الرئيسية المقالات مدارات لماذا اعتُقلنا؟
لماذا اعتُقلنا؟
عبد الباري طاهر
عبد الباري طاهر

 دعا الصحفيان: عادل عبد المغني، وأشرف الريفي إلى ندوة «إعلان مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام اليمنية».

لخطاب الكراهية علاقة بمبادئ الصحافة الحساسة للنزاع، وهي مبادئ عالمية تهتم بها الصحافة العالمية و«اليونسكو» ومنظمات محتفية بقضايا النزاعات في العالم، ولها نشاط محمود في مناطق إفريقية، وتهتم باليمن التي لم يعد يهتم بها أحد.

جرى التشاور مع الزملاء: عادل، وأشرف، حول طلب الترخيص من الشئون الاجتماعية والعمل، وهي بدعة غير مسبوقة، وقيد إضافي على حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية، والحريات العامة والديمقراطية، وإعاقة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، ولها علاقة بالعقلية الاستبدادية الحاكمة منذ أمد، والمتصاعدة منذ ما بعد حرب 94، وانقلاب 21 سبتمبر 2014 .

عندما أُعلنت الوحدة في الـ 22 من مايو 90 كان قانون الصحافة رقم «25» لسنة 90 من أوائل القوانين التي صدرت في دولة الوحدة. نوقش القانون في المجلس النيابي الموحد، وتقدمت نقابة الصحفيين بملاحظات حول المشروع المقدم للنقاش، ووقف إعلاميون من «المؤتمر الشعبي العام» و«الحزب الاشتراكي» ضد ملاحظات النقابة، بينما وقف الدكتور حسين العمري والأساتذة: محمد الفسيل، وعلي لطف الثور، وعلي مقبل غثيم، و نعمان المسعودي، والعديد من الشخصيات إلى جانب المشروع. ولعل أهم ملاحظة كانت حول احتكار وزارة الإعلام منح بطاقة مزاولة المهنة؛ مما يعني ترسيم المهنة، وربط العضوية والنشاط المهني النقابي بالوزارة، وهيمنتها على الصحافة والصحفيين، وهو نفس ما جرى بين نقابة المحامين ووزارة العدل.

 اختصت الوزارة بمنح التسهيلات الصحفية واختصت النقابة ببطاقة العضوية

أُقر المشروع دون الأخذ بملاحظات الصحفيين، وتمت تسوية وسط في قضية البطاقة. اختصت الوزارة بمنح التسهيلات الصحفية، بما في ذلك التصريح للمراسلين، واختصت النقابة ببطاقة العضوية، ولم يكن الأمر مرضياً للصحفيين. خارج قاعة مجلس النواب جرى نقاش أوسع حول منح التراخيص للأحزاب، والصحف، والنقابات، ومؤسسات المجتمع المدني. عُقدت عدة ندوات ونقاشات إضافية وحوارات، وكان الاتجاه ينحو باتجاه رفض الترخيص، والاكتفاء بالإبلاغ، كما كان الحال في المستعمرة عدن إبان الحكم الاستعماري البغيض، وهو ما يقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي المستوى الرسمي، وفي بداية دولة الوحدة انتصر رأي «المؤتمر» و«الاشتراكي» المنحاز لعقليتهما الاستبدادية للهيمنة على الحياة السياسية، وضبط إيقاع الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وفق رؤيتهما، ورغم ذلك مثّل دستور دولة الوحدة، وقانون الصحافة رقم «25» لسنة 90 خطوة أساسية ومهمة؛ لأن الدستور أقر التعددية السياسية والحزبية والنقابية المُجَرَّمَة والمدموغة بالعمالة والخيانة العظمى في النظامين الشطريين، كما أن قانون الصحافة المنوه به أقر بالحق في إصدار الصحف، وإن كان قد ربطها بالترخيص. وكان الصحفيون والمحامون والأحزاب خارج الحكم والمستقلون يطالبون بالحق في تأسيس الأحزاب، وإصدار الصحف، وتكوين النقابات والجمعيات بمجرد الإبلاغ حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتحديداً المادة «19»، والإعلانات العالمية، ومنها «إعلان صنعاء» الذي تبنته اليونسكو، ووقعت عليه حكومة صنعاء بعد حرب 1994.

بعد حرب 1994 جرى التضييق بشكل أكبر على الهامش الديمقراطي، وجرت محاولات للعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية. ثورة الربيع العربي في اليمن خلقت مناخاً مغايراً ومختلفاً في الحياة السياسية بشكل عام، أما بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 اشتعلت الحرب الأهلية، ودخل الصراع الإقليمي المؤجج والمنخرط في الحرب، وعادت اليمن كلها إلى بيت طاعة الأحكام العرفية «دون إعلان».

الشئون الاجتماعية والعمل في سلطة الأمر الواقع في صنعاء، أبلغت الفنادق والصالات والمقرات بمنع أي نشاط واجتماع إلا عبر الترخيص، وهو ما يتنافى مع الدستور في المادة «42»، وبعض القوانين، ومنها: قانون المطبوعات والنشر رقم «25» لسنة 1990.

أبلغت الشئون الاجتماعية والعمل الفنادق والصالات والمقرات بمنع أي نشاط واجتماع إلا عبر الترخيص

في صبيحة الخميس الموافق 25 أكتوبر، وفي قاعة فندق «كُمفرت» في صنعاء، عَقدت «منصة الإعلام للدراسات والتنمية» ندوة لإعلان مبادئ خطاب الكراهية. قرأَ الزميل عادل عبد المغني الإعلان، وتحدثتُ عن النتائج الكارثية لخطاب الكراهية في بلد كأمريكا، صحافتها قوية بما يكفي لإسقاط أكثر من رئيس ومسئول، ورأي عام حاكم فعلاً، ومخابرات تمتد أذرعها إلى مختلف أصقاع الأرض، وقضاء قوي ومستقل، ومع ذلك يستطيع الرئيس ترامب بخطاب شعبوي تحريضي مثير، أن يدفع في زمن قياسي، حمى الاستقطاب والصراع إلى إرسال أطنان ملغومة إلى رئيسين أمريكيين، وشخصيات عامة، وكبار مسئولين، ومنهم صحيفة أمريكية. ولا بد أن ندرك أن انتشار العنف والإرهاب مسائل عنه خطاب الكراهية والعنف خصوصاً بعد حرب أفغانستان، وتفجير برجي التوأم، وما تشهده العراق وسوريا وليبيا ولبنان والبحرين واليمن والسودان من صراعات وحروب مدمرة، كما أنه المسئول عن جرائم الحرب في الصومال وفي أكثر من بلد إفريقي وآسيوي، وهو أيضاً ثمرة كريهة للصراع الطائفي السني- الشيعي.

خطاب الكراهية في اليمن مسائل عن حرب 94، وحروب صعدة الستة، وموجة التكفير والتخوين والعداوات والأحقاد التي تشهدها اليمن.

حرب الأربع سنوات في صعدة ثمرة كريهة لنشر المذهبية، والحض على الكراهية، وتأجيج العداوات والضغائن، والدعوة لتصفية الأعداء، والعودة غير الحميدة إلى تراث داحس والغبراء، وهي مسئولة عن الصراع في صعدة بين «أنصار الله» وجماعة مقبل هادي الوادعي، وتهجير يهود آل سالم من قراهم، والحملة ضد البهائيين، وهي مسئولة عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والاعتقالات الكيفية في المملكة السعودية، للعديد من تيارات الإسلام السياسي، ومثقفين من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية.

إعلان المبادئ، والجهد الرائع للمنصة الإعلامية، وقاموس مفردات خطاب الكراهية في الإعلام اليمني، يكشف عمق كارثة هذا الخطاب الدامي والملغوم بالفتن، والمعبأ بالحروب المتناسلة الهادفة إلى تمزيق النسيج المجتمعي، وتدمير كيان شعب بأكمله، وزرع الثارات والأحقاد بين أبنائه الأكثر احتياجاً إلى الأمن والسلام والاستقرار والحياة الكريمة.

أشرتُ في المداخلة إلى أن اليمن ضحية حرب مركبة: أهلية، وإقليمية. كل أطراف الحرب ضالعون في نشر خطاب الكراهية. ويلاحظ القائمون على أمر المنصة الإعلامية، أن هناك تحسناً طيباً خلال عمل المنصة مع القادة الإعلاميين في صنعاء وعدن خلال الأشهر المنصرمة.

تم اقتيادنا إلى الأمن القومي 

بعد نهاية الندوة وقف ضابطان في الباب، وطلبا من منظمي الاجتماع قائلين: إن الاجتماع تم بدون ترخيص. خاطبتهما إن الدستور اليمني، والقوانين النافذة تقر حق الاجتماع والنقاش وعقد الندوات. تمسكا برأييهما، ويبدو أنهما قد اتصلا بالجهة المختصة في الأمن القومي؛ فأحضرت سيارتين عسكريتين، فصعدنا جميعاً، وكنا تسعة عشر منتدياً. وبعد ساعة من الاحتجاز في الأمن القومي طُلبَ منا التوقيع على تعهد بالحضور عند الاستدعاء، وجرى إبقاء الزميلين: عادل عبد المغني، وأشرف الريفي المنظمين للندوة، واللذين أفرج عنهما مساءً. 

بعد كل شيء، ورغم كل شيء، لا بد من إشارة إلى إعلان المبادئ ضد خطاب الكراهية التي اعتقلنا بسببها:

- الالتزام بالمهنية وأخلاقيات العمل الصحفي في كل التناولات الإعلامية، وترسيخ قيم الحرية والتنوع والتعدد.

- تجنب نشر الكلمات والألفاظ التي تضمنها معجم خطاب الكراهية والتحريض الذي أُقر في جلسات نقاش.

- احترام الحقيقة وحق الجمهور في الحصول عليها دون تشويه أو تحوير.

- احترام الكرامة الإنسانية، وعدم الإساءة إلى أي فئة من فئات المجتمع، أو نشر الإساءة الجارحة بحق الآخرين.

- احترام الاختلاف والتنوع، وإشاعة قيم التعايش والتسامح، وبث قيم الحوار والحرية.

- احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإعلانات الدولية التي رعتها منظمة «اليونسكو»، ومنها إعلان صنعاء بشأن تعزيز استقلالية وتعدد وسائل الإعلام.

- الابتعاد عن كل ما يغذي ويبث ثقافة الكراهية والعنف، ونبذ كل دعاوى التمييز والتعصب أيا كانت أشكاله: مناطقياً أو قبلياً، أو مذهبياً.

- الابتعاد عن المواجهات الإعلامية المدفوعة لأهداف سياسية، واستحضار المسئولية الأخلاقية للصحافة والمجتمع.

- دعم قيم السلام والأمن الاجتماعي.

- دعوة نقابة الصحفيين لإقرار مشروع ميثاق الشرف.

- العمل على حماية المجتمع، وفي المقدمة الأطفال من مخاطر المواد الإعلامية المكرسة للعنف أو المحرضة عليه.

إقراء أيضا