الرئيسية المقالات تقارير صالح وكبار مساعديه في الرياض .. رحلة العلاج واللجوء
صالح وكبار مساعديه في الرياض .. رحلة العلاج واللجوء
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

اختلطت الأوراق، وتباينت السيناريوهات التي تنتظر اليمن في ظل التطورات والمتغيرات المتسارعة التي شهدها البلد خلال الأيام القليلة المنصرمة على المستويين السياسي والأمني.. قصف في دار الرئاسة وأنباء متضاربة عن إصابات خطيرة لحقت بصالح وكبار معاونيه.. غموض يكتنف الوضع برمته، وفراغ دستوري يطل برأسه على البلد الذي غادره جُل مسؤولية إلى الخارج للعلاج وربما دون عودة لأسباب صحية وسياسيا أيضاً. الوحدوي نت

وسواء ظل صالح في الرياض أو عاد إلى صنعاء، فان ما تردد عن حالته الصحية يكشف عن حاجة الرجل لوقت طويل للتماثل للشفاء جراء الحروق التي أتت على أجزاء من جسمه وأكثر من ذلك الشظية التي اقتربت من قلبه، الأمر الذي يفقده الأهلية والجاهزية للحكم فضلاً عن فقدانه للشرعية الشعبية التي ظل يقاومها منذ ما يزيد عن أربعة أشهر. وبات الترقب هو سيد الموقف لما قد يؤول إليه الوضع خلال الأيام المقبلة وفق التطورات التي تفتح الباب على كل الاحتمالات.

ومن وسط حالة الرعب والخوف التي خلقتها المواجهات العسكرية المحتدمة منذ أسبوعين بين قوات الجيش الموالية لصالح وأتباع الشيخ صادق الأحمر، ساد تفاؤل حذر يومي السبت والأحد المنصرمين بانفراج الأزمة في اليمن بصورة سلسلة في حال تسلم نائب الرئيس زمام القيادة في البلد لمدة 60 يعد خلالها حسب الدستور لانتخابات رئاسية، غير أن هذا التفاؤل سرعان ما يتلاشى على وقع الانفجارات المتقطعة التي تدوي في سماء صنعاء من قبل أنصار صالح الذين يخرقون اتفاق وقف النار.

سلمية الثورة

قد يقول البعض إن سلمية الثورة توارت وخفتت معها أصوات شبابها مع دوي الانفجارات وحجم الدمار الذي خلفته المواجهات العسكرية العنيفة بالعاصمة صنعاء، إلا أن الرد يأتي سريعا من ساحات الاعتصام التي لا تزال تكتظ بشباب الثورة الذين يؤكدون على صمودهم ويبددون مخاوف الانحراف بسلمية ثورتهم رغم اتساع دائرة العنف التي شملت إلى جانب العاصمة صنعاء محافظتي تعز وأبين.

والحقيقة أن الوضع في اليمن بدا الأسبوع الماضي معقدا جدا ولم يكن من السهولة الفصل بين التطورات العسكرية التي دخلت أسبوعها الثالث والاعتصمات السلمية المستمرة منذ ما يزيد عن أربعة اشهر للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل صالح. غير أن من يجزم أن الثورة الشعبية فقدت طابعها السلمي لن يكون دقيقا على الإطلاق- وإن بدا ذلك مغايراً للتطورات على الأرض، لكن يمكن القول أن مسار الثورة السلمية بدا مؤخرا كما لو انه يتجه نحو الحسم العسكري. بمعنى أن الثورة السلمية أدت واجبها بشكل كامل وأنها كما يقول البعض تمكنت من إسقاط النظام لكنها لم تستطع ترحيله وبات على القوة العسكرية حسم الموقف.

ونقصد بالقوة العسكرية هنا مؤسسة الجيش وليس المسلحون من أنصار الشيخ صادق الأحمر كون هذا الأخير أكد أن مسلحيه لا يحاولون الانتصار لثورة الشباب باللجوء للقوة وان مواجهتهم مع النظام جاءت ردا على الاعتداءات التي تعرض لها منزل الشيخ الأحمر.

الإشارة إلى دور محتمل للمؤسسة العسكرية يرجع إلى التحول الخطير في مسار المواجهات العسكرية التي انتقلت فجأة من شمال العاصمة إلى جنوبها ووصلت إلى فناء دار الرئاسة بصورة مباغتة لتستهدف إحدى القذائف صالح شخصيا ومعه كبار مسئولي الدولة أثناء تأديتهم صلاة الجمعة بمسجد دار الرئاسة ما أدى إلى مقتل قائد الحرس الشخصي لصالح وتسعة آخرين فيما جرح صالح وعدد كبير من قيادات الصف الأول في الدولة بينهم رؤساء مجالس النواب والوزراء والشورى.

صالح نجا من الموت بأعجوبة لكن الحادث ترك أكثر من سؤال حول من يقف وراءه، خاصة بعد أن نفى مكتب الشيخ الأحمر ضلوعه في استهداف دار الرئاسة، كما أن البيان الرئاسي الذي صدر عقب الحادث لم يتهم أنصار الأحمر بالوقوف وراءه و لم يحمل جهة بعينها المسؤولية واكتفى بالقول إن التحقيقات جارية لكشف ملابسات الحادث، ليعود مرة أخرى لاتهام تنظيم القاعدة غير أن القاعدة لم تعلن مسؤوليتها عن ذلك.

وما يعلمه الجميع أن ساحة المواجهات بين الجيش وال الأحمر دارت في شمال العاصمة فيما دار الرئاسة يقع في أقصى الجنوب ومحاطا بجبال وهضاب من ثلاثة اتجاهات تتمركز فيها وحدات عسكرية من القوات الخاصة والحرس الجمهوري التي يقودها العميد أحمد علي عبدالله صالح وهو النجل الأكبر للرئيس. وفضلا عن أن جنوب العاصمة خاضع لسيطرة القوات الموالية لصالح فإن المسجد المستهدف يقع داخل دار الرئاسة المحاط بأسوار عالية وحماية مشددة. وبالتالي إذا كانت القذيفة أطلقت من خارج القصر فمن الذي يستطيع تحديد موقع مسجد الرئاسة وفق إحداثيات دقيقة للغاية حتى يصيب مقدمة المسجد حيث كان صالح في الصف الأول؟ ثم من يعلم أن صالح كان متواجدا أثناء القصف داخل المسجد؟! استفسارات عديدة قد تذهب بالمتتبع لخيوطها نحو الحديث عن ضلوع قيادات عسكرية من داخل الجيش وراء استهداف صالح.

نستطيع الربط هنا بين إعلان قبيلة حاشد إهدار دم الرئيس صالح الذي ينتمي إليها جراء ارتكاب ما يسمى بالعرف القبلي بـ"العيب الأسود" حين تعرض منزل الشيخ الأحمر للقصف أثناء تواجد وساطة قبلية ما أدى إلى مقتل عدد من كبار المشائخ. وحين نعلم أن عدد من أبناء قبيلة حاشد منخرطون في صفوف الجيش وان الولاء للقبيلة اكبر من الولاء للمؤسسة العسكرية لدى البعض يكون الحديث عن انشقاق داخل الجيش وتحديدا الحرس الجمهوري أمرا واردا وان هناك من حاول قتل صالح للثأر لمشائخ القبيلة التي أهدرت دمه، خاصة وان هناك من يتحدث عن أن القذيفة التي انفجرت داخل مسجد الرئاسة من نوع خاص لا تمتلكها أية أجهزة عسكرية أو أمنية عدا قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.

يمكننا الربط أيضا بين الحادثة والبيان رقم واحد الذي أصدره عدد من قيادات الجيش المنشقة، الذي دعا القادة والضباط الموالون لصالح إلى الانضمام لثورة الشباب. وفي كلا الحالتين نصل إلى الاستنتاج نفسه بوجود انشقاق عسكري داخل مؤسسة الجيش الموال لصالح وقف وراء استهدافه في محاولة للحسم العسكري.

دور الجيش

إن تمكن الجيش كمؤسسة وطنية من حسم الموقف في اليمن وإسقاط النظام فانه بذلك يكون قد انتصر لثورة الشباب السلمية كما حصل في تونس ومصر مع مراعاة الخصوصية اليمنية. ونقصد بالخصوصية هنا أن أبناء الرئيس صالح وأقربائه من الدرجة الأولى هم من يسيطرون على مقاليد مؤسسات الجيش والأمن، وبالتالي فان الجيش كمؤسسة متكاملة لا يستطيع إعلان موقف موحد من الثورة، الأمر الذي ربما دفع بعض العسكريين إلى خيار اغتيال صالح وكبار المسئولين لإسدال الستار على مشهد النهاية لثورة الشباب التي يرى البعض أن أمدها قد طال وأن المخاوف من تآكلها أكثر من فرص نجاحها في حال استمر الوضع على ما هو عليه.

وبعيدا عن من وقف وراء حادثة استهداف صالح فان شباب الثورة أدانوا النزوح للعنف المسلح وجددوا التأكيد على تمسكهم بالنضال السلمي للانتصار لثورتهم.

والمؤكد أن الشباب لن يسمحوا بتبديد حلمهم الذي خرجوا من اجله وقدموا في سبيله مئات القتلى والمتمثل بإيجاد دولة مدنية حديثة تقوم على المؤسسات الدستورية ومبدأ الكفاءات، ولأجل ذلك شرعوا بتشكيل لجان شعبية لحماية الأحياء بعد حالة من الفوضى وأعمال النهب التي طالت المباني والمؤسسات الحكومية والخاصة بعد تضارب الأنباء حول صحة الرئيس صالح، كما شرع شباب الثورة بالتنسيق مع أحزاب المعارضة وقيادات الجيش المساندة للثورة وبقية القوى الوطنية الأخرى بمشاورات حول تشكيل مجلس انتقالي لإنجاز عملية التغيير وإدارة البلد والدخول في حوار حول مستقبل الدولة قبل أن تنزلق إلى أتون الفراغ الدستوري والفوضى.

 

إقراء أيضا