رغم وصول مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن الى منتهاه، إلا ان القول ان البلد قد عبرت النفق المظلم نوع من الافراط بالتفاؤل.
فالمتأمل للوضع هناك يجد ان التحضيرات للحوار والحرب جرت بالتزامن وخاصة في مناطق شمال الشمال التي اشتعلت جذوة المواجهات الطائفية المسلحة فيها بصورة لم يشهدها اليمن طيلة تاريخه السياسي الحديث. كما ان الوضع في الجنوب يسير من سيئ الى أسوأ رغم محاولات السلطة معالجة الكثير من القضايا والمظالم عبر سلسلة طويلة من القرارات الجمهورية التي صدرت خلال الفترة القليلة الماضية سواء فيما يتعلق بتعيينات رفيعة في السلكين العسكري والمدني من ابناء الجنوب او تشكيل صندوق التعويض والأعمار وكذا لجان اعادة المسرحين والأراضي المنهوبة وكلها متعلقة بأبناء المحافظات الجنوبية.
ولعل اكثر ما يبعث على التشاؤم ازاء مستقبل اليمن هو اغفال الجانب الاقتصادي في حوار اليمنيين والتركيز على البعد السياسي، مع ادراك الجميع ان جذور كافة مشكلات اليمن وأزماته تعود للاقتصاد المترنح للدولة. وما يزيد الوضع سوءا هو الاستهداف المستمر لانابيب تصدير النفط في اكثر من محافظة يمنية بما في ذلك محافظة حضرموت - شرقي اليمن - التي لم تعرف على الاطلاق تفجير لخط انابيب النفط عدا الاسابيع القليلة المنصرمة الامر الذي كبد حزينة الدولة مليارات الدولارات هي في امس الحاجة اليها.
ان التوجه نحو الدولة الاتحادية دون دراسة شاملة لتبعاتها مشكلة اخرى ستضاف الى قائمة الازمات في اليمن، وسواء استقر الجميع على ستة اقاليم او اربعة او حتى اقليمين فان المشكلة الحقيقة لم تكن في شكل الدولة بقدر ما كانت في ممارسة نظام الحكم الفردي طيلة ثلاثة عقود مضت. هنا ايضا لم يتم وضع العامل الاقتصادي بالحسبان، اذ كيف لدولة فقيرة ومحدودة الموارد ان تغطي تكاليف الاقاليم التي ستعمل بكل تأكيد على تضخيم وترهل الكادر الاداري في البلد الامر الذي سيتطلب عدد هائل من الوظائف الجديدة والمناصب المستحدثة في هذه الأقاليم وهو ما لا قدرة لموازنة الدولة على تحمله وهي المثقلة بأكثر من 7 مليارات دولار كدين خارجي ولا يتعدى الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة للبلد 5.5 مليار دولار هي في تناقص مستمر.
وأمام مثل هذه الاوضاع الاكثر من متردية اتت ما اتفق على تسميتها وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية التي بالغ الاعلام الرسمي وبعض القوى السياسية في تمجيدها كما لو انها الفانوس السحري الذي سيحل كافة مشكلات اليمن، بينما المتأمل في مضامينها يجد بين السطور وثيقة لتعميق الازمات سواء في الجنوب او اليمن عامة، الامر الذي يدفع البعض للتساؤل: هل كان هناك من بين اعضاء مؤتمر الحوار الوطني من يمثل اليمن؟!