ياللهول بعد ما يقارب من 46 سنة على الثورة اليمنية التي قامت ضد ثالوث المرض والجهل والفقر لايزال الوضع اليوم كما هو.
ولايزال الشعب فريسةً للأمراض والأوبئة المختلفة، وكأن ما يزيد عن أربعة عقود ونصف لاتكفي لإحداث ثورة صحية وطبية تحمي أرواح المواطنين من الأمراض التي تقتل الناس يومياً.
ماذا لو كان قائد ثورة 26 سبتمبر الشهيد علي عبد المغني حياً يرزق وهو يرى الأمراض والأوبئة تفتك بحياة الناس، وتجتاح المحافظات وسط تجاهل رسمي..؟
من دون شك لن يتردد مع رفاقه الثوار من إقامة ثورة جديدة على وضع سيء كالذي نعيشه اليوم.
لايخفى على أحد سوء الخدمات الصحية، والعجز الحكومي في توفير خدمات راقية للمواطنين الذين تكتض بهم المشافي، وتحتضن مآسي واقع صحي أكثر بؤساً.
ومالايمكن إغفاله هو تفشى الأمراض بشكل واسع لدرجة أن أوبئة مرضية صارت تحصد أرواح الناس في عدد من المحافظات وسط تقاعس حكومي مقيت، لايعير صحة الناس أي اهتمام.
و في الوقت الذي نتحدث فيه عن خدمات صحية سيئة نجد أن تلك الخدمات لاتغطي سوى 66% من السكان حسب احصائية رسمية، بحيث تتركز تلك الخدمات في الحضر، فيما تحرم المناطق الوعرة والنائية من تلك الخدمات.
ولنا أن نقيس مدى الخدمات الصحية عندما نعرف أن لكل عشرة آلاف مواطن 3 أطباء حسب التقرير الاحصائي الصحي السنوي لعام 2008م, وأن لكل عشرة آلاف نسمة 0.1% من المستشفيات, وسبعة أَسرَّة.
فما بالك عندما نعرف أن إجمالي الإنفاق على الصحة للفرد يبلغ 57.41%، فيما إجمالي الإنفاق الحكومي على الصحة للفرد بلغ 15.23٪ وإجمالي الإنفاق الحكومي العام على الصحة من الإجمالي العام للصحة27%، وإجمالي الإنفاق على الصحة للدخل القومي 5.63%.
و لكم أن تعرفوا مدى الاهتمام الحكومي بالوضع الصحي من خلال معرفة أن نسبة ميزانية وزارة الصحة من الميزانية الحكومية تبلغ 3.58%.
ومالايجب تجاهله هو تواضع الوسائل الرسمية اليوم في مواجهة مرض إنفلونزا الخنازير الذي أصاب حسب آخر احصائية رسمية 1618 حالة منها 1102 حالة مخالطة ظهرت عليها أعراض المرض و516 حالة مؤكدة، فضلا عن تسجيل 16 حالة وفاة بسبب هذا المرض.
فمع بداية العام الدراسي تجلى عدم استعداد الجهات الرسمية لمواجهة هذا المرض، ناهيك عن عدم توفر دورات المياه في عدد من مدارس المدن والريف.
والمؤسف جداً هو التكتيم الرسمي حول الإصابات الحقيقية، حيث شهدت بعض محافظات الجمهورية حالات إصابة ووفاة لم تدخل في إطار الاحصائية الرسمية.
من البديهي أن ميزانية ضخمة خصصتها السلطة للحرب في صعدة التي تحصد أرواح اليمنيين، دون شعور السلطة بمسؤوليتها في خوض حرب ضروس ضد الأمراض والأوبئة التي تفشت في مختلف المدن وتهدد حياة المواطنين والمواشي أيضاً.
اليوم يهدد مرض حمى الضنك محافظة تعز ويتوسع هذا المرض وسط خطوات خجولة للجهات المعنية لمواجهته، وهو ما جعل أحزاب المشترك في المحافظة تقول: إن إهمال السلطة هو تعمد لقتل المواطنين والاستخفاف بأرواحهم.
وسارعت أحزاب اللقاء المشترك لمناشدة المنظمات الدولية بالتدخل الإنساني العاجل لإنقاذ المحافظة من وباء حمى الضنك، مؤكدة أن وباء الضنك تفشى بين مواطني المحافظة وشكل خطراً قاتلاً، وحصد أرواح المواطنين وسط صمت رسمي وعدم مبالاة من المنظمات المهتمة بالشأن الصحي نتيجةً للتغاضي الإعلامي من الحكومة، وعدم تبني السلطة المحلية هذا المرض كخطر طارئ يستوجب الاستنفار العام لإنقاذ المواطنين من مخالب الحمى التي حصدت العشرات في فترة وجيزة، وتُركوا وما زالوا يواجهون مصيرهم لوحدهم وكأنهم بدون وطن وبدون جنسية.
ودعا المشترك السلطة المحلية والحكومة إلى الاستنفار العام الشامل لمحاصرة هذا الوباء القاتل والخروج من مرحلة الصمت وتحمل المسؤولية أمام الله والتاريخ والشعب في أرواح أبناء المحافظة. مهدداً في حال عدم قيام السلطة المحلية بدورها، بدعوة المواطنين بتنفيذ فعاليات احتجاجية لتعرية التغاضي عن الأرواح وإجبار السلطة على تحمل مسؤوليتها أو الرحيل من موقع المسؤولية التي تحولت إلى حجرة عثرة أمام مساعدة المواطنين ووسيلة تغطية للأوبئة الفتاكة.
و تؤكد مصادر طبية في تعز أن عدد الإصابات بلغ 500 حالة، ناهيك عن 1000 حالة مشتبه بها، فيما أوصى تقرير برلماني بشأن مرضى حمى الضنك بمحافظة تعز بضرورة إلزام الجانب الحكومي بتوفير الإمكانيات المادية اللازمة لمكافحة هذاالمرض الذي أصبح يمثل قلقاً كبيراً بسبب تزايد حالات الإصابة بين المواطنين هذا العام في جميع مديريات المحافظة.
وحذرت اللجنة الخاصة المكلفة من المجلس في تقريرها من تجدد انتشاره بشكل كبير في العام المقبل لأن العائل لا يزال موجوداً وينشط في موسم الأمطار.
و شدد التقرير على ضرورة الوقوف بحزم وتوفير الإمكانيات والدعم المالي اللازم لمعالجة هذه المشكلة وتظافر جهود الجهات المعنية ممثلة بوزارة الصحة العامة والأشغال والمالية والزراعة والتربية والأوقاف والمجالس المحلية من أجل الوصول الى تحقيق النتائج الإيجابية.
وغير مرض حمى الضنك لازال مرض الدودة الحلزونية يحصد أرواح المواشي في عدد من المدن اليمنية وسط عجز رسمي واضح في مواجهة هذا المرض ومحاصرته والقضاء عليه. وحسب مدير إدارة صحة الحيوان بمكتب الزراعة بتعز، فإن مئات من قطعان الماشية نفقت خلال سبتمبر الماضي بداء الدودة الحلزونية.
وقال في ندوة أقامتها مؤسسة السعيد في وقت سابق بعنوان: «الدودة الحلزونية.. ماهيتها وكيفية محاصرتها» إن فرق الترصد الوبائي سجلت انتشار المرض في سبع مديريات. وأن عدد الإصابات بلغ 648 حالة في مديريات شرعب الرونة وشرعب السلام وجبل حبشي والمعافر والتعزية ومقبنة.
ويتفشى هذا المرض في محافظة الحديدة وحجة أيضا وسط إهمال حكومي ليس له نظير.
لكم أن تعلموا أن أكثر من 22 ألف شخص يصابون سنوياً بالسرطان في اليمن، ونسبة 70% يصلون الى دور التشخص في مراحل متأخرة مما يتعثر الشفاء الكامل وذلك لقلة الكوادر وندرة المراكز للكشف عن السرطان، وقلة وعي المجتمع بالسرطان ومسبباته وطرق الوقاية منه.
ورغم دخول داعمين من التجار ورجال الخير لمواجهة هذا المرض إلا أن ذلك لايلبي الطموح ولا يحجب التقصير الحكومي في إيجاد مراكز متطورة لمواجهة هذا المرض الذي تفشى بشكل بارز خلال السنوات القليلة الماضية.
هذه لمحة سريعة لمشهد الصحة في اليمن بواقعه المأساوي الذي يكشف الوجه القبيح لتعامل السلطة مع صحة المواطنين وحياتهم.
ولان هذا الاستخفاف بحياة المواطنين هو ادمان سلطوي مدان فإن الثورة على مثل هكذا وضع واجب أن تقوم به كل القوى الفاعلة والحية في المجتمع.