Home Articles Orbits الأستاذ أحمد جابر عفيف في ذمة الله
الأستاذ أحمد جابر عفيف في ذمة الله
د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح

أعترف بداية، بعجزي في هذه اللحظات الحزينة عن التعبير عن فجيعتي الشخصية برحيل المربي الكبير فقيد الوطن الأستاذ أحمد جابر عفيف، وأتساءل: كيف سأتحدث عن أستاذ وصديق وجار ورائد سبق عصره في كثير من المواقف والإنجازات؟ ومن حقي أن أحتار وأن أعجز عن التعبير، بعد أربعين عاماً من الصداقة التي ظلت متوهجة، رغم ما يصيب الصداقات في زمننا الرديء من انكسار وإحباط، نتيجة ما يعترض الحياة من مشكلات، وما يتقاطع معها من صغائر يصوغها الآخرون، ويبرعون في اختراع بعضها من العدم. وكما كان الأستاذ أحمد جابر نموذجاً للصديق الصبور الحنون، فقد بدأ حياته مدرساً ثم مديراً للمدرسة، ومستشاراً لوزارة المعارف، قبل أن يتحول اسمها في عهد الثورة إلى وزارة التربية والتعليم. وكان ارتباطه الوثيق بالتعليم منذ وقت مبكر قد جعله نموذجاً للمربي، والوطني الحريص على إعداد الأجيال لزمن غير زمنهم، ولم يعرف الإحباط طريقاً إلى نفسه، أو يدخل اليأس إلى قلبه في يوم من الأيام رغم كثرة المصاعب وتنامي أسباب الإحباط.

وأتذكر أنه في أيام توليه لوزارة التربية والتعليم بدأت فكرة تنفيذ إنشاء أول جامعة في البلاد، بعد أن كانت تراود أذهان الكثيرين بعد قيام الثورة مباشرة، وحال دون تحقيقها أسباب وعوامل شتى، ليس أقلها مستوى التعليم العام في ذلك الحين، وعدم وجود مدرسة ثانوية واحدة تتسم بالحد الأدنى المطلوب. وفي عهده خرجت جامعة صنعاء إلى النور، وبدأت بعشرات الطلاب، ولم يمر سوى عقدين من الزمن حتى كان عدد طلابها يفوق المائة ألف طالب، وكلياتها تتجاوز العشرين كلية، داخل العاصمة، وفي عدد من المحافظات. ولم تقتصر جهود عمله الوطني على مجال التربية والتعليم، بل امتدت إلى حقول أخرى مختلفة تماماً، كان من أبرزها رئاسته لبنك الإسكان، الذي استطاع من خلاله أن يحل مشكلات عدد من المثقفين الذين أضناهم البحث عن سكن مناسب، فكانت المدينة السكنية الأولى في العاصمة.

ومن المهم أيضاً الإشارة إلى إسهامه الذي لا ينكر في لجان الوحدة، التي قرّبت التواصل بين أشقاء الوطن الواحد، وحدّت من شقة الاختلافات بين قيادتي الوطن الواحد. وبأسلوبه المهذب الراقي نجح في أن يجعل من اللجنة التي أوكلت إليه مدخلاً إلى الفهم الحقيقي والمنطقي لموضوع الوحدة، بوصفها ضرورة وطنية دائمة لا مطلباً سياسياً آنياً. وقد احتفظ بملف خاص عن محادثات الوحدة، الملف الذي كان وسيظل مرجعاً مهماً في شأن الوحدة التي تحققت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وكانت هدفاً نبيلاً سامياً استحق كل ما بذله العقلاء في الشطرين من جهود مخلصة، انطلاقاً من أن الأوطان المنقسمة على نفسها المهددة بالصراعات والمعارك الدموية المتلاحقة، لا تستطيع أن تقيم تنمية، أو مواطنة، أو أن تعد أبناءها للمستقبل الأفضل، وهي أعجز من أن تواجه خصومها وأعداءها الطامعين في تدميرها وتأخير عوامل تطورها.

وما من شك في أن مؤسسة العفيف الثقافية كانت آخر اللفتات النبيلة التي أقامها الأستاذ أحمد جابر في جزء من منـزله، وأعطاها من عنايته واهتمامه ما جعله يتفرغ لها في السنوات الأخيرة من حياته، فأصبحت إحدى المنارات التي لم يتوقف نشاطها واتساعها، بعد أن أثبتت وجودها، وصارت مكتبتها وبرنامجها الأسبوعي محط أنظار المواطنين وغيرهم من زوار الوطن ومحبي الإبداع والثقافة. وتظل الموسوعة التي أصدرتها المؤسسة -رغم أية ملاحظة يمكن أن تقال- أول مشروع وطني موسوعي يسعى إلى إلحاق الوطن بعصر الموسوعات التاريخية والعلمية. وسيكون من الصعب في لحظة حزينة كهذه الوداعية، وفي زاوية قصيرة كهذه، تعداد المناقب والإنجازات التي حققها الراحل الكريم، تغمده الله بواسع رحمته. والبقاء لله وحده.

الشاعر زيد الوطحي في ديوانه (يافعية):

من يافع، موطن الشعر والبن والثورة والوحدة، يأتي هذا الديوان الذي يعد بحق إضافة جديدة إلى ما أبدعه إنسان هذه البقعة الشامخة من الوطن الحبيب. وقد جمع الشاعر فيه قصائده الوطنية والقومية والغنائية وهي جميعها تكشف عن شاعر موهوب ومتمرس في كتابة الشعر الشعبي بأشكاله وإيقاعاته المختلفة. وللديوان مقدمة بقلم الدكتور مبارك خليفة، الأستاذ في كلية الآداب بجامعة عدن، مع إشارة مكثفة وموجزة على الغلاف بقلم النائب الدكتور عيدروس نصر ناصر، ويقع الديوان في 234 صفحة من القطع الكبير.

تأملات شعرية:

 

لست أبكي على الراحلين

ولكنني يا الأحبةُ

أبكي عليَّ

واستنـزل الرحمات لهم،

ولروحي.

كلما استنـزف الشعرُ فيضَ الدموعِ

من القلبِ

 عادت ومَدتْهُ بالكلماتِ

جروحيْ!

ــــــــــــــــ

عن الثورة