بين جدار برلين وبرميل الشريجة
محمد شمسان
نجح الألمان فيما أخفقنا فيه نحن اليمنيين، فلم يعد ما يهدد الألمان ووحدتهم التي بلغت عمرها العشرين، ولم يعد من يتحدث عن الوحدة ومنجزاتها والحفاظ عليها في ألمانيا كون الألمان جميعهم قد انتقلوا من الوحدة وما يتعلق بها من قضايا وأمور إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك إلى ألمانيا الوطن، ألمانيا الإنسان.
لم يتوقف تاريخ ألمانيا عند الوحدة، ولم تتوقف عقول الألمان عندها أيضاً، بل مضوا جميعاً نحو ما جعلهم ينسوا أن ألمانيا كانت مقسمة أو مجزأة أو أن جدار كجدار برلين كان يفصل بعضاً من قلب ألمانيا عن بعضه الآخر فيما كان يسمى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية.
بل أكاد أجزم أن لا أحد من الألمان يذكر ما كان عليه الآخر قبل إزالة الجدار وما إذا كان ذلك شرقياً أو هذا غربياً.
عشرون عاما هي نفسها السنين والأعوام التي مرت من عمر الوحدة الوطنية في بلادنا بلد الإيمان والحكمة، دارت خلالها عجلة التنمية في ألمانيا فدار معها التاريخ الألماني وعقول الألمان لتصل ألمانيا إلى ما وصلت إليه الآن بقوتها وعظمتها وتأثيرها في القرار العالمي.
عندما قرر الألمان في ألمانيا الشرقية عبور الجدار لم تعبر معهم قيادتهم الشرقية، وعندما أخذ الألمان في ألمانيا الغربية تحطيم الجدار وإزالته لم تذهب معهم قيادتهم الغربية من أجل ذلك.
وحدهم الألمان قرروا ما يجب أن تكون عليه ألمانيا بعد الجدار، لذا تحمل كل منهم معاناة الآخر وأخذ كلاً منهم مسؤولية بناء ألمانيا والحفاظ عليها، والدفع بها نحو الأمام.
قرار الوحدة في ألمانيا كان شعبياً بامتياز وهذا ما أسهم في إذابة وإزالة كل الفوارق والحواجز بين الألمان لتكون لألمانيا هوية اجتماعية واحدة وعادات وتقاليد واحدة وليست موحدة. كما لم ترافق الوحدة الألمانية الكثير من الأخطاء التي رافقت الوحدة اليمنية، فلم تقسم غنائم الوحدة في ألمانيا على حزبين أو طرفين ولم يسع طرف لإقصاء الأخر.
ولم ينصب حزب نفسه وصياً على ألمانيا ووحدتها دون الآخرين عندما عبر المواطن الشرقي الجدار نحو أخيه الغربي لم يكن يطمع بما يملكه أو بما ينعم به، وعندما ذهب الألماني الغربي الى أخيه الشرقي لم يكن يفكر بالسطو والفيد على أراضي وممتلكات إخوانه هناك.
أخذ الألماني بيد أخيه وعبروا جميعاً باتجاه الغد المنشود، فذهب الشرقي ليقدم أفكاره وإبداعاته وجميع طاقاته وإمكانياته لألمانيا، وذهب الغربي ليبني ويصنع ويستثمر، ليس له أو لأبنائه أو لحاشيته بل لألمانيا والألمانيين وهذا ما جعلهم ينتقلون من مرحلة الوحدة والدفاع عنها إلى مرحلة البناء والسعي إلى توحيد ما هو أكبر- أوروبا- كما لم يهمش الألماني الألماني ولم يقصِ الألماني الألماني ولم يبتز الألماني الألماني ولم يقمع الألماني الألماني ولم ينتقم الألماني من الألماني ولم يحقد الألماني على الألماني.
باختصار ليس في ألمانيا من يوصف بالمستعمر ولا من يتهم بالانفصال، ليس في ألمانيا من هو فوق القانون أو فوق ألمانيا.
وليس في ألمانيا من يقول أن دولته مغتصبة وأن أرضه محتله، ليس في ألمانيا من يطالب بتحرير ألمانيا من الألمان وليس في ألمانيا من يسعى الى تصفيتها من الألمان.
جدار برلين بالنسبة للألمان اليوم ليس أكثر من صورة تذكرهم بما كان عليه العالم قبل 0991م مرحلة التحول في الصراع بين قوتين.
بينما ظل برميل الشريجة حاضراً في عقولنا وأفكارنا وأذهاننا وخطاباتنا وصحونا ونومنا، بعضنا يسعى جاهداً لإعادته إلى ما كان عليه قبل09 وبعضنا الآخر يخشى من ذلك، ليتوقف اليمن واليمنيون بعقولهم وتاريخهم وحياتهم عند هذه النقطة فقط، وما أخشاه هو أن يبقى الحال على ما هو عليه.
«حتى يحكم الله أو يأذن لي أبي».