الفجيعة التي تسببت بها حادثة مقتل نائب محافظ محافظة مأرب، وأمين مجلسها المحلي جابر الشبواني وعدد من مرافقيه في وقت متأخر من ليلة الإثنين الماضي تحتاج إلى وقفة للمراجعة، ذلك أن مثل هذه الأخطاء الفادحة لا يجب أن تمر مرور الكرام، وحسناً فعل الرئيس علي عبدالله صالح بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات القضية، خاصة وأنها جاءت وسط اتهامات للسلطة بالرضوخ للمطالب الأمريكية لملاحقة تنظيم “القاعدة“ الذي صار يتمدد في هذه المحافظة وغيرها من المناطق بسبب الأخطاء التي صارت تتكرر بين وقت لآخر، ولا تزال قضية الهجوم على المعجلة بأبين في السابع عشر من شهر ديسمبر العام الماضي طرية وخير شاهد على ذلك.
لكن الأهم هو أن تُطلع اللجنة المواطن اليمني بنتائج التحقيقات التي توصلت إليها حتى يمكن نزع فتيل أزمة خطيرة بين الدولة ورجال القبائل، الذين بدأوا بالثأر على طريقتهم، سواء عن طريق قطع طريق مأرب صنعاء أو تفجير أنابيب النفط أو استهداف أبراج الكهرباء وغيرها من ردود الأفعال التي قد لاتقف عند هذا الحد إذا لم تعرف الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الفجيعة ومحاسبة المتسببين بوقوعها، خاصة وأن الضحية، وهو جابر الشبواني، كان في إطار مهمة لصالح السلطة وليس ضدها، فقد كان يحاول إقناع عدد من أعضاء «القاعدة» بتسليم أنفسهم لأجهزة الأمن دون إراقة دماء، ناهيك عن كون الرجل شخصية لها تأثيرها ووزنها الاجتماعي والقبلي في إطار محافظة مأرب.
لهذا لا يجب أن يتم المرور على هذه القضية من دون أن توضع النقاط على الحروف، فالحادثة لم تكن الخطأ الأول، ويبدو من خلال مسار الأحداث أنه لن يكون الخطأ الأخير، طالما وأن العقلية التي تدار بها الحرب ضد «القاعدة» لا تزال تراوح مكانها، إذ أنه عوضاً عن البحث عن جذور الأزمة يتم التعاطي مع قشورها وظواهرها.
ليس هناك من شك أن الواقعة الأخيرة ستجلب المزيد من السخط ضد النظام، الذي يتهم بالرضوخ للشروط والمطالب الأمريكية، خاصة إذا ما تم التأكد أن العملية نفذتها طائرة بدون طيار، بحسب أكثر من مصدر في مأرب، وحتى لو لم يكن ذلك فإن الطريقة التي نفذت بها العملية أظهرت أنه لم تكن هناك حصافة في التعامل مع المسألة برمتها، وفي كلتا الحالتين فإن الدولة تبدو المتهم الأول في العملية الأخيرة، فإذا كانت مروحيات تابعة للجيش هي التي نفذت العملية وأخطأت فإنها ستكون بصورة المتهمة بسفك دماء أبرياء ورموز سلطة يتعاونون معها دون مبرر، وإن صدقت الروايات الأخرى والتي تشير إلى أن الأمريكيين هم من قاموا بتنفيذ العملية فإن التهمة ستكون مضاعفة، وفي الحالتين فإن السلطة تخسر مصداقيتها عند مواطنيها.
ظاهرة استخدام طائرة بدون طيار لضرب أهداف لتنظيم «القاعدة» في اليمن لم تعد قضية منكرة من قبل السلطة، فالكل يتذكر أن أبا علي الحارثي، وهو المسؤول الأول عن فرع «القاعدة» في اليمن قتل العام 2002 بواسطة طائرة بلا طيار، وعلى الرغم من أن الدولة نفت في ذلك الوقت صحة الاتهامات بذلك، إلا أن مسؤولاً كبيراً في الدولة عاد واعترف بعد أشهر قليلة أن العملية نفذها الأمريكيون بواسطة طائرة بلا طيار أقلعت من البحر الأحمر.
واليوم يعود المشهد ذاته، وفي هذه الحالة فإن النظام يخسر الكثير من التعاطف، والذي يذهب لصالح تنظيم «القاعدة»، خاصة وأن المعركة تبدو وكأنها لصالح التنظيم الذي يحارب أمريكا على الأراضي اليمنية، فيما يخسر النظام سمعته مقابل إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل في هذه القضية، حيث علمنا أن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما أطلق يد المخابرات للتعامل مع «قاعدة» اليمن بحزم أكبر من سلفه جورج بوش الإبن.
على النظام أن يسلك طريقاً مطمئناً لمواطنيه ويعترف أن الحرب ضد «القاعدة» لا يجب أن يكون على حساب السيادة اليمنية، ولو كان أوباما نفسه يريد ذلك، لأن الخشية أن تنتصر نار «القاعدة» على أخطاء النظام وتتحول الساحة اليمنية كلها إلى معركة ضد أمريكا عوضاً عن «القاعدة».
عن الصحوة نت