Home Articles Orbits قمة الخليج: عناق وقبلات وعشاء دسم
قمة الخليج: عناق وقبلات وعشاء دسم
القدس العربي
القدس العربي
بعد ما يقرب من ثلاثين عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ما زال هذا التجمع الاقليمي يدور في الحلقة المفرغة نفسها تقريبا، ولم يستطع تحقيق أي من الطموحات السياسية والاقتصادية والامنية التي تعهد زعماؤه بانجازها، وتحول الى منتدى دوري يلتقي فيه قادته كل عام لتبادل التحيات على مائدة عشاء سنوية دسمة يقيمها زعيم الدولة المضيفة.
المصافحات والعناقات بين زعماء دول مجلس التعاون الذين بدأوا اعمال قمتهم في الكويت أمس لا يمكن أن تخفي حالة الضعف التي يعيشها المجلس هذه الايام، رغم الاخطار الكبيرة، الداخلية والخارجية، التي تواجه اعضاءه.
الوحدوي نت
المجلس عندما قام عام 1981 كان يجسد نموذجا في التجانس بسبب التطابق الكبير بين ممالكه وإماراته، مما دفع الكثير من المراقبين الى المبالغة في توقعاتهم بنجاحه على صعيد الاهداف التي قام لانجازها، وابرزها الوحدة الخليجية الاقتصادية تمهيدا للوصول الى الوحدة السياسية، ولكن بعد كل هذه الاعوام والقمم تبدو هذه الاهداف بعيدة جدا.
ولعل القضية الاكبر التي تزداد تفاقما يوما بعد يوم، وقمة بعد أخرى، تتمثل في الخلافات الخليجية الداخلية حول مسائل حدودية انعكست بشكل سلبي على طموحات الاندماج الاقتصادي، والتنسيق الامني بين الدول الاعضاء.
صحيح ان مصالحة سعودية قطرية أزالت صداعا مزمنا خيم على اجتماعات القمم السابقة، ولكن صداعا أكبر يخيم حاليا على قمة الكويت، يحاول الكثيرون عدم الحديث عنه، ألا وهو الخلاف الاماراتي السعودي المتفاقم حول خور العيديد الحدودي وحقل الشيبة النفطي المتنازع عليهما بين البلدين، وهو خلاف انعكس بشكل سلبي على العلاقات بين البلدين وتسبب في أزمات حدودية مثل منع تنقل مواطني دولة الامارات بالبطاقة الشخصية من والى الاراضي السعودية، وفرض اجراءات مبالغ فيها على دخول الشاحنات المتوجهة او القادمة من الامارات عند المنافذ الحدودية السعودية.
قمة الكويت الخليجية التي تختتم اعمالها اليوم، كشفت عن بعض الانجازات، ابرزها التضامن مع المملكة العربية السعودية في حربها ضد اليمنيين الحوثيين، وتدشين مشروع الربط الكهربائي بين دول المجلس، وانتخاب امين عام جديد، ولكنها فشلت في تحقيق الخطوة الابرز والاهم، وهي التطبيق العملي لاتفاقية الاتحاد النقدي، واصدار عملة خليجية موحدة في موعدها العام المقبل.
عدم تحديد موعد زمني جديد لاصدار هذه العملة الخليجية الموحدة يشكل اخفاقا كبيرا للمجلس بعد اخفاقات اخرى في هذا الصدد، تمثلت في انسحاب كل من سلطنة عمان ودولة الامارات العربية المتحدة من هذه الاتفاقية.
التأجيل الجديد المفتوح جاء بسبب الخلافات بين دولة الكويت والدول الثلاث الاخرى الموقعة على الاتفاقية (السعودية والبحرين وقطر) حول بعض الجوانب المهمة التي يمكن ان تضمن مصالح الدول الاعضاء. فالكويت تريد ربط العملة الخليجية بسلة من العملات الصعبة، والتخلي عن اي ربط لها بالدولار الامريكي بسبب ضعفه وتذبذب اسعاره، وكانت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي اتخذت قرارا جريئا بانهاء ربط عملتها بالدولار واستبداله بسلة من العملات الاجنبية.
المملكة العربية السعودية التي اغضبت الامارات باصرارها على استضافة مقر البنك المركزي الخليجي في عاصمتها الرياض، ورفض طلبها كدولة مقر للبنك المذكور، مما ادى الى انسحاب الاخيرة من الاتفاقية، تصر على ان تربط اي عملة خليجية موحدة بالعملة الامريكية، الامر الذي دفع الكويت للمطالبة بالتأجيل، وهو طلب يعني عدم الموافقة بأدب على المقترح السعودي.
وهكذا فإن مشروع العملة الخليجية الموحدة يواجه المصير نفسه الذي واجهته مشاريع وحدوية اخرى، مثل التنقل بالبطاقة الشخصية بين الدول الاعضاء، وتأسيس قوات خليجية موحدة وقوية (درع الجزيرة).
مجلس التعاون الخليجي، وبسبب هذه الخلافات، يتجه الى النهاية التي انتهت اليها جميع التجمعات العربية الاخرى، اي الفشل الذريع، مع فارق اساسي، وهو ان عرب الخليج اقدر من العرب الآخرين، في مغرب الوطن ومشرقه، على اخفاء خلافاتهم، واعطاء انطباع عبر اعلام يسيطرون عليه بأن الامور تسير على ما يرام.