محمد شمسان
رحل الرجل الزاهد النقي إلا من حب بقي في قلبه لوطنه وشعبه رحل المناضل الجسور والوطني الغيور المهندس فيصل بن شملان في غمرة أحداث ساخنة دامية تشهدها الساحة الوطنية في بلادنا من شماله الى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، في فترة وصفت بأنها من أصعب مراحل اليمن على الأقل في تاريخها الحديث.
وبهذا الرحيل تكون اليمن قد خسرت أحد حكمائها وعقلائها ممن يعول عليهم إخراج اليمن من دائرة العنف والعنف المضاد الناتج عن سياسة غير حكيمة لسلطة غير رشيدة تدير شؤون بلد الإيمان والحكمة اليمن السعيد.
فيصل بن شملان الذي غادر جسده وطناً أثقلته الأزمات وأرقته الجروح، كان يدرك جيداً ما آلت إليه الأوضاع برمتها في ذلك الوطن الحزين والمقهور والمغلوب على أمره، ونتيجة لذلك أراد مع أحزاب المشترك أن يكون هناك طريقاً آخر للعودة، وخطاً آخر لليمنيين يستطيعون من خلاله وقف الانهيار المتسارع للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحد من نتائج وتبعات الانهيار من خلال إرساء مفهوم ظل كثيرون من اليمنيين ومثلهم العرب يمتنعون الحديث فيه ويتحاشون الخوض في تفاصيله نتيجة الخوف الساكن في قلوبهم وعقولهم الذي ظلت السلطات العربية تعمل على صناعته وزراعته فيهم منذ عقود.
وبرغم أنه يرحمه الله قدم نموذجاً للسياسي الشجاع وأسهم في توسيع ما تبقى من الهامش الديمقراطي ورسم تجربة رائدة لمبدأ التداول السلمي للسلطة غير المعترف به من قبل الأنظمة العربية كبند من بنود الديمقراطية، وكثمرة من ثمارها وهي التجربة التي ميزت اليمن والعملية السياسية فيها كنموذج فريد تجاوز محيطه الإقليمي والعربي كما عززت دور الأحزاب المعارضة كشريك أساسي وفاعل في الحياة السياسية خلافاً لما هو عليه الحال في معظم دول العالم الثالث.
برغم ذلك لا تزال سلطة المؤتمر الشعبي العام تصر على عدم فهم تلك التحولات وتسعى جاهدة لفرض سياسة الأمر الواقع والدفع بالأمور بالاتجاه الذي يوحي بأنها لم تكن تقبل ليس بذلك فحسب بل حتى بالتفكير فيه، فهي بما هي عليه الآن من إصرار على الباطل وتكبر على الحق وفساد وعناد في الأرض تحاول تدمير ذالك الطريق وقطع ذلك الخط أمام الشعب حتى لا يكون هناك عودة أو ثمة أمل في العودة الى جادة الصواب.
إنها الكارثة التي كان بن شملان ورفاقه في أحزاب المشترك يحذرون منها خلال الانتخابات الرئاسية في 2006م، لذا السلطة الآن تعمل على طمس تلك التجربة وتشويهها لتقول للناس إنها رجس من عمل الشيطان وهي لا تدرك أن الجن والشياطين لم يعد لهم من عمل بعد أن قامت هي مقامهم.
إن سلطة المؤتمر حالها في إدارة شؤون البلاد والعباد كحال الرجل الذي تعلم السحر وعكف على تحضير الجن، وعندما استطاع تحضيرهم عجز عن التخاطب معهم، فأراد أن يصرفهم فما استطاع الى ذلك سبيلا وبعد عناء وجهد شديد قرر العيش معهم في بيته لتدفع القرية ومن فيها ثمن ذلك التعايش.
رحم الله فيصل بن شملان الحاضر في قلوب البسطاء والفقراء والمظلومين والمقهورين في هذا البلد الذي لم يعد سعيداً، رحم الله بن شملان الحاضر والمتمثل بقيم الحق والعدل والصفاء والنقاء والحرية والشجاعة والنزاهة والكرامة.
رحم الله بن شملان الذي اختاره الحق الى جواره ليكون شاهداً على واقع، رفض الخصوع والإذعان للحق بقيمه وصفاته.