Home Articles Orbits المشترك بين مخاوف التشظي ومقتضيات مواجهة مساعي الاستحواذ
المشترك بين مخاوف التشظي ومقتضيات مواجهة مساعي الاستحواذ
محمود شرف الدين
محمود شرف الدين

بأسف كبير همس لي كثيرون بعبارات الحسرة وعدم الرضى عن اداء المشترك في المرحلة الراهنة وبالذات منذ بدأ مؤتمر الحوار الوطني اعماله قبل اشهر ثلاثة من الآن ،والحقيقة- رغم دفاعي - إلا انني اشاركهم هذا الاستياء، فالمشترك الذي صمد عشر سنوات ونيف في مواجهة اعتى ضربات التفكيك ومحاولات زرع الخلافات وأعد برنامجاً مشتركاً للإصلاح السياسي والاقتصادي في 2005م وتلته رؤية للإنقاذ الوطني فضلاً عن انه خرج حيال الكثير من الاحداث والقضايا بمواقف مشتركة دون تباين ؛ لكنه بدا الآن - دون جهود تذكر من نظام سابق او لاحق- متفككا في كثير من مواقفه رغم عدم وجود خلافات جوهرية في كثير من القضايا التي قدمت حيالها احزابه رؤى متفرقة كلا على حدة وفيما يخص القضايا الجنوبية او صعدة او شكل الدولة وما الى ذلك من تباين في غير محله، في حين كنا ننتظر منه رؤى مشتركة لكل ذلك تسهل من مهمة الحوار الوطني بالضغط في اتجاه مواجهة رؤى و وجهات نظر المكونات الاخرى من خلال ما فيها من حلول وسطية تحظى بقبول معظم اعضاء الحوار الوطني وتبدد مخاوفهم .

لكنه كما يبدو وجد في مؤتمر الحوار متنفساً يقدم فيه كل طرف فيه افكارا متباينة لقضايا فرعية معظمها لمجرد الظهور بخلاف الآخر ، فمن يقف امام رؤى احزاب المشترك يجد نفسه أمام صياغات مختلفة لمضمون واحد؛ وكان بالإمكان تفادي ذلك كله برؤية واحدة تضم مطالب الجميع لتحقيق دولة مدنية تحقق المواطنة المتساوية وتوجد العلاج الحاسم للقضايا الرئيسية الشائكة.

لقد قدمت المشترك بما هو عليه قبل مؤتمر الحوار في ورقة طرحتها على مؤتمر الانتقال الديمقراطي بعد ثورات الربيع الذي عقد في تونس قبل شهرين ونيف نموذجا للتوافق بين العلمانيين والاسلاميين واجدني الآن على مشارف الافصاح عن نهاية قريبة لهذه التجربة بالاستناد الى فرضية استمرار ماهو قائم الآن.

 

جثامين الشهداء والمخفيين

وأقف هنا امام ابسط القضايا ببعديها الاخلاقي والانساني وفي الصدارة منها الكشف عن جثامين الشهداء ومصير المخفيين التي لا تجد حولها التفافاً مشتركاً من كافة احزاب المشترك فكيف بالمكونات الاخرى ، حيث اصبحت قضية تخص التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري واسر الشهداء والمخفيين ،بل هناك تباين حولها ربما كان هو السبب في عرقلة مشروع قانون المصالحة والعدالة الانتقالية الذي يتجاوز قضية مهمة كهذه بالرغم من ان المسئول عنها هو النظام السابق ولا مبرر لخلاف اطراف المشترك حولها.

 

الاخلال بالشراكة

في الجانب الآخر هناك فيما نتابعه هذه الايام عبر الصحف والقنوات تجاذبات هي اشبه بالحرب الباردة بين اطراف المشترك في حكومة الوفاق بحاجة لأكثر من تفسير لكن مهما كانت دوافعها فإنها توحي بنوع من الفشل في العمل التشاركي وتغليب المصالح الحزبية الضيقة على ما هو اسمى من التوافق والمبادرة الى ان يكمل كل طرف جهود الآخر، فالذي لا استطيع فهمه في صحف ومواقع مصبوغة بالاستقلالية رغم وضوح تبعيتها ايدلوجيا للإصلاح غفلتها عن العدو الحقيقي الذي يتربص بالوطن ويعمل على تخريبه وتدميره وتشظيه بشكل يومي والمتمثل في المخلوع وبقاياه والانصراف الى التركيز في حملة غريبة على الوزير واعد باذيب والدكتور ياسين سعيد نعمان ،وبمعلومات متسرعة وغير دقيقة كانت مصدر احراج لها فيما بعد ، عندما تبينت ان ياسين ليس لديه نجل يدعى محمد ،كما لم افهم استخدام قناة كسهيل تغرير قيادي في حزبها على وزير الادارة المحلية لتعيين شخص مدير المديرية اتضح فيما بعد زيف هذه التزكية التي قبلها الوزير تقديرا للشراكة ،كنقطة للإدانة على الوزير في لقاء مباشر.

وفي ذلك اخلال بالشراكة كونها مجرد تفخيخ بأخطاء صنعت تحت غطاء الثقة التي صنعها واقتضاها العمل المشترك ، في حين تتكتم احزاب في المشترك على ألمها الذي تواريه خلف اشارات ايحائية تطلقها بين الحين والآخر على ما يجري من زحف للسيطرة على مؤسسات تعليمية وامنية وقضائية ومالية واعلامية وتنموية من حزب هذه (المواقع والصحف) والذي انتقل من صراع السيطرة على الوظيفة الى صراع التسميات ؛مما زاد من حدة التوجس والريبة لدى الشركاء في أن هناك توجهاً للسيطرة الكلية على مفاصل الدولة المهمة باتجاه تكريس حكم الحزب بدلا عن الفرد الذي ثرنا عليه جميعا.

 

 تعيينات مريبة

ما يعزز ذلك تلك التعيينات المتتالية للوكلاء في الوزارات والمحافظين ورؤساء المصالح والهيئات والتي تصب في اتجاه صبغ جهاز الدولة بلون واحد واغفال بقية الالوان الاخرى وما ان نلتمس العذر لهادي في واحدة ؛حتي تأتي الاخرى بما هو انكى منها ، من حيث تركيز لهذا الطرف بشكل مريب بل ومستفز يتجاوز الكفاءة والتخصص ويفكك المؤسسات بالدخلاء عليها، فمن يا ترى يقف خلف هذه التعيينات ؟ وما مبررات هادي لاعتمادها؟؟

 

انتقاص واخلال بالتوازن

بدءاً من تشكيل حكومة الوفاق حيث تم الانتقاص من حصة الناصري في الحقائب من 11%الى 5% ولكنه تجاوز ذلك حرصا على المصلحة العامة وتقديرا للشراكة وواحدية الدور والمهمة، ليتم استبعاده بعد ذلك من اللجنة الفنية ، ومن المحافظين ،ومروراً بوكلاء وزارات المالية والتخطيط وغيرهما ، حيث جرت عملية استبعاد بحق احزاب اربعة ان لم يكونوا خمسة بل ان عملية حجز تعرضت لها قرارات تعيين لمدراء نواحي تخص الناصري والاشتراكي والحق والاتحاد تعرضت لعملية قرصنة ولم يفرج عنها حتى الآن رغم انها المواقع الوحيدة التي مثلت فيها كل اطراف المشترك والمؤتمر بعكس الوزرات الاخرى التي اصبحت مصبوغة بلون واحد حتى التي على رأسها شخصيات ثورية مستقلة ، حيث اصبحت توجهاتها واضحة من هوية مدراء مكاتبها،واما لجنة التوفيق ففيها اصبحت احزاب جديدة لازالت مجرد تسميات وفي نفس الوقت هي اطراف صراع معنية بالوفاق الذي تفتقد وسائله وادواته ،انه الاخلال بالمعايير وبالتوازن .

مايجري للأسف يعيدنا الى المربع الاول ويذكرنا بالعامين اللذين تبعا حرب صيف 94م بما شهدنا فيهما من محاصصة وتقاسم افضى الى تدمير لأسس الدولة الدستورية والقانونية والمؤسساتية لصالح تكريس سلطة الفرد وادخال اليمن في دوامة مواجهة التوجهات الشمولية واصباغ الطابع العائلي على طبيعة الحكم ؛ وهو ما كلف اليمن كثيراً وجعلنا ندفع ثمنه حتى اليوم ان لم نظل ندفعه لسنوات قادمة .

 

 الانتقالية..لماذا !؟؟

هي فترة زمنية تلي ثورات شعبية تعطى فيها الشعوب والاحزاب فرصة لترتيب اوضاعها ودراسة خياراتها وتأهيل نفسها لخوض غمار المنافسة في انتخابات حرة ونزيهة ،وبالذات الاحزاب التي ظلت عرضة للتصفيات والملاحقة والاعتقال والتضييق والتهميش والاقصاء طوال فترة الحكم الشمولي المستبد ،والتي وجدت بفعل الثورة الشعبية فرصتها للتنفس والحركة بحرية للملمة شتاتها وبناء مؤسساتها وتوفير البنية التحتية التي افتقدتها والالتحام بجماهيرها وحشد الناس حول برامجها بعد ان زال الخوف من الانتهاك والمطاردة والمحاربة في الوظيفة و لقمة العيش، وهنا تجب مساعدتها على ان تهيئ نفسها كما انه من الاجحاف ان يظل التعامل معها على انها احزاب صغيرة ذنبها انها لم تكبر او صغرت بفعل صراعها مع النظام السابق ورفضها مصافحته يوما من الايام رغم العوز والحاجة التي عاشتها ،وصنوف التنكيل التي تعرضت لها قياداتها وكوادرها ،فالاشتراكي الذي كان في السلطة ليس هو الاشتراكي اليوم لأنه افتقد عوامل مساعدة على التوسع والتطور؛ بعكس الاحزاب الكبيرة الاخرى التي كانت تجني ثمار السلطة وهي مع المعارضة بفعل تنقلها من دور الحليف الى المعارض والعكس.

ان هناك حاجة ماسة لفرصة متكافئة لهذه الاحزاب حتى تكون قابلة للمقارنة بالأحزاب الكبيرة بتمكنها من تحقيق وجودها الحقيقي وذلك امر يأتي ضمن اهداف الفترة الانتقالية في التهيئة لدولة مدنية قائمة على التوازن والشراكة التي تتعارض مع الاقصاء او التهميش الحاصل والذي يصب في تكريس سلطة الحزب بدلا عن الفرد.

الاستعوار من المدنية

هناك خلل كبير يعتري فترة ما بعد الثورة حيث لا زالت هناك نظرة استعوار وانتقاص لصفتي المدنية والحداثة ممثلة بالأحزاب التي تخلو من القوى التقليدية ومراكز القوى ،وتفتقر الى راس المال وليس لديها ترسانة من الاسلحة والمسلحين، وهنا تكمن المشكلة التي قد يتفرق بسببها مؤتمر الحوار دون توافق وبالتالي اعاقة بناء يمن ديمقراطي مدني بمواطنة متساوية فيها نظام وقانون يطال الجميع.

 

معركتنا الحالية

وبالتالي فان معركة شباب الثورة في المرحلة الحالية تكمن في مواجهة هذه النظرة الرجعية والمتخلفة واعادة الاعتبار للقوى المدنية والانتصار للتوازن السياسي واعلاء قيم وحقوق الانسانية والحريات الشخصية والسياسية، فليس من المقبول عقلاً ومنطقاً ان لا يعرف التنظيم الناصري مكان جثامين شهدائه ومصير مخفييه لانه مدني لا يمتلك مليشيات مسلحة ،في حين انه اول من ادرك مساوئ نظام صالح الرجعي والمتخلف فقاد ضده اول ثورة سلمية عام 78م لم يكتب لها النجاح وفقد خلالها معظم قياداته في عملية إبادة وحشية تلتها عملية اخفاء للجثامين كما هو دأب الانظمة الوحشية والاستبدادية وبالتالي فانه ليس بوسع احد الانتقاص من دوره وتضحياته في ثورته الاولى اوفي الثورة الشعبية الاخيرة ؛ كما انه لن يقبل - ومعه كل من يؤمنون بالشراكة الحقيقية والفعلية - باي اقصاء او تهميش يتعرض له بسبب رفضه التحالف مع قوى تقليدية ورجعية على حساب الوطن ودماء شهدائه واهدافه ومبادئه وذاك ما ينبغي ان يدركه الكبار والصغار كي يعيدوا حساباتهم على ضوئه وفق رؤية او صيغة جديدة للشراكة تواكب تطورات المرحلة وتلبي متطلبات التغيير السياسي الذي تحقق فيها.