الرئيسية المقالات مدارات بعض تعز.. من المجد إلى "المهد"
بعض تعز.. من المجد إلى "المهد"
علي عبدالملك الشيباني
علي عبدالملك الشيباني

سنة ونصف منذ اخر سفرة الى قريتي بني شيبة الواقعة ضمن مديرية الشمايتين.. قضاء اجازة عيد الاضحى فيها كان يمثل لي واسرتي حلم سنوي يرتبط بالكثير من الذكريات , اذ لا ننسى في رحلات سفرنا ان نفرش سفرة الغداء في الضباب , حيث يتاح لنا مشاهدة النشاط القروي المتعدد والاستمتاع بخضرة المكان مع حرصنا على شراء منتجات الوادي من الجوافة وحتى الكرث والبقل , اما البركاني فيظل بالنسبة لكل العابرين مقرونا بشراء المانجو الذي اشتهر به ويغطي نسبة كبيرة من الاستهلاك المحلي.

قبل سنه ونصف لم يكن مانجو البركاني ولا جوافة الضباب هو مانحلم به , كذلك لم نختلف وافراد اسرتي , كما هو في كل مرة , حول مكان الغداء وافضلها للعب الاطفال , بل كان كل اهتمامنا ينحصر في معرفة مكان الاشتباكات وتحديدا في المسافة المحصورة مابين مفرق الستين ووادي الضباب , مع خوف وقلق مضاعف من احتمالات وجود الغام تظل مصدر تهديد على طول المسافة المذكورة. كانت هي السفرة الاولى بعد اجتياح ومحاصرة تعز من قبل تحالف قوى الانقلاب ولذلك كنت متشوقا لمشاهدة كيف تعبر عناصرهم الواقفة في نقاط التفتيش وعلى كثرتها عن ثقافة الغلبة التاريخية وانتصار العكفي على زمرة المثقفين , وبالمقابل رصد حالات القلق والخوف البادية على وجوههم من العمليات اليومية التي تطال حياة الكثيرين منهم من قبل دواعش " طيحني " و " قصات " سبايكي " 

شارع الستين كان وجهتنا وبدءا من مفرقه صادفنا اول نقطة لهم في محافظة تعز تلاها نقاط كثيره لا تفصل بين بعضها اكثر من 200م.

كان الواقفون فيها يسألوننا بلهجة متكلفة وبطريقة القبيلي " العسر" عن وجهتنا ومن اين قادمين. في كل النقاط كان يسمح لنا بالعبور دون اعاقة غير نفشة الريش والفشرة البادية عليهم , غير ان ما كان يلفت نظرنا اولئك المسلحين من ابناء المحافظة الواقفين الى جانبهم والذين حرصوا على ابراز " البتاقه " وكلام كثير من نوع " ماهلش دواعش ؟ اذا شكله داعشي هات البتاقه " كانوا باحثين عن جمالة ومحاولة تأكيد انتماء للحرافيش بدافع الشعور بالمواطنة الناقصة كما هو واضح , لدرجة استغربت قدرة المخلوع على تشكيل مواطن على هذا النحو المعيب في محافظة مثل تعز رسخت في الذاكرة الوطنية بمظلاتها وصاعقتها ومقاومتها الشعبية من كان لهم فضل حماية الثورة وتثبيت النظام الجمهوري ,محافظة لا ينام البتول فيها الا بعد الاستماع لكل نشرات الاخبار عبر مذياعه المتواضع.

قبل شهر سافرت في مهمة عمل سريعة , لكنني هذه المرة كبقية المسافرين الى الحجرية كنت مجبرا على المرور عبر طريق اخرى نتيجة الحصار والقصف والقنص المستمر على طريق الربيعي والضباب عموما.

سنة ونصف سمعنا خلالها كثيرا عما يطال المحافظة , وتواترت اخبار مختلفة عما يجري فيها. وهو ما شكل لي ومن معي قلقا مضاعفا , خاصة واننا سنمر عبر طريق لم يسبق لنا ان سلكناها من قبل. , اضافة الى ذلك وجود "جهاز مساحة" توقعنا بسببه التعرض لابتزاز نقاطهم المسلحة , كما سبق وتعرض لها زملاء لنا تحت توجيه تهم العمالة والقيام برصد المواقع العسكرية للتحالف , ومن ثم المبالغ المدفوعة لتخليص اجهزتهم من المصادرة.

لاجديد في هذه السفرة من حيث عدد النقاط الكثيرة والاسئلة التقليدية وطريقة التفتيش الجالبة للغثيان .

الجديد تمثل بقطع رحلة طويلة امتدت ل 12 ساعة , عزاءنا فيها التعرف على مناطق جديده لم يسبق لنا التعرف عليها. فلأول مرة مثلا اتعرف على سامع هذه العزلة الجبلية الجميلة , والتي لا يعيبها سوى ارتباط اسمها ب " سلطان العبودية المختارة " من هناك تشاهد عزلة الصلو بكثافتها السكانية الملفة للنظر , وحيث تدور معارك يومية شرسة بين المقاومة من جهة وقوى الانقلاب من جهة اخرى .

بعدها تجد نفسك في وادي العجب اولى مناطق عزلة قدس ومن ثم الحوبان ومطران وحتى اشروح الشهيد " عيسى محم سيف " وهنا اجدني مستعيدا مع ابتسامة عريضة التعليق الظريف لاحد الزملاء على احد مشوراتي المرتبطة بهذه المنطقة بعد عودتي مباشرة من هناك حين قال : يبدو انك سافرت لزيارة العتبات الناصرية المقدسة في قدس.

بعد عودتي الى صنعاء , لفت نظر افراد اسرتي حالة الشحوب البادية على وجهي والنقص الواضح في وزني , مما دفع بي لاجراء بعض الفحوصات الطبية التي اكدت نتائجها تعرضي لحالات عصبية مكبوتة تجاه طالبوا " البتائق " وابداء قدر كبير من المجاملات المبتذلة حرصا على جهاز المساحة المخبئ بعناية في مؤخرة السيارة.

إقراء أيضا