الرئيسية المقالات مدارات أين المشكلة في اليمن؟
أين المشكلة في اليمن؟
فهمي هويدي
فهمي هويدي

فى اليمن الآن أزمة عربية نمطية. 
نظام قبض على السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وتمسك بالاستمرار فيها واحتكارها. ولإحكام القبضة سلمت مفاتيح البلد ومفاصله إلى الأبناء والأشقاء والأصهار ومن لف لفهم.
 وحين استتب احتكار السلطة انفتحت الشهية لاحتكار الثروة، التي أطلقت فيها الأيدي بغير حساب مما وسع من دائرة المنتفعين في الأسرة والقبيلة. وهو ما أعاد إلى الأذهان ذكريات عهد الإمامة، وصار بعضهم يتندر قائلا إن الإمامة في هذا الزمن غدت في "سنحان" -قبيلة الرئيس- وكانت العرب تقول إن "الإمامة في قريش". ومنهم من أصبح يعبر عن تعجبه من استشراء نفوذ الأسرة الحاكمة قائلا: سنحان الله، بديلا عن سبحان الله!
حيث شغل القابضون على الحكم باستمرار احتكار السلطة ومواصلة الاغتراف من الثروة. واستمر ذلك طوال ثلاثة عقود، فإن المجتمع اليمني الذي لم يفقد عافيته بدأ يتململ معبرا عن ضيقه واحتجاجه على تغييبه. 
وإذ أدركت فئاته وقبائله أنها ما عادت شريكة لا في السلطة ولا في الثروة، فلم يكن أمامها سوى التمرد على الوضع القائم، ساعدتها على ذلك التقاليد التي أبقت على السلاح في كل يد وبيت، والجغرافيا - في الشمال بوجه أخص- التى مكنت اليمنيين من الاحتماء بالجبال الشامخة في صراعاتهم. 
ولأن النظام القائم اعتمد على القوة المسلحة في تثبيت أقدامه وضمان استمراره، فإنه لجأ إلى السلاح والقمع لإجهاض التمرد وإسكات أصوات الغاضبين.
حين أدرك الجميع أن مظلة الوطن لم تعد تحتويهم، بعدما صارت مقدراته حكرا على أسرة وقبيلة بذاتها، فإنهم احتموا بكياناتهم الخاصة والأصغر. وهذا ما فعله الحوثيون في صعدة بالشمال، ودعاة "الحراك" في عدن والضالع وأبين في الجنوب. 
وكان الجنوبيون قد التحقوا بالوحدة مع الشمال في عام 1990، وانخرطوا فيها باعتبارهم مواطنين وشركاء، ثم اكتشفوا بمضي السنين أنهم تحولوا إلى رعايا وأتباع. وهو ما استفزهم حتى دعا البعض منهم إلى الانفصال واستعادة الدولة التي خطفت منهم.
طوال العقود الثلاثة التي مضت وعقلاء اليمن والناشطون الحريصون على استقرار البلد ووحدته يوجهون النصح لمن بيدهم الأمر، داعين إلى إجراء حوار جاد حول سبل الخروج من المأزق، من خلال توسيع نطاق المشاركة في السلطة وإجراء انتخابات نزيهة وإقامة حكم ديمقراطي لا احتكار فيه ولا توريث. 
ولكن دعوتهم لم تجد أذنا صاغية، رغم أن أولئك العقلاء يمثلون شرائح النخبة اليمنية التي لا يشك في غيرتها على حاضر البلد ومستقبله، وفي المقدمة من هؤلاء أحزاب "اللقاء المشترك" الذي ضم أهل السياسة، ومجموعة "اللقاء التشاوري" الذين هم أقرب إلى أهل الحل والعقد في اليمن.
لأكثر من خمس سنوات استمرت الحرب ضد الحوثيين، وطوال الأشهر التي خلت تعذر احتواء التمرد في الجنوب. وفي حين خاضت السلطة معركتها على هاتين الجبهتين، أثير موضوع وجود بعض عناصر تنظيم القاعدة في اليمن وملاحقة الأمريكيين لهم. وضج الناس بالشكوى من الغلاء والفساد، الأمر الذي وضع السلطة في موقف حرج، حيث بدا وكأن زمام الأمور يكاد يفلت من يدها.
أخيرا، في ذكرى إقامة الوحدة بين الشمال والجنوب تحدث الرئيس اليمني عن مبادرة للملمة الصف وإنقاذ الموقف. فأمر بإطلاق المعتلقين، وأبدى استعدادا لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع، في أعقاب حوار يجري بين مختلف الفئات.. إلى غير ذلك من الخطوات التي دعت إليها المعارضة خلال السنوات الأخيرة.
بعض العقلاء دعوا إلى التجاوب مع المبادرة واختيار مدى جديتها. وكان من هؤلاء في مصر الدكتور أحمد يوسف الذى تبنى تلك الدعوة أملا في أن يؤدي التجاوب معها إلى إنقاذ وحدة اليمن (الشروق 27-5). 
لكن هناك رأيا آخر ينبني على ما هو حاصل على أرض الواقع وعلى خبرة الثلاثين سنة الماضية. وخلاصة هذا الرأي أن المبادرة تتعامل مع النتائج لا مع الأسباب. ذلك أن سياسة النظام القائم هي التي فرضت مختلف الأزمات التى يعاني منها اليمن، ومن ثم فإن المشكلة ليست في صعدة ولا هي في عدن، وإنما هي في صنعاء ذاتها التي يؤمنها الجيش الآن من كل صوب. 
وبالتالي، فإن الأرجح أن ما تم إعلانه ليس مبادرة، ولكنه مناورة أجريت لتمكين النظام من الاستمرار والخروج من مأزقه الراهن. 
ولست هنا بصدد الدعوة إلى رفض المبادرة، لكنني من أنصار وضعها في إطارها الصحيح، لأن المسكنات المطروحة لا تصلح لعلاج مرض خبيث كالذي يعاني منه اليمن.

السبيل الاردنية

إقراء أيضا