الرئيسية المقالات مدارات ثورة جمال عبد الناصر والعروبة
ثورة جمال عبد الناصر والعروبة
إعداد المحامي مصطفى عجم
إعداد المحامي مصطفى عجم

حين يحضرنا الحديث عن ثورة 23 تموز عام 1952...فى عيدها الثامن والخمسين... فنحن لا ننظر إليها كمجرد انقلاب عسكري عارض... كما يصوره بعض الذين تضرروا منها ... وليست ثورة 23 تموز ... نتيج
ة لاتفاق ضمني... بين ثوار يوليو والولايات المتحدة الأميركية ...لطرد بريطانيا من الشرق... وإحلال اميركا بدلا منها ! فثورة جمال عبد الناصر... حدث وطني وعربي على اكبر مستوى ... فهي من الناحية الوطنية – على المستوى المصري – أحدثت انقلابا اجتماعيا لصالح القوى الشعبية... فبقوانين الإصلاح الزراعي... وقوانين يوليو الاشتراكية ...اعيدت توزيع الثروة... بعد انتزاعها من بين أنياب طبقة النصف بالماية) تم توزيع حوالي مليون فدان على نصف مليون فلاح مصري مقابل ثمن مقسط على 30 عاما) وبتاميم قناة السويس وبناء السد العالي ... استعادت مصر 

استقلالها الوطني وتحررها الاقتصادي...وعربيا دعمت الثورة توجهات عروبة مصر... ممثلة فى دعـم حركات التحرر الوطني فى العالم العربي (ثورة الجزائر/ ثورة اليمن / ثورة العراق/ ثورة لبنان ) وتحملت مصر عبد الناصر... نتائج مساندتها لهذه الحركات التحررية من الاستعمار الغربي ( عدوان 56 / سحب تمويل السد العالي / عدوان 67 ) فالبعد العربي لمصر... واندماجها فى المنطقة العربية... لم يتبلور فى شكله ومضمونه ...إلا على يد جمال عبد الناصر ... حيث اصبح إتجاها عربيا شاملا ...يركز على وحدة الأمة العربية جميعا ... فعبد الناصر أعطى العروبة مضمونها القومي الشامل ...على أساس سياسي... معتبرا عروبة مصر " قدر ومصير وحياة "
 قبل ثورة يوليو ...كانت توجهات مصر عربيا متحفظة إزاء الفكر القومي العربي ... أما مع ثورة جمال عبد الناصر... فقد أعطت لمصر الدولة ...الدور القيادي فى سياسة العالم العربي... وأصبحت الدائرة العربية... هى المحور الأول فى سياسة مصر الخارجية... كما حددها عبد الناصر فى كتابه " فلسفة الثورة ". وهذا المفهوم العروبى لثورة 1952... من أهم أسباب استمراريتها وانتشارها ...فثورة يوليو هى الثورة الوحيدة فى عالمنا العربي... التى انطلقت من مفهوم عروبى وقومي شامل... واستطاعت بذلك... الانطلاق... ليس الى رحاب الوطن العربي فحسب ...بل والى قلب الدائرة الأفروآسيوية... وحتى الى امريكا اللاتينية...( هوغوشافيز).
جمال عبد الناصر والاسلام
  لم يساند جمال عبد الناصر جماعات وجمعيات دينية متعصبة كما فعل و يفعل البعض ... انما رفع راية الاسلام... دون عنف او تعصب لدين او لمذهب او لطائفة... فالرئيس جمال عبد الناصر... هو اول زعيم مسلم ... يتم فى عهده جمع القرأن الكريم مسموعا ...فى اسطوانات بصوت القراء المصريين... 
 وقام بتطوير الازهر الشريف... وجعل منه جامعة عصرية... وانشأ مدينة البعوث الاسلامية... تضم طلابا مسلمين من سبعين دولة اسلامية كى يتعلموا فى جامعة الازهر بالمجان... وتم ترجمة القرآن الكريم الى كل لغات العالم... وانشأ اذاعة القرآن الكريم ...وطبعت ملايين النسخ من القرآن... واهديت الى البلاد الاسلامية والمسلمين... فى افريقيا وأسيا وأوروبا ...كما تم طباعة كل كتب التراث الاسلامى فى مطابع الدولة... لتباع باسعار رمزية وفى متناول الجميع .. واصدر قانونا بتحريم القمار... كما اصدر قرارا باغلاق كل المحافل الماسونية... ونوادى الروتارى... والغى الدعارة التى كانت مقننة فى العصر الملكى... هذا ما قدم جمال عبد الناصر للاسلام والمسلمين فى عصره... وهو اعلى واغلى من اولئك الذين يتخذون من الدين تجارة وشعار...
جمال عبد الناصر وفلسطين
"عاش من أجل فلسطين ومات من أجلها"… هذا هو الشعار الذي رفعه شعب فلسطين ...عقب وفاة جمال عبد الناصر عام 1970. 
  ففي 28 أيلول 1970... رحل جمال عبد الناصر بعد أيامٍ من الإرهاق والسهر المتواصل... لوقف شلالات الدم العربي االمسفوك ... في شوارع الأردن آنذاك... بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية...ومن خلال جهد قام به الرئيس عبد الناصر ...لجمع القادة العرب في قمّة طارئة بالقاهرة... 
لقد أدرك عبد الناصر... الهدف الحقيقي من حرب 1967 والذي أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشي ديان... والرئيس الأميركي السابق جونسون... بضرورة تخلّي مصر عن دورهاالعربي... وإعادة سيناء لها مقابل ذلك... فرفض عبد الناصر استعادة الأرض عن طريق عزلة مصر... وتعطيل دورها العربي التاريخي ... 
وجاء أنور السادات بعده... ليحقّق المطامح الدولية والإسرائيلية في مقايضة الأرض بالعزلة... عن طريق معاهدة كامب ديفيد... عبد الناصر أدرك مخاطر الصراعات العربية/العربية... التي كانت سائدة قبل حرب ال 67 فأوقف تدخل الجيش المصري في اليمن... وأقام "تحالف قوى الثورة مع الثروة العربية/تحالف قوةالمدفع مع النفط العربي" والذي تأكّدت أهميّته في حرب تشرين التحريرية عام 1973... 
واليوم... نجد أنّ تعطيل دور "المدفع" العربي في المعركة مع العدو الإسرائيلي... لم يحقّق الأمن والسلام للعرب... بل برّر للقوى الدولية الكبرى ...العودة إلى السيطرة على المنطقة... من الباب الأمني الواسع... والذي ما زال مشرّعاً على مصراعيه...والمثال الفصرخ هو العدوان الاستعماري على العراق الشقيق ...فقد احتلت ارضه ...ونهبت ثرواته ويحاولون اليوم... تدمير كيانه الوطني وتقسيمه...
 لقد ادرك عبد الناصر بعد حرب عام 1967 ...أهميّة وجود كيان فلسطيني مقاتل... فدعم انطلاقة الثورة الفلسطينية... وقيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية... رافضا اقامة ً فصيل فلسطيني" خاص تابع له (كما فعلت حكومات عربيّة أخرى) انطلاقاً من حرصه على وحدة الشعب الفلسطيني... و توحيد جهوده... من أجل استعادة وطنه... كما اكّد عبد الناصر بعد حرب عام 1967... حرصه على تعميق الوحدة الوطنية في كلّ بلدٍ عربي... وعلى رفض الصراعات الجانبيّة المحليّة... التي تخدم العدوّ الإسرائيلي (كما فعل في تدخله لوقف الصراع الداخلي في لبنان عام 1968 بعد صدامات المنظمات الفلسطينية مع الجيش اللبناني) 
  لقد رفض جمال عبد الناصر. إغراءات التسوية كلّها مع إسرائيل... بما في ذلك العرض الأميركي/الإسرائيلي له بالانسحاب الكامل من كلّ سيناء ...مقابل عدم تدخّل مصر في الجبهات العربية الأخرى... بينها وبين إسرائيل... وكان جمال عيد الناصر يردّد "القدس قبل سيناء... والجولان قبل سيناء... ولا صلح ولا اعتراف بإسرائيل ما لم تتحرّر كلّ الأراضي العربية المحتلّة عام1967... وما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. 
 ولعل انتصار المقاومة اللبنانية بإجبارها إسرائيل... على الانسحاب من جنوب لبنان... مساوياً في قيمته وأهمّيته، لما قام به جمال عبد الناصر بعد هزيمة عام 1967... من حيث إعادة الاعتبار لِحقّ المقاومة المشروعة... ضدَّ الاحتلال... وفي تصحيح مسار الواقع العربي ...لجهة التعاطي مع العدو الاسرائيلي... حيث تاكد أنَّ "الأرض هي مقابل المقاومة" وليست الارض مقابل السلام والتطبيع مع هذا العدوالغاصب المحتل... 
جمال عبد الناصر والعدالة الاجتماعية
  هل يمكن لمحروم من حقوقه الاجتماعية... أن يكون مواطنا صالحا في المجتمع ؟؟؟ وهل يمكن أن نسلم بان هذا المواطن المحروم يتمتع بالحرية... ويحيا في مناخ ديمقراطي... يمنحه حرية المشاركة وحسن الاختيار ؟ ؟ هل هناك ديمقراطية سياسية بدون عدالة اجتماعية ؟؟؟ 
  ان المعنى الشائع للعدالة الاجتماعية... أن يأخذ كل فرد ما يستحقه... من خلال توزيع عادل للثروة الوطنية ... والعدالة الاجتماعية قيمة أخلاقية... قبل أن تكون نظاما اقتصاديا... يذيب الفوارق بين الافراد... والمجتمع الذي يتمتع بالعدالة الاجتماعية... دائما يكون مجتمعا قويا سليما منتجا... تسود روابط المحبة والسلام بين فئاته... دون تفرقة بسبب العرق والدين... والعدالة الاجتماعية نظام اقتصادي ...لأنها تعمل على حصول كل إفراد المجتمع... لحقوقهم من العوائد الاقتصادية ...من خلال التوزيع العادل للدخل القومي... مع توفير فرص متكافئة للجميع... فى التعليم والطبابة والعلاج... والحصول على فرص عمل مناسبة .... ومن قراءة التاريخ نرى أن عدم وجود العدالة الاجتماعية.... كان المحرك الاساسى لكل الصراعات داخل المجتمعات الكبرى... التى غيرت مجرى التاريخ ...من هذه المسلمات انطلق جمال عبد الناصر في توفير العدالة الاجتماعية للشعب، بدلا من مجتمع النصف فى المائة الذى يتملك كل الأراضى الزراعية والشعب كله معدم وأجير وبدأت الثورة فى تنفيذ قوانين الاصلاح الزراعى بتحديد الملكية ب200 فدان ومائة فدان للابناء وتوزيع الأراضى على الفلاحين ، وقد لاقى هذا القانون رفضا ولكن عبد الناصر تمسك به الى أقصى حد وقال انه الوسيلة الوحيدة لتحرير الفلاح، والفلاح لابد ان يكون مالكا حتى يصبح حرا وعندما يكون حرا يستطيع ان يقول نعم وان يقول لا .
وكان لبناء السد العالى ايضا فوائد كثيرة في اسثحداث شبكة امان اجتماعي، فقد حمى مصر من أخطار الفيضان وضاعف من التيار الكهربائى لمواجهة حركة التصنيع الكبيرة التى انتشرت فى فى بقاع مصر كما أضاف اليها مليونا ونصف المليون فدان من الاراضى الزراعية وتجاوز سنوات الجفاف .وتحويل نظام الرى من الري بالحياض الى الري الدائم . 
و توالت بعد ذلك منظومة الاجراءات التى تهدف الى مواجهة الفقر والجهل والمرض حيث كان تمصير البنوك وشركات التأمين الاجنبية ثم عمليات التأميم الواسعة المتمثلة فى قوانين يوليو الاشتراكية عامى 1961 و1964 لقطاعات واسعة فى المجالات الصناعية والتجارية والخدمية واشراك العمال فى مجالس ادارتها ثم بدأت انشاء سلسلة من المصانع العملاقة كمصانع الأسمدة ومجمع الألمنيوم ومصانع الحديد والصلب ومصانع الأسمنت. كما اهتمت الثورة بالتعليم وبناء المعاهد والجامعات ومجانية التعليم التى فتحت الباب واسعا أمام جميع ابناء الشعب المصرى للمشاركة فى بناء نهضة علمية وتعليمية غير مسبوقة فى التاريخ المصرى المعاصر . وفى مجال الصحة سعت الثورة الى توفير الرعاية الصحية لأكبر عدد من المواطنين وذلك لتحقيق التنمية الشاملة والمتواصلة وتحسين نوعية الحياه حيث زاد ت اعداد المستشفيات فى كل المحافظات وايضا عدد الأسرة .. 

واختم كلمتي بهذه المناسبة الغالية على قلوب كل العرب...
 بدعاء تضرع فيه جمال عبد الناصر الى الله عز وجل... عند توقيعه اتفاقية جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر عام 1954قائلاً:
"اللهم أعطنا الأمل... الذي يجعلنا نحلم بما سوف نحققه في الغد... أكثر مما يجعلنا نفاخر بما حققناه في الأمس واليوم. 
"اللهم أعطنا الثقة بأنفسنا... لنرى أننا على بداية الطريق ...وأن الشوط أمامنا شاق طويل.
"اللهم أعطنا الشجاعة ...لنستطيع أن نتحمل المسؤوليات... التي لابد أن نتحملها... فلا نستهين بها ولا نهرب منها. 
"اللهم أعطنا القدرة ...على أن نواجه أنفسنا ... ونتقبل أن يواجهنا الآخرون ...بالحق والعدل. 
"اللهم أعطنا القوة... لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية... والضعفاء لا يخلقون الكرامة... والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة ...على التعمير والبناء.

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي