الفوز غير المتوقع لدولاند ترامب المرشح الجمهوري والسقوط المدوي لكمالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي شكل مفاجأة للجميع داخل الولايات المتحدة وخارجها، ففي الوقت الذي كانت ترجح فيه الاستطلاعات فوز هاريس وإن بفارق بسيط على ترامب، إلا أن النتائج أثبتت عكس ذلك وبفارق كبير لصالح المرشح الجمهوري.
وبقراءة بسيطة لما حدث اعتقد أن هناك أسباب جوهرية رجحت كفة ترامب وتتعلق بأداء الحزب الديمقراطي خلال فترة رئاسة بايدن الذي يعتبر سبباً رئيسياً للهزيمة الساحقة التي لحقت بالحزب في مرشحه الرئاسي وفي تواجده بمجلسي النواب والشيوخ وباعتقادي فإن أهم هذه الأسباب تتمثل في التالي:
أولاً: كان لتأخر بايدن في إعلان تنحيه عن الترشح لولاية ثانية وافساحه المجال لهاريس تحت ضغوط الحزب دور كبير في خسارة كمالا هاريس لأنها لم تجد فسحة من الوقت لتقديم نفسها للناخب الأمريكي بعكس ترامب، ولذلك خسرت هاريس رغم الجهود التي بذلتها للفوز والتي لم تتوقف عند هزيمة ترامب في مناظراتها وتصريحاتها وخطاباتها المنطقية والمركزة في تناول القضايا الداخلية وتقديم ترامب كمجرم هارب من العقاب، بل أنها ذهبت إلى ماهو أبعد من ذلك حيث لجأت إلى طرق مئات الآلاف من أبواب منازل الناخبين في الولايات المتأرجحة، ولكن النتيجة كانت دون المؤمل، وباعتقادي أنها كانت بحاجة لإنتقاد سياسات بايدن والاعتراف بأخطائه واخفاقاته والتعهد باصلاح ما ترتب على إدارته الفاشلة للأحداث في داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ثانياً: أن سياسات بايدن وتخبطه وحالته العقلية خلقت حالة من عدم الرضى لدى الشارع الأمريكي عن أداء الديمقراطيين وبالذات في السياسة الخارجية وأهمها الدعم السخي لأوكرانيا في حربها مع روسيا وتحمله مسؤولية استمرار الحرب التي تعهد ترامب بوقفها.
ثالثاً: فشل بايدن في التعامل مع الحرب الاسرائيلة على غزة وتواطئه مع جرائم الإبادة غير المسبوقة التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في غزة والاشتراك معها في ذلك بالدعم اللامحدود على حساب سمعة الولايات المتحدة فقد كشفت جرائم نتنياهو تواطؤ الإدارة الأمريكية معه في انتهاك القوانين والأنظمة الدولية.
رابعاً: مع علم أغلب الناخبين الأمريكيين من أن ترامب سيدعم إسرائيل إلا أنهم يدركون أنه في حال فوزه لن يقدم أكثر من ما قدمه بايدن الذي بالغ في تقديم الدعم المادي والعسكري واللوجستي والسياسي لنتنياهو وبارك قتل أكثر من ٱربعين ألف مدني، ولذلك فقد استقر أغلبية الناخبين الأمريكيين وبالأخص العرب والمسلمين على أن الانتقام من بايدن وحزبه هو الصوت الأقوى والمطلوب وذلك بدعم ترامب وحزبه.
لقد كشف الديمقراطيون من خلال بايدن الولايات المتحدة أمام العالم وقدموها على حقيقتها كمنتهكة للقوانين الدولية ولحقوق الإنسان التي تتشدق بها منذ تأسيسها.
خامساً: بدت إدارة المسن بايدن غارقة في هفواتها اللفظية والفعلية, وظلت بكافة مؤسساتها بغبغاء تردد أكاذيب نتنياهو وما تلبث أن تعتذر بعد أن يسخر من أكاذيبها العالم.
والحقيقة أنه لم يلاحظ هناك رئيس للولايات المتحدة من الرؤساء السابقين ، على مستوى من الضعف والغباء والحماقة التي ظهر بها بايدن وفريقه في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، مهما كانت عداوتهم للعرب وللمسلمين وحرصهم على اسرائيل.
لقد أبقى بايدن كل ملفات قضايا الشرق الأوسط والعالم معلقة دون حل ولم يفلح في أي حل قدمه لقضية مهما كانت بساطتها، وفي الداخل الامريكي قامت إدارته بقمع المناهضيين السلميين لسياساته الخرقاء تجاه الإبادة التي ارتكبها سيده نتنياهو بحق المدنيين في غزة. فقد اقال رؤساء الجامعات واعتقل الطلاب وناشطي المجتمع المدني الرافضين لهذه الجرائم وتم التنكيل بهم بشكل غير مسبوق، بما جعل من الديمقراطية وحرية التعبير في الولايات المتحدة كذبة كبرى وما إلى ذلك من أفعال قمعية ستضر بمستقبل الحزب الديمقراطي ربما لفترات قادمة عديدة، فمواقف بايدن المنحازة والضعيفة جعلته أشبه برمز حزبه من حيث الغباء والبلادة والعجز أمام غطرسة نتنياهو الذي يحرص على موقعه السياسي لكي ينجو من العقاب, حيث ظهر بايدن كتلميذ فاشل أمام معلمه نتنياهو الذي اقتضت مصالحه السياسية جر الولايات المتحدة لحرب عالمية واسعة في الشرق الأوسط والعالم أجمع دون أن يفعل بايدن شيئاً في اتجاه كبح جماح هذا السفاح الذي سيضحي بكل شئ من أجل بقائه في السلطة.
الخلاصة تتمثل في أنه لم يعد باستطاعة مسؤولي الحزب الديمقراطي ترميم وترقيع أخطاء بايدن وتحسين صورة حزبهم أمام العالم مهما حاولوا ومهما كانت السبل التي سيتخذونها، في حين أنه يجب عليهم الآن كأول خطوة في هذا الاتجاه محاسبة بايدن وفريقه الفاشل من القتلة والمجرمين على الأخطاء التي ارتكبوها وشوهت صورة الحزب الديمقراطي الذي يقدم نفسه كحزب مرن يتحلى بالسياسة في معالجة القضايا والحفاظ على التوازن في علاقة واشنطن بالعالم من حولها بما لا يضر بعلاقات الولايات المتحدة مع حلفائها كما أحدثته سياسة العجوز بايدن المتخبطة والفاشلة.