الرئيسية المقالات مدارات مشهد سياسي «بلا نوعية»
مشهد سياسي «بلا نوعية»
شوقي شاهر
شوقي شاهر

 "إن من يرغب بالتنبؤ بالمستقبل يجب عليه أن يراجع الماضي، حيث ان الأحداث الإنسانية تشابه تلك التي جرت في أوقات سالفة. 

ويرجع ذلك إلى أن هذه الأحداث من صنع رجال كانت تحركهم- وسوف تحركهم إلى الأبد- نفس العواطف والأهواء، ولذا فإنه من الضروري أن تسفر عن نفس النتائج".. ميكافيللي. 

إن ما قاله هذا الحكيم يضعنا أمام عديد تسأولات جلها مرتبط بالأحداث والمتغيرات التي مرت وما تزال تمر بها اليمن ومن تلكم التساؤلات مثلاً؛ ماهي شروط ومتطلبات العمل السياسي في اليمن؟ 

لا أتحدث عن مدى توافق ذلك مع ما نطلق عليه بالثوابت الوطنية فهذا له حيز آخر وليس على الرغم من إرتباطه الوثيق بموضوعنا هذا ، ولكن ما أقصده هنا هو طبيعة ممارسة العمل السياسي بتفاصيله اليومية وما يحمله من رؤىً مستقبلية، وبأدواته وشخوصه وبرامجه التي أصبحت غائبةً أو مغيبة ايضاً..

وإلى أي مدى تكرست القناعات خلال العقود الفائتة بجدوى هذا العمل في تحقيق آمال وطموحات الفرد والمجتمع والوطن ككل؟ 

وهل كان يمثل الأشخاص- القيادات - فيه أعمدةً راسخةً بحيث يمثل غيابها -مثلاً-إنتكاسةً على صعيد العمل السياسي والوطني أو جانب منه على الأقل؟ ثم 

ما الذي خلصت إليه التجربة السياسية في بلادنا خلال المرحلة السابقة وما الذي جنته من إخفاقات وما الذي حققته من نجاحات؟ هل تم بناء عمل سياسي ووطني بأسس قوية ومتينة بحيث كلما ذهب جيل جاء جيل جديد يواصل السير  برؤىً اكثر حداثة وتطورا؟ أم أن إحتكار الأحزاب من قبل قياداتها قد أجهض عمليات التجديد في إطارها وبالتالي  انعكس الأمر على صعيد العمل الوطني برمته؟

ثم هل لعبت القوة والسيطرة على مصادر تمويل هذه الأحزاب، والولاءات للأشخاص وللإنتماءات الضيقة دوراً في تعزيز عمل هذه  الأحزاب وتنفيذ برامجها، وهل جسّد ذلك  عائقاً أمام  لعب أدواراً أكثر إيجابيةً على صعيد العمل الوطني والسياسي؟وهل مثل استحواذ فريق عمل معين واقتصار العمل عليهم ضمن الأطر المختلفة  للأحزاب تجاوزاً أثّر بالتالي سلباً على مجريات العمل الحزبي والسياسي عموماً بحيث شكل  عائقاً إضافياً وقف وما يزال يقف أمام  ضخ دماء جديدة تسهم في المشاركة في تطوير وتنمية هذه الأحزاب والتي ينبغي لها أن تكون أحد روافد العمل  الوطني؟.

 وأخيراً وليس بآخر ، هل يقتصر مفهوم الحزب على مجرد وجود قائد ومريدون يحفونه، وبطانة  تصفق وصحف تكتب وأقلام تُبرى وتُلَمِع ؟ أم هو بناء وعطاء ومسؤوليات وادوار مشتركة ومتبادلة؟

إنها تساؤلات يجب على  القارئ أن يمعن فيها ، بل ويمكنه أن يضيف إليها المزيد من التساؤلات حول تجارب إستمرت لعقود ، و ما زالت تبعاتها ترمي بضلالها على الواقع والمستقبل المنظور على الأقل،  طالما وأن شخوص وأدوات تلك المرحلة ما زالت قابعةً في زوايا المشهد ، يحيطها الإنكسار من كل جانب وإن حاولت أن تبدو عكس ذلك ، و محاولةً من خلال ذلك الإتكاء على  تاريخ عريض لأحزابها ومتطفلةً على الرصيد  الوطني و الجماهيري  لمكوناتها السياسية، وواضعةً نصب أعينها  مصالحها الضيقة و الخاصة فقط. و لذلك نراها وهي  لاتألوا جهداً في سبيل التشبث ببقائها، وغير عابئةً بجرمها وهلعها  وسؤ تدبيرها  الذي قاد البلاد نحو  المجهول.

يجب البحث عن  تلكم الإجابات، ليس لليوم وليس للغد بل لما هو أبعد من ذلك، للأجيال القادمة التي يُعوَل عليها أن تبني واقعها ومستقبلها بناءاً على مخرجات ماسبقها من تجارب ، فالسياسة لعبة لاتنتهي، ومن المعلوم بأن نتائجها تبني أو تدمر، كما أن أدواتها لا تتغير عبر الزمن، إنما يكمن الإختلاف في كيفية إستخدامها ونجاعة الحلول التي تضعها لأجل تجاوز كل ماهو بائس ومحبط، وفي دوافع القائمين عليها ايضاً.

إن الحاجة اليوم قد أصبحت أكثر إلحاحاً من أجل وجود جيل جديد من السياسيين، جيل غير ذلك الجيل الذي  تسبب  في صناعة تجربة مريرةٍ  تعاني البلد اليوم من تبعاتها وآثارها والتي ستستمر على مايبدو إلى أمدٍ غير قريب ، ولدرجة أنها في عمقها ودرجة تأثيرها أصبحنا نخشى  بأنه يمكن لها أن تقف كحجر عثرةٍ أمام  طموحات أي جيل قادم قد نعتبره مجسداً لأمل قد يتولد - ربما - ومتحيناً الفرصة للعب دوره على صعيد  العمل السياسي وبمايلبي تطلعاته ويضع أسس عمل وطني مختلفةً تماماً عن السابق،ويضع المصلحة العامه قبل المصلحة الخاصة. وكل ما نحاول تجنبه هو أن لايولد مشوهاً على إعتبار أن وجدانه مازال مرتبطاً - في اللاوعي على الأقل- بالصدمة التي أربكته كما أربكت الوطن عموماً، وهزت بعنف ذلك الواقع الذي كان معاشاً وقلبت معطياته رأساً على عقب، أضف إلى ذلك أنه من المؤمل أن لايؤثر طول مرحلة مثل هكذا تجديد، وطول فترة إنتظاره لدوره،كسنةٌ حياتيه، على  إستنزاف طاقاته  التي بذلها  كي  يصل إلى مستوى يسترد من خلاله الوطن عافيته،ويلبي تطلعات أبناءه   وأن لايتسبب ذلك ايضاً في تبديد إمكانياته لأجل إيجاد الحلول المؤمل منه إيجادها، وأن لا يكون ذلك سبباً وعاملاً مثبطاً لقدراته الإبداعية التي  يمكن له من خلالها إمتلاك زمام المبادرة بغرض استنهاض همم مجتمع بأكمله وصناعة واقع يكون أكثر إشراقاً وإزدهاراً مع الإتيان برؤى نهضوية معاصرة، ومن جانب آخر لايمكن صناعة وإعداد  مثل هكذا جيل سياسي  جديد بشكل مخالف ومغاير لشروط البيئة التي جاء  من أجلها، فمثل هكذا إجراء يعني فيما يعنيه إستمرار للصراع بين جديد مرغوب وآخر مفروض عنوةً لايتوافق مع السياق.

وفي هذا الإطار فإنه من المحزن ومن الملفت للإنتباه ايضاً أن لاتجد أمامك اليوم ملامح قد تشكلت لظهور جيل جديد من السياسيين يعتد به ويمكن أن يُعوّل عليهم في تحمل المسؤلية الوطنية بكامل تبعاتها وأثقالها، وكذلك للإسهام والمشاركة في قيادة البلد والمجتمع نحو بر الأمان، ويكون في منأى عن الشطط السياسي البغيض، والتقليد الأعمى لممارسات سياسية أثبتت فشلها، وعن التأثر بما يخالف التوجهات والطموحات المجتمعية والوطنية بالدرجة الأولى،  وإن وجد مثل هؤلاء فلن تجدهم في صدارة المشهد السياسي أو الحزبي ، لاسيما وأن هذا الأخير مازالت تتنازع أُطره العليا غرائز الأنانية وحب السيطرة والخوف من كل ماهو جديد، والأفظع من ذلك هو عدم تبنيها لمثل هكذا توجه وطني وسياسي  لاإعتقادها-ربما-بأن  ذلك يمثل  تهديداً لتواجدها وبقائها في مواقعها تلك، وهذا داء ومعضلة لايمكن حلهما بسهولة حتى ان الزمن نراه ما يزال يقف عاجزاً أمام مثل هكذا تحول، مع الوضع في الحسبان ماتمر به البلد اليوم من حرب وأزمات سياسية وإقتصادية متتابعة.

وفي ذات الإتجاه فإنه إذا ما رغبنا في  تقييم العمل السياسي و التجربة التي مرت بها البلاد، فإنه يتحتم علينا قياس ذلك من خلال  ماسبق وأن ذكره الدكتور عبد الكريم الإرياني- رحمة الله عليه - بأن  الفكر السياسي هو من أرقى أنواع الفكر الإنساني، وهو الأمر الذي يجرنا إلى  التعرف على طبيعة  تلكم السياسات  التي أوصلت البلد إلى مثل هكذا مصير و مثل هكذا   مآلات، ومن ثم  فإنه يكون  بإمكاننا إما الإستمرار في البناء عليها تالياً إن حملت في طيها أية جوانب مشرقةٌ،

 أو تجنب مثل هكذا نتائج وهكذامصير من خلال السعي نحو إستلهام أفكار ورؤى جديدة ومعاصرة، وتكون نابعة من دوافع وطنية بحتة يستحضرها جيل سياسي جديد من أبناء هذا البلد الذي أثبت الدهر وتقلباته من أنه لايفتقر إلى مثل هكذا قدرات وطاقات بناءة ومعطاءة ومخلصة متى ماأُفسح المجال أمامها لتعمل و تصلح ما افسده مثل هكذا تدهور خيّم طويلاً على المشهد السياسي والحزبي في بلادنا.

ومن الجدير  أن أُذكر  إلى أنني لم أقصد هنا الإشارة إلى أي شخص أو مكون سياسي بحد ذاته بل هي رؤيةٌ لمشاهد عشناها وأخرى لم يتسنى لنا معايشتها.

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي