المنصوب : موسوعة الفتوحات تمثل مرجعاً مهماً لكل من يريد البحث في فكر إبن عربي وقد تجاوزنا فيها الكثير من الأخطاء التي نقلت عنه
التقاه : محمد شمسان
قيل أنه سبق عصره بسنوات لذلك حالت لغته وعباراته التي استخدمها في كتبه ومؤلفاته دون فهمه من قبل الناس فكانت فاتحة لمعركة من الاختلاف والتباين بين جمهور العلماء لم تنته حتى اليوم.
الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي أحد أكبر مشائخ التصوف الإسلامي وأشهر أقطاب الصوفية, لا يزال الجدل حول شخصيته وسيرته قائماً إلى يومنا هذا.
أخذ طريقه إلى أكبر الجامعات في العالم وأصبحت كتبه ومؤلفاته تلامس قلوب الكثير من المستشرقين والمبدعين في أوروبا قبل عقولهم, عجزت الألسن عن مجاراته والعقول عن ايستيعابه وفهم ما كان يفيض به قلبه قبل قلمه.
إنه خير شاهد على واقع ليس فيه طريق إلى التصالح والمسامحة.
في هذا اللقاء الذي يجمعنا بالأستاذ والباحث المحقق عبدالعزيز سلطان المنصوب نستلهم بعضاً من تلك العبارات والمعاني التي أراد الشيخ الأكبر أن يوصلها إلينا وإلى من قبلنا ومن بعدنا في كتابه الفتوحات المكية, أهم وأشهر كتبه التي كانت سبباً في إثارة الجدل بين علماء المسلمين منهم من أقر بها ودافع عن مقاصدها وما ذهبت إليه, ومنهم من اكتفى بالإشارة إلى ولاية الرجل ورجاحة عقله وعلمه ومنهم من شكك واعترض.
الأستاذ عبدالعزيز المنصوب أعاد تحقيق الكتاب على 12 جزءاً بذل فيه جهداً كبيراً وواضحاً على مدى 5 أعوام, وها هو الكتاب المحقق بطبعته الجديدة بين يدي القارئ الكريم ليكون خير حكم على الرجل الذي ظُلم كثيراً وظُلمت معه جميع كتبه وعباراته.
> في البداية نرحب بك أستاذ عبدالعزيز في بيتك الصحفي الأول صحيفة الوحدوي، ونبدأ معك في هذا الحوار الذي نسلط فيه الضوء على جهدكم الجديد الذي يضاف إلى رصيدكم، حيث سبق لكم أن أعدتم تحقيق العديد من الكتب في التراث اليمني للشيخ أحمد بن علوان والشيخ عبدالهادي السودي والشيخ عبدالرحيم البرعي، وها أنتم اليوم تقدمون للجمهور عملاً جديداً يتمثل بإعادة تحقيق موسوعة الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن العربي.
> أستاذ عبدالعزيز.. هل نستطيع القول أن هذا العمل هو بدايةً لمرحلة جديدة ستعملون من خلالها مع التراث العربي الإسلامي؟
- أهلاً بك أخي العزيز محمد، وأنا سعيد بهذا اللقاء الذي تستضيفني فيه «الوحدوي» مع أنني لست ضيفاً بالتأكيد، لأنني اعتبر «الوحدوي» بيتي الصحفي الأول. بالنسبة لسؤالكم حول انتقالي من التراث اليمني إلى التراث الإسلامي العربي أقول بالعكس أنا اعتبر نفسي منذ أول يوم وأنا أعمل في التراث الإسلامي صحيح أن المؤلفين الذين بدأت معهم كانوا يمنيين لكن أيضاً أرجو أن لا تنسى أن الشيخ الأكبر أيضاً هو في الأصل يمني ومع ذلك لا أعتبر أنني انتقلت أبداً لأنني منذ أن بدأت في عمل التحقيق فكان ذلك من باب التعاطي مع التراث الإسلامي كونه تراث إسلامي بغض النظر عن مصدره، والأعمال السابقة التي عملناها كانت لبعض مشايخ الصوفية باليمن، وكان على رأسهم الشيخ أحمد بن علوان والشيخ عبدالهادي السودي، والشيخ حميد الدين المقطري، والشيخ عبدالرحيم البرعي، وفي الواقع هنا في اليمن لم يكن هناك اهتمام بهؤلاء المفكرين والعلماء وهؤلاء الأئمة، وعملنا معهم هو بمثابة إعطاء اعتبار لهم ولكتاباتهم وأعمالهم، والتي هي بالفعل قوية، وأنا استغرب بأنه كيف تم إهمال هؤلاء ولم يهتم بكتبهم ومؤلفاتهم من قبل. البرعي هو الوحيد تقريباً كان هناك اهتمام بمؤلفاته وطبعت في كثير من البلدان في مصر والشام والمغرب والسودان، لكن للأسف الشديد برغم ذلك فقد كان هناك قصور كبير للغاية فيما تم طباعته، بحيث عندما تأتي لتقارن بين ما طبع من قبل وما نحن قمنا بتحقيقه وتجميعه فيما بعد ستجد اختلافاً كبيراً جداً وإساءات متعددة، لذلك لو كان المهتمين بكتابات البرعي ومؤلفاته لديهم نفس صوفي لما وجدت مثل هذه الأخطاء والإساءات، لكن عدم وجود مثل هذا النفس جعلتهم يقعون في مثل هذه الأخطاء ويغيرون الكثير من الكلمات، نعم هم يحبون الرجل لكن كانوا يكتبون كلماته وفق ما يريدونه هم، لذلك نحن صححنا بل أعدنا الكتاب من البداية وأخرجناه على ما هو عليه الأن، وكان الغرض من ذلك حتى يعرف الرجل بفكره وليس فقط من خلال حبه.
أقول كان اهتمامنا بهؤلاء لأنهم لم يأخذوا حقهم ومكانتهم، كما أن مؤلفاتهم كانت بين أيدينا، أما عن قولك التفكير بأعمال أخرى فهذا الأمر هو متروك لله عز وجل فهو الموجه لما يريد والهادي إلى سواء السبيل.
> الدكتور عبدالعزيز المقالح قال في مقدمته لهذا الكتاب، إن الكتاب مظلوم وأنه تعرض لظلم كبير من قبل الناسخين.. تُرى عن أي ظلم يتحدث الدكتور المقالح؟
- في الحقيقة الكتاب تعرض لعملية نقد واسعة من قبل فريق من علماء الرسوم كما يسميهم بذلك الشيخ الأكبر، كما لم يتعرض له أي كتاب آخر، طبعاً أنا في اعتقادي شخصياً أن مثل هذا التعرض الذي تعرض له هذا الكتاب هو ناتج عن محتوى الكتاب لأن المادة التي فيه غزيرة وقوية وعميقة، وبالتالي فقد أثارت مثل هذا النقد وأثارت ردود الفعل من قبل هؤلاء البعض من علماء الرسوم، لكن للأسف نحن دائماً ننظر للجوانب المظلمة في الصورة في حين لا نعطي اهتماماً للجوانب الإيجابية. الجانب الإيجابي من الكتاب أيضاً حصل على مدح كبير من قبل جمهور كبير من العلماء والمفكرين والمبدعين، واستقبل استقبالاً بهيجاً من قبلهم، لكن للأسف الشديد الصورة المظلمة هي التي تأخذ اهتمام الناس وتظل عالقة في أذهانهم، وبالتالي جاء هذا التعبير بأنه تعرض للنقد السلبي وكأن الأمر يشمل كل العلماء مع أنه من قبل مجموعة قليلة منهم لا أقل ولا أكثر، لكن أصواتهم كانت عالية على الأقل في الوقت الراهن لأنهم وجدوا من خلال الثورة العلمية والتقدم التكنولوجي وسائل استخدموها في إيصال أصواتهم ونشر آرائهم وأفكارهم، وتمثلت تلك الوسائل بالإعلام والفضائيات والشبكة الإلكترونية، وكما تعرف كان في السابق قبل توفر هذه الوسائل عندما يؤلف الشخص كتاباً يحتاج هذا الكتاب الى سنة أو سنتين لكي يصبح في متناول الناس وربما أكثر من ذلك، أما الآن أصبح بإمكان أي شخص معرفة كل الإصدارات، وذلك قد يكون حتى بشكل يومي أو أسبوعي لأن وسائل التكنولوجيا وفرت ذلك وسهلت بشكل كبير، وبالتالي عندما يظهر كتاب ناقد أو حتي رأي فإن ذلك يساعد في إيصاله إلى الناس، وهذا ما جعل الأمر يبدو وكأن هذا الكتاب تعرض للنقد الواسع بينما في المقابل أنا لا أعتقد بأن الامر كذلك إطلاقاً مقارنة بما لقيه هذا الكتاب من ترحيب وحفاوة واستقبال، لذلك انا اعتقد أن هذا هو الظلم الذي تعرض له هذا الكتاب. لكن لو سألتني لماذا ظلم هذا الكتاب. سأقول لك بأن هذا الأمر طبيعي جداً لأنه لم يقدم للناس من قبل بالشكل الذي يجعلهم يفهمون محتواه ومضامينه التي احتواها.
> غزارة المعنى وقوة الطرح هل كانت سبباً في الهجوم عليه أم أن الألفاظ والمصطلحات التي استخدمها الشيخ الأكبر حالت دون فهم الناس وهؤلاء العلماء الذين أسماهم الشيخ الأكبر كما ذكرت بعلماء الرسوم؟
- لاحظ بأن الكتاب تعرض للنقد من قبل هؤلاء العلماء، وكانت هناك أسباب عدة لهذا النقد، السبب الأول بأن هذا الأمر هو طبيعي وقد بدأ هذا الموضوع منذ أن خلق الله أبونا آدم عليه السلام عندما أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود على قبر آدم عليه السلام فسجد الملائكة جمعهيم إلا إبليس كان هو المعترض لأمر الله لذلك اعتقد أن أية عمل او جهد يقدم للناس لابد أن يكون هناك من يعترض على هذا الجهد أو من ينقده لأنه وكما قلت فإن قضية الاعتراض كانت قائمة منذ اعتراض إبليس على أمر الله في ذلك الوقت.
الأمر الآخر إن الاعتراض والنقد الذي تعرض له الكتاب كان من قبل مجموعة قليلة من العلماء ولم يكن من قبل الناس وهذا قد حصل مع بني إسرائيل حيث أن علماء بني اسرائيل كان منهم من يعترض على أنبيائهم بل وصل الأمر حد القتل مع بعضهم والقران الكريم قد حدثنا عن ذلك كثيراً، لذلك الاعتراض أمر طبيعي لأنه سنة من سنن الحياة.
السبب الآخر هناك قضية الحسد الإنساني إن جاز التعبير، هذا الموضوع كثير ما كان يركز عليه الشيخ الأكبر ابن عربي في كتبه وهو يتحدث عن حسد علماء بني إسرائيل لأنبيائهم وهم ينتقدونهم لأنهم فقراء ومستضعفين، ولذلك كان علماء بني إسرائيل يقولون كيف يمكن لهؤلاء أن يكونوا أنبياء علينا ونحن أحق منهم بالنبوة ولدينا هذا العلم من قبلهم، وهذا الحال أيضاً يكون مع الأولياء لأن الاولياء لديهم ورث من الأنبياء، فتلاحظ عندما يظهر ولي من الأولياء يكون هناك من يعترض عليه وينتقده من باب أنه كيف يكون هذا العلم عند هذا الشخص ولا يكون عندي وأنا العالم والفقية، وهناك سبب آخر أيضاً هو الجهل عندما يكون الشخص جاهلاً لا يفهم ما يقوله الآخر ولا يعي مقاصدة أو حتى أيضاً من باب التعصب ضد طرف لصالح طرف آخر هذا أيضاً جهل وهذه مشكلة في الحقيقة واجهت الكثير من الأولياء.
هناك أيضاً قضية مهمة وهي أن المادة التي يناقشها هذا الفكر هي أساساً قد تستدعي هذا الاختلاف على اعتبار أنها مسألة وجدانية وروحية تعتمد على الكشف في جزء كبير منها، وبالتالي الآخر عندما يعترض هو أصلاً ليس لديه هذا الكشف لذلك لا يفهم ما يقوله ذلك الطرف ولا يعرف مقاصده وما يرمي إليه لأنه يعتمد في رأيه على الاستدلال العقلي والمنطقي، وهذا الاستدلال كثيراً ما يجعل صاحبه يناقض نفسه ويناقض آراءه ومواقفه أي أنه قد يقول راياً ثم يأتي في اليوم الآخر ليقول بخلاف ذلك، لكن الذي يعتمد على الكشف يبقى ثابتاً على رايه ومواقفه ولذلك يقف الآخر عاجزاً عن فهم ذلك واستيعابه. وهناك قضية أخرى.
> (مقاطعاً) ما هي هذه القضية؟
- إن الذي يعتمد على الكشف فهو يستخدم نفس الألفاظ الموجودة عندنا أو لدينا، وهي ليست موجودة عند عوام الناس، فبالتالي تذهب هذه الكلمات إلى مقاصد ومعارف يكون من الصعب على العقل البشري ان يفهمها او يستسيغها كما هي بمعانيها الحقيقية لذلك يحصل الرفض، لكن أيضاً هناك سبب أخير ربما من أسباب الاعتراض وهو وجود أخطاء كثيرة جداً رافقت عملية النقل، وهذا في الحقيقة ما حاولنا من خلال هذا العمل أن نتلافاه ونتجاوزه لأن هذه الاخطاء دفعت الكثيرين للاعتراض وهم في الأساس اعترضوا على ألفاظ وكلمات وعبارات لم تقل ولم تستخدم من قبل أصحاب الكتب التي تم الاعتراض عليها وهو الأمر الذي حصل أيضاً مع الشيخ الأكبر حيث وجدنا الكثير من الكلمات والعبارات التي تم الاعتراض على الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي بسببها وهو في الأساس لم يقلها ولم يستخدمها في كتبه وإنما نقلت بطريقة خاطئة عنه، ولذلك ولَّدت هذه الألفاظ اعتراضاً كيبراً.
> (مقاطعاً) مثل ماذا ؟
- وجدنا عبارة «وقد غلط رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك» والصحيح أن العبارة التي قالها الشيخ الأكبر هي «وقد أغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك». طبعاً كان المعترضون يعتقدون بأن الشيخ الأكبر يقول بأنه أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه أعلم وأفهم منه والصحيح أنه لم يقل ذلك إطلاقاً وقد تأكد لنا ذلك من خلال النسخة التي خطها بيده وهي أغلظ وليس غلط.
بالتأكيد فإن تأثير مثل هذه الأخطاء سيكون فادحاً، خصوصاً عندما تصل مثل هذ العبارات إلى الناس فلا بد أن يكون هناك اعتراض وانتقاد وهناك عبارات أخرى كثيرة ذكرنا بعضها في مقابلة أجرتها معي صحيفة الثورة يوم الاثنين الماضي، ومع ذلك فإن كثير من الناس خصوصاً المفكرين قالوا بأن الشيخ الأكبر لا يمكنه قول مثل هذه العبارات لأنهم كانوا يدركون حصافة الرجل ومكانته وغزارة علمه ورجاحة عقله وحكمته.
لذلك مثل هذه الأخطاء اعتقد بأنها تجعل الآخر يصدر أحكاماً بالتكفير لأنهم وجدوا ما يبرر ذلك.
> طيب أستاذ عبدالعزيز لو توقفنا قليلاً عند التكفير والأخطاء التي أدت إلى ذلك باعتقادك.. هل ستسهم هذه النسخة التي استطعتم من خلالها تلافي تلك الأخطاء في التخفيف من الهجوم على ابن عربي؟ أو بالأصح هل ستساعد على انصاف ابن عربي ورد اعتباره على اعتبار أنه من أكثر العلماء والأولياء الذين ظُلموا من قبل المجتمع الإسلامي عموماً؟
- طبعاً بالتأكيد مثل هذا العمل لابد أن يسهم في ذلك، لأنه أولاً النسخة الأخيرة التي كانت شبه منقحة وجدنا فيها في حدود أو ما يقارب ثلاثة وعشرين ألف خطأ من إجمالي كلمات الكتاب التي هي نحو مليون وسبعمائة وخمسة وثلاثين ألف كلمة، وبالمناسبة وفقاً للدارسات الحديثة والعديدة فإن هذه النسبة هي نسبة عادية لأنها عبارة عن واحد فاصل أربعة من عشرة في المائة، لكن في الحقيقة إن هذا العدد أيضاً يمثل مشكلة خصوصاً إذا كانت الأخطاء في مثل هذه العبارات، والتي كانت يكفي حتى لو وجدت في حدود العشر أو العشرين كلمة فإنها ستعطي لا شك انطباعاً سيئاً لدى الناس.
نحن بحمد الله وعونه تجاوزنا حسب ما نظن هذه المشكلة وتلافينا الأخطاء الجسيمة التي يمكن أن توصل الناس إلى مرحلة إصدار هذه الأحكام الخاطئة، وأقول أنه حتى لو وجدت في عملنا أخطاء ستكون طفيفة وبسيطة، وستكون عبارة عن أخطاء إملائية أو مطبعية، وقد يتمكن الشخص بسهولة من معرفة معانيها ودلالاتها الحقيقية، وهذا أعتقد لن يؤثر، مع التأكيد أننا سوف نصححها ونتلافيها في الطبعات القادمة والمراحل اللاحقة، لكن أنا أظن أننا بالفعل تجاوزنا هذه المكشلة وأنصفنا الرجل ووضعنا كتابه على المحك والآن من يريد أن ينتقد فعليه أن ينتقد على حقيقة وعلى واقع وعلى ضوء ما قاله الشيخ الأكبر وليس على ما لم يقله، وهنا أنا أريد أن أقول شيئاً، بالطبع أنا أتكلم هنا عن الناس المنصفين وليس عن أي ناقد قد يكون متعصباً وهذا على أساس ماذا؟ على أساس أن هناك من العلماء أو الأدباء أضافوا من تلقاء أنفسهم كلمات وتعبيرات ثم قالوا إنهم نقولها عن الشيخ الأكبر، وهذه مصيبة كبيرة وهؤلاء طبعاً أنا لا أتحدث عنهم لأنهم إذا كانوا في طبيعتهم مزورين فإن ذلك يظل مجانباً للصواب، لأن الهدف من ذلك هو الاعتراض على الشيخ الأكبر وتشويهه لدى عامة الناس، وهؤلاء أنا اعتبرهم مثلهم مثل علماء بني إسرائيل الذين كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه.
ونحن للأسف لدينا مثل هذا الصنف، ولكن بالطبع هؤلاء أنا أعتقد لا أعنيهم، أنا أتكلم عن الناس المنصفين سوف يجدون في هذا الكتاب المادة الحقيقية التي قالها الشيخ الأكبر وكتبها فيه، حيث بإمكانهم أن ينتقدوا على هذا الواقع.
> الدكتور عثمان يحيى كان قد بدأ في مشوار مع هذا الكتاب بتكليف من جامعة السربون -حسب علمي- وقد أسفر ذلك عن إخراج أربعة عشر جزءاً منه من إجمالي ثمانية وعشرين جزءاً تقريباً ثم توقف.. ماذا عن تلك الأجزاء التي أخرجت وقدمت للناس؟
- الدكتور عثمان يحيى حقق أربعة عشر سفراً من إجمالي سبعة وثلاثين سفراً، وقد توفي بعد ذلك قبل أن يكمل الكتاب، وكان التحقيق بناءً على تكليف من جامعة السربون ومنظمة اليونسكو والهيئة العامة المصرية للكتاب وتوفي رحمه الله قبل أن يكمله، نحن بحمد الله بدأنا العمل من جديد واستطيع أن أقول أيضاً إننا في عملنا هذا صححنا أيضاً الكثير من الأخطاء التي وجدت في الأجزاء التي أعدها أو حققها عثمان يحيى لأنه جل من لا يسهو لأنه كان يعمل بمفرده.
> (مقاطعاً) يعني أنكم وجدتم أخطاء؟
- نعم وجدنا أخطاء وأنا أعيد ذلك لأنه كا يعمل بمفرده وهذا أعتقد الأساس وهناك معلومات لست معنياً بها لكنها تقول إن لديه اتجاه فكري آخر مغاير للشيخ الأكبر الذي كان صوفياً وشيخاً من شيوخ التصوف بينما الدكتور عثمان يحيى يقال إنه كان اسماعيلي المذهب والله أعلم وأنا اقول ربما قد يكون ذلك لعب دوراً في وجود بعض الأخطاء أو حتى على الأقل أثر على طريقته في إعادة التحقيق.
> طيب أستاذي الكريم تعددت الطرق الصوفية وهناك الكثير من شيوخ الصوفية ممن نسبت إليهم طرق بأسمائهم تختلف فيها الأوراد وتربية المريدين.. برأيك لماذا لم تنسب طريقة خاصة بالشيخ الاكبر محي الدين بن عربي؟ وهل تعتقد أن هذا يعد من أنواع الظلم الواقع على الشيخ الأكبر؟
- في بداية الأمر كان هناك طريقة نسبت إليه، وكانت تسمى بالطريقة الأكبرية، وهذه طبعاً قرأنا عنها في كتب التاريخ، وكان هناك خلفاً له في هذه الطريقة، وأعتقد أنهما كانا خليفتين الأول اسمه اسماعيل بن سودكين وقد توفي بعد وفاة الشيخ بثمان سنوات، والثاني اسمه صدر الدين القونوني، ثم بعد ذلك انتهت الطريقة لكن أنا شخصياً أفضل بأن لا يكون هناك طريقة تنسب للشيخ الأكبر والسبب هو أنه لو كانت استمرت طريقته حتى اليوم لكانت مؤلفاته فقط يستفاد منها في هذه الطريقة ولحرفت باقي الطرق من علومه وكتبه، أي أن مؤلفات الشيخ الأكبر كانت ستكون من أدبيات الطريقة التي تنسب إليه، وبالتالي لن يتمكن الآخرون في الطرق الأخرى من الاستفادة منها، لذلك الشيخ الأكبر أصبح الآن ينتفع بعلومه وكتبه ومؤلفاته في جميع الطرق الصوفية، أي أنه كما يقال عند الصوفية ممد لكل الطرق الصوفية، ويعتبر مرجعية لكل الصوفية والمتصوفة.
وكمان هنا الآن- لو تلاحظ- هذه الموسوعة التي نتحدث عنها وهي الفتوحات المكية هذه الآن تعتبر مرجعية لكل الطرق الصوفية وكل المتصوفين وكلهم يأخذون من هذا الكتاب، وكل الأعمال التي سوف تصدر لاحقاً سواءً في الشرق أو الغرب عن الشيخ الأكبر سيكون هذا الكتاب هو المرجعية الأساسية لها بدرجة رئيسية، لذلك أقول إن عدم وجود طريقة تنسب إليه جعلت الشيخ الأكبر مرجعية وممد لكل الطرق الصوفية على وجه الأرض.
> هل زار الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي اليمن؟
- لا.. الشيخ الأكبر لم يزر اليمن وإن كانت أصوله تعود إلى اليمن كما ذكرت سابقاً، لكن هنا أريد أن أضيف شيئاً أعتبره مهماً وهو أن الشيخ الأكبر كان لديه مريد يمني واسمه عبدالله بن بدر الحبشي، وكان هذا من أهم مريدي الشيخ. ويذكر أن الحبشي كان مهاجراً في مكة وذات يوم جاءه هاتفاً يطلب منه الذهاب إلى شيخه في مدينة فاس بالمغرب، فذهب الحبشي إلى هناك ولقي شيخه بن عربي وبقي ملازماً له فانياً في خدمته وانتقل معه إلى المشرق وظل يعمل على خدمتة شيخه حتى مات بين يديّ الشيخ الأكبر..
والشيء المهم الذي أريد أن أقوله هو أن الشيخ الأكبر قد أهدى هذا الكتاب (الفتوحات المكية) إلى مريده الحبشي وشخصاً آخر معه هو عبد العزيز المهداوي. وقد قال عنهما في وهو يهدي إليهم هذا الكتاب: «فقيدت له هذه الرسالة اليتيمة التي أوجدها الحق لأعراض الجهل تميمة ولكل صاحب صفي ومحقق صوفي ولحبيبنا الولي وأخينا الزكي وولدنا الرضي عبدالله بن بدر الحبشي اليمني».
> سؤال أخير اختتم به معك هذا الحوار الممتع. ذكرتم في مقدمة الكتاب أن الله قد قيض لهذا الشيخ أسرة آل حسان التي تسكن في جبل حبشي بمحافظة تعز.. ماذا عن الشيخ حسان بن سنان وما علاقته بهذا الكتاب؟
- هذه العبارة أنا كتبتها لسبب واحد، وهو أنني تتبعت فوجدت أن من اهتم بنشر هذا الكتاب هم أبناء الطريقة الفاسية، وكانت لي جولة في متابعة ذلك، حيث وجدت أن أول طبعة خرجت لهذا الكتاب كانت في مصر عام 1247هـ وكانت مليئة بالأخطاء، وقد وقعت هذه النسخة في يد الشيخ الأمير عبدالقادر الجزائري وقام الأمير الجزائري بتكليف اثنين من العلماء بالذهاب إلى قونيا في تركيا لعمل تصحيح للنسخة المطبوعة وفق النسخة الأصلية التي هي بخط الشيخ الأكبر المخطوطة الأصلية.
بعدها عندما تم إعادة طباعة الكتاب مرة أخرى في عام 1329هـ قبل مائة عام تقريباً استفادوا من هذا التصحيح الذي عمله الأمير عبدالقادر الجزائري، فالأمير عبدالقادر الجزائري طريقته فاسية.
ومن هنا أيضاً نقول إن الفتوحات الرئيسية التي حصلت للشيخ الأكبر كانت في مدينة فاس. والشيخ حسان بن سنان أيضاً كانت طريقته فاسية أي بنفس طريقة الأمير الجزائري ، وأبناء الطريقة الفاسية هم الآن من قاموا بهذا العمل وبهذا الجهد الذي تمثل في إعادة تحقيق الفتوحات المكية في اثني عشر مجلداً وخلال فترة خمسة أعوام سابقة.
> شكراً أستاذ عبدالعزيز على هذا اللقاء الذي أسعدنا كثيراً وشرفتنا به ومن خلاله متمنياً لك دوام التوفيق.
- لا.. بالعكس أنا سعيد جداً بهذا اللقاء، وأشكركم كثيراً عليه، وسلامي لكل الإخوة العاملين في الوحدوي واتمنى للجميع التوفيق والسداد.. شكراً جزيلاً.
__