Home Articles Orbits تشكيك لأول مرة ..هيكل يعرض وثيقة حول طبيعة وفاة جمال عبد الناصر
تشكيك لأول مرة ..هيكل يعرض وثيقة حول طبيعة وفاة جمال عبد الناصر
محمد بدر الدين
محمد بدر الدين

عملية كبرى للمخابرات المصرية، هي ما يجب أن نعتد بها أكثر من أى حكايات أو مسلسلات قد لا تكون دقيقة، وهى العملية التى أطلق عليها "عصفور"، هذا ما كشفت عنه حلقة الخميس قبل الماضى بعنوان "اللغز القاتل" من سلسلة "تجربة حياة" لمحمد حسنين هيكل ـ على قناة الجزيرة.
والآن فهيكل يتحدث عن "الطريق إلى أكتوبر ـ رمضان" وعلى هذا الطريق حرب الاستنزاف والعملية المخابراتية الكبري، التى يقول هيكل إنها أدهشته هو نفسه حينما علم بها من الرئيس جمال عبد الناصر بعد أربعة شهور من بدايتها.  الوحدوي نت ومبعث الدهشة هو الدقة والخطورة التى تتسم بها العملية، ففيها تمكنت المخابرات المصرية من زرع ميكروفونات حديثة فى مواضع عدة بالغة الأهمية داخل السفارة الأمريكية فى القاهرة، وفى ذروة مرحلة ما بعد نكسة يونيه عام 1967، خلال حرب الاستنزاف، واستمرت العملية لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام متصلة!.
ويحدد هيكل تلك المواضع فى السفارة الأمريكية: (مدخل السفارة ـ صالون السفارة ـ غرفة الطعام ـ البهو الأعلى فى مبنى السفارة).. والتى تدور فيها جميعاً حوارات طول الوقت، وكانت تصل عبر الميكروفونات إلى قمة المخابرات المصرية التى يرأسها أمين هويدى ومنه إلى جمال عبد الناصر بصورة مستمرة ومنتظمة، ومثلت بتعبير هيكل "كنزاً من المعلومات لا ينتهى وفيضاً مذهلاً".. وفى وقت نحن فى أحوج ما تكون فيه المعلومات (كيف لا ونحن فى زمن حرب متصلة ومشتعلة؟).
وأضاف هيكل أن هناك شيئاً آخر، مثل سبباً ـ ضمن أسباب عديدة أهمها حاجتنا للمعلومات ـ لموافقة عبد الناصر على العملية وهو أنه "شعر بأننا خدعنا فى موضوع مصطفى أمين".. وهو موضوع بما تكشف فيه من معلومات أخبر بها "أمين"، وكل ما كان ينقله للأمريكان من تفاصيل وحوارات أو مكالمات له حتى مع الرئيس عبد الناصر شخصياً، قد مثل مفاجأة بل صدمة للرئيس.
وهنا قال هيكل: "ربما تفكير الصعايدة.. وبنى مر طلع هنا!.. أظن ان جزءاً من موافقة جمال عبد الناصر على العملية أنه أراد رداً على عملية مصطفى أمين.. لأنه شعر بأنه خدع فيها".
ويشير هيكل قائلاً: الغريب أن بعض القليلين الذين يعرفون »بالعملية عصفور" ـ وبينهم على صبرى وشعراوى جمعة والفريق فوزى وسامى شرف ـ كانوا قلقين بعد رحيل عبد الناصر من أن يعرف بها السادات، أى "رئيس الجمهورية الجديد"!. وكانوا يخشون عليها منه، بل انهم رأوا فى بعض ما وصلهم عبر العملية ما قد يدينه ويستوجب محاكمته، إلى أن توقف ذلك كله بعد احداث "15 مايو 1971" وقيام السادات بمحاكمة على صبرى وآخرين ممن أطلق عليهم "مراكز القوي"، و"العملية عصفور" نفسها توقفت بعد تلك الأحداث، ولم يعلم بها السادات إلا فيما بعد من هيكل نفسه ـ فى منزله الريفى فى "برقاش" ـ وقد ذهل السادات عندما علم بأمرها، لكن لعل الذهول الأكبر هو ما شعر به هيكل نفسه بعدها بقليل، حينما أخبره السادات بأنه أطلع "كمال أدهم" مستشار الملك فيصل ورئيس المخابرات السعودية على الموضوع كله.. ويعلق هيكل: "معروف ان هذه المخابرات هى ابنة شرعية للمخابرات الأمريكية وكمال أدهم نفسه لم يكن ينكر هذا!".
ويذكر هيكل أن السادات قال له بالحرف: "الواد كمال كان هيقع من طوله لما قلت له!".
وعندما وجد مدى ذهول هيكل عقب السادات ببساطة: "لا!.. إنه مأمون لا تقلق".!!
ثم يقول هيكل:
"إنه بعدها، أبطل مفعول الميكروفونات والأجهزة.. وسكت الدكتور عصفور إلى الأبد".
وهنا يصل هيكل إلى ذروة حديثه.. حديث المفاجآت.
فبعد ان قدم نماذج عدة مما كان يصل إلى جمال عبد الناصر، من تفريغ لتسجيلات معلقاً بخطه على الأوراق، بخلاصات أو تأشيرات، وصل بنا هيكل إلى ورقة لها أهمية خاصة جداً.
إذ استمع جمال عبد الناصر إلى شريط تسجيل محدد بنفسه (فى حضور أمين هويدى وأحد المشرفين على العملية)، وكان التسجيل لحوار فى السفارة يدور بين السفير الأمريكى فى القاهرة دونالد بيرجس، والوزير الأمريكى المفوض فى السفارة الأمريكية فى تل ابيب ومارى مساعدته.
وكان الحوار حول اجتماع عقد قبل أيام فى تل ابيب ضم جولدا مائير وموشيه دايان وايجال ألون وياريف من قيادات "إسرائيل"، وكان حديثهم عن خطورة بقاء عبد الناصر بالنسبة لإسرائيل، وأن ما حدث فى 5 يونيو 1967 ورغمه، وما حدث بعده من موقف للناس (أى خروج الجماهير فى 9و10 يونيو): "قد أقنعهم بأن عبد الناصر باق.. وليست هناك تحولات مختلفة محتملة".
ثم إنهم توصلوا إلى ما عبروا عنه بالقول التالي:
7 "بقاء إسرائيل رهن بالقضاء على ناصر.. يجب الوصول إليه بالسم أو بالمرض".
استمع جمال عبد الناصر إلى ذلك التسجيل، وقام بتفريغه بخط يده وأشر على الورقة التى كتبها بكلمة "عاجل".. وكانت الورقة تحمل تاريخ: (6 ديسمبر 1969).
ويقول هيكل إنه لا يزال يتذكر حديث جمال عبد الناصر معه حول هذه الورقة بعد مرور أسبوع تقريباً: مازلت أتذكر صوته وكلامه.. صوته لا يزال يرن فى أذني".
وهنا يضيف هيكل ـ بتأثر حاول أن يغالبه ـ: "لم تمر عشرة شهور.. إلا وعبد الناصر يذهب إلى رحاب الله".
وقال هيكل: "لقد ظلت هذه الورقة فى ذهنى باستمرار، وأنا فى غرفة نوم جمال عبد الناصر فى اللحظات الأخيرة من حياته.. وفى الجنازة التى لم أستطع استكمالها للنهاية".
ويختتم محمد حسنين هيكل حديثه بقوله:
".. كنت أسأل نفسي: هل هناك معنى فى هذا؟".
مضيفاً: "إنى أتذكر صوته.. وهو يقرأ: ما يرتب له.. ولإنهاء حياته.. ولأن إسرائيل تعلم أنه العقبة الأساسية".

العربي المصرية