الرئيسية المقالات تقارير الثورة في اليمن .. بين مراوغة النظام وصمود الثوار
الثورة في اليمن .. بين مراوغة النظام وصمود الثوار
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

بلا نهاية واضحة يحاول النظام الحاكم السير بالأزمة في اليمن، فلا شيء ينبئ بانفراج وشيك لمخاضات ثورة الشباب التي تدخل شهرها الثالث، في ظل أوضاع أمنية باتت مقلقلة للغاية، وكما لو أنها تعيش حالة ما قبل الانفلات الكامل. الوحدوي نت

وما يزيد من تعقيدات المشهد اعتماد النظام الحاكم على المراوغة والوعود التي يقطعها صالح على نفسه بالرحيل، فيما هو يستنفر كل قواه للدفاع عن عرشه حتى لو ضحى بالملايين من أبناء الشعب الذين تجرعوا ويلات حكمه طيلة 33 عاما.

وكتوجه لضرب الشعب بالشعب اتجه النظام نحو حشد عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف المناطق لمواجهة أي تحرك جماهيري مضاد نحو دار الرئاسة، أو باتجاه مرافق حيوية أخرى في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات الأخرى.

وبعد أن كانت الثورة في اليمن على بعد مسافة قصيرة من الانتصار والتتويج بعد قبول صالح الأسبوع الماضي التنحي عن الحكم مشترطا الانسحاب بكرامة، تنصل الأخير بصورة مفاجئه عن كل الاتفاقات والوعود التي قطعها وأعلن عدم ترك السلطة قبل انتهاء ولايته الدستورية في العام 2013م ليعيد الأزمة في البلد إلى المربع الأول مع حضور قوي لاحتمالات اللجوء للعنف. 

وحتى الأسبوع الماضي كان صالح يطالب الوسطاء الدوليين بإقناع المعارضة منحه مهلة زمنية حتى نهاية العام الحالي يرتب خلالها أوضاعه وينقل السلطة إلى نائب يسميه ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مستعجلة. وهو العرض الذي وافقت عليه المعارضة على أن يتم ذلك خلال 60 يوما، قبل أن يخرج صالح بخطاب مفاجئ أعلن فيه رفضه تسليم السلطة لأياد غير أمينة بعد أن شن هجوما لاذعا على أحزاب اللقاء المشترك واتهمها بمحاولة تمزيق الوطن.

سر التحول

المؤكد أن التناقض الواضح في خطابات علي عبدالله صالح وأحاديثه عن استعداده ترك السلطة خلال أيام ومن ثم العودة لإعلان رفض ترك الحكم قبل انتهاء فترته في العام 2013، نوع من المراوغة السياسية التي اعتاد صالح على انتهاجها حتى بات يجيدها بصورة لافتة ، إلا أن الوحدوي نت التنصل المفاجئ عن اتفاقات أبرمت بضمانة دولية تشي بوجود عوامل أخرى ركن إليها الرجل غير الحشود الجماهيرية التي يجمعها حول دار الرئاسة، بمئات المليارات من الريالات التي تتكبدها خزينة الدولة.

 إعلان صالح عدم التنحي عن السلطة جاء بعد يوم واحد من تصريح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قال فيه الأسبوع قبل الماضي إن سقوط الرئيس اليمني وتسلم حكومة مؤقتة مكانه سيطرح مشكلة فعلية للولايات المتحدة في مكافحة القاعدة. وبالتالي يمكن الجزم بان سر التحول المفاجئ في موقف صالح يرجع للعامل الخارجي وتحديدا للموقف الأمريكي المساند لبقاء نظام حكمه، وان كان الموقف الأمريكي بدا مؤخرا كما لو انه يريد التخلص من الحليف الاستراتيجي للبيت الأبيض بناء على تقارير أكدت للأمريكيين أن صالح سقط فعلا لكنه لم يغادر بعد. 

هو إذا يراهن على ورقة "القاعدة" التي يرى فيها ملاذا آمناً وأخيراً للحفاظ على كرسي الحكم ولو لبرهة من الزمن. 

ولتعزيز مخاوف الغرب من خطر الإرهاب القادم من "جزيرة العرب"، أسفرت ترتيبات النظام الحاكم، عن ترك محافظة أبين لمسلحين محسوبين على تنظيم القاعدة تمكنوا دون مقاومة من الاستيلاء على القصر الجمهوري بالمحافظة وإذاعة أبين المحلية التي أعلنوا عبر أثيرها محافظة أبين إمارة إسلامية في بيانهم رقم واحد. وعرضت الفضائيات صورا لمسلحين يجوبون شوارع مدينة جعار بمصفحات واليات عسكرية تتبع الجيش الذي انسحب من المنطقة تاركا وراءه مصنع للذخيرة الحية سيطر عليه المسلحون. 

 الانفجار المخيف

وكعنوان لمستقبل دموي يمكن أن تعيشه البلاد - وفق سيناريوهات النظام - فوجئ أبناء مدينة الحصن بمحافظة أبين الاثنين الماضي بدوي انفجار شديد داخل مصنع للذخيرة الحية كان مكتظ بمئات المواطنين الذين دخلوه لنهب ما يمكنهم نهبه بعد أن تركه الجيش والمسلحون دون حراسة. فكانت الحصيلة مصرع 150 شخصا بينهم نساء وأطفال بعد أن تفحمت جثثهم بنيران مادة الـ تي إن تي شديدة الانفجار، كما خلف الحادث المروع عشرات الجرحى.

واختلفت الروايات حول أسباب انفجار المصنع، بين من يقول أن شخصا رمى بسيجار أثناء تفريغ الأهالي مادة البارود من داخل براميل خاصة به ، وبين من ذهب لاتهام الولايات المتحدة بالتورط بالحادثة والقول إن الانفجار نجم عن قصف صاروخي من طائرة أميركة دون طيار بعد معلومات تلقتها من الأجهزة الأمنية اليمنية بان قيادات من تنظيم القاعدة متواجدة داخل المصنع.

وسواء نجم الانفجار عن شرارة غير مقصودة من قبل احد الأهالي أو بصاروخ  أميركي، فان الأجهزة الأمنية تتحمل المسؤولية الكاملة وراء الحادث المروع لتركها هذا المرفق العسكري الهام والخطير دون حراسة ودون تحذير من دخوله.

الواضح أن ترك مدينة أبين للجهاديين يهدف إلى صرف أنضار العالم وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية عن ثورة الشباب السلمية وجرها مع النظام نحو حرب جديدة مع القاعدة. مثلما هو الهدف من تفجير مصنع الأسلحة إحداث حالة من الخوف والهلع بين المواطنين والتأكيد على التهديدات التي أطلقها الرئيس صالح حين قال بان رحيله عن السلطة سيدخل البلد في حالة من الفوضى العارمة والاقتتال الأهلي فضلاً عن إيصال رسالة هامة للغرب والإقليم بان البديل عن نظام الحكم الحالي هو تنظيم القاعدة.

وأمام كل هذه التداعيات يحاول صالح استعادة جزء من توازنه الذي افتقد الوحدوي نت ه مع سيل الاستقالات التي توالت منتصف الشهر الماضي عقب الانشقاق العسكري الكبير الذي أحدثه اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية والتي جعلت صالح يعيش ظرفا ربما هو الأصعب في حياته على الإطلاق.

وفي رهانه على عامل الوقت يحاول صالح إعادة ترتيب صفوفه مرة أخرى، ووقف نزيف الاستقالات من حوله التي وان كانت مستمرة إلا إنها ليست بالسرعة التي كانت عليها في السابق. كما تمكن من صناعة أعداد كبيرة من الجماهير مدفوعة الأجر التي تهتف ببقائه . ومع أن الرئيس يعلم علم اليقين أن الاموال هي من حركت تلك الجماهير وليس شيئا خر الا انه مع ذلك يتعامل وكما لو أن الشعب يهتف حقيقة ببقائه، ووصلت به النشوة حد قوله أمام حشد من الجماهير الجمعة المنصرمة بانه سيضحي بروحه ودمه في سبيل تلبية رغبتهم ببقائه في السلطة، في تصعيد خطير وانحراف بمسار الثورة التي باتت مالاتها مفتوحة على كل الاحتمالات. 

 صمود الثوار

على الطرف الآخر تشهد ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء زيادة ملحوظة في عدد المنضمين لثورة الشباب وتمددت الساحة نحو شوارع جديدة بعد نصب مزيد من الخيام من قبل القادمين من مختلف المناطق، والمشهد ذاته يتكرر في الساحات المتواجدة في عدد كبير من المدن اليم نية الأخرى.

 إلا أن بقاء الثوار في ذات الساحات إلى ما لا نهاية ليس هدفا لثورتهم على الإطلاق. وهو ربما ما تنبهوا إليه مؤخرا.

وفي محاولة من الثوار لكسر حالة الجمود الذي طرأت على أحداث الثورة خلال الأسبوع الماضي صعد شباب الثورة بصنعاء وتعز من وسائل احتجاجاتهم السلمية والتي تطالب بإسقاط النظام ورحيل صالح دون قيد أو شرط، حيث خرج عشرات الآلاف من شباب ساحة التغيير في تظاهرات حاشدة جابت شارع الستين المؤدي نحو القصر الجمهوري قبل العودة من منتصف الطريق إلى الساحة مجددا. 

وكبروفات للزحف نحو دار الرئاسة قال المحتجون أنهم سينفذون جملة من المظاهرات خلال أيام متقطعة بحيث تكون المسافة التي تقطعها المظاهرة الثانية نحو القصر الجمهوري اكبر منها في الأولى وهكذا حتى يصلون إلى القصر الرئاسي وفق مدة زمنية سيتم تحديدها لاحقا إن لم يتنحى صالح عن الحكم.

إستراتيجية الثوار المستقبلية لم تقتصر على العاصمة صنعاء، وإنما شملت مختلف محافظات اليمن. حيث تحرك ثورا ساحة الحرية بمدينة تعز الاثنين نحو مبنى المحافظة قبل أن يواجههم النظام بوحشيته المعهودة فكانت الحصيلة 20 شهيدا جديدا ومئات القتلى. والأمر ذاته في مدينة الحديدة التي يتعرض ثوارها لأعمال وحشية مستمرة منذ أيام.

 وكما لو أنها محاولة لإسقاط النظام من الأطراف، يتجه شباب الثورة ومن نحو السيطرة على مزيد من المحافظات اليمنية، تمهيدا لسقوط العاصمة صنعاء ورحيل النظام إلى غير الوحدوي نت رجعة.

ضبابية في المواقف الدولية

رغم مرور ما يزيد عن الشهرين على اندلاع الثورة الشعبية في اليمن وسقوط عدد كبير من القتلى إلا أن المواقف الغربية والعربية لا تزال دون المستوى. وفي ظل المساندة الأمريكية غير المباشرة لنظام الرئيس صالح، والمواقف المتناقضة بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع في واشنطن تلف الضبابية الموقف الأوربي والغربي عموما مما يحصل في اليمن.

وبدت المواقف العربية كما لو أنها تتوارى باستثناء الداعية لبحث مخرج مناسب للازمة أو تلك التي ترفع من سقف مواقفها بالدعوة لانتقال امن وسلس للسلطة. وباستثناء الدعوة المتأخرة من مجلس التعاون الخليجي لبحث أزمة اليمن وما خرج عنه من بيان دون مستوى تطلعات أبناء الشعب فان المواقف الخليجية والعربية مما يجري في اليمن تبدو شحيحة للغاية.

وانصرفت الرياض – التي راهن البعض على وساطتها -  نحو تامين حدودها الجنوبية مع اليمن، وعززت قوات حرس الحدود السعودية من إجراءاتها على الشريط الحدودي الطويل والذي يتجاوز 1500 كم تحسبا لانفجار الوضع في أي لحظة.

وهي المخاوف ذاتها التي استشعرتها واشنطن ودفعتها إلى حث رعاياها على مغادرة اليمن فورا بعد أن قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون " إن الوضع يتدهور بشكل سريع، وأن التظاهرات قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة". بريطانيا هي الأخرى لم تذهب بعيدا عن المخاوف الأميركية وهي تطالب رعاياها بالمغادرة الفورية لليمن بعد أن حذرتهم من أن الوضع هناك يتدهور سريعا وقد يعيق من إمكانية ترحيلهم حسب بيان للخارجية البريطانية.

وفي برلين قالت الخارجية الألمانية إنها سحبت جميع أفراد "فريقها الأساسي" من سفارتها في صنعاء و أن معظم موظفي السفارة وعائلاتهم عادوا إلى ألمانيا بعد أن أصدرت الخارجية تحذيرا من السفر إلى اليمن بسبب تدهور الوضع الأمني. كما دعت روسيا أيضا مواطنيها إلى مغادرة اليمن على وجه السرعة. ويبدو المجتمع الدولي كما لو انه قد اختار موقف المتفرج على ما يجري في اليمن بانتظار انفجار الوضع في بلد قاده نظامه الحاكم منذ أعوام إلى حافة الهاوية.

إقراء أيضا