الرئيسية المقالات مدارات حين رأيت غزة تحت القصف… تذكرت بحر البقر فتمنيت لو عاد عبدالناصر!
حين رأيت غزة تحت القصف… تذكرت بحر البقر فتمنيت لو عاد عبدالناصر!
سليمان عبدالسلام
سليمان عبدالسلام


رأيت جسدي العربي يتناثر في سماء فلسطين كما لو كان ورقة محروقة في الرياح العاتية، رأيتُ أبنائي في غزة يتناثرون تحت ركام مدارسهم… رأيت دفاترهم مبللة بالدم، وحقائبهم ممزقة تحت حجارة الموت، رأيت عيونهم وقد رحلت قبل أن تنطق بالحلم… منظر يفطر القلب كمدًا، ويوقظ عاصفة من الغضب والوجع والسؤال: من سيرد؟ من سينتقم؟ من سيعيد للدم العربي كرامته؟ وفي لحظة صمت ممزوجة بالحزن، قفزت إلى ذهني صورة مدرسة بحر البقر، حين قصفها العدو الصهيوني بدم بارد في أبريل 1970، وسقط ضحيتها أكثر من 30 شهيدًا و 50 جريحًا من طلبة المدرسة.



وحين قصفت بحر البقر، لم يصمت عبد الناصر… لم يعقد جلسة طارئة، لم يكتفِ بالبيانات والتنديدات وإرسال برقيات التعازي. بل تحرك، فكانت عملية "30 مايو 1970" التي نفذها أبطال القوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة سابقًا، فأسقطوا ما كان يسمى بـ لواء جولاني، نخبة جيش العدو الصهيوني المحتل.

ليخرج بعدها سامي شرف، سكرتير جمال عبدالناصر، وهو يحيي أبطال تلك العملية مخاطبًا إياهم بأنه لم يشاهد عبدالناصر مبتسمًا منذ يوم نكسة حزيران 1967م، إلا عند تلقيه إشارة نجاحكم في الانتقام لشهداء مدرسة بحر البقر.



صحيح أنني لم أعش زمن الكرامة العربية، زمن جمال عبد الناصر، لكنني قرأت، وبعمق، في التاريخ العربي المعاصر قرأت عن ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد زعيم عربي فحسب، بل حالة من الإيمان الجمعي واليقظة القومية، قرأت عن فلسفة ثورته، عن رؤيته للعدالة الاجتماعية، عن حلمه بتحرير الإنسان العربي من كل أشكال الاستغلال، وعن زعيم وقف في مؤتمر باندونغ 1955م وقال للعالم: "نحن لا ننتمي لمحور الشرق ولا الغرب، نحن أحرار"، لتبدأ من هناك دعوته لإقامة حركة عدم الانحياز والتي كان لها دور بارز في مقاومة الاستعمار والتأكيد على استقلالية القرار السياسي والعسكري للدول النامية، عن إنجازاته التي لا تُحصى، عن العدالة الزراعية التي حررت الفلاح من عبودية الإقطاع،

عن مجانية التعليم التي فتحت أبواب المستقبل لأبناء الفقراء،

عن بناء السد العالي، الذي روّض النيل لصالح الإنسان، عن تأميم قناة السويس، الذي أعاد للأمة سيادتها،

عن مشاريع التصنيع الوطني، والنهضة العلمية، عن الوحدة العربية، عن سياسته الدولية، وعن دعمه لحركات التحرر من الجزائر إلى ليبيا إلى اليمن إلى فلسطين، ومن جنوب إفريقيا إلى فيتنام.


وقرأت عن الملاحم عن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكيف وقفت بورسعيد والإسماعيلية والسويس كجدار من نار، تقاوم أعتى جيوش الأرض باللحم الحيّ، عن حرب الاستنزاف التي لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل فلسفة مقاومة، عن أبطالها الذين تسللوا خلف خطوط العدو ليقولوا: ما زلنا هنا، نحمل السلاح، نحمل الثأر، نحمل الوعي بأن الهزيمة لا تعني النهاية.



أما اليوم… فنحن في زمن التخاذل العربي الصامت، زمن القمم والبيانات والمبادرات الفارغة،

وغزة تُباد، تُقصف كما قُصفت بحر البقر، بل أشد…

فأين زعماء العرب؟

من سيضحك كما ضحك ناصر، لا نشوة، بل كرامة؟

من سيصرخ كما صرخ ناصر: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة!"؟



يا من تسمعون ولا تتحركون…

اعلموا أن غزة اليوم لا تطلب الشفقة، بل الثأر،

لا تطلب بيانات، بل رجالًا من طراز عبد الناصر،

فهل من قائدٍ عربيٍ مؤمن،

ينتصر للدم لا للكرسي؟

ينتصر للشرف العربي لا للمصالح؟

أم أن زمن الكرامة مات حين مات عبد الناصر؟



إقراء أيضا