Home Articles Orbits جثامين الشهداء والمخفيين.. حتى لا تَحلَّ علينا لعنتُهم لعقودٍ ثلاثةٍ أُخرى!!
جثامين الشهداء والمخفيين.. حتى لا تَحلَّ علينا لعنتُهم لعقودٍ ثلاثةٍ أُخرى!!
محمود شرف الدين
محمود شرف الدين

الكشف عن مصير جثامين شهداء حركة 15 أكتوبر الناصرية عام 78م، وضحايا الإخفاء القسري منذ الستينيات وإلى اليوم.. واجب مجتمعي وإنساني على كل حر في هذا الوطن بل وفي العالم أجمع، فهو أمر ديني وسماوي قبل أن يكون إنسانياً، كانت تتنادى له وتجتمع حوله قبائل الجاهلية، فمابالنا به الآن.

لقد آن للجميع أن يشعروا بمسئوليتهم في هذه القضية الإنسانية وواجبهم في الوصول إلى خيوطها وألغازها، فليس من اللائق أن نهنأ بالعيش في كنف أهلنا وأسرنا بمعزل عن التفكير فيما ينبغي أن نقدمه لمساعدة ودعم مطالب أسر الشهداء والمخفيين.

 هناك إخوة وأخوات لنا فقدوا آباءهم منذ نعومة أظفارهم ،ومنهم من لم يكحل عينيه برؤيتهم البتة، فقد كانوا في شهورهم الأولى، وكبروا في ظل مرارة اليتم والحرمان والكبت، ورغم ذلك نراهم بيننا اليوم بما في نفوسهم من قهر وحرمان ومعاناة، افتقدوا آباءهم دون أن يسمح لهم حتى بنظرة أخيرة لجثمان، ولا تشييع ولا قبر ولا مقبرة يقصدونها لإفراغ شحنة وجد وشوق عاتية تجتاح وجدانهم ومشاعرهم وأحاسيسهم المكتوية بالأنين والبكاء والشوق من جهلهم لمصير آبائهم، فيستعيضوا بها عن جوٍ أسري قرر طاغية مستبد استحلى مص الدماء - بما فيه من احتراف للجريمة وبراعة في إثخان مواطن الأوجاع المزمنة - أن يحرمهم من أن يعيشوه كبقية الأسر طوال عقود من الزمن.

كيف بنا ونحن نجد بنت الشهيد ابتسام زهرة وهالة سلطان القرشي ومريم عيسى وكثيرات غيرهن يعبرن عن هذه الحالة الباعثة للأسى بقلادات عليها صور آبائهن معلقة على صدورهن؟، بينما يتجه حمدان عيسى ورياض زهرة وزياد عبد السلام مقبل وغيرهم ناحية جدران الشوارع والميادين والأزقة لينقشوا عليها صور آبائهم من شهداء ومخفيين، وهذه في حقيقة الأمر ليست سوى وسائل وأشكال تعبير مؤثرة، يحاكموننا بها ويحاولون من خلالها أن يبعثوا فينا القيم الإسلامية والإنسانية والضمائر الحية بما فيها من مشاعر الأخوة والإحساس بمعاناتهم.

إنهم وإنهن يبحثون اليوم في الأزقة والحارات والشوارع عن الشعور والضمير الجمعي عن الدولة عن الأحزاب عن منظمات المجتمع المدني عن كل من عاصر جريمة بشعة ونادرة الحدوث في التاريخ المعاصر، امتدت إلى آباء أبطال وأفذاذ فأخفتهم عن الأنظار، بينما ظلت يدها في أعناق أبنائهم وبناتهم؛ تحرم عليهم السؤال والبحث بل ومجرد البوح، وحظرت على المجتمع من حولهم الإدلاء بمعلومات بسيطة قد تشبع فيهم رغبة الحصول على ما يقربهم من الوصول إلى حقيقة مصير ذويهم، أي ظلم هذا وأي إيغال في الجرم يصل إلى حد هذا الفعل المشين؟.

 لقد ظل إيصال هؤلاء الأيتام ومكسوري الجناح والخاطر إلى حيث جثامين والديهم جرماً محظوراً لعقود، لكن أن يبقى كذلك الآن بعد ثورة اقتلعت النظام السابق فهو أشد وأنكى من الجرم نفسه، لقد تركناهم في الشوارع يبحثون عن آبائهم، أي تهاون وتخاذل كهذا الذي نواجههم به اليوم؟!!

لقد استبشرت أسر الشهداء والمخفيين ببزوغ فجر الثورة الشبابية الشعبية في بلادنا، وهم في مقدمتها، بما كشفته للعالم من عدالة وصوابية ما قام به آباؤهم ضد ذلك النظام الكهنوتي المستبد، بدليل أننا قمنا به اليوم، بعد أن نالوا هم شرف السبق إليه، وما قامت به ثورة الشباب السلمية في فبراير 2011م هو اقتفاء لنهجهم النضالي السلمي. 

الذي رفعناه شعاراً لإنقاذ وطن أشرف على الهاوية، وجاوز فيه الظالم مداه، لكنني بالرغم من ذلك أجزم بأنه لا خير في ثورة يمر عليها ما يقارب العامين، دون أن تهدي هؤلاء إلى مصير جثامين آبائهم، ولا خير في حكومة لم تقم بواجبها نحوهم، ولا خير في مجتمع لم تستثره نقوش أبنائهم، وقلادات ثمينة المعنى والإيحاء على صدور يتيماتهم، يناشدن بها العالم الحر نصرتهن بالكشف عن جثامين ومصير آبائهن، كما أنه لا خير بعد هذا في شخص سياسياً كان أو مسؤولاً لم يضق صدره بما يعرفه عن خفايا ما انتهت إليه تلك الجريمة، ولم يستيقظ بعد ضميره فيبوح لهن ولنا بالحقيقة.

وأجدها اليوم فرصة أمام كل من لم يمتلك حينها حولاً ولا قوة على مدى 33 سنة، أن يقف إلى جانب هؤلاء اليتيمات اليوم، فهو ليس شريكاً فيما ارتكبه غيره وعجز هو عن مواجهته، لكنه وبلا شك سيكون شريكاً في الجرم إن سبقه إلى البوح به غيره.

إن ما ينبغي أن يدركه اليوم جميع من في هذا الوطن أن القضية لا تخص التنظيم الوحدوي الناصري ولا أبناء وبنات وأسر الشهداء وضحايا الإخفاء القسري فحسب، وأننا معفون منها، بل هي من صميم مسئوليتنا جميعاً بدءاً بالرئيس هادي وحكومة الوفاق وانتهاء بالأحزاب السياسية والشباب والمنظمات الحقوقية والنقابات ووسائل الإعلام، بل والدول الراعية للمبادرة الخليجية، وحري أن تكون في صدارة أولويات الفترة الانتقالية وتنص عليها قوانين العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية؛ لأنني أجد في نظرات أبناء وبنات هؤلاء الشهداء والمخفيين سهاماً تتجه صوبنا عليها رؤوساً نارية قد تشوي أجسادنا إن لم نعمل على تبني قضيتهم وحلها قبل كل القضايا، وإلا فستحل علينا لعنتهم لعقود ثلاثة أخرى، إن لم تكن أكثر من سابقتها.  

عن الجمهورية