Home Articles Orbits ويغادرنا أخ حبيب.. وما عند الله خير وأبقى
ويغادرنا أخ حبيب.. وما عند الله خير وأبقى
د. مخلص الصيادي
د. مخلص الصيادي
وغاب عنا أبو إيهاب، الموت غيب عنا هذا الرجل الحبيب، عبد القدوس المضواحي الذي عرفه مناضلو اليمن، مثلما عرفه مناضلو التيار الناصري، والحركة القومية، رجلا تتنافس فيه صفات المناضل مع صفات الإنسان، صفات الطبيب مع صفات السياسي، سنوات جمعتني معه في لبنان، بعيد فشل ثورة 15 أكتوبر 1978 التي كان من قياداتها مع عيسى محمد سيف، وسالم السقاف، وإخوانهما، والتي أعدم على إثرها علي عبد الله صالح وزبانيته أكثر من عشرين من رجالات اليمن من قادة التنظيم الوحدوي الشعبي، القادة السياسيين والقادة العسكريين، وكان عبد القدوس ممن استطاع أن يفلت من مقصلة هذا الطاغية.
وعلى مدة سنوات عديدة استطاع هذا المناضل أن يساهم مساهمة مباشرة في استعادة حركة المعارضة في اليمن حيويتها، وفي استعادة الحركة الناصرية في اليمن تألقها، كما عمل بثبات على دعم الحركة الناصرية القومية في كل إقليم الوطن العربي، فكان نعم الرجل الذي يجسد السلوك القومي في كل شيء.
وفوق كل ذلك تميز بقدرة على رؤية ما يفيد الأمة في كل مرحلة، لا يمنعه عن ذلك جراح مضت، ولا حسابات قد تأتي، لذلك مساهما رئيسيا في ولادة المؤتمر القومي العربي، وفي قيادة هذا المؤتمر، ومساهما رئيسيا في ولادة المؤتمر القومي الإسلامي وفي كل تجليات هذين المؤتمرين.
وحين انطلقت الثورة الشعبية اليمنية الراهنة كان يرى فيها تجسيد لآماله الوطنية والقومية، لآمال الوحدة وحدة اليمن، ووحدة الأمة، وتجسيد لآمال الديمقراطية والعدل الاجتماعي فلا يكون هناك بعد ذلك فرصة لولادة مستبد، أو ثغرة لمرور فاسد، أو إمكانية لاستعباد شعب.
وإذ أعزي إخوته في التنظيم، ورفاق دربه فأنا على يقين من أن الزرع الذي نماه عبد القدوس وجيله بات يثمر الثمر الطيب، وأن هذا التنظيم الذي أفنى فيه حياته، هو الابن البار للفكر والسلوك الذي جيده عبد القدوس.
أبو إيهاب كان لمن عاش معه في حالات وظروف متغيرة وصعبة،رفيقا عز مثيله، لا يصعب عليك أن تكتشف فيه صفات نادرة في هذا الزمن الصعب، بل وفي كل زمن، وكان من أهم ما يميزه على مستوى العلاقات الإنسانية أنه ينزلك في قلبه منزلة نفسه، ويعطيك في روحه واهتمامه، ما يشعرك ـ وهو صادق في ذلك ـ أنك الأثير عنده، لا يمنع عنك شيء ، إلا ما يمنع عنه نفسه وأهله، متسامح، مستمع جيد ومحاور يصعب أن تجد نفسك في صدام معه،
كان كلما التقيته استعدت من خلاله دفقا من التفاؤل والاطمئنان، لذلك كنت حريصا على هذا اللقاء وعلى توفير الظروف لتكراره، ولقد استطاع بهذا الخلق وبهذا السلوك أن يصوغ أسرته، فإذا بكل الصفات التي يتمتع بها تزهر في هذه الأسرة، التزاما، وحيوية، وحبا للآخرين، وكرما.
رحم الله أبا إيهاب، واسكنه فسيح جناته، وحشره مع الصديقين والشهداء والصالحين، وألهم أسرته المباركة الصبر والسلوان، وكافأ السيدة العزيزة أم إيهاب خيرا على كل ما قدمت وكل ما هيأت من ظروف وبيئة ساعدت هذا الزوج المناضل على القيام بواجباته تجاه وطنه وأمته في أحلك الظروف.
وداعا أبا إيهاب، وحينما يستقبلك إخوانك الشهداء الذين سبقوك إلى جنان الخلد، يكون الله جل وعلا قد أثابك الخير على كل ما قدمت، وسلام عليك في عليين إن شاء الله.
الشارقة
5 / 1 / 2012
د. مخلص الصيادي