الرئيسية المقالات مدارات يوميات جمال عبد الناصر
يوميات جمال عبد الناصر
عمرو  صابح
عمرو صابح

  قراءة فى كتاب "يوميات جمال عبد الناصر فى حرب فلسطين" .. النصوص الكاملة بخط يده .

"أنت أمام ضابط شاب يعرف دوره وقضيته وهدفه ، ويعرف لماذا هو غاضب،وكيف يمضى بغضبه إلى مسارح جديدة وعوالم مختلفة؟

بعد كل هذا العمر وكل هذه التجارب ، فإنه الرجل الوحيد الذي أنا مستعد للانحناء أمامه". الوحدوي نت

هكذا وصف الأستاذ محمد حسنين هيكل الرئيس جمال عبد الناصر وهو يسلم للأستاذ عبد الله السناوى نسخة مصورة من يوميات جمال عبد الناصر الرسمية والشخصية فى حرب فلسطين عام 1948 ، فقد أزاح الأستاذ هيكل الستار عن امتلاكه لدفترى اليوميات الشخصية والرسمية لجمال عبد الناصر في حرب فلسطين عام 1948 في حلقة من حلقات برنامجه "مع هيكل" على فضائية الجزيرة عام 2008 ،وألتقط الأستاذ عبد الله السناوى الإشارة، وبادر بالاتصال بالأستاذ هيكل، وأستطاع أن يحصل منه على حق نشر هذا السبق الصحفي النادر ، ونشر منه مقتطفات في جريدة "العربي" قبل أن يقوم بإعداد وتقديم كتاب"يوميات جمال عبد الناصر في حرب فلسطين" والذي صدر في ذكرى مرور 40 عاما على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر.

  قام الأستاذ عبد الله السناوى بتقسيم الكتاب إلى أربعة نصوص:

  النص الأول "عندما تكلم الرئيس" ويحتوى على يوميات جمال عبد الناصر في حرب فلسطين التي صاغها الأستاذ هيكل ونشرها في مجلة أخر ساعة عام 1955 .

النص الثاني والذي يحتوى على "اليوميات الشخصية لجمال عبد الناصر "

والتي تنشر كاملة لأول مرة .

النص الثالث والذي يحتوى على اليوميات الرسمية لجمال عبد الناصر والتي تنشر أيضا كاملة لأول مرة.

النص الرابع والذي يحتوى على المخطوطات وهى صورة طبق الأصل من دفتري يوميات الرئيس جمال عبد الناصر الرسمية والشخصية بخط يده.

يمثل هذا الكتاب وثيقة بالغة الأهمية فلأول مرة يتاح لنا أن نقرأ وثيقة كاملة متصلة الأحداث بخط يد جمال عبد الناصر أعظم وأنبل عربي في التاريخ الحديث وأحد أهم الشخصيات عبر كل العصور، فلسوء الحظ رحل جمال عبد الناصر مبكرا ولم تتح له المعارك التي خاضها طيلة حكمه الفرصة أن يروى لنا سيرته بذاته، لذا يكتسب كتاب يوميات جمال عبد الناصر أهميته الفائقة خاصة الجزء الخاص باليوميات الشخصية التى كتبها جمال عبد الناصر فهو هنا يكتب على سجيته ويكتب لنفسه دون أن يعلم الدور الذي تخبئه له الأقدار على مسرح التاريخ والنص بحد ذاته بالغ الأهمية ولكننا نستطيع عبر قراءة متعمقة له أن نكتشف بعض خفايا شخصية وتاريخ الرجل العظيم.

أختار الأستاذ عبد الله السناوى أسم"كيف ولدت الثورة في قلب رجل؟" عنوانا لدفتر اليوميات الشخصية لجمال عبد الناصر وقد بدأ جمال عبد الناصر تدوين يومياته يوم 3 يونيو 1948 وانتهى تدوينه ليومياته يوم 30 ديسمبر 1948 فقد توقف جمال عبد الناصر عن الكتابة وهو في منتصف جملة كان يكتبها بسبب تجدد الهجمات الإسرائيلية على موقع كتيبته .

في أول أيام التدوين سنجد أن جمال عبد الناصر ذهب لمعسكر المتطوعين لمقابلة الصاغ محمود لبيب وعندما لم يجده وأثناء طريقه إلى غزة يقابله بصحبة الشيخ محمد فرغلى ويتفق جمال عبد الناصر معهما على أداء صلاة الجمعة سويا في معسكر المتطوعين.

الصاغ محمود لبيب واحد من أهم رموز جماعة الإخوان المسلمين وهو من مؤسسي الجهاز الخاص الجناح العسكري للجماعة وكان القائد العام لمتطوعي الإخوان المسلمين في فلسطين ، والشيخ محمد فرغلى هو قائد كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين عام 1948 وعضو مكتب الإرشاد ورئيس منطقة الإسماعيلية والقناة وأحد مؤسسي الجهاز الخاص للجماعة أيضا.

يبدو حرص جمال عبد الناصر على لقاءهما مدعاة للتساؤل حول العلاقة التي كانت تربط بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة ، وفى نفس الوقت يرد بقوة على ما أثارته الجماعة من أكاذيب عن صلة ربطت بين جمال عبد الناصر والإسرائيليين أثناء حرب فلسطين في إطار محاولتهم لتشويه سمعته إثر احتدام الصراع السياسي بين الضباط الأحرار والجماعة بعد الثورة ، كان جمال عبد الناصر من أشد المتحمسين للاشتراك في حرب فلسطين وقبل أن تقرر الحكومة المصرية دخول الحرب كان يفكر في التطوع للقتال في فلسطين، وهناك واقعة شهيرة عن التحقيق الذي تعرض له جمال عبد الناصر بعد حرب فلسطين عندما تم اكتشاف كتاب أصدره الجيش عن صنع القنابل اليدوية عليه توقيعه أثناء تفتيش إحدى شعب جماعة الإخوان إبان حملة اعتقالهم عام 1948 ، وقد قام إبراهيم عبد الهادي باشا رئيس الوزراء المصري وقتها باستدعاء جمال عبد الناصر في مايو 1949 بعد عودته من ميدان القتال للتحقيق معه عن صلته بجماعة الإخوان المسلمين بحضور الفريق عثمان المهدي رئيس هيئة أركان الجيش ، وقد نفى جمال عبد الناصر صلته بالجماعة وقال لرئيس الوزراء أنه أعطى الكتاب لزميله الضابط أنور الصيحى ، وعندما سأله إبراهيم عبد الهادي :أين أنور الصيحة؟ أجابه جمال عبد الناصر: أنه أستشهد في حرب فلسطين،فصرفه رئيس الوزراء بعد أن حذره وهدده .

توفى الصاغ محمود لبيب يوم 18 ديسمبر 1951 قبل الثورة، بينما قاد صراع جماعة الإخوان المسلمين مع ثورة يوليو الشيخ محمد فرغلي إلى حبل المشنقة بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954 والتي كان الشيخ محمد فرغلى واحد من الضالعين فى التخطيط لها .

يظهر عبد الحكيم عامر مبكرا في دفتر يوميات جمال عبد الناصر فهو يقابله يوم 4 يونيو 1948 ويلحظان معا مدى هشاشة التحصينات الدفاعية للقوات المصرية وعدم وجود عمق وغياب الاحتياطي الاستراتيجي للجيش المصري، وعلى امتداد اليوميات سنجد عبد الحكيم عامر موجودا بها ولكن برغم وجود أسماء أخرى لشخصيات لعبت دورا هاما في الثورة عام 1952 مثل صلاح سالم ، كمال الدين حسين ، زكريا محيى الدين.

يمكننا ملاحظة أن صلة جمال عبد الناصر بعبد الحكيم عامر مختلفة فالعلاقة بينهما أعمق وأوثق وصداقتهما ليست مجرد صداقة شخصية بل تبدو عائلية أيضا فعبد الحكيم عامر هو الذي يقوم خلال حصار جمال عبد الناصر فى الفالوجة بالاتصال بأسرته ومعرفة أحوالهم ثم يطمئن جمال عبد الناصر على زوجته وابنتيه (هدى،منى) لم يكن جمال عبد الناصر وقتها أنجب أبناءه الذكور الثلاثة (خالد،عبد الحميد ، عبد الحكيم).

وعلى امتداد اليوميات يمكننا رصد مدى ارتباط جمال عبد الناصر بأسرته الصغيرة زوجته تحية وطفلتيه (هدى ، منى ) فهو مشغول البال دوما بأحوالهن وبمستقبلهن ودائم السؤال عنهن والاتصال بهن كلما سنحت له الفرصة ، بل أنه فور إصابته برصاصة فوق قلبه يفكر فيهن على الفور.

ولكن ليس هذا هو المهم فارتباط جمال عبد الناصر بزوجته وأبناءه بوجه عام وتعلقه بأسرته الصغيرة معروف ،ولكن اللافت للنظر هو عمق صلته بوالده فهو حريص على الاتصال به والاطمئنان عليه وإرسال الخطابات له واستلام خطابات منه أيضا ، يبدو هذا ملفتا فقد أثيرت أقاويل كثيرة وسال حبر أسود كثيف على الورق عن سوء علاقة جمال عبد الناصر بوالده واتسامها بالتوتر الدائم وتأثير ذلك على تكوين جمال عبد الناصر النفسي والشخصي منذ تزوج والده من سيدة أخرى السيدة "عنايات الصحن"، عقب وفاة زوجته الأولى السيدة "فهيمه محمد حماد" والدة جمال عبد الناصر، وأشاع خصوم جمال عبد الناصر أنه كان مصابا بعقدة أوديب يحب أمه ويكره والده ، بينما يتضح من اليوميات التي خطها الضابط جمال عبد الناصر وقد تجاوز الثلاثين من عمره بقليل أن ذلك غير صحيح فعلاقته بوالده تبدو طبيعية وحميمة وليس والده فقط بل بعمه أيضا، وإن كان لم يذكر أسم هذا العم وأرجح أنه عمه خليل ، وكذلك أخيه عز العرب عبد الناصر فهو على اتصال به عبر الخطابات ،وكذلك نجد اتصال من جمال عبد الناصر لشخص يدعى "عبد الحميد" يوم 9 سبتمبر 1948 يبلغه أن إجازته تأجلت ويطلب منه إعلام الأسرة ، وأعتقد أنه عبد الحميد كاظم الشقيق الأكبر للسيدة"تحية" زوجة جمال عبد الناصر وكانت علاقته بجمال عبد الناصر وطيدة رغم أنه كان رافضا في البداية لزواج أخته تحية منه ، وقد توفى عبد الحميد كاظم مبكرا بسبب مرض الدرن، وسمي جمال عبد الناصر ثاني أبناءه الذكور عبد الحميد على أسمه ،كما يرد أسم "السيد يوسف" عديل جمال عبد الناصر في دفتر اليوميات والذي كان ناظرا لمدرستي المنيا الثانوية والمنصورة الثانوية وبعد ذلك أصبح رئيسا لديوان الموظفين ثم وزيرا للتربية والتعليم كصلة اتصال مع أسرته، وهكذا فعلاقات جمال عبد الناصر بأسرته تبدو طبيعية للغاية بدون عقد نفسية توهمها خصوم جمال عبد الناصر.

في يوم 23 أغسطس 1948 يكتب جمال عبد الناصر معبرا عن صدمته البالغة لمقتل الضابط أحمد عبد العزيز قائد المتطوعين في حرب فلسطين برصاصة خاطئة – نيران صديقة كما يقال الآن- فقد أطلقت عليه رصاصات خاطئة من القوات المصرية لاعتقادهم أنه من الجانب الإسرائيلي.

كتب جمال عبد الناصر " لقد تألمت جدا فإن احمد عبد العزيز كان يحب أبناءه، وكان في عز مجده الذي لم يجاز عليه ، ولم يره الشعب ، ولم يستقبله ، مات أحمد عبد العزيز وكله أمال في الحياة ، لقد تألمت جدا لهذه الآمال التي انهارت كان آخر ما قاله لصلاح سالم".

تبدو هذه الكلمات صادقة ومعبرة عن حزن جمال عبد الناصر على البطل الراحل وهى تهمنا على وجه الخصوص لكونها أبلغ رد على بعض الكتب المشبوهة التي أصدرها خصوم جمال عبد الناصر فيما بعد واتهموا فيها جمال عبد الناصر بقتل أحمد عبد العزيز !!

إلى هذا الحد بلغ الاستخفاف بالبعض أن يستبيحوا التاريخ لإلصاق فرية قذرة كتلك بجمال عبد الناصر في إطار سعيهم لاغتيال شخصيته وتشويه سيرته.

وعبر صفحات دفتر اليوميات سنجد اللقاء بالإسرائيليين وسنلحظ أن جمال عبد الناصر يصفهم دوما باليهود أو بالعدو وليس بالإسرائيليين.

يطلب العدو تحديد لقاء مع قيادة القوات المصرية المحاصرة في الفالوجة يتم إرسال جمال عبد الناصر من قبل القيادة المحاصرة لتحديد مكان اللقاء وبالفعل يتم اللقاء في مستعمرة جات اليهودية حيث توجه من الجانب المصري السيد طه ، ورزق الله الفسخانى ، وجمال عبد الناصر ، وإبراهيم بغدادى ، وخليل إبراهيم إلى مستعمرة الجات ، وتنتهي المفاوضات بينهما بالفشل لرفض الجانب المصري الاستسلام ، ورفض اليهود إخلاء الجرحى إلى غزة .

وهكذا لم يكن اللقاء منفردا بين جمال عبد الناصر والضباط الإسرائيليون ولم يتفق معهم على شيء ولم يخطط معهم لثورته كما كتب الإخوان بغزارة في أدبياتهم عن صلات ولقاءات جمعت جمال عبد الناصر بالإسرائيليين خلال حرب فلسطين عام 1948.

كان جمال عبد الناصر ضابطا ضمن وفد تفاوضي وقد فشل التفاوض، يرصد جمال عبد الناصر خلال زيارته لمستعمرة الجات الفوارق الحضارية بين اليهود والعرب والمدنية والرخاء الذي يتمتع به اليهود خلال حياتهم بالمستعمرة مقارنة بأوضاع العرب البائسة.

على امتداد صفحات اليوميات يبدو جمال عبد الناصر غاضبا وساخطا على الأوضاع التي يعانى منها الجيش المصري في الحرب ، واتهاماته دائمة للقيادة العسكرية بالتخبط والجهل بل أنه يتهمها بأنها سبب كل المصائب وأنه لا توجد قيادة للجيش المصري في فلسطين من الأساس فهي قيادة عاجزة لا تملك خطة ولا احتياطي همها الوحيد هو الهرب والنجاة بعيدا عن المعركة وإطلاق تصريحات وبيانات كاذبة عن انتصارات وهمية لم تحدث .

تبدو تلك الكلمات مريرة وتحتاج لتعمق في قراءتها فالضابط جمال عبد الناصر عانى من ذلك هو وكل القوات المصرية المحاربة في فلسطين ولكن لسوء الحظ تكررت مثل تلك الأخطاء بحذافيرها تقريبا بعد 19 عاما أثناء حرب 5 يونيو 1967 وكأننا لم نتعلم شيء ، وربما كان هذا أكثر ما حز في نفس جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967 أن يشهد نفس المأساة مرتين ، ومؤكد أن ذلك كان دافعه بعد أن قضى على محاولة انقلاب المشير عبد الحكيم عامر بعد النكسة للقيام بإعادة بناء القوات المسلحة المصرية من الصفر وخوض حرب الاستنزاف بها في ظروف بالغة الصعوبة حتى تمكن بعد ثلاث سنوات من الهزيمة أن يحقق المعجزة ويقيم بسواعد الأبطال من المصريين أكبر حائط صواريخ في العالم وقتها ويبنى جيش المليون من الجامعيين ويصدق على خطط العبور والتحرير ولكن شاءت الأقدار ألا يشهد جمال عبد الناصر بعينيه النصر الذي صنع كل مقوماته، فقد خانه قلبه وتوقف عن النبض في يوم 28 سبتمبر 1970 هذا اليوم الأسود في تاريخنا.

تظهر بوادر الصمود والتحدي الكامنة في شخصية جمال عبد الناصر والتي ستكون من علامات عهده فيما بعد على صفحات اليوميات وتحديدا يوم 28 أكتوبر 1948 ، فالطائرات الإسرائيلية تمطر القوات المصرية المحاصرة في الفالوجة بالمنشورات التي تطالبها بالاستسلام يكتب الضابط جمال عبد الناصر معلقا على ذلك " كلام فارغ قابله الجميع بالسخرية ، فبالرغم من أننا محاصرون من يوم 16 ، وبالرغم من طلبنا تعيينات وذخيرة بواسطة الطيران ، وبالرغم من أن طلباتنا لم تجب ، ولم يلتفت إليها ، فسنقاوم إلى أخر رجل "

أنها روح التحدي والمقاومة المطبوعة في شخصيته والتي قاد بها أمته طيلة 18 عاما مجيدة في تاريخها ولم تفارقه فى لحظات الهزيمة.

كما تبدأ فكرة الثورة تنبت في عقله ، فما يعانيه الجيش المصري هو من صنع القيادة العسكرية الفاشلة وقيادة البلاد العاجزة فيكتب " لقد فقدنا الإيمان في قيادة الجيش وقيادة البلاد ، هؤلاء المضللون الممثلون ، ماذا عملوا بعد أن دخلنا الحرب ؟ لا شيء"

أنها بذور الثورة التي أينعت بعد أقل من أربع سنوات من الهزيمة في حرب فلسطين عام 1948 .

يبدو الضابط جمال عبد الناصر في يومياته مدركا لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني مدركا لقوة العدو وتفوقه وكونه جزء من الغرب مزروع في الوطن العربي، كما نلحظه حزينا على مستقبل الفلسطينيين ومتأثرا لما سيحيق بهم من جراء الهزيمة وانسحاب الجيوش العربية من فلسطين ، وقد ظل هذا الإدراك يحكم سياساته طيلة عهده فقد رفض أي حل جزئي منفرد لا يرجع للشعب الفلسطيني حقه في أرضه المسلوبة .

أن قيمة هذه اليوميات الشخصية للضابط جمال عبد الناصر في حرب فلسطين لا يقدر فهى وثيقة تاريخية نادرة تلقى أضواء كاشفة على شخصية أهم عربي في التاريخ الحديث وفضلا عن أهميتها لكون جمال عبد الناصر كاتبها فأن صدقها هو الأهم نحن أمام ضابط شاب يخوض حربا فى ظروف غير مواتية ثم يحاصر وهو خلال كل ذلك حريص على تدوين يوميات شخصية له يعبر فيها عن حقيقة مشاعره وما يشغل باله وهو لا يدرى إن كان سيقرؤها أحد غيره بل ولا يدرى إن كان هو ذاته سينجو من الحرب أم لا .

لقد كان جمال عبد الناصر أحد أبطال حرب فلسطين عام 1948 فقد دخلت الكتيبة السادسة من الجيش المصري التي كان يشغل منصب رئيس أركانها فلسطين يوم 15 مايو 1948 ، وقد أصيب بالرصاص مرة قبل حصار الفالوجة ، وقد حصل على نجمة فؤاد العسكرية لشجاعته، وكان بين أفراد القوات المصرية التي حوصرت في الفالوجة بدء من 21 أكتوبر 1948 وأصيب خلال الحصار مرتين وكاد أن يفقد حياته.

  كانت حرب فلسطين وفساد الإدارة السياسية والعسكرية المصرية وحصار القوات المصرية في الفالوجة هي الأسباب الرئيسية التي دعت جمال عبد الناصر للبدء فى إنشاء تنظيم الضباط الأحرار فقد رأى جمال عبد الناصر أن الحل لمأساة مصر يتلخص في الإطاحة بنظام الحكم الفاسد الذي قاد البلاد إلى الهزيمة ، وكذلك التخلص من الاحتلال البريطاني، ومن هنا فإن الجيش الذي فشل في الاستيلاء على فلسطين قرر الاستيلاء على القاهرة .

ستظل تلك اليوميات الشخصية لجمال عبد الناصر وثيقة بالغة الأهمية عن شخصيته وتكوينه وهى تمثل خطوة على الطريق لفك مفاتيح تلك الشخصية بالغة التفرد التى حبا الله بها الزعيم الخالد .

كان تحقيق أسماء الشخصيات التي ذكرها جمال عبد الناصر فى يومياته وإضافة مجموعة خرائط للكتاب تبين مواقع الأحداث وسير المعارك سيكون أكثر إمتاعا وفائدة للقارئ وهو أمر سهل تداركه في الطبعات اللاحقة.

هذا الكتاب الذي يحمل بين دفتيه يوميات الضابط المقاتل جمال عبد الناصر هو في تقديري واحد من أهم الكتب التي صدرت عن الرئيس عبد الناصر لأنه بقلمه شخصيا ، وقد كتب له الأستاذ عبد الله السناوي مقدمة ضافية وهى قطعة من الأدب السياسي خاصة عندما أنهاها بوصف جمال عبد الناصر " كأنه شهاب انطلق من فلسطين إلى القاهرة، قبل أن يهبط إلى مثواه، ونهبط بعده إلى المأساة."

و يالها من مأساة نعيشها بعد غياب البطل.

إقراء أيضا