Home Articles Orbits هل سيستثمر اليمن الفرصة المتاحة؟
هل سيستثمر اليمن الفرصة المتاحة؟
جمال محمد تقي
جمال محمد تقي
فرصة اخرى تتوفر امام النظام في اليمن وتحديدا امام رئيسه علي عبدالله صالح وطاقم حكمه من عسكريين ومدنيين لانقاذ اليمن من مخاطر الانهيار، فما زال شبح المجهول يخيم على المشهد اليمني وما زال أولي الامر يكابرون ويتمسكون بمواقفهم المتنكرة للمشكلات العميقة التي تعاني منها البلاد والتي جعلت الكثير من العباد في حالة يأس وثبور وتشائم من امكانية حصول اي تغيير واصلاح حقيقي ينعكس على طبيعة حياتهم القاسية وكل هذا يدفعهم للسخرية حتى من الشعارات التي كانوا انفسهم يتغنون بها ويناضلون في سبيلها كالوحدة والاستقلال والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، الاكثرية من الشعب اليمني متحفزة على التطلع لمخارج حقيقية لازماتها المزمنة وانفراجات للانسدادات المتراكمة في وجه مصائرها وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية، من خارج منظومة الدولة القائمة، فالوضع المتفاقم امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا يجعل اليمن مشرع الابواب امام التدخلات الخارجية وربما الحروب الاهلية مما سيضاعف عوامل التشرذم والتآكل الحاصل في الدولة والمجتمع ويعرضهما للانهيار او التصادم، فالدولة تزداد عزلة كلما تقوقعت حول نفسها ونشاطها يعاني جزرا كلما ضعفت اطرافها فكيف الحال اذا كان وجودها اصلا منحسرا ولعوامل تقليدية نتج عنها غياب النشاط الحضري عن مساحات شاسعة من البلاد واقتصارها على المدن والمواقع المهمة فيها؟ ان وجود الدولة لا يعني السيطرة الامنية ولا يعني وجود صارية ما يرفع عليها علمها هنا وهناك، الدولة بنى تحتية وطرق مواصلات حديثة، وادارة ناجحة للخدمات والموارد، الدولة كهرباء وماء صالح للشرب، الدولة خدمات صحية وتعليمية، الدولة خطط تنموية، ونهوض بالقطاعات الاقتصادية الخاصة والعامة، الدولة سدود ومشاريع زراعية لاستصلاح الارض وحفر الابار، الدولة توفير سبل مشاركة الافراد بالدورة الاقتصادية للبلاد، ومن ثم السبل لمشاركتهم السياسية، الدولة أمن للمواطن والوطن امن سياسي واجتماعي وغذائي وصحي، فكم من كل هذا تحققه الدولة في اليمن؟ نسبة متواضعة بكل المقاييس المعروفة، فالامن الوحيد الناجح في اليمن هو الامن الرئاسي، اما اشكال الامن الاخرى فهي تكاد تكون فاشلة جميعا بحسب خبراء اجتماع لندن الدوليين وبحسب بعض تقارير قوى المعارضة اليمنية!
  المقصود بالفرصة المتاحة هو شبه الاجماع الحاصل داخليا واقليميا وحتى دوليا على ضرورة التعامل مع مسببات وعلل المشكلات الداخلية في اليمن ومعالجتها بالمصالحة الوطنية والتعددية السياسية الحقيقية ونبذ سياسات التفرد والاستبداد والمركزية الخانقة ومحاربة الفساد والشروع بتنمية متوازنة وعادلة، وما يجعل كل هذا ممكنا هو تزايد اعداد وسطاء التصالح والمنح المقدمة من الدول المانحة والدعم العسكري والفني والتدريبي الذي ستحصل عليه اليمن لتعزيز امنها بوجه القراصنة وتنظيمات القاعدة، ان الحوار لوحده لا يكفي دون استعداد للتخلي عن السياسات والممارسات الاقصائية والاستحواذية السابقة ومن دون التفكير الجدي بوضع الجنوب الاداري وامكانية اعادة تنظيمه ليكون اقليم بادارة ذاتية له نسب عادلة من الميزانية العامة ومن الخطط التنموية التكاملية للموارد البشرية والطبيعية والصناعات الاستخراجية والتحويلية وريع الموانيء والمطارات، وتكون الكفاءة وحدها هي المعيار للوظائف العامة وليست معاير القبلية والحزبية او المناطقية، ان امكانية تحقيق ذلك كبيرة بعد انجاز خطوات جدية باتجاه المصالحة الوطنية مع الحوثيين وقوى الحراك الجنوبي وتحديدا الحزب الاشتراكي بقيادته التاريخية التي انجزت مشروع الوحدة الى جانب حزب المؤتمر الشعبي الذي يحكم البلاد بمفرده منذ حرب الاشقاء الوحدويين والتي ادت الى نوع من الهيمنة للعسكرية الشمالية على مجمل الحياة المدنية في الجنوب والشمال!
  مع احترامنا الشديد لذكاء الرئيس علي عبدالله صالح، فهذا الذكاء قد خانه عندما اعتقد بان الفرصة سانحة للانقضاض على كل الخصوم بعد وضعهم جميعا بسلة واحدة كتب عليها "محتويات ارهابية" وتحديدا بعد ردة الفعل الاميركية على محاولة التفجير الفاشلة للطائرة الاميركية على يد شاب نيجيري كان قد تم تدريبه في اليمن من قبل تنظيم القاعدة في جنوب جزيرة العرب، لكن الاميركان كانوا هذه المرة اقل حماقة عندما حاولوا تلمس انسب الحلول التي تصب بمصالحهم ومصالح الدولة اليمنية وباقل تكلفة ممكنة لانهم ادركوا ومن واقع التجربة خطورة الدفع باتجاه صوملة اليمن من خلال التدخل العسكري المباشر فيه والذي سيساهم حتما بانهيار الدولة الهشة وبالتالي اشتعال حرائق متعددة في ارض قابلة للاشتعال وقابلة للتمدد الى دول الجوار الممنوعة من اللمس اميركيا لمخزونها النفطي والنقدي الذي لا استغناء عنه، فكانت الدعوة لمؤتمر لندن الذي شاركت فيه 21 دولة بين مانحة ومعاضدة ومشاركة ومراقبة تحت عنوان مكافحة التطرف في اليمن، وكانت نتائج المؤتمر متوقعة وواضحة في البيان الختامي له والتي اكدت على برامج ملموسة لمعالجة البطالة واحداث تنمية تساعد على رفع المستوى المعاشي للسكان ومكافحة الفساد ومساعدة الحكومة على ملاحقة الارهابيين والقراصنة واجراء المصالحة الوطنية، هذه العناوين الواضحة والمعلنة صاحبها التزامات من قبل الحكومة اليمنية بعضها عسكري غير معلن وبعضها عمومي يؤكد على التنسيق وتبادل المعلومات والدعم العسكري، ان اندفاع القيادة اليمنية في التخادم غير المعلن مع الاذرع العسكرية الاميركية وقواعدها في دول الجوار على حساب سيادة واستقلال اليمن وأمنه الاستراتيجي ومن دون توافق سياسي وشعبي سيعرض اليمن كله لمخاطر الحروب بالوكالة التي تدمر ما تبقى من سلمه الاجتماعي في الاطراف والمراكز معا، وتجعله لقمة سائغة تلتهمها ماكنة التفخيخ الشرق اوسطي الجديدة والمبرمجة على اجندة تفجير الخرائط القائمة لتحل محلها دول ميكروسكوبية للملل والنحل ليسهل سوقها جميعا في جامعة تقودها الدولة العظمى والمدللة الوحيدة في هذا الشرق الجديد اسرائيل!
  كان رد الشيخ عبد المجيد الزنداني محذرا ومتوعدا على تصريحات رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الاميركي كارل ليفن والذي قال: "على اميركا ان تدرس امكانية اللجوء الى طائرات من دون طيار لشن غارات جوية وعمليات سرية لضرب تنظيم القاعدة في اليمن... ينبغي دراسة غالبية الحلول باستثناء اجتياح يقوم به الجيش الاميركي"، وكان خطاب حمود الهتار وزير الاوقاف والارشاد اليمني شبيها بتصريحات القربي وزير الخارجية في التاكيد على ان المشكلة مصدرة لليمن وانها تحتاج لتظافر جهود الجميع محليا واقليميا ودوليا لمواجهتها وان الدول المانحة لم تفي بوعودها لدعم التنمية في اليمن ألخ وكأن الدولة اليمنية ضحية دائما وليست هي من ساهمت بفسادها واستبدادها وانهماكها في تركيز السلطة بفشل كل برامج التنمية والاستقرار الاقتصادي على الرغم من ان اليمن اليوم ينتج النفط ويصدره!
  مصادر معارضة تدعي ان النظام قد منح الاميركان قواعد عسكرية ثابتة في جزيرة سقطري في خليج عدن كواحدة من الاجراءات السرية المتفق عليها بعد مؤتمر لندن، وان هناك مستشارين عسكريين اميركان يشرفون على قوات يمنية خاصة تستعين بالطيران الاميركي عند الضرورة لملاحقة من يرصد من مسلحي القاعدة على كل الارض اليمنية، وهذا ما قد يوهم النظام بانه محصن بالدعم الاميركي وعليه فهو ليس بحاجة للتجاوب مع المطالب المشروعة للمعارضة في الجنوب والشمال!
  اليمن يعاني في بعض اطراف سواحله الجنوبية وحدوده المتاخمة للسعودية من بؤر وتحركات قاعدية يمكن معالجتها بالاعتماد على المجهودات المحلية لو كانت هناك جبهة داخلية متماسكة، لكن في حالة التماهي الحكومي مع النوايا الاميركية والوضع الداخلي يعيش تمزقا لا ينكره انصار النظام نفسه، فان الاميركان غير معنيين كثيرا بالتمييز بين شيخ قبيلة مسلح وقاعدي مسلح وعليه سيكون دمار المواجهات الشاملة بين القبائل والفصائل من جهة وبين من يتبقى من الجيش الحكومي وقوى التدخل الاجنبي المباشر على اشدها، وهذا ماسيحصل بعد اعطاء الضوء الاخضر للانتربول الاميركي القاصف وبدون طيارين لملاحقة المشتبه بهم وسحقهم بقصف عشوائي لا يرحم ولا يهمه ان كان الضرب قد وقع على مضارب حاشد او كيلان او زندان اوشبوان او كايد، وحتى لو حاول التدقيق فان ما حصل في مناطق القبائل الباكستانية من فواجع تلحق بالمدنيين الابرياء هو خير مثال على غباء سلاح الضرب عن بعد والمسمى تجاوزا بالسلاح الذكي!
  فخامة الرئيس قد تصور انه وبعد الاتكال على قاعدة عدو عدوي صديقي التي سترهب او تصفي كل اشكال تحدي السلطة ان كانت قاعدية او غير قاعدية، سيريح نظام حكمه من عواصف تكاد تعصف به ويستريح لانه سيحصل على ما يتمناه من دون ارهاق قواه، في حين ان واقع الحال يقول بأن اعداء اعداؤه ليسوا بحريصين عليه ولا على اليمن بمقدار حرصهم على ضمان ان تكون الساحة اليمنية ميدان مفتوح يستدرج اليه كل من اراد مقاتلة اميركا وحلفاؤها من القرن الافريقي او جزيرة العرب بما فيها اليمن نفسها كعمل استباقي يشل اندفاعتهم وينتزع منهم زمام المبادرة ويميتها في مكانها قبل ان تكون مددا للقاعدة في الاماكن الحيوية والساخنة وقبل ان تتكالب خلاياها متغلغلة في كل خلجان واودية وجبال الجزيرة العربية ونطاقها البحري الذي يشرف على واحد من اهم الممرات الدولية في العالم خليج عدن وباب المندب الذي لو تمكنت منه القاعدة بتشابك اذرعتها عبر الصومال وجيبوتي واليمن والسودان فانها ستقطع اوصال المواصلات العالمية وتجعل من البحر الاحمر بحرا ميتا ينشز قناة السويس وميناء ايلات الاسرائيلي والعقبة الاردني ويجعل الطريق معبدا لتغلغل القاعدة والتفافها على مصر والاردن وغزة واسرائيل، وسيجعل النفط بضاعة غير قابلة للتصدير!
  الادارة الاميركية ومن خلفها البريطانية لا تريدان تمدد الطرق السالكة وتواصلها لسير قوافل عناصر القاعدة العابرة اليها برا اوبحرا او جوا، لذلك فهما يجدان باليمن هدف قاعدي مثالي لتحكمه جغرافيا بمفاتيح مهمة تربط جنوب غرب اسيا بشرق وشمال افريقيا وخاصة مناطقة القرن الافريقي علاوة على متاخمته وقربه من دول تحتوي على اكبر احتياطي لمخزون الطاقة العالمي ـ السعودية ودول الخليج والعراق وايران ـ انهما سيعملان على تقطيع هذه الطرق والمسالك وضربها بالصميم من خلال تطويق وضرب قواعدها الصاحية والنائمة في اليمن وقطع سبل القاعدة في الوصول الى اهدافها في اميركا واوروبا وافغانستان والعراق، ليموتوا فيه قبل توجههم اليها!
  الفرصة مازالت سانحة للمصالحة الوطنية بدوافع المصالح العليا لليمن وشعبه، واصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاداري فيه اكثر الحاحا الان من اي وقت مضى، فالمخاطر الداخلية والخارجية تحدق باليمن ارضا وشعبا، ودخول اميركا المباشر على الخط سيكون كافيا لتوقع ما لا يحمد عقباه، ان حصانة النظام بشعبه والتفافه حوله وبشيوع المشتركات بينه وبين قواه الحية على اسس من الانفتاح الديمقراطي والتعددي الحقيقي وهذا وحده سيكون الضمانة الاكيدة لبقاء اليمن موحدا عزيزا مستقرا وقابلا للحياة، فهل يستثمر النظام ورئيسه الفرصة قبل فوات الاوان؟ سننتظر ونرى.
 

ميدل ايست اونلاين