 60 % من الميزانية العامة . كما أكدت منظمة الشفافية الدولية أن اليمن أصبح أكثر فساداً في العام 2009 مقارنة بما كان عليه في عامي 2007 و2008م . وكشف التقرير الصادر عن المنظمة المذكورة عن تدهور أداء السلطة اليمنية في مكافحة الفساد، حيث احتلت المرتبة الرابعة عربياً في انتشار الفساد، ولم تتجاوزها عربياً إلا ثلاث دول هي الصومال والسوادن والعراق، في حين جاء اليمن في المرتبة 154 في الترتيب العالمي، بينما كان في عام 2008 يحتل المرتبة 141 .
وهكذا يكون العام 2009م شاهداً على تدهور الاقتصاد اليمني وضعفه .
حرب صعدة .. أزمة بناء دولة ومجتمع معاً
إن الحديث عن الحروب الجارية في صعدة هو في جوهره حديث عن أزمات يعانيها اليمن مجتمعاً ودولة . فقد شهد عام 2009 الحرب السادسة في محافظة صعدة اليمنية، حيث اشتعلت الدورة السادسة من حروب صعدة، في آب / أغسطس من العام نفسه، وفي هذا السياق يمكن تناول أحداث صعدة، وفقاً للتقسيم التالي :
أ - أزمة صعدة « الأزمة النموذج »
تعد أزمة صعدة بمثابة الأزمة النموذج أو « الأزمة المفتاحية » التي تكشف أزمات اليمن المتعددة؛ فأحداث صعدة وحروبها وأزماتها هي بمثابة أزمة كاشفة و«عينة ممثلة » لحال اليمن وضعفه مجتمعاًَ ودولة، ونظاماً سياسياً بمكوناته المختلفة .
فثمة إشكاليات عديدة، منها :
- إشكالية تسييس التنوع وتحويله إلى ثنائيات صراعية ( تنوع مذهبي مستقطب ونزاعي ) .
- إشكالية فقدان الثقة بالمؤسسات الرسمية وبمؤسسات المجتمع المدني واللجوء إلى العنف في تحقيق المطالب ( السعي إلى إضعاف القبيلة والحزب معاًَ ».
- إشكالية غياب الحياد السياسي للمؤسسة العسكرية، وبالتالي عسكرة السياسة وتسييس العسكر ( الزج بالمؤسسة العسكرية في الحروب الأهلية ) .
- إشكالية تدني القدرة على التغلغل للنظام السياسي في شتى محافظات الدولة اليمنية الواحدة .
- إشكالية تدني القدرة الرمزية للنظام السياسي، رغم حشده كثيراً من الرموز ( الوطن - الثورة - الجمهورية - الوحدة .... الخ ) ، حيث يلاحظ حضور مفاهيم مناقضة لهذه الرموز ( الإمامة، حكم البطنين، حكم الكهنوت ... الخ ) .
ب - أزمة صعدة محاولة توصيفية
لمدينة صعدة اليمنية أهمية تاريخية وسياسية ومذهبية، حيث انطلقت منها محاولة تأسيس الدولة الزيدية فقد وصل إليها الإمام الهادي يحيى بن الحسين، المؤسس الأول للإمامة الزيدية في اليمن، بدعوة من بعض القبائل اليمنية المتنازعة أواخر القرن الثالث الهجري - أواخر القرن التاسع الميلادي - حيث بويع إماماً وحاكماً، لها منطلقاً من صعدة . كما يرتبط اسم صعدة ببداية الوجود الشيعي ( الزيدي ) في اليمن . وبالرغم من مضي اكثر من 47 عاماً على قيام الثورة اليمنية إلا أن الخطاب الرسمي اليمني ما يزال يتحدث عن الأهداف الحوثية المتمثلة بمحاولة إعادة اليمن الى الحكم « الكهنوتي الإمامي البائد » ، كما أن الحديث عن « حكم البطنين » ما يزال معاشاً ومصاحباً لأحداث صعدة . وهذا يعد أحد مؤشرات فشل اليمنيين في تحقيق أهداف الثورة « السبتمبرية » اليمنية .
وفي هذا السياق، يتعين لفهم ما يحدث في محافظة صعدة اليمنية عدم اللهث وراء الجزئية من قبيل سماع عبارات « قتل وجرحى في تجدد المواجهات في اليمن بين الحكومة والحوثيين » ، أو « هدنية عسكرية بين الطرفين ...» أو « تجدد الاشتباكات » ، فكل هذه أعراض ونتاج لأزمة عميقة يعانيها اليمن .
وفي الحقيقة، يرتبط الاقتتال بين اليمنيين في محافظة صعدة في جوهره بطبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة، حيث يعاني اليمن أزمات متكاثرة؛ فثمة خلل في بناء الدولة اليمنية، مثل شخصانية السلطة وكراهية المؤسسية، وتدني القدرة التوزيعية والاستجابية للنظام السياسي . ولا شك أن الحرب السادسة في صعدة مؤشر على تدني كفاءة أداء النظام السياسي اليمني، وتدني أداء الحكومة اليمنية تحديداً .
ج - ورطة تسييس العسكرة وعسكرة السياسة
في هذا الصدد يخشى من حدوث ما يمكن تسميته « ورطة الزج بالمؤسسة العسكرية » في صراع مسيس وحرب أهلية . صحيح أنه لا يجوز لأية جماعة امتلاك السلاح واستخدامه ماعدا الدولة التي تحتكر وحدها حق امتلاك القوة واستخدامها في إطار الدستور والقانون، لكن سمعة المؤسسة العسكرية اليمنية قد أُضِرَّ بها في الصراع مع الحوثيين، رغم اعتزاز اليمن بمؤسستهم العسكرية ووطنيتها . والإشكالية هنا هي أن ثمة توريطاً للجيش في صراع سياسي ومذهبي، ومحاربة جماعة تتبع أسلوب حرب العصابات وتحتمي بتضاريس وعرة وجبال مرتفعة .
كما أنه يتعيّن في هذا الصدد تحذير من يسعون الى تسييس العسكرة وعسكرة السياسة في اليمن، لأن التاريخ السياسي اليمني يكشف أن الحكام كثيراً ما استقووا بالمؤسسة العسكرية، فالآلية الحربية من أهم آليات تولي السلطة وإسنادها في النظام السياسي اليمني، حيث ركن إليها غالبية الحكام اليمنيين، كما أن المؤسسة العسكرية اليمنية قريبة أكثر مما ينبغي في الصراعات اليمنية - اليمنية . ومن شواهد هذا الاستنتاج أن الحرب اليمنية - السعودية في ثلاثينيات القرن العشرين كانت آخر الحروب الخارجية، بينما يلاحظ أن المؤسسة العسكرية متورطة في الصراعات اليمنية - اليمنية، وآخرها الحرب « السادسة » في صعدة .
إن ما حدث في صعدة هو صراع يمني - يمني، بل هو صناعة « يمنية » رديئة وعنيفة وفاشلة . قد يكون المتغير الخارجي أحد مدخلات هذه الصناعة المدمرة، بينما النسبة الكبرى مكونات يمنية، كما أن ما جرى في صعدة هو بمثابة انتصار للعنف والحرب وعدم الاستقرار في اليمن مجتمعاً ودولة، كما أنه مناقض للتوجه « الديمقراطي » الذي كثيراً ما تتباهى به النخبة الحاكمة .
إن من أهم مبررات وجود تعددية سياسية وحزبية في أية دولة ديمقراطية هو حل الصراعات والخلافات بالطرق السليمة، وضمان التغيير السلمي في المجتمع، حيث توجد « تعددية حربية قتالية لا سياسية ». وفي هذا السياق يمكن القول أن الحوثيين قد خاضوا صراعاً بدون أفق سياسي، كما أن تشبع الحكومة اليمنية بثقافة إزاحة المسؤولية عن الذات، واتّباع أسلوب المسكنات والمهدئات للمشاكل والأزمات لم يعد مجدياً، بل غدا مكلفاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً أيضاً . إن الحوار عبر الكلمة والرؤى والبرامج السياسية والانتخابية هو الأجدى، إذ يتعين الاعتراف بالأزمات وعدم الخجل منها، فثمة أحداث وحرب جرت في صعدة، وثمة مظاهرات و«حراك » في المحافظات الجنوبية، أي إن ثمة قضية جنوبية وأخرى شمالية .
إن ما يحدث في كلٍ من جنوب الوطن اليمني وشماله يشي بتآكل الهوية اليمنية العامة في مقابل حضور هويات ما قبل وطنية : هويات جغرافية « قضية جنوبية » ومذهبية « زيدية وشافعية » ، بل وأسرية « حوثية » تتدثر بعباءة مذهبية .
يبدو أن للجغرافيا والمذهب، وتفاوت نسب التطور والتحديث، والمتغير الخارجي دوراً في ضعف « التوأمة » بين ما يحدث في محافظة صعدة، والتربص أو الهدوء الحذر في المحافظات الجنوبية، كما أن حضور الجغرافيا في الاحتجاجات الشعبية في المحافظات الجنوبية، في مقابل حضور مسمى غير جغرافي سلالي يتكئ على بعد مذهبي يشكل مفارقة لافتة . كما يبدو أن حضور ثقافة « الخروج على الحاكم » في صعدة في مقابل حضور ثقافة المطالبة سلمياً بالحقوق والحريات في محافظات الجنوب قد يجيب عن تساؤل : لماذا هدوء نسبي في جنوب الوطن وحروب في شماله؟
إن عام 2009 بالنسبة إلى أزمة صعدة يمكن وسمه بأنه عام :
- ورطة عدم الحسم ( عدم حسم حرب صعدة عسكرياً ) .
- ورطة تدويل القضايا والأزمات اليمنية وأقلمتها .
- ورطة تفاقم الأزمات الأخرى ( كالاحتجاجات في محافظات الجنوب ومعضلة القاعدة، والأزمة الاقتصادية، وتوقف الحوار وانسداده بين الحزب الحاكم والمعارضة السياسية ) .
الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية وأزمة إدارة التنوع وتسييسه
كانت الوحدة وما تزال مصدراً لإلهام اليمنيين، ومعينهم الذي لا ينضب في مواجهة الصعاب والتحديات، فقد تحمَّل الشعب اليمني تبعات « الحروب الوحدوية » المتعددة، وبذل الغالي والرخيص في سبيل هذه الوحدة . ويمكن تناول هذه الجزئية وفقاً للتقسيم التالي :
أ - فشل النخبة الحاكمة في إدارة التنوع لدولة الوحدة
على الرغم من مرور ما يقارب عشرين عاماً على قيام دولة الوحدة اليمنية، إلا أنه من الملاحظ فشل النخبة الحاكمة في توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي للوطن اليمني، فها هو يعاني أزمات معقدة ومركبة على مستوى المجتمع والدولة والنظام السياسي . وفي هذا السياق يمكن تسجيل الملاحظات التالية :
- إن شمولية الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية في اليمن وليدتا نظامين شطريين شموليين، ولم تكونا حاصل جمع نظامين سياسيين ديمقراطيين، ومن ثم لا يستطيع أي نظام شطري الزعم بأنه أكثر ديمقراطية من نظام الشطر الآخر، ومن ثم فإن محاولة العودة إلى التشطير والانفصال بحجة عدم ديمقراطية دولة الوحدة لم تكن سوى تحقيق هدف من يرفعون شعار الانفصال .
- وإذا كانت الوحدة اليمنية ( دولة الوحدة ) قد مثلت إطاراً لإ ختبار مدى الاعتراف بالآخر السياسي، فإن استقراء الواقع السياسي اليمني الراهن يدفع إلى القول بفشل فرقاء العمل السياسي في الاعتراف بالآخر والتعايش معه .
- إن فشل الوحدة اليمنية ليست عباءة يلبسها البعض ويخلعها متى يشاء، كما أن الديمقراطية والتعددية السياسية أكبر من شعار يعلن أو لوحة إعلانية ترفع . إن الوطن اليمني الموحد لا يحتمل الديكتاتورية والوحدة معاً؛ فالواقع المجتمعي لم يعد مهيأً لقبول الوحدة دون ديمقراطية لأنهما أصبحتا وجهين لكيان وطني يمني ديمقراطي واحد . فلا ديمقراطية مع تشطير ولا وحدة مع ديكتاتورية .
ب - الوحدة اليمنية دون تقديس أو تقزيم
إن الوحدة اليمنية واجب ديني وضرورة وطنية واحتياج سياسي ومطلب اقتصادي . ومنهاجياً يتعين التفريق بين الوحدة كمنجز عظيم وبين إخفاقات النخبة الحاكمة، فالوحدة هي ملك للجميع، ولا يصح تحميلها مسؤولية فشل الحكومات المتعاقبة، وهذا لا يمنع محاسبة النخبة الحاكمة والحكومات المتعاقبة ومعاقبتها .
إن زاوية النظر إلى الوحدة اليمنية يتعيَّن أن تكون بمنأى عن التقديس أو التقزيم والتبخيس، فثمة حقوق للوحدة تتمثل في المحافظة عليها والذود عنها، وبالمقابل هناك حقوق للمواطنين من الوحدة، حيث يتعين أن توفر دولة الوحدة حياة مسيَّجة بالعزة والكرامة، والتمتع بالحقوق والحريات لكل اليمنيين . وعلى الرغم من أن اليمن عرف عبر تاريخه السياسي الطويل ظاهرتي التوحد والتجزؤ، إلا أن قيام دولة الوحدة اليمنية في 22 أيار/مايو 1990 قد أعلن دخول اليمن عصر الدولة الموحدة، ولكن الأحداث الأخيرة التي عاشها اليمن بدءاً من عام 1994 وحتى الآن تدفع إلى التنبيه بخطورة دخول اليمن أزمة تكامل وطني، وربما أزمة هوية، حيث يلاحظ أن الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية من الوطن اليمني الواحد قد بدأت عام 2007 وهي ذات أهداف حقوقية ومطلبية، إلا أنه بسبب تدنيّ القدرة على الاستجابية للنظام السياسي اليمني، تحولت هذه المطالب إلى مناداة البعض بـ«فك الارتباط أو الانفصال ». وبالتالي يمكن القول إن ما حدث في عام 2009 من احتجاجات أو ( ما عرف إعلامياً بالحراك الجنوبي ) في هذه المحافظات يعد بمثابة أزمة هوية أو أزمة تكامل وطني، حيث ظهرت شعارات ومفاهيم في غير صالح الوحدة اليمنية، مثل ترديد مقولات ومفاهيم « المسألة الجنوبية » ، و«دولة الجنوب العربي » ، وكذلك مفهوم « القضية الجنوبية » بدلاً من أن تكون « القضية الوطنية ».
صحيح أن النخبة الحاكمة قد استنزفت شرعية الوحدة دون الانتقال إلى شرعية الإنجاز وفاعلية الأداء، ولكن من الصحيح أيضاً أن القضية ليست قضية جنوبية أو قضية شمالية، بل إن القضية تتمثل في غياب كثير من الحقوق وانتهاك الحريات في غالبية المحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء . ورغم تفهم ما يعانيه بعض اليمنيين في المحافظات الجنوبية، فإنهم برفعهم بعض الشعارات غير الوحدوية يقدمون للنخبة الحاكمة الحجة لاستخدام وسائل القهر والبطش وظلم الوحدة اليمنية، فالوحدة اليمنية براء من تدني أداء النخبة الحاكمة .
إن الأحداث الراهنة تشي بفشل النخبة الحاكمة في الحفاظ على الوحدة، وترسيخ مفهوم الوحدة في من خلال التعدد، فلا يكفي أن يكون نائب رئيس الجمهورية من محافظة جنوبية ما، أو رئيس الوزراء من محافظة جنوبية أخرى . فليتم تمثيل هذه المحافظات كبقية المحافظات اليمنية شمالها وجنوبها، ولكن في اطار ما يمكن تسميته « التمثيل في إطار الأكفاء » ، بحيث يتم تمثيل المناطق جغرافياً، و لكن في إطار الكفاءة وقوة الشخصية والنزاهة وحضور الإرادة، وليس في إطار تقديم الثقة على الكفاءة كما يحدث الآن، أو حبس الكفء كفاءته ثمناً لبقائه في منصبه الرسمي لأطول فترة ممكنة . كما يتعين التذكير هنا بأنه عندما تغيب عدالة الدولة وسيادة القانون والمواطنة المتساوية يحضر الانتماء إلى ما قبل الدولة، ويتم تهديد التكامل القومي والهوية الوطنية .
تنظيم القاعدة بين عالمية التأثير والسعي إلى الاستفادة من البيئة اليمنية
سيتم تناول هذه الجزئية كما يلي :
أ - تنظيم القاعدة واستثماره كراهية العرب للسياسات الأمريكية
لقد برز تنظيم القاعدة وتأثيره عقب تعرض الولايات المتحدة الأمريكية لهجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، وعقب اتهامها تنظيم القاعدة بمهاجمتها في عقر دارها . وهكذا سطع اسم تنظيم القاعدة على المستوى العالمي، وظهر كتنظيم معادٍ للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية معاً . وبالرغم من انتصار النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية، وإعلان ما يسمى العصر الأمريكي أو « الأمركة » وفقاً لرؤية المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما صاحب مقولة « نهاية التاريخ » ، إلا أن حضور تنظيم القاعدة على المستوى الدولي وتهديده المصالح الغربية والأمريكية تحديداً، قد دفعا الأمريكيين إلى طرح تساؤلات عدة منها، « لماذا يكرهوننا؟ » وفي هذا السياق يبدو أن الإجابة على كراهية كثير من العرب والمسلمين للسياسة الأمريكية تتمثل في وقوع السياسة الخارجية الأمريكية في مثلبة الكيل بمكيالين في قضية الصراع العربي - الإسرائيلي؛ فهي تدافع عن الكيان الصهيوني على حساب الحق الفسلطيني والعربي والمسلم .
ولذا، فإن سعي الولايات المتحدة إلى التدخل في الشؤون الداخلية العربية والإسلامية، بما فيها اليمن، واللجوء إلى الحلول الأمنية للقضاء على « الخطر القاعدي » ، لن يؤتي ثماره، بل ربما يزيد من أنصار تنظيم القاعدة . والخشية هنا أن استمرار الحكومة الأمريكية في تفعيل مقولة إن « القوة فوق الحق » ليس في صالحها، ولا يساعد على ترسيخ نظام دولي عادل ومستقر، فتنظيم القاعدة، كما يبدو، يستمد بقاءه وتأثيره العالمي من غياب عدالة الفاعلين الدوليين، واستمرار الفساد والاستبداد في كثير من أنظمتنا العربية .
ب - تنظيم القاعدة والسعي إلى الاستفادة من البيئة الجغرافية والاجتماعية اليمنية
بسبب موقع اليمن وطبيعته الجغرافية، كان هذا البلد وما يزال، محط أنظار الطامعين بموقعه الاستراتيجي، والطامحين إلى الخروج على الاوضاع القائمة واللجوء إلى جباله الشامخة والتحصن بها وبقائلها المقاتلة، وخاصة من أصحاب الدعوات والمذاهب الدينية والحركات الاجتماعية والسياسية، وفي هذا الصدد يمكن القول بإمكانية احتضان بعض جبال اليمن وبعض عناصر القاعدة . وما شن الحكومة اليمنية منذ أوائل عقد الألفية الثالثة حملات عسكرية ضد بعض القبائل اليمنية التي تُتهم بإيواء أعضاء من عناصر القاعدة، والقيام بضربات عسكرية استباقية ضد تنظيم القاعدة في كل من محافظتي أبين وشبوة اليمنيتين في 71 و42 كانون الأول ديسمبر 9002 إلا دليل على هذا الاستنتاج .
ج - تنظيم القاعدة كمحدد في العلاقات اليمنية - الأمريكية
إن إعادة توحيد شطري اليمن، وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 أيار / مايو 0991 قد زادا من أهمية اليمن لدى الغربيين عامة، والأمريكيين تحديداً، سواء على المستوى الجيوسياسي، أو الاقتصادي باكتشاف النفط . كما أن بروز ظاهرة الإرهاب الدولي، سواء كان إرهاب دول أو إرهاب أفراد، قد ضاعف من هذه الأهمية، وخاصة عقب أحداث 11 أيلول / سبتمبر 1002م .
وعلى الرغم من تنامي العلاقة اليمنية - الأمريكية عقب قيام دولة الوحدة اليمنية عام 0991، إلا أن عملية تفجير المدمرة الأمريكية « كول » في ميناء عدن عام 0002 قد دفعت واشنطن إلى تكثيف التحقيقيات الأمنية بشأن هذه العملية . وإذا كانت المساعدات الأمنية والعسكرية تمثل إحدى آليات السياسة الخارجية لدولة ما، فإن واشنطن قد لجأت لهذه الآلية، عبر ما سمي خوض حرب ضد الإرهاب بالشراكة مع اليمن، ومن شواهد هذا الاستنتاج :
- استقبال اليمن عدداً من الخبراء العسكريين الأمريكيين، قدَّرتهم المصادر الحكومية اليمنية بـ06 خبيراً؛ لتدريب الوحدات الأمنية على مكافحة الإرهاب، إذ يعتقد الأمريكيون أن ثمة عناصر من تنظيم القاعدة موجودن في بعض المناطق اليمنية النائية .
- استقبال صنعاء مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ( إف . بي آي ) ، وكذلك قائد القيادة المركزية، والتباحث مع الجانب اليمني حول قضايا عديدة، على رأسها الجانب الأمني .
- حصول اليمن على بعض المعدات العسكرية كالزوارق البحرية وغيرها .
وهكذا يلاحظ أن واشنطن قد سعت إلى التأثير على صانع القرار اليمني عبر المدخل الأمني؛ بهدف السعي إلى مكافحة الإرهاب ، بل إن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن كان في غاية الوضوح في التعبير عن أهداف التوجه الأمريكي ودوافعه من تقديم المساعدات الأمنية والعسكرية لليمن؛ إذ أكد أن الهدف من ذلك هو الحرب على الإرهاب و«لئلا يتحول اليمن إلى افغانستان ثانية » من وجهة نظره . كما أن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما قد حمَّل « القاعدة » في اليمن المسؤولية عن محاولة تفجير الطائرة الأمريكية فوق مدينة ديترويت في 52 - 21 - 9002، مما دفع بعض المسؤولين اليمنيين والأمريكيين إلى إعلان التعاون الأمني والاستخباراتي واللوجستي بين صنعاء وواشنطن، وتبريره على أنه يأتي ضمن مفهوم « الشراكة في مكافحة الإرهاب ».
وهكذا يتضح أن إعلان السلطات اليمنية في أواخر عام 9002 الحرب على القاعدة في اليمن يأتي ضمن استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجديدة للحرب على « الإرهاب » ، والتركيز على اليمن وباكستان كمركزين رئيسيين لهذه الحرب، ويلاحظ أن عام 9002 قد اختتم ببوادر تحرك دولي لدعم اليمن في مكافحة تنظيم القاعدة، ووسط تهديد أمريكي بمعاقبة القاعدة في اليمن . إن القرار اليمني الرسمي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في ما عرف بحملة مكافحة الإرهاب يومئ إلى تلاقي أهداف الطرفين الرسميين اليمني والأمريكي . فصانع القرار اليمني يحاول تجنيب بلاده مخاطر القطب الأوحد الأمريكي وتغوله، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 1002؛ إذ كان سلوك صانع القرار الأمريكي أقرب إلى سلوك الوحش الكاسر الجريح منه إلى سلوك الدولة المتحضرة . وبالمقابل، سعت الولايات المتحدة، وما تزال، إلى ملاحقة من تعتقد أنهم يهددون مصالحها، ويتحدون هيبتها، سواء كانوا في العراق أو أفغانستان أو اليمن أو حتى فلسطين وجنوب لبنان .
ورغم أن العلاقة التعاونية بين طرفين دوليين تُعد إحدى العمليات التفاعلية التي تتم في إطار عمليات صنع القرار، إلا أن الجدل يدور بين اليمنيين حول مدى التعاون اليمني - الأمريكي ونطاقه وآثاره سلباً وإيجاباً في اليمن مجتمعاً دولة . فالجانب الحكومي اليمني يرى أن هذا التعاون هو بمثابة حماية للمصالح اليمنية، فيما يرى بعض القوى السياسية والاجتماعية اليمنية أن هذا « التعاون » في بعض جوانبه قد يمس السيادة الوطنية اليمنية، وربما أن اليمن إحدى الدول الصغيرة الفقيرة التي تحتاج الى المساعدة والعون الخارجي، وفي المقابل وجود دولة القطب الأمريكي الأوحد « ولو إلى حين » المتكئ على قوته الاقتصادية والعسكرية، والساعي إلى تحوير مقولة « ليست هناك علاقات دائمة، وإنما هناك مصالح دائمة » ليغدو مفادها « أن المصلحة الدائمة هي للأقوى فحسب ».
ومن الأمثلة الدالة على سعي الأقوى إلى تحقيق أهدافه ومصالحه، وفرض شروطه على الطرف أو الدولة الأضعف، ما بات الرئيس اليمني يشكو منه مؤخراً من الضغوط ومحاولات التدخل الخارجي في شؤون بلاده؛ إذ يقول : « نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية، وعلى الأشقاء والأصدقاء التحرك عبر القنوات الرسمية » ، كما يؤكد : « سنتعامل مع الغرب دون شروط مسبقة، ونحن نرفض كل الشروط، ولا نقبل أن يُملي أحد علينا شروط ... ونرفض الإصلاحات من الخارج ».
د - القاعدة وحصاد عام 2009 في اليمن
يمكن رصد النشاط والعمليات المرتبطة بعناصر القاعدة في اليمن كالتالي :
- في كانون الثاني / يناير 2009 : اتحاد جناحي القاعدة في كل من السعودية واليمن، واندماجهما في مُسمى واحد وهو « القاعدة في جزيرة العرب ».
- في 15 آذار / مارس2009 : مقتل أربعة سياح كوريين جنوبيين إثر قيام انتحاري بتفجير نفسه في مجموعة من السياح في إحدى المناطق الجبلية المطلة على مدينة شبام التاريخية .
- في 14 حزيران / يونيو 2009 : اختطاف تسعة أجانب في صعدة وقتل ثلاث نساء منهم .
- في 27 آب / أغسطس 2009 : محاولة أحد عناصر القاعدة ( تم نقله من اليمن الى السعودية ) قتل الأمير محمد بن نايف الذي يقود حملة مكافحة الإرهاب في السعودية .
- في 3 تشرين الثاني / نوفمبر 2009 : زعم القاعدة قتل سبعة مسؤولين أمنيين يمنيين في كمين قرب الحدود السعودية - اليمنية .
- في 17 كانون الأول / ديسمبر 2009 : مقتل ثلاثين من عناصر القاعدة، واعتقال سبعة عشر في غارات جوية ومداهمات أمنية في محافظة أبين ومنطقة أرحب بمحافظة صنعاء .
- في 24 كانون الأول / ديسمبر 2009 : مقتل ثلاثين من عناصر القاعدة في غارات جوية في محافظة شبوة شرق البلاد وفقاً لمسؤول أمني، رغم تكذيب تنظيم القاعدة الخبر، ولم يرد تأكيد من مصدر مستقل .
- في 28 كانون الأول / ديسمبر 2009 : تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يعلن مسؤوليته عن المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة الأمريكية المتجهة إلى ديترويت الأمريكية .
ختام : آفاق المستقبل
ابتداءً يمكن التنويه إلى أمر كاد أن يمثل بديهية في الحياة السياسية اليمنية وربما العربية، يتمثل في صعوبة التنبؤ بمآل السلوك السياسي ومسار القرار السياسي اليمني، لأن اليمن، كبقية النظم السياسية العربية، يصنع القرار فيه ويتخذه شخص أو قلة متقلبة المزاج وغامضة التحركات؛ بحيث تزداد الصعوبات أمام الباحثين فلا يستطيع الكثير منهم التبؤ بسلوك هذا الحاكم وبطانته بسبب شخصانية السلطة وغياب المؤسسية أو كراهية الممارسين السياسيين لها . ويمكن إذن رؤية حال اليمن عبر المشاهد الأربعة التالية :
المشهد الأول : الحكم المشخصن « مشهد غير مرغوب فيه »
حيث تستفيد النخبة الحاكمة من استمرار الوضع الراهن بما فيه من أزمات وحروب، وتغذو الحياة السياسية اليمنية أسيرة مقولات رئاسية مثل : « الحكم في اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين » و«إن كرسي الحكم من نار » ، و«إن الجالس على كرسي الحكم في اليمن كالجالس على الجمر ». كما يتم حكم اليمن عبر آلية « حربنة الحياة اليمنية » ، حيث إنه من المحزن أن يغدو اليمن بمثابة مقبرة لأبنائه بعد أن كان يُعرف في بعض الفترات التاريخية بمقبرة الغزاة، فالحروب اليمانية - اليمانية ما انفكت تلازام اليمنيين؛ فهذه الحروب - للأسف - من صنعهم، وهم مشعلوها ووقودها في آنٍ معاً .
المشهد الثاني : مشهد التحايل السياسي « المشهد المتعايش معه »
حيث تتم تهدئة الأزمة، وتسكينها دون السعي الجاد إلى حلّها، فيتم بالنسبة إلى أزمة صعدة القبول بشروط اتفاقية الدوحة ( أو النقاط الست ) المعدلة المعلن عنها من قبل الحكومة، فيتم إيقاف الحرب، ويسعى الحوثيون في إطار الهدنة إلى ترتيب أمورهم ( استراحة محارب ) ، وبالمقابل تسعى النخبة الحاكمة إلى تهدئة أحداث صعدة، وتحويلها إلى « أزمة نائمة » واستمرار تفعيل تكتيك تقوية الجزء لإضعاف الكل أو تقوية الضعيف، لإضعاف القوي، ومن ثم إضعاف المتصارعين كليهما، كما يستفيد تنظيم القاعدة من ضعف الدولة اليمنية، فيعزز وجوده ونفوذه بحيث يغدو خطراً حقيقياً على كل من النخبة الحاكمة اليمنية والغرب معاً . أما بالنسبة إلى الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية ( أو الحراك الجنوبي ) ، فإنها قد تتحول إلى أزمة هوية فتغدو الدولة اليمنية في خطر حقيقيي .
كذلك يجري سعي حثيث وتحضير إلى فكرة « التوريث » عبر « جدع أنوف أهل العصبية » وجدع أنوف المعارضة السلمية معاً، وحضور مبادرات واتفاقات وحوارات لا تؤتي أُكلها، وخطاب سياسي رسمي بمنأى عن الفعل السياسي، وحضور متخلف القديم وسيئ الحديث، والانفعال بالخارج والتأثر به في مقابل غياب إرادة الفعل والتأثير تجاهه .
المشهد الثالث : مشهد الصدقية السياسية « المشهد المنقذ والمرغوب فيه »
بحيث يعود يعود الرشد والتوازن السياسي والمجتمعي، وتحضر إرادة سياسية فاعلة تفلت من قيودها، وتستعين بأهل السيف والقلم معاً، بحيث يتم الاعتراف بالأزمات والتوقف عن السعي الرسمي إلى استثمارها أو تصديرها إلى الخارج؛ لاستعطاف دول مانحة ( خائفة من الإرهاب ) . بمعنى التوقف عن « شيطنة اليمن » ، كما يتم السعي بصدقية إلى إيجاد مؤسسات حديثة المبنى والمعنى والفعل، والاعتراف بالمعارضة وبالآخر السياسي والتسامح تجاهه، والإقرار بحقه في المشاركة في صنع القرار السياسي، فيتم تعزيز فعالية النظام السياسي اليمني وكفاءته وقدراته، ويتم التخلص من أزمات النظام السياسي وتعزيز قدراته وتسييج دولة الوحدة بالعدل والمواطنة المتساوية، فينتشر رضا المحكوم تجاه الحاكم وتسترد الحكمة اليمانية عافيتها، ويغدو اليمن سعيداً وبالتالي يستقيم الحال والأمر من كل جانب ويتم تفعيل وتطبيق القاعدة الفقهية، « درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ».
المشهد الرابع : مشهد « الحزن اليماني » المشهد الكارثة
حيث يتم « هدم السد » أو هدم المعبد على رؤوس أصحابه؛ فيتم تفتيت اليمن دولةً ووطناً ومجتمعاً، فتُسرق « السعادة اليمانية » وتأفل الحكمة اليمانية، وينتشر عدم الاستقرار السياسي، وتحضر السلطة بأدوات قهرها، وتتكاثر الأزمات والحروب، وتدخل اليمن مرحلة حرب الجميع ضد الجميع، ويتحول الحراك السلمي إلى حراك مسلح، والمعارضة السلمية إلى معارضة مسلحة، وتظهر هويات متصارعة فرعية ضيقة، وتنتشر الحروب اليمانية متجاوزة صعدة، ويتدخل الخارجي، وتظهر « القابلية للاستعمار » التي تحدث عنها المفكر مالك بن نبي، ويغدو اليمن بمثابة أفغانستان جديدة أو صومال جديدة . والخوف كل الخوف أن يغدو الوطن اليمني أسيراً ومتنقلاً بين المشهدين الأول، الحكم المشخصن، والرابع، « الحزن اليماني » المشهد الكارثة .