يمثل الحوار ارقى انوع التحضر والتمدن.. وحين تقتنع به جماعة او أي مكون من مكونات المجتمع فذلك تجسيد لعقليات متنورة تضيئ طريق الرشد وتنبذ العنف وتقبل الاخر، وعدا ذلك فان الحرب هي البديل المحتمل والوحيد ربما للحوار..
اقول ذلك وانا لا اعني ما يجري في اليمن من حوار استهلك وقته الزمني دون معالجة ما وجد من اجل من قضايا هامة وأزمات معقدة، بل اتحدث عن الوضع في مصر العروبة وعن شعبها العظيم الذي يستمد عراقته من التاريخ التليد لمصر وحضارتها العريقة والموغلة في القدم، الذي نعده رصيد للمصريين خير اجناد الارض ولنا جميعا.
وما يجري اليوم في مصر من زخم ثوري رائع وتفاعل بين اجيال ناضلت وأخرى تغيبت وجيل صاعد يحمل العروبة بعزيمة وإيمان بحق الانتصار الشعبي ,هذا الشعب المعلم استطاع عبر الزمن ان يقهر التحديات ويتجاوز المؤامرات، مرفوع الهامة منتصب القامة واخر تلك الانتصارات ما حققه في 30 يونيو المنصرم كثورة شعبية هي امتداد لثورات سابقة وتصحيح لمساراتها لتظل الذاكرة المصرية في تفاعل دائم بين زهو الثورة وجرح الواقع !
وتفقد الثورات طعمها المستساغ ما لم تلم الشتات وتدمل خدوش الجراح وتؤسس للتعايش بين جميع مكونات وطوائف الشعب المصري الذي جسد اروع النماذج في التعايس السلمي والقبول بالاخر رغم الاختلاف عنه في الدين او المذهب.
ومن اجل ذلك فان اهم ما تحاج اليه مصر في الوقت الراهن هو حوار لكل القوى السياسية بمن فيهم الاخوان المسلمين وبدون شروط مسبقة او حواجز قد تعيق الحوار وتوسع الشقه بين مكونات الشعب، حتى تستطيع مصر السير قدما نحو الامام لتكون بحجم الدنيا التي هي ام لها.
ولنا في ثورة يوليو القومية ابلغ العبر وهي التي طوت صفحة الماضي ونظرت نحو الامام بايدي بيضاء وقلوب نقية وصافية وقبلت بالتنوع رغم رفض البعض له، فهل تجسد ثورة 30 يونيو مسلك الثورة الام.
من الاجحاف القول ان الاخوان المسلمين سقطوا واختفوا من خارطة الجيوسكانية في مصر، ومن يؤمن بذلك واهم او مكابر، كما ان التفكير باقصاء قوة سياسية بحجم الاخوان المسلمين في مصر امر في غاية الصعوبة وهو ايضا امر يتنافى مع اسس اللعبة السياسية في العصر الحديث. الاخوان وان سقطوا من قمة هرم السلطة وخسروا الكثير من رصيدهم الشعبي المؤيد الا انهم لا يزالون يشكلون رقما صعبا في المعادلة السياسية المصرية وهذا امر لا يحتاج الى الكثير من التحليل او التعمق لادراكه. لا يمكنهم ان يسقطوا تنظيميا وهم يتمتعون بخبرة طويلة وتجربة تمتد لعقود طويلة من السنوات. كما لا يزال لهم رصعيد شعبي لا يجب تجاوزه او انكاره مثلما انه من الغير لائق التعامل مع كل اخواني او امراة محجبة بصورة عدائية دون ان يصدر من هذا او تلك أي عمل مشين.
انا هنا لا ادافع عن الاخوان المسلمين الذين عليهم ان يحترموا الشرعية الشعبية التي خرجت في متلف ميادين مصر رفضا لادارة واسلوب حكم مرسي وجماعته وعشيرته، وان اعتبروا ما حدث انقلاب عسكري فعليهم التعامل بعقل ومنطقة وحنكة سياسية والانحناء للعاصفة والتسليم بالامر الواقع ليتمكنوا من اعادة ترتيب اوراقهم والدخول في معترك سياسي جديد يكونوا فيه اكثر قدرة على ادراك المربعات التي يجب ان يتحركوا فيها وعدم استعجال راس السلطة ما لم يكونوا قد اختبروا اسلوب الحكم واختاروا من هو اكثر كفاءة وقدرة على ذلك والاستفادة من دروس الماضي في عدم الاقصاء والقبول بالشراكة والتعدد.
في المقابل فان استمرار اعتقال اعضاء في جماعة الاخوان المسلمين والاسراف في اطلاق التهم والمحاكمات تصرف لا يخدم مصر على الاطلاق.. من اجل مصر على الجميع التسليم بالواقع والاعتراف بكل القوى والتعامل بشفافية ودمل الجراح وتفويت الفرصة على المال الخليجي في اغراق دول الربيع العربي بالفوضى والاقتتال.
لن يكون هناك نصرا حقيقا بدون رص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية والعمل بصدق وحكمة ومعالجة كل اخطاء الماضي من خلال مصارحة حقيقة وقبول النقد ضمن مراجعة شاملة والعمل على انجاز دستور اجماع يختاره ويشارك فيه كل الشعب المصري ليظل المرجعية الحقيقة، واحسب ان المناضل الجسور حمدين صباحي صاحب المشروع العربي الحضاري سبق غيره في طرح فكرة الدستور قبل الانتخابات ولو تم ذلك لما حصل كل هذا ورغم التعقيدات اتمنى من النظام الحاكم في مصر وقوى الثورة قبول الحوار مع الاخوان لأنها الطريق السليم لإنقاذ مصر والأمة، فمصر هي الفنار الذي تهتدي به بقية الاقطار العربية.