Home Articles Orbits قضية دارفور في واقع الاعلام العربي والعالمي بعد ثورة الربيع العربي
قضية دارفور في واقع الاعلام العربي والعالمي بعد ثورة الربيع العربي
محمد شمسان
محمد شمسان

مدخل :

------------

لا تزال قضية اقليم دارفور قضية سياسية وانسانية بمتياز , ورغم التجاهل الكبير من قبل وسائل الاعلام العربي والعالمي - بأشكالها المختلفة -  لما يحدث في دار فور, فأن المسؤلية الاخلاقية تحتم علينا الوقوف امام هذه القضية وما ينتج عنها من اضرار ومعاناه تستنفذ معها كافة الجهود والطاقات التي بمقدور سكان واهالي الاقليم توفيرها وتخزينها , الوقوف ولو بقليل من الاهتمام على الاقل من باب تخفيف حجم تلك الاضرار والمعاناه التي تأرق حياة الانسان في دار فور , هذا ان لم نكن قادرين على ايقافها وانهائها بشكل جذري.

منذ سنوات واهالي دارفور يتعرضون لانواع شتى من القمع والاستبداد السياسي , ناهيك عن الاثار والاضرار المتصاعدة التي تخلفها الحرب الدائرة في مناطق مختلفة من الاقليم والتي يديرها النظام السوداني عبر مليشيات نظامية وغير نظامية ضد جماعات مسلحة من الاقليم تطالب بالانفصال وتحرير الاقليم من سلطة الخرطوم , كل ذلك يدفع ثمنه الاف الاسرة من سكان وهالي دارفور , فيما تتراجع امام ذلك جهود الاغاثة الاانسانية العربية والدولية , لتضيق مساحة الامل امام المواطنيين هناك وتتسع المخاوف يوما بعد اخر من احتمالات تزايد اعداد المشردين والمهجرين من ابناء الاقليم.

 

قضية دارفور والتغطية الاعلامية  :

---------------------------

بالتأكيد نحن هنا حين نتحدث عن قضية اقليم دارفور, فأنه لا يعني بالضرورة اننا نتحدث عن البعد السياسي المتمثل بطرفي الصراع ومواقفهما او مدى شرعية ايا منهما , كما اننا حين نتحدث عن التغطية الاعلامية ومستوى تناول وسائل الاعلام لهذه القضية فأننا ايضا لا نعني الاعلام المووجه او الاعلام الممول من جهات رسمية او خاصة عربية ودولية , ما نعنيه هنا هو مستوى التغطية الاخبارية للاحداث والصراع في الاقليم من قبل وسائل الاعلام المهنية والمتحررة ونقصد بالتحديد المؤسسات الاعلامية الاخبارية ذات التوجه الشعبي  والجماهيري , والهادفة الى نقل المعلومة وايصال الحقيقة الى الرأي العام بمقداره الصحيح دون تحيز او انتقاص او تحريف.

 

اخذت قضية الاقليم اهتماما ملحوظا في واقع الاعلام العربي والعالمي  خلال السنوات الماضية وبالتحديد من العام 2003م , لتشكل ربما الى حدا كبير المستوى الثاني بعد القضية الفلسطينية , غير ان مستوى اهتمام الاعلام بمختلف وسائله  بشأن هذه القضية بدأ بالتراجع تدريجيا في غمرة تصاعد الاحداث لعدد من القضايا والازمات والمشاكل في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا .

ومع ذلك ظلت وسائل الاعلام خلال السنوات الماضية تتناول الاحداث في دارفور من منظور سياسيى صرف , ولاسيما الاعلام العربي الذي يركز معظمه  على وصف الاحداث وكأنها حرب مقدسة يخوضها الجيش السوداني ومسلحي بعض القبائل العربية ضد جماعات مسلحة متمردة تنتمي لعدد من القبائل الافريقية والتي يقول بعض المؤرخيين انها قبائل مستقرة في الاقليم بحكم ممارستها الزراعة ,بينما القبائل العربية تعد قبائل متنقلة بسبب ممارستها الرعى , بينما يتغافل الاعلام الجوانب الانسانية والاوضاع المأساوية التي يعيشها المواطنون هناك وحجم الاضرار والمخاطر التي يتعرضون لها من جراء الصراع في الاقليم .

 

وبالعودة لدورالاعلام في تغطية قضية الاقليم فأنني اعتقد انه وكما في كل قضية منقسم وغير متوافق في نقل وتسليط الاضواء على ما يدور هناك , واعود لؤأكد لكم ان حالة الانقسام والتباين في نقل المعلومة من قبل وسائل الاعلام تأتي من ابعاد سياسية ولا علاقة لها بالابعاد الانسانية , فؤسائل الاعلام العربية وحتى الدولية تتناول الحدث من منظور النظام السياسي الذي تمثلة وتتحدث بأسمه , وربما هذا هو الغالب على واقع الاعلام العربي بمختلف وسائلة .

ومن هذا المنطلق يتحدث الكاتب عبدالجبار محمود دوسه على - موقع (منبر الرأي ) في اطار نقده لقناة الجزيرة بخصوص تناول قضية دار فور فيقول :

( لقد تناولت قناة الجزيرة أحداث دارفور ولكن وفق رؤيتها وبالقدر الذي يخدم تلك الرؤية، ولكن بقدرما نجدها هذه الأيام تُطلق كلمة (ثورة) على ما جرى في تونس ومصر وليبيا، لكن المتابع لكل ذلك يدرك إلى أي مدى تفادت القناة وصف ما كان وما ظلّ يحدث في دارفور بأنها ثورة، بل وكثيراً ما كانت تُطلق على الثوار هناك اسم (المتمردين) وفي فترات خجولة تنادي الحركات بمسمياتها أو تجملهم تحت اسم (حركات مسلّحة). ليس هذا فحسب بل كانت داعمة للتوجه الذي يسعى إلى التصدّي لكل الأصوات المنادية بضرورة محاكمة رئيس النظام "عمر حسن أحمد البشير" على جرائمه، بل وسخّرت برامج عديدة لذلك وحاول بعض مقدّمي برامجها أن يقودوا ضيوفهم من خلال الحديث إلى نهايات تؤدّي إلى تأكيد أنه لم تحدث جرائم ولا إبادة في دارفور وأن النظام الحاكم بريء وإنما كل ذلك ترهات مِن صنيعة "المجتمع الدولي الغربي" الذي يستهدف الدول العربية والإسلامية ورؤسائها، والمفارقة تأتي اليوم في أن تُهلل وتفسح قناة الجزيرة لذات المجتمع الدولي الذي عابته سابقاً غالب وقتها وبرامجها لأخبار حملة هجومه العسكري على ليبيا )

 وهنا ايضا يرى الكاتب احمد عبده ناشر ان الاعلام العربي يعيش خارج سياق الزمن والاحداث , ويعتبر دور وسائل الاعلام العربية بأنه لا  يخدم المجتمعات العربية ولا يحقق مصالحها

 حيث يقول   

( المتأمل اليوم لواقع الإعلام العربي يرى ان كما هائلا من القنوات والصحف والمجلات والصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية وغيرها كثيرة جداً، ولكن يرى الإنسان العربي أن أغلبها تعيش في عالم آخر عن الواقع , حيث إنها لا تحمل أي رسالة للأمة  وليس لديها أي مسؤولية حضارية ، فهي تتحدث عن الديمقراطية وحرية الكلمة ولكن بطريقة خاطئة من حيث سيكولوجية الخير, وأثره على السلوك الاجتماعي وعلى نفسية الناس وعلى المصلحة العليا للأمة )

 

 لكن وبالمقابل ايضا يرى المركز السوداني للخدمات الصحفية الموقف بطريقة مختلفة تماما عن الموقف السابق ولكن هذا بالنسبة للاعلام الغربي جيث يقول عبر موقعه الالكتروني :

( لقد كانت أخطر الرسائل التي بثتها وسائل الإعلام الغربية وفرضتها كهدف استراتيجي هي تصوير الصراع على أنه عدوان من المسلمين العرب على المسلمين غير العرب حتى يلمس ذلك شغاف المسلمين غير العرب في كل بقاع العالم الإسلامي.

 تم نقل موضوع دارفور إلى مجلس الأمن بشكل فيه الكثير من الإثارة مع تصريحات مسؤولين غريبين بأن ما يجري في دارفور هو أسوأ ما يحدث في العالم وأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وذلك في محاولة واضحة لصرف أنظار العالم وأجهزة الإعلام العالمية من التركيز على ما يجري في فلسطين والعراق من إبادة جماعية وتطهير عرقي حقيقي وإرهاب تمارسه دول بشكل منظم تحت سمع وبصر العالم كله.

 فالسودان قد فتح ذراعيه لاستقبال وفود إعلامية من كل أصقاع الدنيا واستقبال مسؤولين حكوميين في عدة دول جاءوا إلى السودان وذهبوا إلى دارفور وتجولوا فيها حيث شاءوا وتحدثوا مع النازحين، ووقفوا على الحقائق على أرض الواقع ،هذا بجانب زيارة كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة وكولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق ووزراء خارجية دول أوربية عديدة وممثلون عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وممثلون عن الأمم المتحدة في عدة مواقع منهم أسماء جهانفير، وبدأت الأقوال والتصريحات تأخذ طابعاً مختلفاً وتنفي أن ما يحدث في دارفور هو أبادة جماعية او غيرها من الاتهامات التي روجت لها وسائل الأعلام الغربية ليتضح للعام بأسره أن قضية دارفور هي فرقعة اعلامية كبري ساعد في نشرها السياسيون والمنظمات المعادية للسودان عبر وسائل الأعلام )

وعلى نفس السياق يرى الكاتب مصطفى قطبي دور الاعلام وتأثيرة على مجريات الاحداث في منطقتنا العربية كسلاح جديد تستخدمه القوى الكبرى لتحقيق مصالحها واغراضها الخاصة

( لقد غدت الحرب الإعلامية التي نشهدها اليوم هي الحرب الأكثر فتكاً والأقل خسارة بالنسبة للدول التي تستخدمها والأسرع تأثيراً على الشعوب المستهدفة. ولمعرفة هذه الحقيقة فإن من خطَط للسيطرة الاستعمارية على العالم العربي بشكل خاص، وضع الإعلام في قمة أسلحته وفوق بقية الأسلحة الحربية المتنوعة، لأن التحكم في ردود فعل الرأي العام يشكل أحد شروط شن الحروب الكبرى لفرض الهيمنة الصهيو ـ أمريكية وتحقيق رغبتهم الكبرى في شرق أوسط جديد )

 

-----------------------------------

 وهنا نعود فنأكد ان معظم وسائل الاعلام العربي والدولي تتجاهل الجوانب الانسانية وحجم المعاناه التي يخلفها الصراع في دارفور , او ربما انها تعجز عن تناول الموضوع دون ان تتجرد عن البعد السياسي الذي يتوافق مع رؤية الجهة الممولة لها وبالتالي لا يمكن ان تصل المعلومة او الحقيقة عن طبيعة الاحداث  كما يجب , ولا يمكن للاعلام ان يسهم بدور فعال في  حل القضية او في التخفيف من حجم ومقدار الاضرار والمخاطر التي يعانيها ابناء دارفور

 

قضية دار فور وثورة الربيع العربي :-

كان من المتوقع ان تفتح ثورة الربيع العربي بابا جديد امام اهالي وسكان دارفور الذين يتوقون للحرية ويطمحون الى  حياة افضل , في ظل الصراع القائم بين الحركات المسلحة والجيش السوداني وهو الصراع الذي يقوض الحياة ويهدد وجود الانسان ويزيد من رقعة التشرد والمعاناه , لكن ماحدث كان عكس ذلك تماما , حيث لعب الاعلام دورا سلبيا في تغييب قضية دار فور وحشرها في مربع ضيق جدا , لتأخذ ثورة الربيع العربي مساحة اكبر من الاهتمام في التغطية والنقل.

ومن الملاحظ ايضا ان قضايا كثيرة في الشرق الاوسط تراجعت نسبة الاهتمام بها من قبل وسائل الاعلام العربية والعالمية خلال فترة الربيع العربي في العامين الماضيين , لكن قضية دار فور استطيع القول انها غابت او ربماغيبت بفعل فاعل , لتبقى الحقيقة عن طبيعة الاحداث والصراع هناك لا تتجاوز حدود الاقليم .

 

كيفية تفعيل دور وسائل الاعلام في نقل وتغطية قضية دار فور؟

اولا لابد من البحث في دوافع واسباب تراجع قضية دار فور في جدول اهتمامات وسائل الاعلام العربي والعالمي وغيابها عن خارطة التناول للاحداث والقضايا العالمية , وتحديدا جوانب الضعف التي اسهمت في عدم اثارة  شهيت الاعلام في تسليط الضوء على ما يجري وما يدور هناك , ومن ثم يمكننا التوصل الى الية جديدة تدفع بقضية دار فور الى الصفوف الاولى في جدول اهتمامات وسائل الاعلام العربي والعالمي بمختلف انواعها .

ولكي نتمكن من ذلك ..... اعتقد انه من الضروري اعادة تقييم مسار تجربة الاعلام في تناوله للاحداث  بالشكل الذي يكفل حضور الابعاد الانسانية والقيمية والاخلاقية الى جانب البعد السياسي اثناء ترتيب جدول الاهتمامات في تغطية وتناول الاحداث والصراعات والحروب والقضايا والازمات والمشاكل لدى القائمين على وسائل الاعلام .

وفي الاخير  اتمنى ان اكون قد وفقت في تقديم هذه الورقة ولما يحقق اهداف الندوة ويعزز من مخرجاتها

---------------------------------------------------

                     

ورقة عمل مقدمة في المائدة المستديرة حول (تأثير الربيع العربي على الاوضاع في دارفور) المنعقدة بصنعاء في 19 مارس 2013م والتي نظمها التحالف العربي من اجل دار فور