الرئيسية المقالات مدارات رحل عبدالقدوس.. رحل الرجل الجميل
رحل عبدالقدوس.. رحل الرجل الجميل
علي السقاف
علي السقاف

كانت بداية معرفتي بالدكتور عبدالقدوس المضواحي، من خلال مقابلة معه نشرتها مجلة "الكفاح العربي" التي كانت تصدر من بيروت. كانت هي المرة الأولى التي أسمع فيها بعبدالقدوس واللواء نصار علي حسين. كنت حينها حديث عهد بالتنظيم الناصري، وكانت المقابلة في أعقاب حركة 15 أكتوبر. بعدها عرفت أن المضواحي وعدداً من رفاقه ممن نجوا من مذبحة النظام، يعيشون في المنفى، ووقع على عاتقهم إعادة ترتيب أوضاع التنظيم، بالتنسيق مع القيادات التي لم تكشف في الداخل. 

لن أخوض كثيراً في هذا الشأن، فهذا ليس موضوعي الآن، أنا فقط أريد أن أتحدث عن بعض الجوانب الإنسانية التي عرفتها عن المضواحي.

في أعقاب المؤتمر التاسع للتنظيم، كنت بصحبة الدكتور عبدالقدوس والأخ عبدالمجيد ياسين، في مهمة تنظيمية.. اندهشت للشعبية التي يحظى بها في معظم مديريات الحديدة، منها الضحي والمراوعة ومدن وقرى أخرى. زالت دهشتي عندما علمت أن المضواحي؛ الطبيب الإنسان، قدم خدمات جليلة لهؤلاء، وجلهم من الفقراء، أثناء ما كان مديراً لمستشفى العلفي بالحديدة. مازحته: لماذا لا ترشح للبرلمان عن واحدة من مديريات الحديدة؟ ضحك كعادته، بابتسامته العريضة.

في القاهرة، وقبل سنوات، أقام الأستاذ أحمد حسن، أمين عام الحزب الناصري في مصر، مأدبة عشاء في النادي اليوناني، على شرف الدكتور المضواحي، هو بدوره دعاني، فسألته: ولكن معي بعض الطلبة "الطفارى" الذين لم يكونوا بحياتهم قد تشرفوا بدخول مثل هذه الأماكن. بادر وبلهجته المعهودة: إدّيهم، ويش في؟

لم يأبه للرسميات، فقد كان جذلاً مسروراً لأن طلبة "ضباحى" سيشاركونه مأدبة عشاء لم يعهدوها.

بعدها، دعانا للعشاء أكثر من مرة، إحداها كانت في منطقة الجيارة الشعبية في مصر القديمة، حيث يوجد أفضل مطاعم للكباب والكفتة وغيرها..

نزل الطعام، وكان سائق السيارة في الخارج ينتظر على عادة السائقين في مصر، سأل المضواحي: أين السواق؟ قالوا: في السيارة ينتظرك، صرخ: إدعيه. جاء مستحياً، أجلسه معنا على طاولة الطعام. أثناء الحديث سألت السائق: هل أنت مسيحس؟ خمنت من اسمه، أجاب: أيوه. ضحك عبدالقدوس: والله ما لي علم. لم يكن يهتم بالتفاهات. ثم طلب وجبة سفري إضافية للسائق وأسرته.

ومع أننا لا نزال في حضرة القاهرة فلا بد من واقعة في سياق آخر لم أشهدها، لكنني سمعتها من الزميل والصديق مجدي رياض، نائب رئيس تحرير جريدة "العربي" القاهرية: أيام السادات، وفي أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، زار المضواحي القاهرة، وكان في استقباله في المطار مجدي رياض. ضابط الجوازات أوقف المضواحي، وبدأ يتفرس في وجهه، ويوجه له بعض الأسئلة. هنا ثار عبدالقدوس في وجه الضابط صارخاً: توقفني وتستجوبني أنا العربي، فيما الصهاينة يدخلون ويُستقبلون بكل ترحاب؟ وهوى بيده على وجه الضابط، يقول مجدي: حتى اللحظة لم أستوعب كيف خرج منها عبدالقدوس سالماً، وفي تلك الظروف.

فقد خسرنا المضواحي في وقت لم تكد دموعنا تنشف على الشهيد "حمدي" نجل الوزير الخبير النفطي عسكر علي حسين الظاهري، الذي استشهد برصاصة جبانة حصدت روحه الطاهرة، دون ذنب، في حضرموت، حتى تفاجأنا بوفاة الأخ درهم علي أحمد، بجلطة غادرة، وقبلها فُجعنا بوفاة الأخ نبيل القدسي، شقيق الأخ شائف حسان، برصاص جمع بين الغدر والجبن، وهو يؤدي واجبه.

وأخيراً، أتمنى أن يعود المناضل حاتم أبو حاتم، من عمّان سالماً معافى.

 

إقراء أيضا