الرئيسية المقالات مدارات ناصر أبو الهيجاء
ناصر أبو الهيجاء
فائز عبده
فائز عبده

حين يتعرض امرؤٌ لمعاملةٍ سيئةٍ من أخيه وابن بلده، في نطاق وطنهما، يعتبر الأمر –ولا شكّ- انتهاكاً للحقوق، وتعدياً مخالفاً للقوانين والأعراف والأخلاق.
وحينما يأتي ذاك الانتهاك لإنسانٍ يعيش قسراً خارج بلاده، يكون أقسى ما يمكن أن يتحمله المرء. وأقسى منه، بالتأكيد، أن تبدر تلك المعاملة ممن يفترض أنه راعٍ ومكلفٌ وظيفياً بحماية مواطنه ورعاية مصلحته.
أما وأنّ المعاملة السيئة التي نحن بصددها هنا، جاءت من قبل السفارة الفلسطينية بصنعاء، ضداً على أحد رعاياها في اليمن، فإن ذلك، مهما كانت مبرراته، يتنافى مع كل الأنظمة والنواميس القانونية والأخلاقية والإنسانية.
إن ما لاقاه الكاتب والأديب الفلسطيني ناصر أبو الهيجاء، من إجراءاتٍ تعسفيةٍ وتصرفاتٍ استفزازيةٍ من القائمين على سفارة بلاده هنا، لا يمكن أن يوصف إلا بكونه تصفية حسابٍ مع رجلٍ رفض كل محاولات استقطابه وإلحاقه في ركب "السلطة" التي تتوسل، عبر مفاوضات التنازلات، موطئ قدمٍ، من قبل الكيان الإسرائيلي الذي قضى هذا الفدائي معظم سنوات عمره، في مقاومته، وعاش عمره كله في بلدان الشتات القريبة والبعيدة.
تريد السفارة إذلال الرجل والنيل من كرامته. ذلك ما يتضح مما يسرده المدرس الذي ألغيت إعارته هذا العام، من ممارساتٍ تعرض لها، وأعمالٍ تعسفيةٍ قاسى مرارة نتائجها على مدى أكثر من سنة. وهي إجراءاتٌ تلبس عباءة "سلطة رام الله"، التي صدر من أعضاء السفارة تأكيداتٌ متكررةٌ أنهم تلقوا توجيهاتٍ بها من هناك.
الأمر مؤسفٌ. لا يحق معاقبة شخصٍ بسبب آراء وأفكارٍ يبديها طالما لم تتعدَّ إطار حرية التعبير، ولم تتجاوز حدود الأخلاق، أو تتناول مضامين شخصيةً. وإن حصل منه مثل هذه التعديات، فإن مجال حسمها القضاء وفقط.
والحال كذلك، فإن إجراءً قاسياً كإلغاء الإعارة يعبر عن حقدٍ دفينٍ لدى "السلطة"، ومثله لدى بعثتها في صنعاء، التي أكدت مراراً أن ذاك الإجراء أتى من "رام الله". وهو حقدٌ على "أبو الهيجاء"، لا يبرره انتقاده للمفاوضات، أو موقفه السياسي المعارض للعملية "السلمية" التي لا تعدو عن كونها تقديم تنازلاتٍ من طرفٍ واحدٍ يبدو دائماً أكثر حرصاً من العدو، على استمرار الدوران في حلقة التفاوض.
الأمر، إلى ذلك، شنيعٌ، وفي غاية الفظاعة. أن يجد رجلٌ لم يذق طعم العيش في بلده السليب، كل هذا العنت من سفارة وطنه التي يفترض أنها الملجأ الذي يقصده، والسياج الذي يحميه ويدفع عنه ما يضره ويستهدف إنسانيته، فذاك ما لا يقبله من يملك ضميراً، أو فيه ذرةٌ من إنسانية.
أكثر من ذلك، يأتي على رأس الانتهاكات المتعمدة ضد المواطن الفلسطيني المقيم في اليمن منذ 9 سنواتٍ، رفض سفارة الوطن المسلوب، تجديد جواز سفره، في خطوةٍ ليس القصد منها سوى سلخ هويته منه، أو محاولة سلخه من هويته. لقد ناضل ناصر أبو الهيجاء، الجزء الأغلب من عمره، في سبيل الهوية الفلسطينية التي صارت اليوم مهدورةً بفضل "حكام رام الله" وسياستهم الاستسلامية، ومن أجل استعادة تراب الوطن الغالي، من بين أيادي غاصبيه الغرباء، ليأتي الأقرباء –ويا للمفارقة!- لينتزعوا منه الحق في الحصول على وثيقةٍ تحمل شعار واسم الوطن الذي صادره حكامه، ويعملون على إقصاء كل من يخالفهم الرأي، أو ينتقد أفعالهم المخجلة في حق القلب العربي الجريح.
كيف طاوعتهم أنفسهم على اقتراف هذا الفعل المسيء لتاريخ الثورة الفلسطينية المشهود لها بالحق والعدالة؟ ألأن هذا المناضل المحروم من أولاده (يعيشون في دولةٍ عربيةٍ صديقةٍ للعدو، لا يستطيعون مغادرتها، فيما هو مبعدٌ منها مدى الحياة!) لم يقبل أن يحيا في ظل "سلطةٍ" لم تدّخر ذكرى من نضالات الشرفاء ودماء الشهداء، لحكم شعبها المظلوم منها وبها؟ ألا يشعر القائمون على سفارة رام الله بصنعاء، بالعار والخزي من صنيعهم المشين في حق من هو أنبل وأشرف من الصاعدين على دماء ونضال الشعب الفلسطيني العظيم؟
إن الأمر لمحزنٌ، وإنه لمن المعيب أن تمر هذه الفعلة، لأنها جديرةٌ باعتبارها وصمة عارٍ في جبين القائمين بها. إنها تستدعي الغضب على سلطةٍ تستجدي رضا العدو، وتحرص على مصافحة مجرميه بمناسبةٍ وبغيرها، في حين تستهدف حياة ولقمة عيش أبناء بلدها؛ في الوطن النازف، أو في الشتات.
حريٌّ بهؤلاء أن يخجلوا –أقله- من تعاطف ومساعي نقابة الصحفيين اليمنيين، وبعض الزملاء ممن هم على اطلاعٍ بموضوع المدرس والكاتب الفلسطيني ناصر أبو الهيجاء.
[email protected]

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي