حكومة كروت
زكريا الحسامي
زكريا الحسامي
لم‭ ‬يكن‭ ‬خطاب‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬لقيام‭ ‬الوحدة‭ ‬بحجم‭ ‬التوقعات‭ ‬المرجوة،‭ ‬والتي‭ ‬ظل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬يروج‭ ‬لمفاجآت‭ ‬سيعلنها‭ ‬الرئيس‭ ‬عشية‭ ‬الذكرى،‭ ‬ووقف‭ ‬الشارع‭ ‬السياسي‭ ‬والمواطن‭ ‬يترقب‭ ‬ويتابع‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬إلقاء‭ ‬الخطاب‮.‬
نعم‭ ‬لقد‭ ‬نجح‭ ‬الرئيس‭ ‬والإعلام‭ ‬الرسمي‭ ‬بالترويج‭ ‬مسبقاً‭ ‬للخطاب‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬فشل‭ ‬فشلاً‭ ‬ذريعاً‭ ‬بكسب‭ ‬رضا‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬ومفاجآت‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتنقله‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬البائس‮.  وأثارت‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬إنها‭ ‬المفاجأة‭ ‬المتمثلة‭ ‬بدعوة‭ ‬الرئيس‭ ‬صالح‭ ‬للقوى‭ ‬السياسية‭ ‬والممثلة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الى‭ ‬حوار‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ -‬حسب‭ ‬كلامه‭- ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬شراكة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وحدة‭ ‬وطنية‭ ‬مغرى‭ ‬ونية‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إلهاء‭ ‬المعارضة‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬الآن‭ ‬تعصف‭ ‬بالبلاد‭ ‬وتسير‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية‮.‬
وفي‭ ‬حال‭ ‬قبول‭ ‬الأحزاب‭ ‬لتلك‭ ‬الدعوة‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬للحزب‭ ‬مكسباً‭ ‬عظيماً‭ ‬تمكنه‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬أزمته‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الأصعدة‭ ‬ويرمي‭ ‬باللائمة‭ ‬عليها‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬تعريتها‭ ‬أمام‭ ‬جماهيرها‭ ‬بأنها‭ -‬أي‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭- ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬هدف‭ ‬آخر‮.‬
ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬تبين‭ ‬لها‭ ‬الرؤية،‭ ‬فخلال‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة‭ ‬أعلن‭ ‬الطرفان‭ ‬فشل‭ ‬الحوار،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬لبعض‭ ‬تلك‭ ‬الأحزاب‭ ‬مشاركة‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬وأفضت‭ ‬الى‭ ‬أزمات‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مقابلاته‭ ‬التلفزيونية‭ ‬عام‭ ‬2006م‭ ‬قبيل‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬بأنهم‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كروت،‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬بالترويج‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بأن‭ ‬السبب‭ ‬فيما‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬مشاركة‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬خلال‭ ‬الحكومات‭ ‬الإئتلافية‮.‬
وكان‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الآن‭ ‬ويستمع‭ ‬لصوت‭ ‬العقل‭ ‬بدلاًً‭ ‬من‭ ‬الاستماع‭ ‬للمزايدين‭ ‬والمطبلين،‭ ‬وتقديم‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬وحقيقية،‭ ‬فوضع‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الخطورة‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬تصفه‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬بالفاشل،‭ ‬لعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمات‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬أزمة‭ ‬حادة‭ ‬تهدد‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬ديمومتها‭ ‬وبقائها‭ ‬وهي‭ ‬تكمل‭ ‬عقدها‭ ‬الثاني،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتدهور‮.‬
‭ ‬وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬بدا‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬صالح‭ ‬هادئاً‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬ليثبت‭ ‬بأن‭ ‬الاوضاع‭ ‬تسير‭ ‬بشكل‭ ‬تمام،‭ ‬وأن‭ ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬سياسية‭ ‬فقط،‭ ‬فلم‭ ‬يهاجم‭ ‬قيادات‭ ‬معارضة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عادته،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬له‭ ‬وجبة‭ ‬دسمة‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬السابقة‮.‬
وقد‭ ‬تكون‭ ‬لأحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬نظرة‭ ‬مغايرة‭ ‬وتذهب‭ ‬للقبول‭ ‬بهذه‭ ‬المصيدة‭ ‬الرئاسية‭ ‬على‭ ‬حسبة‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬اعترف‭ ‬بفشله‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد،‭ ‬وباعتقادي‭ ‬إن‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬ليست‭ ‬الحل،‭ ‬والقبول‭ ‬بها‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬وعلى‭ ‬مسيرتها‭ ‬ومصداقيتها‭ ‬لإصلاح‭ ‬الأوضاع‮.‬
وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬مجتزاً،‭ ‬فالمدخل‭ ‬الصحيح‭ ‬لبناء‭ ‬شراكة‭ ‬وطنية‭ ‬حقيقية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬بإلاصلاح‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬معاً،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بأحدهما،‭ ‬فإننا‭ ‬نظل‭ ‬نكذب‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬وعلى‭ ‬الشعب‭ ‬المغلوب‮.‬
وتطرق‭ ‬الى‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬صعدة‭ ‬وفي‭ ‬مديرية‭ ‬ردفان‭ ‬ولحج‭ ‬والضالع‭ ‬وأبين‭ ‬وكان‭ ‬عليه‭ ‬معالجة‭ ‬الداء،‭ ‬فالحلول‭ ‬الحزئية‭ ‬لن‭ ‬تنهي‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحافظات‮.‬
وكان‭ ‬الأمر‭ ‬بالمكرمة‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬هلت‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬بالعفو‭ ‬عنهم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬التوجيه‭ ‬بإلغاء‭ ‬محكمة‭ ‬الصحافة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬سيفاً‭ ‬مسلطاً‭ ‬عليهم‮.‬

إقراء أيضا