Home Articles Orbits المناضل المردعي .. وداعا
المناضل المردعي .. وداعا
علي عبدالله سعيد القادري المردعي
علي عبدالله سعيد القادري المردعي

فجعت‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬هذا‭ ‬الاسبوع‭ ‬برحيل‭ ‬المناضل‭ ‬محمد‭ ‬عبادي‭ ‬حسن‭ ‬المردعي‭ ‬الذي‭ ‬وافاه‭ ‬الأجل‭ ‬ببريطانيا‭ ‬حيث‭ ‬استقر‭ ‬بها‭ ‬مهاجراً‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‮.‬
الفقيد‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬قرية‭ ‬قرنة‭ ‬جبل‭ ‬جحاف‭ ‬الضالع،‭ ‬وقد‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الأولي‭ ‬بقرية‭ ‬العدف‭ ‬ثم‭ ‬بقرية‭ ‬الحود‭ ‬واستكمل‭ ‬دارسته‭ ‬للعلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬بجبلة،‭ ‬وعندما‭ ‬انطلقت‭ ‬ثورة‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬1963م‭ ‬كان‭ ‬الفقيد‭ ‬من‭ ‬المجاميع‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تحملت‭ ‬مسؤولية‭ ‬إشعال‭ ‬الثورة‭ ‬بمنطقة‭ ‬الضالع‭ ‬الى‭ ‬جوار‭ ‬المناضلين‭ ‬أمثال‭ ‬علي‭ ‬عنتر‭ ‬وعلي‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬هادي‭ ‬وصالح‭ ‬مصلح‭ ‬ومحمود‭ ‬قائد‭ ‬الشعب‭ ‬وقاسم‭ ‬سيف‭ ‬وعلي‭ ‬مسعد‭ ‬حسن‭ ‬وعبدالله‭ ‬حمود‭ ‬السنمي‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثيرون‮.‬‭ ‬وعندما‭ ‬بدأ‭ ‬خلاف‭ ‬الثوار‭ ‬أوائل‭ ‬1966م‭ ‬كان‭ ‬موقفه‭ ‬حاسماً‭ ‬باختيار‭ ‬الانتماء‭ ‬الى‭ ‬التيار‭ ‬الناصري‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬شكلوا‭ ‬فرقة‭ ‬الوحدة‭ ‬التابعة‭ ‬للتنظيم‭ ‬الشعبي‭ ‬للقوى‭ ‬الثورية‭ ‬بقيادة‭ ‬رفيق‭ ‬كفاحه‭ ‬المرحوم‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬هادي،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1966‭ ‬توجه‭ ‬الى‭ ‬قاهرة‭ ‬المعز‭ ‬ومصر‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ليلتحق‭ ‬بالكلية‭ ‬الحربية‭ ‬ليكونوا‭ ‬نواة‭ ‬لجيش‭ ‬التحرير‭ ‬وكان‭ ‬معه‭ ‬رفيق‭ ‬دربه‭ ‬وابن‭ ‬قريته‭ ‬المناضل‭ ‬الجسور‭ ‬والعقائدي‭ ‬الصلب‭ ‬والقيادي‭ ‬الفذ‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬محسن‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬حميد‮»‬،‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الثوري‭ ‬أمثال‭ ‬هادي‭ ‬عامر،‭ ‬وعلي‭ ‬الكسادي،‭ ‬وصالح‭ ‬العريفي،‭ ‬وعلي‭ ‬عبداله‭ ‬حسين،‭ ‬وعلي‭ ‬محمد‭ ‬نعمان،‭ ‬وعبدالقوي‭ ‬محمد‭ ‬ناجي‭ ‬العربي،‭ ‬وفضل‭ ‬ناصر‭ ‬أمذيب،‭ ‬وناجي‭ ‬عبادي‭ ‬حسن‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬المناضلين‭ ‬الذين‭ ‬تدربوا‭ ‬بمعسكر‭ ‬المقطم‭ ‬بالسويس‭ ‬ومعسكر‭ ‬حلوان‭ ‬بالقاهرة‭ ‬وشكلوا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬كتائب‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‮.‬
وقد‭ ‬صادفت‭ ‬فترة‭ ‬تخرج‭ ‬هذه‭ ‬الكتائب‭ ‬وعودتها‭ ‬الى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬بنشوب‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الأولى‭ ‬بعدن‭ ‬بين‭ ‬الجبهة‭ ‬القومية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬الاتحاد‭ ‬النظامي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وجبهة‭ ‬التحرير‭ ‬والتنظيم‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬الى‭ ‬انتصار‭ ‬هابيل‭ ‬على‭ ‬قابيل‭ ‬ولأسباب‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬مجالها،‭ ‬فإن‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬قد‭ ‬استقر‭ ‬بمعسكر‭ ‬الحوبان‭ ‬بتعز‭ ‬وعندما‭ ‬قامت‭ ‬القوات‭ ‬الملكية‭ ‬والمرتزقة‭ ‬الأجانب‭ ‬بحملتهم‭ ‬الشهيرة‭ ‬الهادفة‭ ‬الى‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حاصروا‭ ‬صنعاء‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭ ‬فإن‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولياته‭ ‬تجاه‭ ‬الوطن‭ ‬وقاموا‭ ‬بالتصدي‭ ‬للأعداء‭ ‬وقاتلوا‭ ‬قتال‭ ‬الأبطال‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معركة‭ ‬لعل‭ ‬أخلدها‭ ‬معركة‭ ‬نقيل‭ ‬يسلح‭ ‬التي‭ ‬قدموا‭ ‬خلالها‭ ‬سبعين‭ ‬شهيداً،‭ ‬كما‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬مناخة‭ ‬وبني‭ ‬مطر‭ ‬والنهدين‭ ‬وجبل‭ ‬الطيال‮.‬
وكان‭ ‬الفقيد‭ ‬محمد‭ ‬عبادي‭ ‬يشارك‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوات‭ ‬المظلات،‭ ‬وبعد‭ ‬انتصار‭ ‬الثورة‭ ‬وسقوط‭ ‬آخر‭ ‬أمل‭ ‬للملكية‭ ‬بدأ‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬تصفيات‭ ‬جسدية‭ ‬بين‭ ‬التيارات‭ ‬السياسية‭ ‬للقوى‭ ‬الجمهورية،‭ ‬والتي‭ ‬ذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناضلين‭ ‬أمثال‭ ‬عبدالرقيب‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬والوحش،‭ ‬وصالح‭ ‬مثنى‭ ‬الرفاعي،‭ ‬والعزيق،‭ ‬وهما‭ ‬زملاء‭ ‬الفقيد‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬الضالع‭ ‬ثم‭ ‬عدن‭ ‬حيث‭ ‬مكث‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬محاولاً‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬لكن‭ ‬رفاق‭ ‬سلاحه‭ ‬الأوائل‭ ‬أغلقوا‭ ‬أمامه‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬عقاباً‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬انضمامه‭ ‬للتنظيم‭ ‬الشعبي‭ ‬مما‭ ‬اضطره‭ ‬للهجرة‭ ‬الى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬الاستقرار‭ ‬التي‭ ‬اتيحت‭ ‬له‭ ‬هناك،‭ ‬وحياة‭ ‬الرخاء‭ ‬ورغد‭ ‬العيش‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬الرجل‭ ‬وفياً‭ ‬لقناعاته‭ ‬ومبادئه‭ ‬مناضلاً‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬فانظم‭ ‬الى‭ ‬اتحاد‭ ‬العمال‭ ‬العرب‭ ‬وهو‭ ‬أداة‭ ‬عمالية‭ ‬ناصرية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬محمد‭ ‬عبدالكريم،‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬عبدالوارث،‭ ‬ومهيوب‭ ‬حزام،‭ ‬وقد‭ ‬زرت‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1977م‭ ‬وفوجئت‭ ‬بقيادة‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬وبعض‭ ‬أعضائه‭ ‬يوجهون‭ ‬لي‭ ‬دعوة‭ ‬للالتقاء‭ ‬بهم‭ ‬وخلال‭ ‬اللقاء‭ ‬قرروا‭ ‬ان‭ ‬يكونوا‭ ‬تنظيم‭ ‬ناصري‭ ‬مؤقت‭ ‬الى‭ ‬حين‭ ‬تشكيل‭ ‬تنظيم‭ ‬بأرض‭ ‬الوطن،‭ ‬وفي‭ ‬أغسطس‭ ‬1977م‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬تأسيسي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬شغد‮»‬‭ ‬حضره‭ ‬ثلاثون‭ ‬شخصاً‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬البريطانية‭ ‬وانتخبت‭ ‬قيادة‭ ‬لهذا‭ ‬التنظيم‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬الفقيد‭ ‬محمد‭ ‬عبادي‭ ‬حسن،‭ ‬وتم‭ ‬تكليفي‭ ‬وتكليف‭ ‬الأخ‭ ‬الذي‭ ‬انتخب‭ ‬مسؤول‭ ‬أول‭ ‬بالسفر‭ ‬الى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬تنظيم‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬والاندماج‭ ‬فيه،‭ ‬وقد‭ ‬اعتذرت‭ ‬عن‭ ‬السفر‭ ‬بحجة‭ ‬مرض‭ ‬زوجتي‭ ‬وسافر‭ ‬الأخ‭ ‬الآخر‭ ‬وعندما‭ ‬قامت‭ ‬الوحدة‭ ‬اليمنية‭ ‬1990م‭ ‬عاد‭ ‬الى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن‭ ‬بغرض‭ ‬الاستقرار‭ ‬نهائياً،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬وكيلاً‭ ‬مساعداً‭ ‬لوزارة‭ ‬النقل‭ ‬ولكنه‭ ‬صدم‭ ‬مما‭ ‬رآه‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬النظام‭ ‬وتفشي‭ ‬المحسوبية‭ ‬والمناطقية‭ ‬والهيمنة‭ ‬فقرر‭ ‬الاغتراب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬حيث‭ ‬استقر‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬هناك‮.‬
هذه‭ ‬لمحات‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الرجل‭ ‬حاولت‭ ‬استخراج‭ ‬بعضها‭ ‬سريعاً‭ ‬لمعرفة‭ ‬حجم‭ ‬الخسارة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الوطن،‭ ‬وأي‭ ‬عملاق‭ ‬قد‭ ‬ترجل‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬النضال،‭ ‬وأي‭ ‬رجل‭ ‬فقدته‭ ‬أسرته‭ ‬وزملاؤه‭ ‬ورفاق‭ ‬دربه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الردئ،‭ ‬الذي‭ ‬تكاد‭ ‬تختفي‭ ‬فيه‭ ‬شهامة‭ ‬الرجال‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬تختفي‭ ‬فيه‭ ‬الرجولة‭ ‬ذاتها،‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الفقيد‭ ‬محمد‭ ‬عبادي‭ ‬حسن‭ ‬صالح‭ ‬المردعي،‭ ‬وألهم‭ ‬أهله‭ ‬وذويه‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‮..‬
إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون

‭> ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬سعيد‭ ‬القادري‭ ‬المردعي