Home Articles Dialogues د.ياسين سعيد نعمان: مطلوب تسوية تاريخية بلا استئثار
د.ياسين سعيد نعمان: مطلوب تسوية تاريخية بلا استئثار
الوحدوي نت - متابعات
الوحدوي نت - متابعات

قال الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني د . ياسين سعيد نعمان إن الحوار مع المؤتمر الشعبي العام الحاكم ,وصل في الوقت الحاضرإلى طريق مسدود لسبب التعامل مع سلطة لا يهمها الحوار إلا لسبب واحد، وهو إعادة إنتاج نفسها.
وقال الدكتور ياسين في حوار اجرته معه الخليج الاماراتية انه لكي يكون هناك حوار مع المعارضة والأحزاب السياسية المختلفة لابد أن تتحقق من خلال هذا الحوار “أجندة” السلطة في العمل السياسي وفي تحقيق الأهداف السياسية التي تريدها، وإلا فإنها تتوقف عن الحوار .  د. ياسين سعيد نعمان - الوحدوي نتواضاف أن المشترك "متمسك بتنقية الأجواء السياسية ووقف حملات العنف والحملات العسكرية ووقف مطاردة الناشطين السياسيين والاعتقالات ووقف المحاكمات وإخراج المعت

قلين السياسيين من السجون، بالإضافة إلى ما تتعرض له الصحف من حملات توقيف، فصحيفة “الأيام” موقوفة منذ شهرين . . فماذا يعني ذلك، وماذا يعني الحوار في ظل هذه الأجواء" واوضح أن الذي يحدث في الجنوب هو حراكا سياسيا واجتماعيا سلميا يبحث عن مكانة الجنوب في هذه المعادلة السياسية الكبرى، هذه المكانة الذي يرى مواطنو وأبناء الجنوب أنها همشت أو ضربت في حرب ،94 واليوم يبحث عنها الناس بصورة سلمية وديمقراطية، لكن يبدو ان هناك في السلطة من يريد ألا تبقى المسألة في إطارها السلمي الديمقراطي .
حول قضايا عديده وهامة تحدث عنها ياسين سعيد نعمان في الحوار التالي :
* كيف تقرأ المشهد السياسي والاجتماعي القائم اليوم؟

من الواضح أن المشهد السياسي في البلد يتعقد يوماً بعد يوم، ولدينا في اللجنة التح ضيرية للحوار الوطني تشخيص للازمة الوطنية بشكل عام بما فيها المشهد السياسي الذي يعبر عن جوهر هذه الأزمة، وهذه الرؤية سوف تعلن خلال الأيام القادمة، وفيها تشخيص كامل للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوطني بشكل عام .

* لكن ماذا عن الحوارات الجانبية التي تدور بينكم وبين الحزب الحاكم في ظل وجود اتهامات متبادلة بين الطرفين؟
في الوقت الحاضر وصل الحوار إلى طريق مسدود لسبب لأننا نتعامل مع سلطة لا يهمها الحوار إلا لسبب واحد، وهو إعادة إنتاج نفسها، بمعنى انه لكي يكون هناك حوار مع المعارضة والأحزاب السياسية المختلفة لابد أن تتحقق من خلال هذا الحوار “أجندة” السلطة في العمل السياسي وفي تحقيق الأهداف السياسية التي تريدها، وإلا فإنها تتوقف عن الحوار .
وقد جربنا هذا مع السلطة في مراحل سابقة، حيث كنا نصل إلى تسويات سياسية وفي ظروف كانت تتطلب من الجميع الوصول إلى هذه التسويات، لكن غالباً ما كانت تتجه السلطة بهذه التسويات إلى إنتاج مجموعة من التعقيدات في الحياة السياسية والمزيد من الظروف التي يتضح لاحقا ان النظام السياسي قد أصبح يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات الجوهرية .
آخر حوار سياسي مع الحزب الحاكم كان في انتخابات 2006 ووصلنا فيه إلى تسوية سياسية ودخلنا بموجبها الانتخابات الرئاسية حيث خاض اللقاء المشترك بمرشح، وبعد الانتخابات مباشرةً جرى العمل على توجيه الحياة السياسية بشكل عام في مجرى آخر عندما اكتشفت السلطة ان هناك مطالب شعبية حقيقية بالتغيير السياسي والإصلاحات الجذرية في الحياة السياسية .
وعندما طرحت قضية الحوار بعد الانتخابات، وكان ذلك في عام ،2007 كانت هناك جملة من القضايا السياسية المرتبطة بإصلاح جذري في النظام السياسي، عندما شعرت السلطة حينها أننا دخلنا بهذه الموضوعات واتجهنا بها إلى جذر المشكلة السياسية، حينها توقفت عن الحوار، وأرادت ان تعيدنا إلى نقاشات عامة ليست لها علاقة بالمشكلة السياسية في البلاد، لذلك توقفنا عن الحوار ولم نواصله، وقلنا إذا أردنا فعلا ان نخوض حواراً سياسياً حقيقياً علينا ان نتجه نحو المشكلات الرئيسية التي تواجه البلد .

ومنذ ذلك التاريخ دخلنا في حوارات طويلة، ولدينا رؤية مفادها أن الحوارات السياسية يجب ان تفضي إلى حل المشكلات الرئيسية في البلد ولو على مراحل، لكن السلطة تعبث بالحوار وتريد ان تستخدمه فقط كمظلة إعلامية والقول إنها تحاور المعارضة وهذا ما نرفضه .
عندما وقعنا اتفاق فبراير/ شباط 2009 بتأجيل الانتخابات لمدة عامين اتفقنا على ثلاث قضايا رئيسية: أهمها تنقية الأجواء السياسية والأمنية بحيث تمهد لمرحلة سياسية جديدة تضمن مشاركة كل القوى السياسية في الحوار الوطني لا سيما أن البلد يعاني من أكثر من مشكلة، وأن نناقش موضوع تطوير النظام السياسي وان تكون كل القضايا موجودة على الطاولة وان نبحث في ما بعد بما يتعلق بموضوع إصلاح النظام الانتخابي كمرحلة لاحقة بما فيها القائمة النسبية .
هذه القضايا كنا قد اتفقنا عليها وكانت قد شكلت أساساً جديداً لحوار وطني جديد، لكن الذي جرى انه بعدما وقعنا هذه الاتفاقية بدأت السلطة بالحملات العسكرية على الجنوب مباشرة، وخلقت وضعاً متأزماً في مناطق مختلفة من اليمن، فصارت هناك مواجهات في صعدة واعتقالات للقوى والناشطين السياسيين وقوى الحراك في الجنوب ومحاكمات هنا وهناك، وبالتالي أنتجت وضعاً لا يمكن ان يتسم بأنه وضع مناسب لإجراء أي حوار سياسي، وتوقفنا عند هذه النقاط التي ما زالت السلطة ترفضها حتى اليوم .

* ما رؤيتكم كمعارضة للحل خاصة مع توقف الحوار مع السلطة، ما المطلوب إذاً لتهيئة الأجواء لإجراء الحوار؟
الاتصالات مع الحزب الحاكم لا تزال قائمة إما عن طريق الرسائل أو بأشكال مختلفة، وتتركز في البحث عن الوسيلة الملائمة لتنفيذ اتفاق فبراير ،2009 لكن لا ندري لماذا يريد الإخوة في المؤتمر الشعبي العام جر الجميع إلى حوار خارج هذه النقطة، إذا كانوا يعتقدون أنهم قد أخطأوا عندما وقعوا معنا هذا الاتفاق فيما يخص النقطة التي وردت فيه فإنه في هذه الحالة لا يوجد داع للعبث بالقوى السياسية والتلويح بان هناك برنامجاً زمنياً للانتخابات، وكأن “المشترك” هو الذي يعترض على الحوار .
"المشترك" متمسك بالتفاصيل بدءاً من تنفيذ تنقية الأجواء السياسية ووقف حملات العنف والحملات العسكرية ووقف مطاردة الناشطين السياسيين والاعتقالات ووقف المحاكمات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون، بالإضافة إلى ما تتعرض له الصحف من حملات توقيف، فصحيفة “الأيام” موقوفة منذ شهرين . . فماذا يعني ذلك، وماذا يعني الحوار في ظل هذه الأجواء؟
إذا كانت لدى السلطة الرغبة فعلا في إيصال الحوار السياسي إلى أهدافه الحقيقية فالمعارضة أكثر القوى حرصا على الحوار السياسي، وليس لدينا من أدوات في نضالنا السلمي الديمقراطي إلا الحوار السياسي، وحتى في عملية الصراع فإنه عندما يتصارع الناس لابد ان يعودوا بعد ذلك إلى طاولة الحوار، إذن، لماذا نتصارع ونحن نعرف أننا لابد أن نعود إلى طاولة الحوار؟ دعونا نتحاور، وهذا ما ندعو إليه دائماً .
* في اتفاق فبراير هناك قرارات محددة أبرزها مناقشة الاصلاحات الانتخابية، بخاصة أنه تم تأجيل الانتخابات لعامين؟
لا، ليس صحيحاً، أول نقطة في الاتفاق هي قضية تطوير النظام السياسي، وهذه القضية تعد مفتاح الحوار كله، بعد ذلك نأتي للإصلاحات الانتخابية، لأنه كيف سنتحدث عن إصلاح النظام الانتخابي من دون ان نكون قد وصلنا إلى صيغة متفق عليها بشأن تطوير النظام السياسي؟ النظام السياسي لا يعني المؤتمر الشعبي أو المشترك، بل تطوير النظام السياسي للبلد .
من هنا طرحنا أن هذه القضية الكبرى تحتاج فعلا إلى إشراك كافة القوى السياسية والتكتلات الاجتماعية المختلفة، هذه كانت رؤيتنا، بعد ذلك نأتي إلى الشأن الانتخابي باعتباره الخطوة اللاحقة لتطوير النظام السياسي .

* هل تخشون أن يجهض اتفاق فبراير؟
أنا أرجو ألا يعطل الحوار، إلا إذا كان “المؤتمر” يريد ان يتعامل معنا بنفس الطريقة التي ظل يتعامل بها في فترات سابقة، وهي أن نوقع الاتفاق أولا وبعد ذلك يبدأ بفرض شروط الحوار، نحن لن نشارك في هذا، لم تعد أوضاع البلاد تحتمل أية مناورة من هذا النوع .

إذا لم تؤخذ الأوضاع التي يعيشها البلد بجدية كاملة ومسؤولية وطنية من قبل الجميع وفي المقدمة المؤتمر الشعبي العام لمعالجة أوضاع البلد والخروج برؤية حقيقية فنحن على الأقل في الحزب الاشتراكي لن نشارك في أية عملية فيها مناورة لتعطيل الإصلاحات الجذرية، وأنا واثق كل الثقة ان شركاءنا في اللقاء المشترك لديهم أيضاً نفس الموقف وكذا القوى السياسية الأخرى المشاركة معنا في الحوار .

* لماذا تتهم المعارضة دائما بأنها جزء من الأزمة الحالية من خلال مطالبتها بوقف أعمال العنف وإطلاق سراح المعتقلين الذين تم اعتقالهم في أعمال الشغب وغيرها؟
المعارضة دائماً متهمة، هل تريدهم أن يقولوا إن المعارضة ملائكة؟ حال السلطة هكذا، دائماً ما تبحث عن غريم . . برأي السلطة، المعارضة هي الجناح السياسي للحوثي، وهي الجناح المؤيد للانفصاليين .
عملنا الأساس كمعارضة هو منع الاعتقالات السياسية ومقاومتها والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أياً كانوا، فما بالك أنهم منا؟، مهمتنا ان نطالب بوقف العمليات العسكرية وإعادة الحياة السياسية إلى وضعها الطبيعي، مهمتنا ان نطالب بحرية الصحافة وأن نستنكر ما حدث لجريدة “الأيام” من ظلم، هذا كله من مهامنا كمعارضة، فهل نتخلى عنها كوننا معارضة؟، لكن في نفس الوقت إذاً هناك أشياء إيجابية تستحق منا ان نشجعها فلنشجعها .

* هناك أزمة كبيرة تدور في المناطق الجنوبية من البلاد، فماذا يحدث هناك برأيكم وما تقييمكم للأحداث التي تشهدها هذه المناطق؟
الذي يحدث في الجنوب ان هناك حراكا سياسيا واجتماعيا سلميا يبحث عن مكانة الجنوب في هذه المعادلة السياسية الكبرى، هذه المكانة الذي يرى مواطنو وأبناء الجنوب أنها همشت أو ضربت في حرب ،94 واليوم يبحث عنها الناس بصورة سلمية وديمقراطية، لكن يبدو ان هناك في السلطة من يريد ألا تبقى المسألة في إطارها السلمي الديمقراطي .
ما يحدث في الجنوب اليوم هو من الخطورة بمكان، ويجب ألا ينظر إلى هذه الأزمة باعتبارها جزءاً من المشكلة، بل يجب ان ينظر إليها باعتبارها المشكلة كلها، وأنا لست مع الذين يقولون ان ما يحصل في الجنوب هو حاصل في كل أجزاء اليمن لتبرير ضرب الحراك أو إخراسه، هذا موضوع آخر، لأن ما هو حاصل في الجنوب هو لحظة تاريخية استطاع مواطنو الجنوب ان يلتقطوها بحرص وطني شديد ويقولوا لليمنيين كلهم إن اليمن في خطر، وكنا نتمنى ان يكون هذا الالتقاط في اليمن عامة .

لذلك علينا ألا نداهم الناس باتهامات كتلك التي توجه إليهم اليوم، لقد أنتج الشارع معادلاته السياسية المختلفة، وعلى الجميع ان يتواجد بمشاريع سياسية ووطنية، الذي حاصل ان السلطة لم تستطع التواجد بأي مشروع سياسي، بل تواجدت بالقوة في مواجهات مطالب سياسية وحقوقية مشروعة، و”المشترك” في تقديري الشخصي تأخر في طرح مشروعه الوطني، لذلك في اعتقادي علينا ان نتجه إلى تحليل ما يحدث في الجنوب بحرص شديد، وبفهم ان المكونات الرئيسة التي أنشأت هذا الوضع هي تهميش مكانة الجنوب في المعادلة السياسية الوطنية وبالذات الدولة، الظلم الذي لحق بالناس من بعد حرب ،94 العبث الذي مورس من قبل أجهزة السلطة بمصائر وقضايا الناس وعدم شعور الناس بضمان مستقبل آمن بسبب غياب الدولة، لذلك بدأ الناس يبحثون عن هويات .
الخطورة في الأمر ان هذا الجنوب الذي عبر عن هذه القضية، وأقصد القضية الجنوبية هو مشروع سياسي وطني تاريخياً ولا يمكن ان يكون مشروعاً عصبوياً كما اقول دائما، لكنني أخشى من ان استمرار مواجهة هذا الحراك السلمي والاجتماعي بالقوة سيوجه الجنوب نحو المشروع العصبوي الذي نخشى منه .
نحن في الحزب الاشتراكي ومع الإخوة في المشترك تحدثنا أكثر من مرة ولدينا مشروع في إطار رؤيتنا لحل الأزمة بشكل عام، وهو كيف نتعامل مع الوضع، وأرجو فعلا ان تتكاثف في هذه الحالة كل جهود اليمنيين من خلال التعاطي مع هذا الوضع بطريقة مختلفة عن المزاج الذي يجري توليده اليوم تجاه الحراك الجنوبي .
الحراك الجنوبي إما أن يتجه نحو إبقاء الجنوب في صيغته التاريخية كمشروع وطني أو ان يتجه بالقضية نحو مكان آخر، وهذا يتوقف على جملة من الموضوعات التي تحدثنا عنها في فترة سابقة وسنظل نتحدث عنها في المستقبل .
* هناك أكثر من قوة في الساحة الجنوبية اليوم، انتم تتمسكون بالوحدة مشروطة بالإصلاحات وهناك من يدعو صراحة إلى الانفصال ومنهم الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي علي سالم البيض .
لا أحب ان أتحدث عن أفراد، بل عن السياسات وعن المشاكل، اليمن مر بثلاث تجارب: الأولى هي التشطير وعشناها لفترة طويلة من الزمن ولو ان تجربة التشطير كانت ناجحة ما كنا دخلنا في الوحدة، يعني كل واحد كان ظل في مكانه، الشيء الوحيد الذي شهدناه وكان ممتازاً ان هذه المرحلة أنتجت مشروعاً وحدوياً، أي حافظت على هوية الشعب اليمني وصلاته وتقاربه إلى أن سمحت الظروف الداخلية في تحقيق الوحدة .
التجربة الثانية: يوم دخلنا في وحدة اندماجية أردنا من خلالها على الأقل أن نحقق ما لم نحققه أثناء التشطير، لكن للأسف أوصلتنا إلى الحرب، والتجربة الثالثة هي لما بعد الحرب، أي جاءت وحدة القوة والعسكرة المعمدة بالدم، فإلى أين أوصلتنا؟ أوصلتنا إلى هذه الانقسامات الاجتماعية الخطيرة وإنتاج إعادة الثقافة بالهويات .
علينا ان نعترف ان التجارب الثلاث التي عشناها كلها فشلت، فهل الذي يدعو للتشطير يستطيع ان يقول لي ان التشطير كان أفضل، وهل الذي ينادي بالوحدة الاندماجية يستطع ان يقدم لي دليلاً أو برهاناً على أنها كانت أفضل، وهل الذي يتمسك بوحدة القوة يقدر أن يقول لي ان كل شيء سمن على عسل؟
يبقى على اليمنيين في هذه الحالة ان يبحثوا عن تسوية تاريخية جديدة، تسوية يجد اليمنيون أنفسهم كلهم شركاء فيها، يعني بناء دولة شراكة وطنية حقيقية، يجد كل يمني فيها قوته وألا يستأثر بها مركز أو قبيلة، لا يستأثر فيها شمال أو جنوب، شرق أو غرب، وأنا أتساءل: هل عجز العقل اليمني ان ينتج هذه المعادلة؟
هناك تجارب ناجحة أنتجها العقل العربي في بلد مثل الإمارات العربية المتحدة، والعقل اليمني عليه أن يفتش عن الحل بعيداً عن المصالح الضيقة التي أوصلت البلد إلى أزمة.
أعتقد ان هذا العقل يصطدم بضخامة المصالح غير المشروعة التي أنتجتها هذه المرحلة والتي بقيت عائقاً أمام كل محاولة لإنتاج هذه التسوية، لكن هذه التسوية في تقديري الشخصي ستفرض نفسها، شاءت هذه المصالح أم لم تشأ، لان السيل دائما يشق مجراه وينتهي إلى حيث يجب أن ينتهي .
لذلك فإن الأوضاع التي نعيشها اليوم تنبهنا إلى أهمية ان نفكر بهذه التسوية الجديدة التي نستدل منها على فشل التجارب السابقة بتجربة تأخذ من كل هذه التجارب ما هو مفيد ونبتعد عن كل ما هو سيئ .
* في ظل هذه التسوية، كيف نفهم مستقبل اليمن، هل بالفدرالية التي بدأ البعض ينادي بها كخيار وحيد للإبقاء على وحدة البلد؟
أعتقد أن الدولة البسيطة لم تعد قادرة على أن تنتج أي شكل من أشكال المشاركة الوطنية الواسعة لكل أبناء اليمن، هي دائما تتجه نحو المركزية الجامدة، والمركزية فشلت في ان تنتج الشراكة حتى الذين يريدون ان يركبوا الحكم المحلي كامل الصلاحيات أو واسع الصلاحيات على الدولة البسيطة غير ممكن، هذا في تقديري الشخصي تلفيق سياسي، الدولة البسيطة تنتج تفويضات مالية وإدارية فقط ولا تنتج صلاحيات أصيلة للمناطق المختلفة في اليمن، الذي ينتج هذه الصلاحيات الأصيلة هو الدولة المركبة وفقا لاختيارات الناس .
* هل أنتم مع فيدرالية تقسم اليمن إلى شطرين، أم إلى أكثر من إقليم؟
هذا الموضوع نتركه لحوار الناس في كيف يمكن أن يتحقق، بمعنى أن تنزل بمشروع فيه خيارات تأخذ الناس بأفضله، أي أن الأمر متروك لخيارات الشعب، أنا شخصياً أقول إن الدولة البسيطة لم تعد صالحة بالمرة في ظروف اليمن، وحاجته إلى التنوع والحكم الديمقراطي الرشيد وتحقيق التنمية المتوازنة .
* هل الحزب الاشتراكي مع خيار البقاء على الوحدة، أم ماذا؟
نعم مع خيار الوحدة، الخيار الأساس بالنسبة للحزب الاشتراكي هو ان يكون مشروعه الإجماع، سواء كان مع اللقاء المشترك أو مع لجنة الحوار الوطني أو مع القوى السياسية الأخرى، ورؤيته طبعا يناقشها في هذا الإطار ولا يريد ان يتميز برؤية مستقلة .
الحزب الاشتراكي كان ينبه منذ وقت مبك ر إلى الأوضاع الخطيرة في الجنوب، خاصة بعد الحرب، وكانت له مبادرات لإجراء المصالحة الوطنية الشاملة، وكان يتحدث عن دولة الشراكة الوطنية لكن من دون ان تكون له رؤية كيف تكون هذه الدولة، غير أنني أريد إعادة الحديث عما قبل الحرب ولماذا اختلفنا، لقد اختلفنا عندما بدأ الحزب الاشتراكي يومها يتحدث عن دولة شراكة وطنية يكون الجنوب طرفاً رئيساً فيها، وهنا بدأت المشكلة في رفض أي حديث اسمه “دولة شراكة وطنية”، يومها طرح موضوع دمج الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام، وقد رفض هذا الدمج، لأنه كان واضحاً ان هذا الدمج هو استكمال هيكلية للدولة المركزية البسيطة والذي في المقابل لا يسمح بالحديث عن دولة الشراكة التي يكون الجنوب طرفاً فيها .
الحزب الاشتراكي لم يكن يريد ان يتحدث عن شراكة سلطة لان الإخوة في صنعاء كانوا يريدون ان يكون الحزب الاشتراكي شريك سلطة، لكن عند هذه النقطة في عام 92 رفض ان يكون شريك سلطة، وقال نحن حملنا دولة الجنوب وعلى الجنوب ان يكون شريكاً في هذه الدولة وليس الحزب الاشتراكي، ومن هنا بدأت الأزمة وتداعياتها ووصلنا إلى ما وصلنا إليه ؛ فهل يتخلى الحزب الاشتراكي اليوم عن هذا؟
في اعتقادي ان المرحلة التي مر بها البلد بعد حرب 94 أكدت منطقية حديث الحزب الاشتراكي ومطالبه، وإلا كانت الظروف استقرت واستقرت البلاد كلها، لذلك علينا اليوم أن نبحث في جوهر المشكلة .
* أين نجد الحزب الاشتراكي مما يحدث في الجنوب اليوم؟
الحزب الاشتراكي موجود في الحراك، كما هو موجود في الحياة السياسية . هناك من القيادات التي تنتمي للحزب الاشتراكي لديها مشروع آخر، ونحن نعرف ذلك، لكن قواعد الحزب الاشتراكي وقياداته متمسكة بقضية الجنوب وحلها في إطارها الوطني، ولكنها تنتظر ما هو هذا الحل الوطني، لذلك نشعر في قيادات الحزب الاشتراكي أننا مطالبون أكثر من غيرنا بالإسراع بهذا المشروع، مع ذلك لا نريد ان نخرج بمشروع وحدنا من دون شركائنا في اللقاء المشترك والحوار الوطني .
قد نسمع أفكاراً هنا أو هناك من بعض القيادات في الحزب، وهذه أفكار نحترمها بالطبع، لأننا نحترم التنوع، لكننا لم نتقدم برؤية معينة لكي نفرز، مع ذلك ففي موضوع الانفصال أو فك الارتباط نحن قلنا ان هذه التجارب فشلت ولسنا على استعداد إلى العودة إليها من جديد .
* هل يعني هذا أنكم ترفضون مشروع علي سالم البيض الداعي لفك الارتباط بين دولتي الشمال والجنوب؟
نحن لا نتحدث عن أفراد، بل عن مشاريع، من حق كل إنسان ان يقول ما يريد، أنا أتحدث عن مشروعي السياسي . لقد قلت إن التجارب الثلاث التي مررنا بها لا يمكن ان نعود إليها من جديد، والآن نحن في تجربة، وهي تجربة الوحدة بالقوة نعمل باتجاه تصحيحها وإصلاحها، لذلك فإن هذه التجارب الثلاث ليست مشروعنا ولن تكون، وأعتقد أن الدورة الانتخابية التي عاشها الحزب خلال الأيام الماضية في إطار التحضير للمؤتمر العام السادس للحزب، الذي سيعقد خلال الأشهر القادمة أثبتت ان لدينا حزباً قوياً بكل المقاييس، ليس قوياً بمفهوم العضلات، بل قوي بتمسكه بفكرته الوطنية وبأفكاره الاستراتيجية، كما أنه قوي في ظل وجوده في ساحة النضال السياسي مع شركائه الآخرين .
* هل تتخوفون من تدويل أزمة اليمن مستقبلا أو أن يتحول الجنوب إلى دارفور أخرى؟
إذا لم نتجه نحن اليمنيين، وهذا رأيي، لحل مشاكلنا بأنفسنا ونستشعر الخطر ويتنازل أصحاب المصالح الكبرى من هذا البرج العالي الذي هم فيه ويتنادون إلى كلمة سواء، فلا شك أن الخارج سيتدخل، وهنا تكمن المشكلة، وهي تدل على فشل العقل اليمني في إيجاد تسوية حقيقية لمستقبل البل، على السلطة أن تعترف بمصالح القوى الأخرى، وأن تنبذ سياسة تهميش الآخرين، عليها ان تنزل من هذا البرج العالي والمتغطرس الذي يضع الناس فقط في أدنى الدرجات، والذي تطلب منا فيه ان نوافق على سياساتها الخاسر، وهذا لن يؤدي إلى حل حقيقي للأوضاع في البلد، لذلك تتحمل السلطة مسؤولية كل ما يحصل في البلد، وما ينتج عنه من تدخلات خارجية أو أي شيء آخر مجهول.
المحيط العربي تنادى مشكوراً في محطات مختلفة لمساعدة اليمن الشقيق، لكن على اليمن اليوم أن يساعد نفسه أولاً، وسيكون ذلك مؤشراً واقعياً وجاداً لأن تصبح مساعدة المحيط قوة إضافية تؤدي دورها الأخوي في ذات الاتجاه الذي قرره اليمنيون أنفسهم لمصلحة يمن موحد ومستقر ومزدهر لكل أبنائه.